عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19-12-2021, 07:13 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,820
افتراضي

مَنْ هُم العُلَمَاءُ بالمَفْهُومِ الإسلاميّ؟

بقلم: فؤاد زاديكه

إنّ المسلمين يكونون على الأغلب في الموقف الخطأ من أكثر أمور الحياة و قضاياها, فَهُم مَسَخوا الكثير من المفاهيم و التّعاريف، بحيث صاغوها كما يحلو لهم مِنْ منطلق أنّ الدّين هو كلّ شيء، و يجب أنْ تكون جميعُ اهتمامات البشر منصبّةً على الدين وحدِه معتمدين على القضاء و القدر و الاستسلام لما يُسمّى بأمر ِ الله. و مفهومُ العلماء هو واحدٌ من هذه المفاهيم التي أعطاها المسلمون تعريفاً لا ينطبقُ عليها، و يكاد جميع المهتمين بالشّأن الاسلامي يتّفقون على هذه الأوصاف التي سنذكرُها و قد جمعناها مِنْ كتاباتهم و أدبياتهم فمَنْ همُ العلماء ُ مِنْ وجهة النّظر الاسلامية؟

"العلماءُ هم وَرَثةُ الأنبياءِ
العلماءُ هم حِجّةُ اللهِ في أرضِهِ
العلماءُ هم أهلُ الحلِّ والعَقْدِ في الأمّةِ
العلماءُ هم المؤتمنون على مصالحِ الأمة العُظمى
العلماءُ هم أهلُ الشّورى
العلماءُ هم أئمةُ الدّينِ
العلماءُ هم أهلُ الذِّكرِ
العلماءُ أفضلُ النّاسِ
العلماءُ هم أذكى النّاسِ
العلماءُ هم الآمِرونَ بالمَعروف، النّاهون عَنِ المُنْكَرِ
العلماء هم شُهداءُ اللهِ"

هذا ما يتّفق عليهِ أغلبيةُ علماءِ المسلمين و الذين يعتمدون على التوجّه الديني كتعريفٍ و تحديدٍ لمفهومِ العالِم.
يقول عصام القيسي في أحد مقالاته: "عالِمُ الدّين هو العالِمُ بنصوص العقيدة والشريعة، وهذا تعريفٌ لا علاقة له بإيمان العالِم أو صلاحه" ثم يتابع قوله: "علماءُ الدّين ليسوا فئةً خاصّةً من الناس كما يتصوّر البعض، وإنّما هم فئة من الدارسين والخبراء لنصوص الخطاب الدّيني. ولا صحّة لقولهم إنّ الشخص يستمد شرفَه ومقامَه من التخصّص العلميّ الذي تفرغ له. فالمعرفةُ بجميع أصنافها على درجةٍ واحدةٍ من القيمة، والقرآن لا يتحدّث إلّا عنِ العُلماء، مُطلقِ العُلماء لا عن فئةٍ منهم، ولا عن تخصصٍ محدّدٍ من التخصصات العلميّة والمعرفيّة" ويقول أيضًا:"ويخرج من هذا التعريف المعارف الظنيّة، أي تلك التي تخضع – بسبب غموضها – إلى إعمال ذهن واجتهاد في الاستنباط. صحيح أنّ مِن وظائف العالِم أن يجتهدَ ويغوصَ عميقاً في باطن النّصوص، إلّا أنّ معارفَه الظنيّة لا تُسمّى عِلْماً، فالعِلم ُ هو فقط ذلك المستوى اليَقيني في عمله وإلى هذا المستوى يَنْتَسِب ويُسمّى عالِمًا ولا يُسمّى عارِفًا، وهو الاحتراز الذي فهمه المتقدّمون – إلى حدٍّ ما – فأطلقوا على المتصوّف اسم العارِف بالله وليس العالِم بالله، لإدراكهم أنّ العِلْمَ بالله مستحيلٌ، وأنّ طاقة العبد في معرفة ربّه – خارج النّصوص الصريحة – لا تتجاوز مستوى الظن"
كما يرى القارئ الكريم، فإنّ الإسلام لا يربط العِلم بالتكنولوجيا و لا بالاختراع أو الطبّ أو المعرفة الشاملة الجامعة، و كذلك ليس بالاكتشافات و لا أي سبيل يُساهم في تطوّر المجتمعات البشرية و يرفع من مستوى معيشتها أو تقدمها أو تحرّرها. إنّما بالجانب الدّيني الأخلاقي فقط دون سواه، فكلّ أمور الحياة و الفكر و المعارف و العلاقات الإنسانية الخ... يجب أن تكون ضمن بوتقة الله و الإنسان كعلاقة لا تهتمّ بباقي نواحي الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية و غيرها بحيث يتمّ إخضاعها للدين و ما يتمحور حوله الدّين.

بالطبع فإنّ هذا المفهوم خاطئٌ تمامًا و هو منقوصٌ و لا يُعطي العلم معناه و لا العلماء حقّهم من الاعتراف بهم كمؤثّر فاعل في كلّ ما نراه حولنا من نتائج المعرفة و وسائل الاتصال و تقنياته و ما يساهم في توسيع المدارك البشرية و ينمّي المعارف و يغني المفاهيم. و هو تشويهٌ صريحٌ لمعنى و تعريف العالِم و مفهومه. لهذا يبقى الجمود الفكري الإسلامي محصورًا و جامداً لا يستطيع التعاطي مع الحياة و لا مع طموحات البشر و تطلّعاتهم و هذا ما يقتل روح الإبداع الفكري و العلمي من باب القفل و التحريم و المنع و التكفير الإسلامي لجميع مظاهر العلوم و الثقافة و الفن و الأدب و ظواهرها.

إنّ العلماء، هم المتخصصون في مجالات العلوم و المخترعات و الطب و التكنولوجيا و المعارف الإنسانية الأخرى، ويجب القول إنّ هذا الشخص هو عالم بالفقه أو باللاهوت الخ... كتحديد تخصصه و ليس بالمُطلق، فَمِنَ الخطأ تعميمُ ذلك على أيّ شخص بصفة مطلقة فكما نقول إنّ هذا عالِم ذرّة و هذا عالِم فضاء و ذاك عالِمٌ نفسانيّ يجب القول بأنّ هذا أو ذاك عالِمُ فقه و لا يجوزُ إطلاق المفهوم بالعمومية. من الضروري تحديد مجال و تخصص هذا الشخص و إلاّ كانت التسمية أو الصفة غير دقيقة و هو ما يقول به المسلمون.

إنّ العالِم هو الشّخص الملمّ بكلّ جوانب تخصصه معرفةً و درايةً و خبرةً و تطبيقاً. و هناك فرق بين العالِم و المثقّف فالمثقّف تكونُ له درايةٌ و إلمام بأكثر من تخصّص مَعْرِفي لكنّه لا يتخصص بجانب مُحدّد أو مُعين و قد يكون العالِم متخصصاً بجانبٍ معرفيٍّ واحد و ربّما بأكثر من مجال واحد بتبحّر و اطلاع و بحث من خلال المعرفة الدقيقة و الثاقبة و العِلم الغنيّ، و ينطبق هذا أيضًا على مجال التخصص الديني. فهناك عالِم لغة و عالِم نحو و عالِم فقه و عالِم عروض و عالِم فتاوى الخ....
و العالِم إنسانٌ مبدع يكتشف أموراً و أشياء جديدة و يُحوّلها إلى طاقة فاعلة نشعر بتأثيرها و نتمكّن من التواصل معها و الاستفادة من عطائها في الحياة اليومية. من المسلمين مَنْ يُغالي بالتّعريف فيحصره بالقول: إنّ العالِم هو "الولي عند التصوّف" أو غيرها من التعريفات التي تشوّه مفهوم و تعريف العالِم و تحصره ضمن تصنيفات محددة ليس بها أي منطق عقلانيّ و لا تَفَهّم مَعْرِفيّ. العِلمُ من وجهة نظر المسلمين هو علم الدّين و لا علمَ سِوَاه و بتحديدٍ أدقّ، (علم الدين الاسلامي) و هذا غُبن كبير بحقّ العلم و العلماء. إنّه جمود فِكري و قُصور مَعرفي و تشويه متعمّد و أساسٌ خاطئ لا يُمكن البناءُ عليه، فالعلمُ أوسع من الدّين و العلماء أفهمُ و أوعى و أدقّ و أكثر ثقافةً و معرفةً و تخصّصًا من اجتهادات داعية أو فتاوى مشرّع إسلامي. فالعلمُ الحقيقي إثبات يعتمد على التطبيق المُعتمِد على المعرفة و الاستنتاج، فيما أنّ ما يُسمى بعلم الدين و خاصة الاسلامي، يعتمد الاجتهاد و تعدّد التفسيرات و أحيانًا التناقض في التوجّه الواحد للفكرة نفسها من مفسِّر إلى آخر، و على عدم ثُبوت الدّليل، إنّه مجرد تخمين ولا تحليل ورؤية ضبابيّة, لهذا يختمونه عادةً بالقول (و اللهُ أعلم) لأنّهم غير متأكدين من حقيقة ما يسعون له و ما توصّلوا إليه يكون ناقصاً و لا يُمْكِنُ الوثوق به أو العمل عليه، فهو يفتقر إلى الدقّة و البرهان العلميّ المعرفيّ المُثبت بالدليل المختبر و ليس بالاحتمال المُمْكِن والجائز كما هو الحال لدى المسلمين.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس