عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 11-03-2007, 05:28 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,158
افتراضي

(غازي اسحق يونان) شاب مسالمٌ وديع و محبوب, تشرّب محبّة الناس من تعاليم أبيه السماوي الصافية و غذى روحه من نقاء الفكر الذي فرض احترامه على كلّ مَن عرفه, حيث فرض احترامه بهدوئه ودماثة طبعه ونبل أخلاقه. أراد غازي الشاب الطموح أن يسهم في بناء الحياة الشريفة والطيّبة فأنشأ لبنة منها تمثّلتْ في أسرته البسيطة والطيّبة المؤلّقة من زوجة ذهبت ضحية أيد آثمة و خمس بنات نقيّات كقطر الندى أحببن الحياة بجمالها وشئن أن يسهمن في إضفاء المزيد من البهاء على وجه هذه الحياة إلا أن يد القدر شاءت لبراءتهن وحياتهن منحى آخر فكان طريقاً إلى الشقاء والحزن واللوعة والحرمان والتيتّم. كان حلم زميلنا الأستاذ (غازي يونان) كغيره من الشباب اللامع والمتوقّد بفكر التسامح والمحبة والانفتاح أن يرزقه الرب بابن يعوّضه عن شعور الحرمان الذي طالما رافقه وحيث كان هو الآخر وحيدا لوالده العم (اسحق يونان) لكنه وعلى الرغم من عدم تحقق رغبته غير أنّه ظلّ مؤمنا بمشيئة الرب وقبل بإرادته واحترم ذلك وشاء أن يعوّض كل حرمان شعر به في حياته بأن صبّ قصارى جهده على تعليم وتربية بناته التربية المسيحيّة العفيفة والمسالمة والسمحة فكن مثلا يحتذى بهن في الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة ولا غرو في ذلك فالأستاذ المربّي لهن كان الوالد الجليل والمحب والخلوق والواعي المغفور له الأستاذ (غازي يونان). كان المغدور به مدرساً (معلما) مجدا مكافحا ونشيطاً على الدوام ليحقق طموح بناء الأسرة السعيدة والهانئة بلقمة العيش والحياة الحرّة الكريمة مثل باقي أسرنا المسيحية الكريمة والجليلة في محيط الجزيرة السورية وخاصة في بلدات وقرى محافظة الحسكة. كان يقوم بعمل دؤوب ليؤمّن عيش أبنائه كما أسلفنا ولم يكن له من هدف سوى أن ينعم أفراد اسرته بالطمأنية والراحة والعيش الكريم, غير أن يد اللؤم والخسّة والجبن والجريمة قلبت جميع المعايير وخلخلت كلّ الموازين لتنطلق رصاصات الهمجية والبربريّة لتستقر في أنحاء كثيرة من جسده الطاهر وهو خارج من المغسلة يقصد بيته لتكون كافية بأن تقضي على آخر دقات من دفق قلبه الحنون وتنهي مسيرة حياة بلغت 45 عاما فهو من مواليد 1962 بلحظة غادرة لئيمة وغير إنسانيّة. وعلى الرّغم من محاولات الاستماتة من قبل منقذيه الذين أخذوه إلى المشفى لتتم معالجته إلا أن يد الموت كانت الأسرع لتترك عائلته ومحبّيه وكل الذي عرفوه بهذه الإنسانية والطيبة على صدمة هائلة لم يصدقها أحد! هل يعقل هذا؟ هل يمكن فعل هذا في بداية القرن الواحد والعشرين والعالم يتحضّر ويأخذ بأسباب العلم والمعرفة لتعود فتنتصر من جديد شريعة الغاب وتعود ثورة الانتقام وغباء الأخذ بالثأر ينطق بحكمه الجائر هذا وعلى هذه الشاكلة الفظيعة من المهانة الانسانية وهذا الاحتقار لروح الله التي تسكن فينا؟ لا يمكن أن تصدق هنا مقولة أن الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون. لأن العمّ اسحق (أمدّ الله في عمره) وحينما اتّهم ظلماً بأنه كان المتسبب في مقتل العربي الشرابي من قرية (?م?يلك) والتي تسمّى بالمرج الأخضر التابعة لديريك بسبب خلافات على الآراضي وحيث أنه كان محقا يومها في الدفاع عن أرضه فالأرض هي العرض والتعدي والظلم لا يقبله رب في السماء ولا شريعة أو قانون على الأرض قرّر أن ينهي الموضوع في وقت من الأوقات. كان ذلك منذ حوالي الخمسين سنة مضت أي في حدود عام 1958 وحيث لم يكن اسحق يونان قد تزوّج بعد. أجل مضت الخمسون سنة ونيران الحقد تغلي في عروق وشرايين هؤلاء القتلة جيلا بعد جيل وكأنها مهمة متوارثة وليته كان توارثاً لفكر إنساني أو لعادة حميدة يمكن أن يقال أنها مقبولة. بعد مقتل هذا العربي الشرابي بحوالي 30 سنة دعا المرحوم حنا لحدو صاري وهو ابن حمي (اسحق والد غازي) قائلا لا يجوز أن يظلّ الوضع هكذا بينكما دون حلّ إذ يلزم أن نسعى إلى وفاق وتوافق يرضي أهل القتيل وينهي المشكل فقد يقومون بالغدر بك أو بابنك الوحيد انتقاماً وهذا كما هو معروف السائد لدى العرب بل من شيمهم وهي شيم ليست بمحمودة بل بمذمومة وكريهة فهل نحن نعيد عصور حرب تغلب والبسوس؟ هل نعيش في عصر الجاهلية أو في بدايات عصر الإسلام الأولى حيث السبي والقتل والتعديات بسبب أو بدون سبب؟ اقتنع العمّ (اسحق يونان) بما قاله له ابن حميه أبو صديقينا الدكتور جورج والياس فقال سأعمل بما تراه صحيحا وفعلا بدأت المساعي الجادّة وتمّ التقريب بين وجهات النظر والاتفاق على أن يتمّ دفع فدية لأهل القتيل الشرابي وتنتهي الأزمة ويعود السلام وتختفي بل تنتهي دواعي الانتقام والأخذ بالثأر في المستقبل, ومن المعروف أن زعماء عشائر عدة من العرب قامت بهذا المسعى وكانت شاهدا على هذا الاتفاق وباركت الجهود الخيّرة لإنهاء الأزمة على هذا النحو فماذا سيكون موقفها وما سيؤول إليه شرفها بعد الذي حصل وتمّ مخالفة الاتفاق وبعد كل هذه المدة؟ وكانت الفدية في تلك الأيام كأعلى حد لها تتراوح ما بين الخمسين والستّين ألف ليرة سورية ولم يبخل العم (اسحق يونان) فقدّم ضعف ذلك المبلغ والذي وصل إلى 120 ألف ليرة سورية وظنّ أنه بهذا العمل يكون قد سيكسب حياته وحياة ابنه أو أيّ أحد من أفراد أسرته يمكن أن يذهب ضحيّة انتقام ما قد يحصل مستقبلا من قبل أهل القتيل فارتاح ضميره لما فعله من إخماد فتيل النار التي يمكن أن تنشب في أيّة لحظة وحسب أنه بهذا العمل الإنساني قد يوفّر لإبنه الوحيد الأمان والضمان وهو الأستاذ (غازي اسحق يونان) الذي غدر به اليوم بعد انقضاء كل هذه المدة! صارت المصالحة وقبلت جميع الأطراف وانتهت الأزمة ولم يعد من مبرر لفكرة انتقام أو الأخذ بالثأر في المستقبل بين أبناء أيّ من الطرفين. كانت طلقات الغدر التي حملت كافة أنواع الحقد والكراهية والرغبة البشعة في الانتقام وصلت إلى ست رصاصات لكي يكون في واحدة منها الحكم النهائي بالموت عليه متى أخطأت واحد أو أكثر هدفها ولم تصب المرحوم في مقتل كان الوقت يقارب الساعة السادسة إلا ربع من بعد ظهر البارحة والذي كان يوم السبت وحيث كانت المجموعة التي نفّذت الجريمة تتكوّن من 3 رجال وامرأة كانوا في اليوم السابق لجريمتهم قد ذهبوا وسألوا عن المغدور غازي وعن وضعه العائلي بحجة أنهم يريدون شراء خبز منه وحصلوا على جميع المعلومات التي يحتاجونها لتنفيذ جريمتهم النكراء هذه. واليوم الأحد تمّ دفنه وإتمام عملية التجنيز مودّعا من جموع غفيرة بالبكاء والألم واللوعة والعويل وطلب الرحمة لروحه والصبر للثكالى الذين بقوا من بعده. إنّ أيّ إنسان يملك ذرّة من ضمير مهما كان دينه يهوديّا أم مسيحيا أم مسلما لا يمكن إلا أن يرفض مثل هذا العمل الشنيع ويستنكره بكل قوّة لأن المبرّر (هذا إذا كان من مبرّر) قد أنهي بما تفرضه قوانين العشيرة المريضة ولم يكن أبدا من داع للانتقام لأنه لم يكن قد تبقى من دين في ذمة الرجل العم (اسحق يونان) فهو عمل ما أملاه عليه ضميره عرفا وشرعا وقانوناً وأخلاقاً. لكن أين أصحاب الضمير؟ ثم هنا نطرح سؤالا هاماً جدا في هذه المسألة وهو: هل أراد المنفذون لهذه الجريمة أن يقولوا ليس لغازي وأهل غازي بل لنا جميعا كمسيحيّين (لأننا بكل طوائفنا وشرائحنا أهل لغازي يونان) أيها المسيحيون اعلموا أنّ وجودكم بيننا غير مرغوب فيه. وعليكم إمّا الرحيل وترك كل شيء لنا و إما أن مصيركم لن يكون بأفضل من مصير (غازي اسحق يونان) وتم اختلاق قصة الثأر هذه في محاولة للتغطية على مثل هذه المساعي التي تدور في الخفاء ومن وراء الكواليس لتفرّغ منطقة الشرق الأوسط من مسيحيّيه وهذا ورد قبل حوالي 22 سنة في مقررات أحد مؤتمرات المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في ليبيا بشكل واضح وحرفي حصلت على نسخة منه باللغة الألمانية وهي بحوزتي, فهو وضع من جملة ما وضعه من بنود على لائحة التنفيذ هو العمل على تهجير المسيحيين من الشرق وما يجري في مصر من مضايقات لإخوتنا الأقباط وفي جنوب السودان وما يجري في لبنان من مساعي وجوب وضع المسيحيين في عنق زجاجة لتفريغ لبنان منهم وما يحصل في العراق من هجوم على الكنائس وقتل رجال الدين وتفجير لدور العبادة المسيحية وفي الجزائر من قوانين مشددة بحق الذين يتركون دينهم ويدخلون في دين المسيح وغيرها من البلدان لهو ظاهر للعيان وليس بخاف من أنّ جهات ما تعمل في الخفاء وهي تقف وراء مثل هذه الأعمال لكي لا تترك الأقليات الدينية والقومية تعيش استقرارا أو هدوءاً. إنّي لا أستطيع إلاّ أن أعبّر كإنسان عن سخطي العميق لما حصل من جريمة بشعة لا يمكن إلا أن توصف بالهمجية التي عرف بها العرب المسلمون طيلة تاريخهم المليء بالقتل والدمار والإرهاب وحب الانتقام وهم يحاولون أن يعيدوا الكرّة في عصرنا الحاضر فيتسببوا بمقتل الآلآف من الضحايا والأبرياء. إنه ستكون لهذا العمل تبعات خطيرة ولا يمكن السّكوت عنه بل يجب فضحه واستنكاره علنا وبقوة ودون أي خوف وإلا فسيحصل مع آخرين مثل الذي حصل للمغدور به رحمة الرب عليه الأستاذ (غازي يونان) كلنا غازي وكلّنا قُتلنا وكلّنا مستهدفون فإلى متى السّكوت؟؟؟؟؟ أيها المجرمون أيها الأوباش أيها القتلة أعتقد أنكم لن تمثلوا أمام العدالة وسيتمّ لفلفة الموضوع بحجة أو بأخرى وسيطلق سراح الفاعلين فقد عرفوا جيّدا بل هم سلّموا أنفسهم واعتبروا الأمر ثأراً لشرفهم بعدما قبضوا ثمن مادياً لهذا الشرف فأيّ شرف هو هذا الشّرف الذي يقبل بالمال ثم يخون العهد والاتفاق ليعيد المسألة إلى نقطة بدايتها وكأنها لم تحلّ ولم تنته؟ ولكن ما الذي سيحصل معهم؟ وهل ستتمّ محاكمتهم بما يلزم من تحقيق العدل وهو سيّد الأحكام؟ هذا ما نترقّب ونتأمل معرفته وحصوله علما أننا نستطيع التشكيك بنزاهة بعض القوانين السائدة فهي جائرة وظالمة وغيرعادلة ومفرّغة من مضمونها القانوني والأخلاقي فهي تخدم فئة معينة من الناس وتقاس على مقاسات الأشخاص الذين تشملهم. ولي قصيدة سأقوم بنظمها في تصوير هذا الحادث الرهيب ونشرها وهذه مأساة حقيقية بكل معنى الكلمة وهي ضربة لكل ما هو إنسانيّ في المجتمعات البشريّة. فإلى ذمّة الخلود يا ابن ديريك البار وابن المحبة المسيحيّة النابعة من دنيا السلام والمحبة إنّنا حملان نعيش بين قطيع الذئاب الشرسة وليس لمثل شراستها من مثيل!
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس