وهذه تبذه صغيرة عن حياته
يقع تذكار الشهيد القائد طهمزكرد في 25 أيلول . وقد جرت أحداث هذه القصة الحقيقية لهذا الشهيد في مدينة كركوك . ومن المحتمل أن كثير من المسيحيين لا يعرفون القصة التاريخية والحقيقية والتي جرتْ على يد هذا القائد والذي كان مجوسا أي من أتباع عبادة النار ، لهذا أسردها هنا :
أن التاريخ المسيحي في العراق يذكر لنا بأنه منذ القرون الأولى لأنتشار المسيحية في العراق بدأت الأضطهادات الدينية ضد هذا الأيمان الحي وخاصة من قِبل الفرس المجوس ، حيث كان العراق تحت سيطرتهم حيث كانت عاصمتهم " كُسرى " والتي تقع الآن في مدينة المدائن) سلمان باك) الحالي قرب بغداد
وأن إحدى الأماكن والتي انتشرت فيها المسيحية بكثرة في مدينة كركوك والتي كانت تُدعى باسم " كرخ سلوخ " والتي تشتهر بقلعتها القديمة وكانت مكتضّة بالمسيحيين المؤمنين .
هذا وعندما علم ملك الفرس " يزدجرد الثاني " بهذا التواجد المسيحي في مدينة كركوك أي في (كرخ سلوخ) ، جهّز حملة عسكرية وبقيادة طهمزكرد لإجبارالمسيحيين في كركوك للإرتداد والتراجع عن إيمانهم المسيحي والعودة الى عبادة الديانة المجوسية أي عبادة النار . وعندما وصلتْ الحملة العسكرية الى ضواحي مدينة كركوك ، استقرّتْ على تل بالقرب من قلعة لمدينة كركوك .
إذ طالب القائد المجوسي طهمزكرد المسيحيين بالإرتداد عن دينهم وإيمانهم المسيحي ، فلما رأى بل تيقّنَ بقوة إيمانهم وصلابته ، قرّر نصب أعمدة الإعدام على هذا التل للقضاء عليهم وذلك بضرب رؤوسهم بالسيف ، حيث أُقيمتْ الآن على هذا التل مقبرة كبيرة للمسيحيين وهي على طريق السليمانية ، وكانت قد شُيدت كنيسة باسم الشهيد طهمزكرد بعد المعجزة والتي سنتطّرق إليها الآن .
لقد حدّد القائد المجوسي ثلاثة أيام للمسيحيين لقرار البت في أمر عقيدتهم وفي حالة رفضهم بالإرتداد عن دينهم وبعد انتهاء هذه المدة سوف يُجرى تنفيذ ضرب رؤوسهم بالسيف . إلاّ أن المسيحيين تجمّعوا خلال هذه الأيام الثلاثة في كنائسهم ومنها ساروا متّجهين نحو هذا التل وهم يرتّلون الصلوات والأناشيد الدينية بُغية الحصول على الشهادة والإنتقال الى جوار ربهم وإلاههم يسوع المسيح وبأسرع ما يمكن .
وفي أثناء مرور هذه الجماعة المؤمنة من أزقّة قلعة كركوك الضيقة ، سمعتْ امرأة وهي تُدعى " مرتا " هذه التراتيل وصلوات المؤمنين وهم ذاهبون للإستشهاد وكانت في ذلك الوقت تخبز بالتنور . إلاّ أنها عندما علمتْ بهذا الأمر الهام تركْ النار في التنور والعجين في مكانها ، فأمسكت ْ بيديها بأثنين من أولادها واللذان لا يتعدّان الثامنة والعاشرة من عمرهما . وكانت تسرع هي وأبنيها بين الجماهير لتصل مسرعة الى التل لتكون هي وولديها من أوائل من ينالون الشهادة والحياة الأبدية . وعندما وصلت الى المكان الذي فيه نٌصبتْ ووضٌعت المقصلة لضرب رؤوس المؤمنين بالسيف ، وكان آنذاك واقفا بقرب المقصلة القائد طهمزكرد ، فاقتربتْ منه ومعها أبنيها فطلبتْ منه تنفيذ ثلاثة من طلباتها وهي :
1ـ ضرب رأس أبنيها بالسيف أمامها أي بحضورها .
2ـ وبعد ذلك ضرب رأسها باالسيف .
3ـ وأخيرا طلبت من القائد التطلّع الى السماء ومشاهدة ما يجري فوق هذه المقصلة .
إلاّ أن القائد امتنع عن تنفيذ هذه المطالب واعترض بقوة وذلك بحجة أن أبنيها الصغيران لا يعرفان ماذا يعني الإيمان أو العبادة . ولكن بعد إلحاح وإصرار (مرتا) اضطرّ بتنفيذ طلبها الواحد بعد الآخر حسب تسلسل طلب (مرتا) من القائد طهمزكرد . وعند تنفيذ الطلب الثالث والأخير تطلّع القائد الى السماء فماذا يرى ؟! وماذا يشاهد !! فرأى وشاهد السلالم من النور وهي تتدلّى وتنزل من السماء وأن أرواح هؤلاء الشهداء بل أنفسهم بالذات يصعدون الى هذه السلالم وأن الملائكة تأخذ بأيديهم وتصعدهم الى السماء العليا ومن ضمن هؤلاء الشهداء أبنَي (مرتا) وكذلك (مرتا) بالذات .
فحينئذ ، نعم ، وفي الحال ، رمى القائد طهمزكرد السيف من يده وصاح بقوة الإيمان المسيحي :
" أنني تنصّرتُ وأصبحتُ مسيحيا " وطلب من جنوده التطلع الى السماء ورؤية حقيقة الإيمان والدين المسيحي . ومنذ تلك اللحظة تنصّرَ جميع أفراد الحملة العسكرية وبما فيهم قائدهم طهمزكرد . ولكن بعد بضعة أشهر وعندما عَلِم ملك الفرس بهذه الأحداث ، أرسل حملة عسكرية أخرى لإعادة القائد التنصّر وجنوده الى الديانة المجوسية ، إلاّ القائد طهمزكرد استشهد واستشهد معه جميع جنوده والذين قدِموا معه الى كركوك . وكان استشهادهم جميعا على هذا التل ، حيث أُريقتْ دمائهم الطاهرة وتحوّل تراب التل الى لون أحمر قرمزي وذلك من جرّاء استشهاد عشرات الآلاف من المسيحيين ، وبُنيتْ بعد ذلك على هذا التراب وعلى هذا التل كنيسة سُميتْ " بكنيسة الحمراء " (قرمزي كلية) وهي معروفة لدى مسيحيي كركوك وخاصة أهل القلعة منهم ، وكان يُقام من كل سنة في 25 أيلول القداس الأحتفالي بها وسميّتْ كذلك بكنيسة الشهيد طهمزكرد ، إلاّ أن هذه الكنيسة تَهدّمتْ وتفَتّتتْ من جراء تفجيرها من قبل الجنود العثمانيين في منتصف الحرب العالمية الأولى (1916) ، حيث خزّن فيها العثمانيون العتاد والذخيرة والأسلحة ، وعندما احتلّ البريطانيون العراق ، أنسحب العثمانيون من العراق وفجّروا الكنيسة وما فيها ، ثم أُنشيءَ على هذه الكنيسة وعلى أرضها (المقبرة) ، ولا تزال ولحد الآن هذه المقبرة الكبيرة قائمة ومشُيدة بأسوار عالية .
نعم ، هذه قصة حقيقية إذ أنها مثبتة بالتواريخ والسندات ومن قِبل المؤرخين . حيث جرتْ أحداثها بالإستشهاد الجماعي المسيحي لأجدادنا وأسلافنا . وهذا يدل على عمق وقوة ومتانة وصلابة إيمانهم المسيحي الحي . والجدير بنا أن نكون على مثالهم في قوة وعمق هذا الإيمان لننال الملكوت السماوي حيث يكون مسكننا وبيتنا الدائمي الأبدي. آميـن