عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-08-2014, 03:17 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,767
افتراضي الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 10 ياسين المصري الحوار المتمدن-ال

الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 10


الصحـوة الثالثة:
أحـفاد الصعـاليك
ممـلكة الـجـهـل المـقـدس

فـظـيعٌ جـهـلُ ما يجـري وأفـظـعُ منهُ أن تدري ...
عبد الله الـبردُّوني
ـ السعوديون
ـ الوهابيون
ـ البترول
ـ الصـعاليك المتسعـودون والآخـرون
ـ الصـعاليك المتسعـودون والجـنس
ـ الصـعاليك المتسعـودون والـدين

أود أن أأكد في بداية هذا الفصل على نقطتين أساسيتين:

الأولى: أن أغلبية كبيرة من المواطنين المتسعودين ـ رغما عنهم ـ ليديهم من الأخلاق الإنسانية النبيلة ما يجعلهم منفصلين تماما عن تلك المنظومة الإسلاموية القذرة التي فرضتها عليهم عصابة الصعاليك المحمدية الإسلاموية الوهابية المتسعودة. وأن الكـثيرين منهم عـلى درجـة عـالـية من الـتنــوير، الذي يرشحـهـم في يوم ما ـ وقبل غيرهم ـ للتخلص من هذه المنظومة القذرة، فيريحون أنفسه ويريحون العالم منها.
ولا بد أن أتذكر دائما باعتزاز البعض من أولئك المتسعودين الذين تركوا أثرا عظيما في نفسي، جعلني أكن لهم كل الـود والاحترام.

والثانية: أن المقصود بـ" عـصابة الصـعاليك المحمدية الوهابية المتسعودة " أولئك الذين يتحكمون بقبضة دينية حديدية في حياة مواطنيهم ومصائرهم، فيحيلونها إلى جحيم يفيض بالجهل والتخلف ومرض الفصام السلوكي، ويعملون دائما وأبدا على تصديرها إلى البلدان الأخـرى في العالم، مستغلين في ذلك أموال النفط التي هي من حق المواطنين جميعا.
ولكن سوف يظل الأمل معقودا لدي العقلاء في مشارق الأرض ومغاربها في أن تجتاح هذه البلاد عاصفة التغيير من البهيمية نحو الإنسانية.

السـعـوديون

أسدل الستار مرة أخـرى على شبه جزيرة البدو العـربان وأطـبق الظـلام الـدامس عـليها بانتقال الثقل السياسي الإسلاموي من يثرب إلى دمشق وبغداد والقاهرة، ومن ثم انتقل الصراع الـدمـوي على السلطة والنفوذ بين الأسياد الجدد من العـربان إلى تلك البلدان، بينما توارى الآخـرون في كمائنهم الصحراوية قرابة 1400 عام، وقـد تحـولوا مـرة أخرى إلى عـبادة الأسلاف والأحجار والأشجار واتجهـوا بشكل سافـر صـوب أسلوب الصعلكة الذي يجـري في دمائهم، فبدأت من جديد عـمليات السلب والنهب وقـطع الطـرق ضد بعضهم البعض وضد الحجاج الذين يقتاتون من ورائهم، ويفـدون إليهم من البلدان الموطوءة والموبوءة بالتأسلم.

وعندما انطلق شاب بدوي لم يتجاوز عمـره الـرابعة والعشـريـن في عام 1901 من الكويت ومعه أربعون رجلا مدعمـون بأسلحة بريطانية وعـتاد ومـؤن كويتية، متجها نحو الرياض ـ مسقط رأسه ـ للإستيلاء عليها، لم ينتبه إليه أحد، واعتبرت حـروبه مجـرد استمـرار لعمليات السلب والنهب وقطع الطريق التي تدور رحاها يوميا في قلب شبه الجزيرة الصحراوية. ثم ساعده على تحقيق هدفه أن اتجهت بعد ذلك أنظار العالم جميعها باهتمام شديد إلى تركيا التي خرجت مهـزومة من جـراء مساندتها لألمانيا في الحرب العالمية الأولى (1919) مما أدى إلى انهيار الـدولة العثمانية واستيلاء كمال أتاتورك على الحكم في تركيا، فحل الخلافة الإسلامـوية نهائيا، ومن ثم انفصلت الدول الإسلاموية عـن تركيا. وقام أتاتورك بشن حـرب تحرير وطنية وتطـهير عـرقي، لم يشهد التاريخ مثله ـ حتى الآن ـ ضد العـربان القاطنين في بلاده وأعـلـن تركيا دولة أوروبية وبدَّل الأحـرف العـربية المستعملة في اللغة التركية إلى أحـرف لاتينية، وحـول كتابتها من اليسار إلى اليمين. وأمر بمطاردة رجال الدين المتأسلمين وإغلاق المساجد ومنع الصلاة بشكل علني، وتحدَّث لأول مرة في تاريخ تركيا عـن الديموقـراطية التي لا يعـرفها الإسلام ولا يعـترف بها، فخطف أنظار العالم وأهتمامه، ومن ثم خلت الساحة للبدوي عبد العـزير بن عبد الرحمن بن سعود كي ينفِّذ خططه في غفلة من العالم، حتى أن انجلـترى نفسها التي كانت تسيطـر آنذاك على المناطق الخليجية الساحلية المجاورة لشبه الجزيرة لم تأخذ ما يقوم به ابن سعود ـ كما يسمونه ـ مأخـذ الجـد.

كان عبدالعزيز يعيش مع والده منفيا في الكويت، حيث فـر إليها هاربا بعد أن أجـبر على ترك إمارة الرياض. وعندما عـقـد العزم على الاتجاه نحوها للاستيلاء عليها كان يحكمها ابن عجمان من قبل ابن الرشيد في حائل بدعم من السلطان العثماني في القسطنطينية، ولم يتلقيا منذ وقت طويل أسلحة أو مؤن من السلطان، لأن الأخـير كان يريد إرضاء الإنجليز ويظهـر لهم أنه كف يده عن مد أمراء شبه الجـزيرة الصحراوية بأي دعم يغريهم بمواصلة عمليات السلب والنهـب والقـتل وقـطع الطـريق التي لا تنتهي.

حل صيف عام 1901 وجاء الحـر الحارق فاضطـر عبدالعزيز ومن معه إلى التوقُّـف لعـدة أشهـر في منطقة الـربع الخالي، وحاول خلالها أن يستقطب البدو من حوله وأن يغـريهم بالانضمام إليه ولكنهم رفضوا، إذ أن القضية لا تعنيهم في شيء خاصة وأنهم لم يـروا فيها منفعة شخصية مباشرة لهم. أما أمير الكويت فكان يأمل من جـراء دعمه لهذه الحملة المتواضعة أن تحقق نصـرا سـريعا على ابن الرشيد من شأنه وضع السلطان العثماني أمام الأمر الواقع. ولكن نظـرا إلى أن هذا التوقُّف والتأخـير سوف يثـير غضب السلطان عـلـيه، فـقـد أمـر عـبدالعزيز بن سعود ومـن معه بقطع الحملة والـعـودة إلى الكويت، بيد أنهم لم يمتثلوا للأمـر، مما أجـبر الأمـير على قطع الدعم عنهم، فقام عبدالعزيز ومن معه بتخطيط وتنظيم عـمليات سطو على القـوافل والقبائل وسلب أمتعتها وممتلكاتها، وبذلك أمكنه إقناع البدو بالانضمام إليه لينالوا نصيبا من الغنائم وفي نفس الـوقـت يتقـون شـره، تماما كما فـعل محمد بعد لـجـوئه إلى يثـرب.

ولم يكد يأتي خـريف عام 1902 حتى كان تحت إمرته أكثر من 400 محاربا من البدو العربان . ولكن بمرور الوقت أصبحوا لا يقتنعون بما يغتنمونه من عمليات السلب والنهب وقطع الطـرق، وبدأ القـنوط والملل يتسـربان إلى نفوسهم، وراحوا يتخـلون عنه الواحد تلو الآخـر، مما حدى به أن يفكـر جـديا في التقدم إلى منطقة الـرياض والاستيلاء عليها مهما كلفه ذلك من ثمن. وكان الثمن بخثا جـدا، بل لم يكن هناك ثمن يذكر، فالرياض في ذلك الـوقت كان يسكنها 8000 نسمة في منازل مهدمة بنيت من الـطـين والـقـش، وكانت مظاهر الفـقـر واليأس تغمر المدينة بوجـه عام؛ بينما الأمراء من عائلة آل الـرشيد يعيشون في قصور واسعة، بنيت أيضا من الطين ولكنهم كانوا يشعـرون داخلها بالـراحة والــثراء وهم يحكمون ويتحكمون في قلب شبه الجـزيرة بأكـمله. تمكن عـبدالـعزيز مع ستة من أعوانه من اقتحام سور المدينة من مكان مهدَّم أثناء الليل دون أن يشعر بهم أحد، وتوجهوا إلى وسطها حيث يوجـد قصر الحاكم بين حراسة مشددة، وبجوار القصر كان يوجد مبنى آخر خاص بحـريم الأمـير، وأدرك عبدالعزيز بفطـرته البدوية الصحراوية أن استيلاءه على هذا المبنى سوف يكون استيلاءً على المدينة بأكملها، وبالفعل تمكن ورجاله الستة من الدخول إلى بيت الحريم حيث يخيِّم الهدوء والظلام وقبعوا فيه حـتى أتى إليه ابن عجمان كـعادته كل صباح عـقـب صلاة الـفـجـر، فانقضوا عليه وقـتلـوه، وسقـطـت بذلك المدينة بين أيديهم .

عـرف ابن الرشيد في حائل بالخبر ففـرَّ مع نفـر من رجاله إلى قـرب حدود الكويت في 1902/1/2، وأصبح ابن سعود أمـيرا على الرياض. ولكن القتال بينه وبين ابن الرشيد لم يتوقف واستمر عدة سنوات، ولم يتمكن أي منهما أن يحقق نصرا حاسما على الآخر، فاصبح الوضع حـرجا للمتسعوديين (أنصار ابن سعود) خاصة وأن السلطان العثماني قد أرسل مجموعة من الجيش التركي مجهزة بالمدافع للعمل إلى جانب ابن الرشيد، وكان من المرجح أن يكون صوت المدافع وحده كفيلا بإرهاب محاربي الصحراء من المتسعوديين وإرغامهم على الفـرار إلى عمق الصحراء، إلا أن الجنود الأتراك لم يتحملوا جـو الصحراء القاتل، فلم يحرزوا أي تقدم في الـقتال ولم يستفـيدوا من المـيزة التي وفـرها لهم سلاحهم العجيب بالـرغم من تحقيقهم نصرا مبدئيا. علاوة على ذلك تفشى مرض الكوليرا في معسكرهم، ففـقـدوا الـرغـبة تماما في البقاء وسط هذا الجحيم المطبق عليهم، وهام الكثيرون منهم على وجوههم في الصحراء القاحلة ليتلقفهم البدو العربان ويقطعون رقابهم. وشاع الفزع والهلع بين الأتراك من محاربي الصحراء الـبرابرة المتوحشين، فاستفاد ابن سعود من هذه الفـرصة وانقض على قوات ابن الرشيد وعـلى البقية الباقية من الجنود الأتراك الهاربين بأرواحهم وقضى عـليهم تماما.

بعد هذا النصر مباشرة أعاد ابن سعود الأوضاع بينه وبين السلطان العثماني إلى نصابها، فكتب إليه يقول: « إنني في طاعة أية رغـبة أو أوامر من ظـل الله في أرضه، فأنا لست إلا خـادما لسيدنا الخليفة العظيم، حفظ الله عرشه إلى يوم الدين ». لم يكن أمام السلطان سوى أن يقـر بخـضوع ابن سعود له بالـرغم من معـرفته أنه يكـذب عـليه وينافقة، ولكن هذه هي طبيعة المواقف في تلك الأحوال.

بدأ عبدالعـزيز بن سعود في محاولة تغـيير الشكل الاجتماعي للبدو العـربان، فأراد أن يجعل منهم فلاحين مستقرين في أماكن ثابتة ومحددة ليسهل السيطرة عليهم واخضاعهم له. فبنى القـرى من الطين حول آبار المياه وأغرى البدو الرحل بالسكن فيها وممارسة الـزراعة البسيطة بجانب الـرعي، وأطلق على عملية توطين البدو هذه " الهجـرة " لإكسابها صبغة دينية محمدية. ومازالت القـرى السعودية تسمى حتى الآن بالهُجـُر. وجعل من المسجد أهم مكان في القرية ومن إمامه أهم شخصية تخضع لسلطة دينية مسؤولة عن الانضباط الاجتماعي وتطبيق القوانين تبعا لتعليم محمد بن عبدالوهاب المتشددة، بل والشاذة في كثير منها. وكلف تلك السلطة بأن تُوَضِّح للـعـربان في قـراهم أن أفضل الناس أولئك الذين يطيعون الله ويطيعون الرسول وألي الأمر منهم، وأن يكونوا دائما على أتم الاستعداد للقتال في سبيل الله وخوض حـروب مقـدسة ضد الكفـرة المرتدين عن الإسلام في كل من دمشق وبغـداد والقاهـرة.

ولكن الأوروبيين أسرعوا إلى إيقاف سياسة التوسُّع التي ينتهجها البدو المتسعودون، فشددت انجلترا وفرنسا من قبضتهما على مصر وفلسطين والعراق وسوريا ولبنان والإمارات الصغيرة الواقعة على ساحل الخليج. فلقد حلت تلك الدولتان محل العثمانيين الأتراك المهـزومين في الحـرب العالمية الأولى، وأصبح المندوب السامي لكل منهما يتصرف في تلك البلاد بمثل قسوة البشوات الأتراك. وبذلك ضاعـت عـلى السعوديين فرصة التوسع خارج بلادهم في قلب شبه الجزيرة، إذ وقف لهم الإنجليز والفرنسيون على تخومها بالمرصاد، ولم يبقى أمامهم سوى التوسع فقط نحو الغرب، حيث الأماكن الإسلامية المقدسة، التي يكسبهم احتلالها وزنا دينيا وعالميا كبيرا.

كان يحكم الحجاز في ذلك الوقت الـبدوي حسين بن علي، وهو يمـثل الجـيل السابع والثلاثين لنسل محمد مباشرة (أي الهاشميين)، ولذلك كان يحظى بمكانة مقدسة واحـترام كـبير بين عـربان الحجاز، وكان يرى في نفسه ليس فقط أعلى زعيم ديني للأماكن المقدسة في مكة ويثرب، بل الحاكم المستقبلي لشبه الجزيرة بكاملها عندما ينسحـب الأتراك العـثمانيـون تماما مـن المنطـقة. وأطـلـق عـلى نفسه ـ دون استشارة أحد ـ لقب ملك البلاد العـربية. وما أن انهارت الدولة العـثمانية وخلع السلطان وحُـلَّـت الخلافة على يد أتاتورك، حتى أسرع إلى إعلان نفسه خليفة للمتأسلمين، وكان يأمل بذلك أن يرضى عنه جاره ابن سعود، وتوقَّع منه أن يعترف بخلافته. ولكن أطماع عبدالعزيز بن سعود وعـربان نجد حـرمته من هذا الاعـتراف، خاصة وأن أتباع ابن عبدالـوهاب (الوهابيين) كانوا ـ ومازلوا ـ يرون أنفسهم على أنهم هم وحدهم القدوة الإسلاموية الصالحة في المنطقة ولذا يحق لهم السيطـرة على الأماكن المقدسة إذ لم يكن على باقي الدول المتأسلمة في المنطقة بأسرها. ومن الناحية السياسية رأى عـبد العزيز أن في استيلائه على تلك الأماكن تقوية مادية له من عائدات السياحـة الديـنية الحتـمية « الحج لمن استطاع إليه سبيلا »، وتقوية معنوية أمام المتأسلمين في كل بقاع الأرض.

وفي سبتمبر عام 1932 انقض المتسعودون على الدولة الحجازية واستولوا على مدينة الطائف وأشاعوا فيها الـرعـب، فكان كل من يهـرب من سكانها يلقى حتفه طعـنا بالسيوف على أيدي رعاة الإبل في الصحراء. وهكذا مهـدت إشاعـة الـرعـب الطـريق للمتسعوديين أن يدخلوا مكة عاصمة الدولة الحجازية وأن يستقبلهم سكانها بالترحاب والهتاف. واضطر الشريف حسين إلى الفرار تحت جنح الظلام عـن طريق البحر ـ قيل في زي امـرأة ـ، بعد أن عبأ أموال الدولة من الذهب والدرر في " توانك " وأخذها معه.

وفي 1932/11/18 أعلن ابن سعود عن قيام "المملكة العربية السعودية"، ونصَّب نفسه ملكا عليها، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تنسب إلى عائلة*1*. وأطلق على نفسه لقب " حامي الحرمين الشـريفين " ـ مكة ويثرب ـ . ولأنه من المفترض أن الله هو الحامي لهما، فقد غير أبناؤه وخلفاؤه اللقب إلى " خادم الحرمين الشريفين ".

وتحولت العـربية الصحـراوية بسكانها إلى العـربية السعودية، وأصبح العـربان يعـرفون بـ"السعوديين"، وقد صبوا أجسادهم في قالب واحد من زي لا مثيل له في العالم أجمع، كما انتهجت المملكة الجديدة سياسة داخلية وخارجية لا نظير لها في العالم أجمع، وتبنت منهجا قائما عـلى اختلاف المظهـر والجوهـر، لعبت فيه عائدات النفط دورا أثار حفيظة العالم أجمع.
إنها أذن قصة النفط، أو البترول، كما يحلو لهم تسميته.

ولأن للبدو العـربان " أسوة حسنة " في نبيهم تخبرنا المرويات المتسعودة أن ابن سعود تزوج من 150 امرأة على الأقل، وكانت إحداهن إبنة خالِه حصة بنت أحمد السديري المولودة في عام 1318هـ ـ 1900م وقد أنجب منها طفلا أسماه سعدا ولكنه توفى وهو صغير. وطلقها ابن سعود لأنها كانت نحيفة بسبب الجوع والحرمان آنذاك، وكان لا يحب إلا المـرأة الممتلئة الجسم. فتزوجها من بعده مباشـرة أخوه محمد بن عبد الـرحمن آل سعود. فأنجبت له ولدا وبنتا. وتصادف في أحد الأيام وبعد مـرور عدة سنوات أن زار عبد العـزيز أخاه محمد وشاهد في بيته امرأة ممتلئة الجسم، فسأله عنها، ولما عـرف من أخيه أنها حصة حتى طلب منه أن يطلقها لأنه اشتهاها، الأمـر الذي يذكرنا بقصة صلعم مع ابنة عمته زينب بنت جحش وابنه بالتبني زيد بن محمد و(بن حارثة فيما بعد) .

وبالفعل طلقها محمد بن سعود، ليتزوجها عبدالعزيز.

وتذكر تلك المـرويات أنها كانت أكـثر زوجاته إنجابا، إذ إنجبت 14 ولدا وبنتا، بيد أن أحدا لا يود معرفة ما إذا كانوا جميعا من عبدالعـزيز أم أن البعض منهم أبناء أخيه محمد، وقد توفت حصـة في عام 1389هـ ـ 1979م.

وهكذا يبدو أن اشتهاء زوجات الآخـرين بمن فيهم زوجات أخوتهم من الأمور المتفشية بين البدو العـربان، فقد راعني ما قاله لي أحدهم إنه لم يـرى زوجة أخيه قط، وكان كل منهما في الخمسينات من عـمـره . هذا فضلا عن أن منازلهم ومدارسهم وكل منشئاتهم بنيت كالقلاع الحـربية أو السجون الأبدية، تحاط بأسوار عالية وأبواب مغلقة باستمرار.

وأمام هذا كله، من العبث والهراء أن نتحدث هنا وفي تلك البيئة الـمـوبوءة عـن شيء إسمه كرامة الـمـرأة واحـترام وجودها، الأمر الذي لم يحدث ـ ولن يحدث ـ قط نتيجة للأسلمة المحمدية والتأسلم بها.

توفى الملك عبدالـعـزيز بن سعود في 1953/11/9 فخـلفه ابنه الأكـبر سعـود.

الـوهابيـون

كان لابد لابن سعـود أن يتبع نفس الأساليب الـبدوية الـعـربانية الصحراوية التي اتبعها نبي الأسلمة من قبله، والتي تجمع بين الحـرب والـزواج والـدين والغنائم معا في توليفة لا يوجد غـيرها كوسيلة للـتعامل مع قاطني تلك المنطقة، وذلك بهدف هدم الـولاء القبلي بينهم وجمع شملهم والسيطـرة عليهم وإخضاعهم لهيمنة رجـل واحـد. وفي الـوقت الـذي أوجـد فيه محمد الدين ووظفه بكفاءة عـالـية مع العناصـر الأخـرى، وجد ابن سعود الوهابية جاهزة لتوظيفها لنفس الغـرض. فتمكن من استعمال تلك التوليفة السياسية المعـروفة في تاريخ العربان والتي لا تتفق إلا مع طباعهم الـبدوية النافـرة، فأدار حـروبه بما صاحبها من سلب ونهب وقتل بإسم الدين وبدعم قوي من البدو الوهابيين ـ أتباع النبي الدجال محمد بن عبدالوهاب. كما كان ابن سعـود يشيع الـرعب في نفوس خصومه إلى الحد الذي يجبرهم فيه على التحالف معه، تماما كما فعل نبي الإسلام من قبل. وكانت المصاهـرة من أهم صور هذا التحالف، فقد كانت أغلب زيجاته عـبارة عن تحالف سياسي وحـربي، إذ أنه لم يرى الكثيرات منهن أو أنه رأى بعضهن مرة واحـدة ولدقائق معدودة. وأسفرت تلك الزيجات عـن عـدد يفـوق الـمـئة من الـبنين والبنات.

أدرك السعوديون من البداية أهمية الدين في سعيهم الدائب إلى السلطة وتوسيع نفوذهم. ونظرا إلى أن الخلافة الإسلاموية كانت بعيدة باستمرار عن شبه الجزيرة، وكان الخلفاء يكـتفون عادة بالسيطـرة على أطـرافها، طالما بقيت الطـرق إلى أماكن الحج مفتوحة ومؤمنة للمتأسلمين المتلهـفين إليها من جميع بقاع الأرض كل عام، فقد فـقـدت العقيدة الإسلامية هيبتها وقوتها بين البدو العـربان في قلب شبه الجزيرة (نجد)، فانفصلوا عنها وعـادوا إلى عقائدهم القديمة، ولم يكفيهم عبادة إله واحد، فتعددت آلهتهم من جديد، فعبدوا أسلافـهم والشمس والقمـر والأشجار والصخور والأحراش مـرة أخـرى بما يشبه ما كانوا عليه قبل الإسلام. وعندما ولـد محمد بن عبدالوهاب لأب قاض في بلدة العينية في عام 1703 في وسط نجد كان الفساد الديني والاجتماعي قد استشـرى بين العـربان، فتـرك مسقط رأسه وهو في العشرين من عمـره وراح يلتمس المعـرفة الدينية في مكة ويثرب، ثم رحل بعـرض شبه الجزيرة إلى البصرة في العراق التي كانت خاضعة آنذاك لنظام تركي شديد التزمُّـت، فأجبره سكانها على الفـرار منها والعـودة ثانية إلى بلدته ليجد والده وقد فصله أمـيـرها محمد بن الخرفش من منصب القاضي، ويعيش في بلدة حريملاء المجاورة. بدأ ابن عبد الوهاب دعوته في حريملاء متبعا في ذلك تعاليم أحمد بن حنبل (855 هـ) وأفكار تابعِهِ السوري ابن تيمية التي تقضي بالتشدد في تطبيق الأحكام الدينية، ولكن لم يتجاوب معه أمـيرها أو أحد من سكانها. وعندما مات والده في عام 1740 رحل إلى العينية مرة أخـرى، بعدما عـزل عثمان بن محمد الخـرفش والده من إمارتها وحل محله، فتحالف معه ابن عبدالوهاب على نشـر دعـوته الدينية بين الناس بالقـوَّة. ولكن اتضح لعثمان أن الأمـوال التي يحصل عليها من أمير الأحساء سليمان بن غـرير مقابل الولاء له أكثر بكثير من تلك التي يمكن أن يحصل عليها من جـراء مساندته لـدعـوة ابن عبد الوهاب، فتخلى عنه وانقلب عليه. ففـر ابن عبد الوهاب إلى بلدة الدرعية التي كان يحكمها آنذاك محمد بن سعود الذي تلقاه بترحاب وعـينه قاضيا على الـدرعية في عام 1744 وتحالفا معا. وظل ابن عبد الوهاب 45 عاما مدعوما من السلطة السعودية حتى وفاته في 1792/7/2.

إن تواجد ابن عبد الوهاب في الدرعية وتحالفه مع أمـيرها محمد بن سعود يمكن وصفه دون مبالغة بأنه مولد السلطة السعودية الحالية في شبه جزيرة العـربان الصحراوية، إذ تمكنا معا ومن خلال حملات السلب والنهب من الاستيلاء على مناطق لم يكن يتمكن السعوديون وحدهم من الاستيلاء عليها، ففي عام 1801 وصل 12 ألف شخص من السعـوديين ـ الوهابيين (الأخوان المحاربين) إلى مدينة كـربلاء في العراق التي يقدسها الشيعة وخـربوها ونهـبوها. وهاجـموا مسجد الإمام الحسين، وبعد أن نهـبوا محتوياته من النـذور والسجاد وغـيرها، إشعلوا فيه النيران وأعملوا سيوفهم في سكان المدينة فقتلوا منهم 4 آلاف أغلبهم من الشيـوخ والنساء والأطفال، ثم رجعـوا بأسلابهم فــوق ظهـور آلاف الجمال، يهـللـون ويكـبرون.

ولم يكن مصير الأماكن المقدسة أفضل، ففي عامي 1803ـ 1804م وصـل الإخوان المحاربون مـن نجد إلى مدينة الطائف وذبحوا سكانها عن بكرة أبيهم قبل أن يدخلها ابن سعود، ثم اتجهوا إلى مكة حيث قاموا بتحطيم مقابر آل الرسول [لأنها حرام]، وفي عام 1810 استولوا على يـثرب وانتهكوا حرمة قـبر النبي وهدموه وسلبوا ذخائره، وفي عام 1812 بعد عشر سنوات من وفاة محمد بن عبدالوهاب تقدمت القوات السعودية ـ الوهابية حتى شمال سوريا وهددت مدينة حلب، وكان لا بد للمجازر والمذابح والتخريبات التي قامت بها تلك القوات أن تشوه صورة الوهابية وتجعل منها مـرادفا للعنف والارهاب، خاصة لدي كل من الشيعة والأتراك، مما عجل بانهيار الدولة السعودية الأولى ومعها الموجة الوهابية. ففي عام 1814 أرسل محمد علي حاكم مصر بأمـر من الخليفة العثماني قوات تركية*2* بقيادة ابنه طوسون إلى نجد بهدف القضاء على الوهابيين والسعوديين وهدم حصونهم في الدرعية بعد طـردهم من الحجاز. بيد أن طوسون ما لبث أن عقد إتفاقا لوقف القتال مع عبدالله بن سعود في عام 1815 مما أغضب والده فعـزله وعيَّن ابنه الثاني إبراهيم محله. وفي 10 مارس 1818 وقفت القوات التركية بقيادة إبراهيم على ابواب بلدة الدرعية وقد انضم إليهم أثناء الطريق أعداد كبيرة من قبائل العـربان في منطقة القصيم. وفي يوم 11 سبتمـبر 1818 استسلم عبدالله بن سعود للقوات التركية وأخذ أسيرا إلى القاهرة ومنها إلى القسطنطينية، وأرسل معه 4000 أذن مقطوعة من الإخوان المحاربين، وبذلك انهارت الدولة السعودية الأولى ومعها الوهابية.

ولكن ظل التحالف بين الاسرتين: السعودية والوهابية قائما في شكل زواج ومصاهرة وتحقيق مصالح مشتركة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، وأصبح أحفاد ابن عبدالوهاب يُعرفون الآن بلقب "آل الشيخ" واختفت تماما كلمة الوهابية من وسائل الاعلام المتسعودة وحل محلها أسماء أخرى مثل: المسلمون أو الموحدون أو الإخوان أو السلفيون أو الأصوليون.

لقد استفاد السعوديون من الوهابيين إلى الحد الذي مكنهم من توسيع نفوذهم والمحافظة على سلطتهم، فأمكنهم أن يوفقوا ببراعة بين المتغـيرات المستجدة على الساحة الاجتماعية والسياسية داخل دولتهم وبين التعاليم الوهابية المتخلفة التي تعود إلى القرن الثامن عشر. والواقع أن الوهابية بدأت في التراجع والتقلص عندما انقسم الوهابيون على أنفسهم حول موقف الدين من الآلات والمخترعات العلمية الحديثة التي دخلت إلى الدولة المتسعودة عقب تأسيسها. يقول أمين سعيد في كتابه: تاريخ الدولة السعودية ص 317: « إنه ما كاد الملك عبدالعزيز يشرع في تنظيم المملكة وإدخال المخـترعات الحـديثة للنهوض بها كالسيارات والـبرق ومحطات اللاسلكي والدبابات وغيرها مما لا تستغني عنه حكومة ولا يستقيم بدونه أمـر، حتى نفخ شيطان الغـرور في معاطس بعض زعماء الإخوان، فعقدوا مؤتمرا في القرطاوية وتعاهدوا ـ كما قالوا ـ على نصـرة دين الله وأنكـروا وعابوا على الملك فيما أنكـروا وعابوا عليه من تصرفات أنه أرسل ولده سعود إلى مصر وولده فيصل إلى لندن وأنه أدخل البرق والتليفونات والسيارات في بلاد المسلمين مع أنهم لم يجدوا ذكـرا لها في الأديان السماوية أو عند السلف الصالح، ومنع المتاجرة مع الكويت، وأذن لعشائر الأردن والعراق بالـرعي في بلاد المسلمين، وسكت عن الروافض في الحساء والقطيف فإما أن يجبروا على دخول الإسلام وإما أن يقتلوا ».

وهكذا كان البدو الوهابيون ينظـرون ـ ومازالوا ـ إلى الدول الأخـرى على أنها بلاد الكفـر والإلحاد، وينظـرون إلى الشيعة الذين يمثلون على الأقل 10٪-;- من الشعب العربي المتسعود على أنهم روافض يجب طـردهم من البلاد أو إساءة معاملتهم باستمرار. وعندما انشق الوهابيون على أنفسهم في عام 1928 وانتفض البعض منهم بسبب إدخال السيارة والتليفون والتلغراف إلى البلاد، تصدى لهـم المـلك عبدالعزيز بأن حمل مجلس العلماء ـ وهم من الوهابيين أيضا ـ على إصدار " فتوى " تحث على ضرورة القضاء على هذه الفئة المارقة لعدم علمهم بمخالفة المخترعات الحديثة للتعاليم الدينية من عدمه، فهم لم يجـدوا ذكرا لها في الأديان السماوية أو عند "السلف الصالح". وبذلك أجهـز ابن سعود على محدثي هذه الانتفاضة الأولى من نوعها وقضى عليهم جميعا.

ونظرا إلى أن الدولة المتسعودة ما كانت لتقوم لها قائمة مالم تحظى بدعم قـوي من رجال الدين الوهابيين، كما أن بقاءها مـرهون بالتحالف معهم؛ فقد جمعهم الملك تحت سقف واحد سمي"هيئة الأمـر بالمعـروف والنهي عن المنكـر" ليسهل عليه وضعهم تحت سيطرته. مع أن قضية التحالف معهم تمس إمكانيات وحدود شـرعية السلطة السياسية للأسـرة السعـودية الحاكـمة، وتحاول جذبها إلى أقصى حدودها، خاصة وأن من أهم أهداف الحركة الوهابية هو مقاومة أي تحديث سواء في الحياة المادية أو الدينية للبدو العـربان. وفي أكتوبر من عام 1982 أصدرت الحكومة السعودية وثيقة تعد تحديا مباشرا للوهابيين حتى وإن لم تذكرهم بالإسم، تقول الوثيقة بوضوح أن الحكومة لن تتخلى عن سياسة التحديث التي تنتهجها لأنها تراها ضرورية لتقدم الشعب المتسعود ومواكبة العصر الحديث.

ومع أن تلك الهيئة تتمتع الآن بإمكانيات مادية لا حـدود لها وفـرتها لهم عائدات النفط، إلا أن رئيسها لم يُعترف به رسميا على أنه مفتي الدولة المتسعودة، واقتصـر نشاطها على ملاحقة الناس بالهـروات في أوقات الصلاة وتحويل الممتنعين منهم عن الصلاة إلى الجلد العلني، والخارجين على قواعدها الإسلاموية الشاذة إلى قطع رؤوسهم أو رجمهم بالحجارة حتى الموت. وفي جريدة الرياض اليومية عدد 6349 (في 1985/11/10) سئل أحد المسؤولين الكـبار في الهيئة عن قـيام رجالها باستخدام الضـرب في الأسواق دون استثناء للنساء والأطفال، وسئل أيضا عن تدني ثقافة بعض رجال الدين، وعن انتحال بعض الناس لشخصية رجل الهيئة ليحقق مآرب لنفسه على حساب الآخرين، ومع أن المسؤول الوهابي الكـبير هذا، والذي لم تذكـر الجريدة اسمه، لم يؤكـد كما هو متوقع صحة هذه المعلومات التي تتداول في المجتمع، إلا أنها لم تأتي من فـراغ، كما أن رجال الدين أنفسهم هم الذين يحقـقون مآرب لأنفسهم على حساب الجميع، إذ يستفيدون من مخاوف الناس ويقومون بتشديد قبضتهم على حياة الناس ومسالكها. الأمـر الذي حدا بكثير من المتسعودين خاصة الأثرياء الجدد منهم إلى الإزدواجـية في الأخلاق فجاءت تصرفاتهم متناقضة تماما ولامعقولة، فترى أحدهم يقضي حاجته مع إحدى العاهرات في أفخم فنادق أوروبا ثم يطلب من أحد مرافقيه أن ينادي للصلاة وعندما تسأله عن الكيفية التي يتفق فيها هذا مع ذاك يقول لك « إن الحسنات يذهبن السيئات، والعبرة بالمحصلة النهائية يوم القيامة ». إنه إنفصام الشخصية الذي أوجده نبي الأسلمة، وجاء الوهابيون لتعميقة في نفوس وسلوك المتأسلمين.

لقد عمدت الحكومة السعودية إلى ترويض رجال الدين الوهابيين بحيث تتفق فتاواهم " الشرعية "، على حد علمهم وفهمهم، مع أهدافها الرئيسية وفي مقدمتها المحافظة على السلطة في يدها وإحكام قبضتها على المجتمع بأسره. وأدرك الوهابيون أهمية التوافق مع السلطة السعودية وعدم الاصطدام بها ليحافظوا على مكاسبهم المادية، ومكانتهم الاجتماعية. لذلك أصبحت عـمليات القصاص العلنية مـرهونة أولا وأخـيرا بما تقـرره السلطة الحاكمة.
كتب سفـير إنجلترا في السعودية السـير جيمس كـريج في تقرير نهاية الخدمة الذي قدمه إلى وزارته في عام 1984: « في صيف كل عام يحدث خـروج جماعي من الدولة السعودية سعيا وراء المتع الغـربية، وعندما يحل الخـريف يعود السعوديون وهم سعداء بعودتهم. وتقوم الحكومة بغلق الأبواب عليهم وعزلهم عن العالم الخارجي »، وقال أيضا في هذا التقرير الذي أثار زوبعة كالعادة بين الحكومتين: « إن الـثروة البـترولية حـققـت للسعوديين مالم يتمكن الوهابيون من تحقيقه، فقد جعلت الإسلام دينا إنسانيا بصورة ما، إذ أن السعوديين المؤمنين أصبحوا يستمرأون الأوروبيين الكـفـرة »، وقال السير كريج : « ولكنهم لا يكفون عن ترديد الإيمان بالله، فقد يكون هؤلاء الكـفـرة في نظرهم لطفاء وشرفاء وصادقين ويمكن الاعتماد عليهم لتفوُّقهم تكنولوجيا ولكن ينقصهم شيء أساسي وحيوي واحد هو الإيمان بالله ».

واليوم أصبح الكثيرون منهم لايحتاجون للذهاب إلى أوروبا، فمن لم يتوصل إلى متعة الخمـر والنساء المتوفـرة بغـزارة في بلاده، يذهب إلى الفـلـبين أو تايوان أو غـيرهما، أو يقـود سيارته عـدة دقائق إلى الـبحـرين المجاورة لـيجد هناك كل ما تشتهي إليه نفسه.

الـبــترول

عندما أسس عبدالعزيز مملكته الصحـراوية في عام 1932 كان شعبه فقـيرا معـدما، لم يكن للـدولة أي مصدر للدخل القومي سـوى ما تجنيه من السياحة الدينية للمتأسلمين الذين يأتون كل عام إلى الأماكن المقدسة لتأدية فريضة الحج أو العمـرة، وفي عام 1932 على وجه الخصوص انخفض عدد الحجاج من مئة ألف إلى أربعين ألف حاج فقط، وألقت الأزمة الاقتصادية التي لحقت بالعالم في هذا العام وقبل قيام الحرب العالمية الثانية بظلال كثيفة على صحـراء شبه جـزيرة البدو العـربان، فلم يتمكن ابن سعود من دفع نفقات رجال حاشيته، مما أدى إلى انخفاض هيبته إلى حد كبير، فتلكأ رؤساء القبائل الكبيرة في تقديم العون المالي الذي طالما قدمـوه له، وذلك بسبب أصابتهم بالإحـباط وضياع الأمل في تحسين أحـوال الدولة من دخل البترول، إذ فشلت آنذاك المباحثات التي أجـرِيت مع شـركة البـترول الـبريطانية (BP) ومع شركة بترول العراق بسبب مطالب الملك اللامعقولة.

وظهر في تلك الأيام العصيبة صديق أمريكي حميم للبدو العـربان يدعى شارل كران ليضع نفسه في خدمة أبطال شبه الجزيرة المغاوير، ووافق الملك على مساعدته ففسح المجال لشركة أمريكية من كليفورنيا كي تنقب على البترول في المنطقة الشرقية من الدولة بناء على عقد وقعه معها في مايو عام 1932، تدفع له الشركة بموجبه مبلغ 000ر50 جنيها استرلينيا نقدا ومثل هذا المبلغ قرضا تسترده من عائدات البـترول المنتج. وكان هذا العقد أعجوبة في تاريخ سياسة الاستثمار للشركات الأمريكية، إذ أنه حتى ذلك الوقت كان الإنجليز ينظرون إلى شبه جزيرة العـربان بأكملها على أنها أملاك أميرية خاصة بهم، إذ فرضوا حمايتهم على الإمارات الخليجية الصغيرة الواقعة على أطرافها الشرقية، ووضعوا قواعد لهم في عمان وعدن للسيطرة على طرفيها الحنوبيين. ومع هذا كله لم تنجح شركة بريطانية واحـدة في التعامل مع البدو العـربان، لتأتي شركة أمريكية وتضع أقدامها بثبات في قلب شبه جزيرتهم، وبدعم قوي من الحكومة الأمريكية التي سارعـت إلى فتح أوَّل قنصلية لها في مدينة جـدة بعد ذلك بسنتين.

لم تجد الشـركة الأمريكية بترولا في بداية الأمـر، فكـررت عمليات الحفـر عدة مـرات ووصلت في حفـرها إلي عمق 3000 متر في الـرمال والصخور، وأخيرا وفي المـرة السابعة ظهر أول بترول سعودي ـ أمريكي في عام 1938. إلا أن الشـركة تعـرضت لضائقة مالية في هذا العام، وكانت الحكومة السعودية قد اتفقت مع شـركة أمـريكية أخـرى على التنقيب، هي شركة تكساكو. وأثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945) توقفت عمليات التنقيب والحفـر تماما، ولم تعد تلك العمليات إلا في عام 1948. وبعد انتهاء الـحـرب كانت الشـركتان الأمـريكيتان مضطــرتين إلى بيع 40٪-;- من رأسمالهما لتمويل أعمالهما في السعـودية. إشـترت الحصتين شـركتان أمريكيتان أخرتان وتكونت بذلك شركة أرامكو المعروفة من الأربع شركات. وفي عام 1939 دفعت شركة أرامكو للحكومة السعودية أكثر من 166 ألف دولار، وفي عام 1944 أكثر من 5و1 مليون دولار، ومع بداية العمل الجاد في عام 1949 دفعت لها مبلغ 5 ملايين دولار وزيد المبلغ إلى 115 مليون في عام 1952 وبعد اثنتي عشر شهرا دفعت للحكومة السعودية 212 مليون دولارا.

وعندما توفى الملك عبدالعزيز في عام 1953 كانت الحكـومة السعـودية قـد بدأت لتـوها في جني ثمار البـترول لتبدأ نهضتها المباركة على حـد قـولهم. ولكن الملك سعـود الذي خلف والده في الحكم أخذ في تبديدها تلك الثمار البترولية على ملذاته الشخصية، مما اضطر الأسرة السعودية إلى الإجماع على عـزله، فـترك البلاد إلى المنفى في اليونان ليحل محله أخـوه فيصل في عام 1964.

في تلك الأثناء (1952م) وقع انقلاب عسكري في مصر، أطاح بالملكية وجعل من المشكلة الفلسطينية ـ الإسرائيلية نقطة ارتكاز سياسية للنظام العسكـري الجديد، وحدث نفس الشيء في كثير من الدول المجاورة الأخرى التي تحررت آنذاك من الاستعمار وراحت تبحث عـن هويتها الوطنية وعن نظام سياسي يمكن أن يمتص التخلف الاجتماعي والاقتصادي فيها ويجلب لها التقدم والاستقـرار. وظهـر البـترول كـقـوة يمكن الضغط بواسطتها على الدول الصناعية الـقـوية كي تمكنها من تحقيق الهدفين ومن ثم حل المشكلة التي أصبحت شرق أوسطية بشكل كبير. « واعتقد جمال عبدالناصر أن بإمكانه تحقيق ذلك من بوابة " الـقـومية الـعـربية " الـمـزعـومة، مع أنه لم يكن يعـرف إلا القليل عن العرب، بل ولم يكن يشعر بأنه عربي، وظل السعوديون أقذارا فى نظـره حتى توفى في عام1970*3* ».

ولكن سـرعان ما انهارت بوابة القـومية العـربية المزعـومة فوق رأس عبد الناصر وجلاوزته بهزيمة ساحقة خلال ساعات قليلة أمام الإسرائيليين في يونيو من عام 1965، مما اضطره في مؤتمر "اللاءات الثلاثة" الذي عقدته ما تسمى بجامعة الدول العربية في الخرطوم في نهاية العام، إلى مد يدة الذليلة لأول مرة في تاريخ مصـر العـريق لأخذ دعم مالي من البدو المتسعوديين، الذين سرعان ما شعروا بعدها أن الأمـور تتجه لصالحهم من جديد في المنطقة وفي العالم بأسره.

وجاءت الطفرة الكبرى في عام 1973 عندما رأي العـربان أن قطع بترولهم عن الدول الصناعية أثناء الحرب المصرية ـ الاسرائيلية سوف يحقق لهم أموالا طائلة، فقطعوه، ومن ثم ارتفع سعر البرميل من البترول الخام (156 لترا) من 3 دولارات إلى أكثر من 53 دولارا في أقل من ستة أشهر، وحصلت الحكومة السعودية في هذا العام وحدة عـلى 20 بليون دولار (البليون = ألف x ألف مليون )، ولم تتمكن إلا من صرف ثلثي هذا المبلغ بسخاء وتبديد في نفس العام. وسارعت البنوك الأمريكية والأوروبية إلى إدارة الشئون المالية للحكومة السعودية التي ازداد دخل بترولها بشكل متطـرد. خاصة أنها سعت إلى تقاسم الأرباح مع شركة أرامكو ، وتأسست لذلك في عام 1973 شركة بترومين السعودية التي اشترت حصة مقدارها 52٪-;- من شركة أرامكو، لكن السعوديين لم يقنعوا بهذه الحصة فزادوها إلى 60٪-;- في عام 1974. وكان الملك فيصل يحذو بذلك حـذو التأميمات التي حدثت لشركات البترول الأجنبية في كل من الجزائر وليبيا والعراق. ومع ذلك حققت شركة أرامكو أرباحا صافية بلغت 3و3 بليون دولارا في عام 1973 وحده، ووافقت على هذه الصفقة طالما ظلت المالكة الوحيدة، كما أن حساباتها دلت على أن الأرباح لم تنقص بالرغم من نقص حصتها لأن أسعار البترول كانت في ارتفاع متطرد في الأسواق العالمية.

كانت المشاركة مع أرامكو تعني أن الكثيرين من المتسعوديين سوف يصبحون عمالا ومهندسين ومديرين يعملون ويقررون لأول مرة في حياتهم في حقول البترول ومصانعه، الأمر الذي يحتم على الحكومة السعودية أن تعمل حسابا كبيرا له؛ نظرا لنشوء طبقة اجتماعية جديدة من التكنوقراطيين، التي يمكنها أن تمتثل للشعارات الثورية التي أشاعها عبد الناصر في المنطقة، ولا تقنع بحياتها مهما زادت رفاهيتها. وفي هذا الصدد قيل لي في السعودية أن جريدة "الأيام" التي تصدر من الدمام نشرت رسما لبقـرة واقـفة بعرض شبه الجزيرة تأكل من المنطقة الشرقية حيث البترول وتُحلَب في المنطقة الوسطى (نجد) منشأ الأسرة السعودية، وتخرج روثها في المنطقة الغـربية (الحجاز)، الواقع أنني لم أرى الرسم بنفسي، وقيل لي أن الـرسام سُجن ثلاثة أشهر بسببه!.

ونظرا لخوف الأسرة السعودية من تسرب الأفكار العمالية الاشتراكية التي روج لها عبد الناصر وسادت بين جيرانها، أسرع الملك فيصل إلى التحالف مع أمريكا، ففي صيف عام 1974 وقَّع الأمير فهد إتفاق تعاون مشترك ذا أثر سياسي وعسكري تلتزم بموجبه أمريكا بإرسال 8000 مستشارا عسكريا إلى السعودية لصيانة وقيادة الطائرات الحربية المتطورة والعمل على تشغيل محطات الصواريخ الخاصة بالدفاع الجوي والمنصوبة على طول الحدود الجنوبية والشمالية للملكة، وتعهد الملك بعدم استعمال أية أسلحة أمريكية ضد إسرائيل. وتكفلت أمريكا بحماية الأسرة السعودية الحاكمة خلال العشرين سنة التالية للإتفاق، كما تعهدت ببناء الحرس الوطني من البدو كقوة ضاربة وعنيفة يمكن الاعتماد عليها في حماية القصور الملكية بواسطة خبراء من سلاح الصاعقة والقوات الخاصة الأمريكية. بيد أن ذلك لم يمنع قتل الملك فيصل في قصره في يوم 1975/3/25 على يد أحد أقربائه الشبان، ولم يغير قتله شيئا من سياسة الدولة السعودية القاضية أولا وأخيرا بغاية المحافظة على حكم آل سعود. وأن هذه الغاية وحدها كـفيلة بتبرير كل الوسائل مهما كانت منحطة أو لا إنسانية.

ومع أن عائدات البترول أعطت إلى حد ما لأحفاد صلعم قيمة اقتصادية في العالم لأول مرة في تاريخهم إلا أنها أصبحت أداة هدم وتفريق حضاري وثقافي وسلوكي بينهم وبين الآخرين، خاصة وأن آل سعود تبنوا سياسة تتسم بالمهادنة التي لا تعدو كونها "إطعم الفم تستحي العين"، مما يخـرص الألسن ويغل الأيدي ويحل الولاء محل العداء إلى حين. ففي هذا الصدد كتبت مجلة "دير اشبيجل" الألمانية في عدد 1978/27 تقول: « إن رؤساء الولايات المتحدة ظلوا منذ عشرين عاما يطلبون من البيت الملكي السعودي أن يدفع نيابة عـنهم مساعدات مالية للحركات المناوئة للشيوعية في دول العالم » . وقالت في عدد فبراير 1985: « عندما زار الملك فهد واشنطن استقبله الرئيس ريجن بحفاوة بالغة ودعى «خادم الحرمين» إلى الحديث معه في البيت الأبيض ثلاث مرات، وعلق مستشار الأمن القومي هناك على ذلك بقوله إنها معاملة غير عادية. وأن هذه المعاملة الغير عادية جعلت جلالته يوضح إستعداده لتقديم العون لأصدقائه الأمريكان برفع مساعداته في المستقبل إلى ثوار نيكاراجوا من مليون إلى 2 مليون دولار شهريا ».

كما أن الملك سعود حرض السوري عبد الرحمن السراج على قتل عبد الناصر مقابل ثلاثة ملايين دولار، فأخذ السراج المبلغ وأعطاه لعبد الناصر، ويقال أنه استعمل في بناء برج القاهرة.

يقول الدكتور فؤاد زكريا: « وفي سبيل الإبقاء على هذا الوضع الجائر، كان أسهل الأمور هو استغلال المشاعر الدينية لدي الجماهير من أجل نشر نوع من الإسلام لم يكن له نظير طوال تاريخ الأمة الإسلامية، هو إسلام الحجاب واللحى والجلباب القصير وتوقف العمل في مواعيد الصلاة وتحريم قيادة المـرأة للسيارات. في هذا النوع من الإسلام ينصب الكفاح على منع الاختلاط بين الـرجل والـمـرأة، وتلعب التحـريمات والمخاوف الجنسية دورا يتجاوز أهميتها في الحياة بكـثير، ويصبح أداء الشعائر غاية في ذاتها، بغض النظر عن المضمون السلوكي والاخلاقي والاجتماعي الكامن من ورائه. وباختصار يقوم هذا الإسلام البترولي بعملية فصل تام بين الدين وحياة الناس الفعلية، وبين الإيمان ومشاكل الفـرد أو المجتمع». ويقول :«وهكذا تكتمل حلقات المؤامرة: فالإسلام البترولي يبعد أذهان الشعوب التي تدين به عن المشاكل الداخلية والخارجية لمجتمعاتها، ولكنه لا يمس مصالح الدولة الرأسمالية الكبرى في البترول. وهو يدعو الناس إلى الزهد في متاع الدنيا والتدبر فيما ينتظرهم بعد الموت، ولكنه لا يمس ميولهم الاستهلاكية التي تصل إلى حد السفاهة التي تسهم في إدارة عجلة الإنتاج الاقتصادي في الدول «الصليبية»، كما يلقبها وعاظ هذا الإسلام. ولا يجد الإسلام البترولي أي تناقض بين دعوته إلى شمول الشعائر ونشرها على كافة المستويات، وخصوصية الثروة والنفوذ وفردية القرار السياسي. إنه باختصار إسلام يوظف لحماية المصالح البترولية للقلة الحاكمة وحلفائها من الدول الأجنبية المستغلة*4* ». هذه خلاصة ما توصل إليه المفكر المصري.

توقفت الغزوات، وامتنعت الغنائم، وإنطفأت جذوة الدين بين البدو العـربان في شبه الجزيرة، فتفشي الفقر بينهم، وانقسموا في بلادهم الصحراوية القاحلة إلى مقاطعات، ولم تمنعهم عائدات الحج السنوي من العودة إلى ماكانوا عليه قبل الإسلام من عبادة الأشجار والصخور وعمليات السلب والنهب والتناحر الدموي فيا بينهم، بل مارسوا تلك العمليات على الحجاج أنفسهم، فكان لابد أن يظهر بينهم " نبي " جديد هو " محمد بن عبد الوهاب ". جمع الوهابيون كل خواص الصعاليك المحمدية الإسلاموية، واستعانوا بعائدات النفط الوفيرة لفرضها بشكل مطبق ومحكم على العقول والنفوس والمشاعر والأحاسيس الإنسانية، ومن ثم تحويل البشر إما إلى أدوات في أيدي الحكام العجزة ورجال الدين المرتزقة أو أشباح لا حول لها ولا طول. وقد عرض الدكتور أيمن الياسين هذا الموضوع بدقة في دراسة له، تعد من أفضل الدراسات*5*.

أما آل سعود فقد اعتمدوا على عائدات النفط وسلطة رجال الدين معا في سياسة المحافظة على هيمنتهم المطلقة التي لا ينازعهم فيها أحد. وسياسة المحافظة على الهيمنة المطلقة لشخص واحد أو قبيلة أو فئة واحدة من الناس أوضحها ميكيافيلي في كتابه "الأمير" منذ عام 1532، لكنها أصبحت من الأمور التي لا تتسم ببعد النظـر في العصر الحـديث. والحقيقة أن خنوع الإنسان وخضوعه لا يكفي لتبرير طغيان السلطة الحاكمة، وذلك لأن الإنسان يخنع ويخضع فقط عندما ينجح الطاغية في تضليله إلى حد لايبدو معه موقفه وكأنه مفـروض من قبل البـشر، بل أنه معطى مباشرة من قبل سلطة إلهية عليا، لن يجدي معها أي تمرد أو احتجاج. لذلك تتضامن السلطة الحاكمة مع السلطة الدينية في جميع الدول المتخلفة حضاريا لتحقيق اصطناع وجودهما بإسم تلك السلطة الإلهية العليا، وبدلا من أن يعملا معا على تأكيد إنسانية الإنسان وتوسعة ملكوته الإنساني في بلادهما، فإنهما يعارضان بقوة وضراوة مشاريع سائر البشر بالمقاومة الهدامة والتخـريب السلوكي. ومن هنا تصبح سياسة تلك الـدول غـاية وليست وسيلة لإيجاد مكان لها في عـالم الــيـوم.

ولأن سياسة آل سعود غاية في ذاتها فإنها تنتهج أسلوبا فـريدا من نوعه، يتسم بالمهادنة ـ أو بمعنى أصح: أسلوب التقية مع الآخـرين، الذين ينعتونهم بالكفار، ففي هذا الصدد كتبت مجلة " دير اشبيجل " الألمانية في عدد 1978/72 تقول: « إن رؤساء الولايات المتحدة ظلوا منذ عشرين عاما يطلبون من البيت الملكي السعودي أن يدفع نيابة عنهم مساعدات مالية للحـركات المنـاوئة للشيـوعية في دول العالم. وقالت أنه في فـبراير 1985 عندما زار الملك فهد واشنطن استقبله الرئيس ريجن بحفاوة بالغة ودعى «خادم الحرمين» إلى الحديث معه في البيت الأبيض ثلاث مرات، وعلق مستشار الأمن القومي هناك على ذلك بقوله إنها معاملة غير عادية. بيد أن هذه المعاملة الغير عادية جعلت جلالته يوضح إستعداده لتقديم العون لأصدقائه الأمريكان برفع مساعداته في المستقبل إلى ثوار نيكاراجوا من مليون إلى 2 مليون دولار شهريا ».

وقالت المجلة « إن أحـد الدبلوماسيين الأمريكيين صرَّح في الأسبوع قبل الماضي لجريدة نيويورك تايمز بأن السعـوديين كانوا في بعض المواقف خـرافيين للغاية، ولذلك نلجأ إليهم دائما عندما نريد منهم أن يدفعوا لشيء ما نيابة عنا، إنهم بالنسبة لنا بقـرة حـلـوب على مستوى عظيم جدا. ونقل تحقيق المجلة عن وليم كوندت الخـبير الأمـريكي في شئون الشرق الأوسط قوله:«لتحرير شيك يحتاج الملك إلى 10 ثوان بينما الكونجرس الأمريكي يحتاج إلى أسابيع، فالملك عنده مال كثير وليس عنده كونجرس يسبب له المتاعب ». وأورد تحقيق المجلة مجموعة من الأمثلة للجهات التي ساعدتها الحكومة السعودية نيابة عن أمريكا منها على سبيل المثال مساعدات للقوات المتمردة في أنجولا بلغت 50 مليون دولار، وتحملها تكاليف نقل القوات المغـربية إلى زائـير في عام 1977، ودعمها المتواصل للنميري في السودان مما أخَّـر في عزله، ومساعدات أخرى لا حصر لها قدمتها للقوات المتمردة في إرتريا وللمجاهدين الأفغان، وغير ذلك بهدف أن تظل الحكومة الأمريكية ملتزمة بحماية البيت السعودي.

وفي كتاب « مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية » من تأليف المحلل السياسي الفرنسي: لورنت مورافيك Laurent Murawiec والذي صدر باللغة الفرنسية في نوفمبر 2003 وترجم إلى لغات عديدة، وترجمه إلى العربية عادل الجندي، جاء ما يلي:
« السعودية هي إمبراطورية بنيت بالدماء وتسعى إلى توسيع نفـوذها. المال ليس له رائحة كما يقول الـرومان ولكنه يتكلم وشديد الإقناع. منذ بدء تضاعف أسعار البترول في عام 1973 وصل الـتراكم الـمالي الذي حصلت عليه السعودية إلى اثنين تريليون دولار. استخدمت تلك الثروة الهائلة لـشراء الدول والضمائر والأحزاب السياسية والمشهورين والـمرتزقة».

الصـعاليك المتسعـودون والآخـرون

كان العـربان في الماضي يتعاملون بشكل مباشر مع الغـرباء إما عن طريق الحج حيث يفد إلى منطقة الحجاز كل عام أعـداد غـفيرة من الحجاج، وكانت العلاقة بينهما علاقة تجارية خالصة يتم خلالها تبادل المنافع، وتنتهي بانتهاء موسم الحج. وإما عن طريق الـرق والعبودية. يقول السيد أحمد أبو الفضل في كتابه مكة في عصر ما قبل الإسلام ص 157: « كانت طبقة العبيد في المجتمع المكي طبقة محرومة من الامتيازات بل على العكس من ذلك كانت طبقة مثقلة بالواجبات نحو سادتها، وكان يوكل إليهم بالأعمال التي يأنف العـرب القيام بها مثل الرعي والحدادة والحجامة والتجارة. وكان بإمكان العبد أن يُعْتق إذا قام بعمل خارق أو خدمة عظيمة لسيده تبرر عتقه وتحريره، وقد بلغ عدد الرقيق في مكة عددا كبيرا وقد كان أكثر هؤلاء العبيد السود من أصل افريقي اشتراهم أثرياء مكة للقيام على خدمتهم ولإرضاء شهواتهم ». ويقول: « وقامت على خدمة قريش طائفة أخرى من الرقيق، أدق عملا وأحسن خدمة وأرقى إنتاجا هم الأسرى البيض من الشمال في بلاد الشام والعراق الذين كانوا يقعون في أيدي الفرس والروم أو القبائل المغيرة على الحدود، فيباعون في أسواق النخاسة ومنها ينقلون في أنحاء الجزيرة العربية للقيام بمختلف الأعمال، يضاف إلى هؤلاء الرقيق المستورد من أسواق أوروبا لبيعه في أسواق الشرق. وكان هذا الرقيق أغلى ثمنا من الرقيق الأسود نظرا لأنه أكثر ثقافة، وكان يحسن من الأعمال مالا يحسنه العبيد السود ». ويقول: « وكما كان في مكة كثير من الرجال الأرقاء سود وبيض، كذلك كان فيها عدد كبير من الإماء: منهن السودوات اللاتي كن يقمن على الخدمة في البيوت ومنهن البيضاوات من الروم والفرس وغيرهن كن يقمن على الخدمة والمنادمة وإرضاء نوازع النفس ... ».

قد يقول أحدنا: ولكن ذلك كان في مكة قبل الأسلمة وفي عصر إنتشرت فيه تجارة الـرقيق، بيد أن الأمر ظل على ما هو عليه بعدها في شبه جـزيرة العـربان، وبقى على حاله حتى يومنا هذا، بل وهناك فقه كامل في الأسلمة عن تجارة العبيد والتعامل معهم تماما مثل المواشي والبضائع. ولكن تلك التجارة أخذت منحىً أخـر يختلف عما كان عليه. ففي عام 1962 قامت الحكومة السعودية بإلغاء تجارة العبيد رسميا. وعندما بدأ العـربان الاستفادة من الثروة النفطية المتزايدة في بلادهم، ومع بداية الطفرة البترولية الكبرى في عام 1973 تدفـقت عليهم أعـداد هائلة من طالبي الـرزق من جميع أنحاء المعمورة باختلاف جنسياتهم ودياناتهم ولغاتهم وثقافاتهم ليشقوا الطرق ويشيدوا العمائـر والكباري وغيرها من مرافق الحياة، كما انهالت عليهم جموع غفيرة من التجار والصناع والمهـرجين والمغامـرين والمنافقين واللصوص، وكان لابد من صياغة قانونية للتعامل مع هؤلاء الأجانب الجدد الوافدين بمحض إرادتهم إلى بلادهم . فجاءت تلك الصياغة عبارة عن تقنين للـرق والعبودية في النصف الثاني من القرن العشرين لا مثيل لها في أي بلد من بلدان العالم، وقد نص باختصار شديد على ما يلي:
1. لا يفد للعمل في البلاد السعودية أي أجنبي مالم يكن على كفالة سعودي.
2. لا يحق لأي أجنبي أن يعمل سوى لدي كفيله السعودي الذي استقدمه بإسمه.
3. لا يحق لأي أجنبي مغادرة مكان عمله لأي سبب من الأسباب مالم يحصل على موافقة خطية من كفيله السعودي، تكون مسببة ومعتمدة من الجهات المختصة، ولمدة لا تزيد عن شهر واحد.
4. لا يحق لأي أجنبي نقل كفالته إلى كفيل آخر سعودي مالم يوافق خطيا على ذلك كفيله الذي استقدمه بإسمه أمام الجهات المختصة.
5. لا يسمح لأي أجنبي بمغادرة البلاد السعودية إلا بموافقة كفيله خطيا أمام الجهات المختصة.
6. لا يسمح لأي أجنبي بالاحتفاظ بجواز سفره، ويجب تسليمه إلى كفيله، وأن يحمل بدلا منه دفتر إقامة (لونه أصفر للأجانب المسلمين ولونه بني للأجانب غير المسلمين) وأن تسترجع الجهات المختصة دفتر إقامته عند مغادرته البلاد عن طريق كفيله السعودي.
هذا ومن الممنوع منعا باتا على أي أجنبي أن يحضر بنفسه إلى الجهات المختصة تلك لأي سبب من الأسباب، ومن يضبط منهم هناك يسجن في أسوأ سجون في العالم حتى يأتي كفيله السعودي ليتسلمه شخصيا. ولذلك راجت هناك مهنة لا مثيل لها في العالم هي مهنة (التعقيب)، ولابد للمعقِّب أن يكون سعودي الجنسية ويقوم بمتابعة كافة الإجراءات الخاصة بالمكفول الأجنبي نيابة عن الكفلاء السعوديين ـ أصحاب العمل ـ وهم الأثرياء الجدد الذين يترفعون عن آداء هذه الأعمال في جـو من البيروقراطية الكـريهـة.

ولقد أدى هذا الوضع إلى نشوء مؤسسات فردية لجلب العمالة الأجنبية من الخارج بإسمها وبيعها لأصحاب العمل المتسعوديين، أو إطلاقهم في أسواق العمل المختلفة ليعملوا ما يمكنهم عمله مقابل مبلغ محدد من المال يدفعه كل منهم لكفيله، تماما كما كان يفعل المغيرة بن شعبة مع أبي لؤلؤة المجوسي الذي اغتال عمر بن الخطاب، ومازال يفعله الكثيرون منهم. فإذا تقاعث عن دفع المبلغ يتم بيعه إلى كفيل آخر أو ترحيله إلى بلده. وخلق هذا التقنين جوا في غاية القسوة والسوء بين أصحاب العمل المتسعوديين والعاملين الأجانب، فاضطر الكثيرون منهم إلى الهرب من كفلائهم، وامتلأت بطون الصحف اليومية بإعلانات هروبهم والتنبيه على أن من يعرف شيئا عنهم يسارع إلى تبليغ الشرطة ومن يتستر عليهم أو يشغِّلهم يعرِّض نفسه لأقسى العقوبات. وراحت تظهر على السطح تعاملات شاذة مثل سوء المعاملة وأكل الحقوق وتحتم على المرء أن يسمع لأول مرة في حياته حديثا منسوبا إلى النبي يقول « إعـطِ الأجـير أجره قبل أن يجـف عـرقه »، واضطرت جريدة الرياض في عددها 1987/5466 أن تتناول ذلك الوضع بحرص شديد في مقال لها تحت عنوان: « قصص كريهة تحتاج إلى غربلة »، وقالت: « هل نعطي الأجير أجرة قبل أن يجف عرقة كما أوصانا ديننا ونبينا ـ أم نتركه يبكي حتى تجف دموعـه ؟ وهل نأخذ منهم بقـدر ما نعطيهم ونطالبهم في حدود طاقاتهم وقدراتهم الجسمية والذهنية ؟ ! أم نطالبهم رهقا ونأخذ منهم من وقتهم وراحتهم أكثر من احتمالهم؟ وهل نستغل ضعفهم وغربتهم وجهلهم بالناس من مسئولين وغير مسئولين ونهددهم ونلوِّح لهم بالقبضة أو نستعملها بالفعل ضدهم ؟!»، وتضيف الجريدة قائلة :« يقولون وكلمة ـ يقولون ـ تحتمل الصدق وتحتمل ضده، إنه يوجد أناس عديموا الضمائر والأخلاق الإنسانية، يقومون باستغلال ضعف العمال والشغالات ويتصرفون معهم تصرفا بعيدا عن روح الاسلام وسماحته ونخوة العربي وشهامته »، ولم تتطرق الجـريدة بشيء من الإيضاح إلى ماهية روح الإسلام وسماحته أو نخوة العربي وشهامته هذه، وتقول الجريدة: « عندما يحاول أحدهم الاعتراض والشكوى يهددهم بأنه سيلفق لهم تهما خطيرة كأن يدس لهم شيئا في مقر سكنهم ـ يوديهم في داهية ـ وهم أغراب و ـ الغريب أعمى ولو كان بصيرا ـ كما يقول المثل ». قد يقول البعض منا إن هذا الأفعال فردية ويمكن احتواءها، ولكنه بهذا يتجاهل كونها سلوكيات متأصلة في شعب بأكمله، قامت ثقافتة وعاداته وحياته بكاملها علي دين وفلسفة الصعاليك.

وكما كان الحال عليه بين البدو الصحراويين أصبح وضع الأجانب مع البدو النفطيين مختلفا تبـعا لاخـتلاف جـنسياتهم. فـهـناك الـعـمال الـوافـدون من شـرق أسيا وهم أكـثر الأجـانب التصاقا بالعـربان المتسعوديين، إذ يمكن لكل منهما أن يدلف مباشرة إلى غرفة نوم الآخر، لتختلط دماؤهما وتمتزج ملامحهما معا، فهم المفضلون للعمل في المنازل لعدم معرفتهم باللغة العربية، ومن ثم عجزهم عن التشهير العربي بهم. وهناك عمال آخرون وافدون من أوروبا وأمريكا الشمالية ويجلبون معهم العلم والمعـرفة وحل المشاكل والهامبورجر وأفلام الجنس، ومع أنهم كـفـرة إلا أنهم يتمتعون بمعاملة حسنة تفوق مثيلتها في بلادهم، وهم أول الذين عملوا على فضح أساليب العـربان وتعريتهم أمام العالم. أما العمال الناطقون بلغة العربان الوافدون إليهم من الدول المجاورة المستعـربة فهم معزولون تماما عن حياة العربان حتى لا يعرفون الكثير عن مثالبهم، وهم في صراع دائم من أجل الخروج من نطاق العـزلة والعبودية المضروب حولهم، ولا يتمكن أحدهم من كسر هذا النطاق ـ إلى حد ما ـ مالم يتمتع بحلو الحديث ونعومة الكلمات وفن الرياء والنفاق ويؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، وعادة ما يرتدي في خنوع الـزي الوطني المتسعود، ليكون الأسعد حظا من غيره في عمليات الاختلاس والنصب والاحتيال.

وأخيرا تحدث تقـرير أصدره الاتحاد الدولي للنقابات الحرة في عام 2005 وأشارت إليه صفحة " ميدل إيست أن لاين*6* » بتاريخ 2006/6/7 عن الأوضاع المأساوية للعمال الأجانب في الخليج، وقال التقـرير: « إنهم يحرمون من كل الحقوق تقريبا. وهم في أغلب الأحيان محرومون من جواز السفر وضحية ابتزاز، ويتعرضون للاستغلال بشكل مخجل ». وتطرق التـقـرير إلى سوء معاملة الأجانب في عدد من الدول الخليجية ولكنه لم يذكر السعودية بالإسم، ربما لأنها تضرب نطاقا صارما من السـرية على ممارساتها، ولا تتوانى دائما وأبدا عن تلميع صورتها في الخارج بشتى الطرق والأساليب التي توفرها لها الآن عائدات النفط ووسائل الإعلام والدعاية الحديثة.

بطبيعة الأحوال لا بد لمثل هذه الأوضاع الاإنسانية أن تتغير في يوم من الأيام تحت ضغوط المجتمع الدولي المدني ومنظمات حقوق الإنسان والحيوان على حد سواء . ولكن العبرة من ذكرها هنا هو تبيان حقيقة أن أولئك البدو الصحراويين أحفاد الصعاليك لا يأبهون بدين أو أخلاق أو حتى مبادئ إنسانية مالم يجبروا عليها!!.

الصـعاليك المتسعـودون والجـنس

يقول الطبيب الأمريكي سيمور جراي في كتابه بعنوان «خلف الحجاب» في الفصل الحادي عشر تحت عنوان: الجنس تقليد سعودي*7* « إن السعوديين لا يرتوي ظمأهم إلى الجنس أبد، فعندما فتحنا مستشفى الملك فيصل التخصصي إنهالت علينا موجات عارمة من السعوديين الذين يشتكون من الضعف الجنسي، وكانت هذه الشكاوى غير مرتبطة بتقدم السن، إذ أن الأغلبية العظمى منهم كانوا في العقد الثالث أو الخامس من أعمارهم ، وكانوا يتمتعون بصحة جيدة. وبدى الأمر للأطباء المتخصصين كما لو كان وباءً معديا. وبعد قليل من التفكير إتضح أن السعودي يعـتـبر نفسه ضعيفا جنسيا عندما يعجز عن ممارسة العملية الجنسية مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، مما دفع بإدارة المستشفى إلى اتخاذ إجراءات الحد من قبول مرضى الضعف الجنسي ».

وقال جراي: « إنه أيقن بمرور الوقت أن السعوديين مصابون بمس أو هوس جنسي، وإن أحد الجـنرالات السعوديين دخل المستشفى لإصابته بتشنجات وآلام ناجمة عن إدمانه لشرب الكحوليات وكان ذلك الرجل وسيما وفي الأربعينات من عمره، وقد تلقى تعليمه في إحدى الأكاديميات الحـربية بانجلـترا، وتزوج بسعودية واحدة، أنجب منها أربعة أولاد. وبينما كان يتماثل للشفاء تحدث بإسهاب عن مشكلته الأبدية وهي الجنس، وارجع إدمانه للكحول وأغلب مشاكله الأخرى في الحياة إلى تعامله مع الجنس ». وعندما طلب منه جراي أن يوضح هذا الأمر، قال الجنرال السعودي: « إن فصل الجنسين عن بعضهما البعض في بلدنا وتحجُّب المرأة والاتصال المقيَّد جدا بين الرجال والنساء حوَّل الجنس إلى ظمأ جامح في نفوس السعوديين، فاعتبار الجنس من المحرمات أدى بهم إلى الاصابة بمس من الجنون الجنسي ». وسأله جراي عن الوضع بالنسبة للمرأة السعودية وعن الدور الذي تقوم به في إطار هذه الاخلاقيات الجنسية المتفشية في بلاده، فقال إن الفصل بين الجنسين قد تم على أساس تصوُّر الرجال بأن النساء السعوديات لا يستطعن مقاومة الاغراءات ومحاولات التقرب الجنسي منهن، فيستسلمن تلقائيا وبشهوة عارمة لتودد أي رجل. وقال: « إننا جميعا شهوانيون للغاية، ولكن شهوة المرأة عندنا أكبر بكثير من شهوة الرجل ». وقال جراي: « إن الزعم النمطي السعودي الذي طالما سمعه باستمرار هو أنه من الطبيعي لدي السعوديين الاعتقاد بأن المرأة مجرد أداة ورمز للإشباع الجنسي، وأنه ماجتمع رجل وامرأة إلا واسرعا إلى ممارسة العملية الجنسية، حتى وإن كانا لا يعرفان بعضهما البعض ». وسأل جراي الجنرال عما إذا كان عدم الترويض الجنسي للجنسين في بلاده هو السبب في ذلك قال الجنرال: «نعم إننا مازلنا بهيميين!! » وهز رأسه هزات مليئة بالمعاني، ثم استطرد قائلا: « ولكن العلاج أسوأ بكثير من المرض »، فسأله جراي عما يقصده بذلك، فقال: « لقد أصبح الظمأ الجنسي لا يطفئه إلا ممارسة الجنس مع إحدى الأجنبيات العاملات في المملكة، ومع أنه لا توجد دعارة واضحة ومقننة في بلادنا، إلا أنها متفشية بصورة خفية. أما الأوروبيات فيحتجن إلى وقت ومجهود كبيرين وهدايا غالية أو أثمان باهظة، الأمـر الذي يدفع بالكثيرين منا إلى شـرب المزيد من الكحول ومن ثم يستقر بهم المقام هنا ».
ومن الملاحظ أن البدو العربان أطلقوا على عضو المرأة الجنسي إسم " فـرْج " وهو مشتق من " الفرَج وتفـريج الكرب " مما يدل دلالة واضحة على أن ظمأهم للجنس وهوسهم به فعلا من الأمـراض النفسية المـزمنة، التي رافقتهم على مـر العصور والأزمنة.

ومن ناحية أخرى يقول جـراي: « كانت النساء البدويات فاتنات بوجه خاص، وعندما تأتي إحداهن لإسعافها، كنت أجد نفسي متـورطا في تحـدٍّ ذي نمط حضاري لم أشهده من قبل، فالامـر الذي أدهشني منذ البداية هو عدم اعـتراضها إطلاقا عـلى خلع ملابسها وتعـرية صدرها وأعضائها الجنسية وجسدها بالكامل بشـرط واحـد فقط هو ألاَّ يعـرف أحـد لـمن هذا الجسد العـاري، أي أن يبقى وجهها مغطى بالحجاب ... بينما الحضريات منهن فكن يزحـن الحجاب عن وجوههن مع بقية ملابسهن قبل أن يطلب منهن ذلك على الأقل أمام الطبيب الأجنبي ... إن المستشفى تعد مهـربا حـقيقـيا تتحـرر فيه السعوديات من تقاليد المجتمع وضغوطه*8* ». هذا ما قاله الطبيب الأمـريكي والجـنرال المتأسلم والمتسعود.

أما ما قالته جـريدة الـرياض وسمحت بنشـره الـرقابة الشديدة في المملكة في فـترة لا تتجاوز الشهـرين هو:
« تم قتله ظهـر أمس في الـرياض. إنتحل صفة رجل مرور وفعل فاحشة اللواط في برتغالي بالإكـراه » (1985/6/1)،
و « تنفيذ حـد الحرابة بمجـرم اختطف فتاة تحت تهديد السلاح وفعل الفاحشة بها » (1985/7/20)،
و« في أربعة بيانات لوزارة الداخلية : قَتل ثلاثة أشخاص لارتكابهم فاحشة اللواط. في الرياض خطف الغلام وأسقاه المسكِر واحتجزه عدة أيام.
وفي عرعر: اختطف ثلاثة أطفال أعمارهم بين4 ـ 6 سنوات.
وفي بريدة: اعتدى على طفل في فناء منزل أهله » (1985/7/27)،
و« جريمة بشعة في جدة: مجـرمان خطفا طفلة عمرها خمس سنوات، وفعلا بها اللواط وعند إعادتها قبضت عليهما الشـرطة » (1985/8/5).

إن المرأة السعودية معزولة تماما عن الرجل وعليها أن تقبع في البيت لتصبح فريسة سهلة للملل وإدمان الكحـول وتعاطي المخـدرات والدعـارة ومشاهدة أفلام الجنس الـرخيص (البورنو)، فقد تمكنت الكاتبة الإيطالية فيتوريا إلياتا في كتابها بعنوان «الحريم» من أن تنقل صورة حقيقية لمدى الحـرية التي تمتِّع بها المرأة السعودية خلف الحجاب، تقول :« كلمة (حريم) من فعل حرَّم ومفردها (حرمة) أي الشيء المحـرَّم على الآخـرين فلا يظهـر في الأماكن العامة وعلى الغرباء إلا مستترا وراء حجاب وبرفقة محـرِم ... لذلك خلقت المـرأة العربية مجالا كبيرا لها وراء الحجاب وخلف الأسوار والجدران الشاهقة لتمارس فيه حياتها بحرية من النادر وجودها في أي مجتمع آخـر ». وقالت أن الـمـرأة العربية لاتتحفظ في الحديث عن الجنس صـراحة وكشف عورتها أمام الغرباء، وأن الرجل العربي يده أطول من لسانه دائما، فتمتد دون خشية إلى أية امرأة تروق في عينيه خاصة إذا كانت أجنبية لأنها كافـرة في اعتقاده ويحق له الاعتداء عليها.

وأنا شخصيا تعـرفت أثناء وجودي ـ الغير مستحب ـ في تلك المملكة على زوجة بدوية شابة فاتنة بكل المعايير، ولا أدري لماذا كانت تذكرني دائما بـ« عائشة بنت أبي بكر »، ربما لأنها لم تتجاوز العشرين من عمرها، ومتزوجة من أحد أصحاب السمو الملكي، المشار إليه سابقا، وكان في السادسة والخمسين من عمره، وربما لأنها كانت لـعـوبا، إذ تعـرف تماما كيف تستحوز على عقل زوجـها وقلبه، وقد أنجبت " له " آنذاك ولدان وبنت. وفي حضوره القصير كانت تبالغ في احـترامه إلى حد مقزز، وفي غيابه الطويل عادة، تفـعل ما تريد. وأذكر أنني عندما ذهبت إلى جنيف في سويسرا لمقابلته في شؤون تجارية، ليس لدي أية مقدرة عليها، فوجئت بها ترافقني في مصعـد أحـد الفنادق الفاخرة، وقد ارتدت قطعة من الملابس الثمينة تكاد تغطي نهـديها، وترتدي "بنطلونا" يلتصق بجسدها الغض ويظهـر منه أكثر بكثير مما يخفي، لقد كانت بحق رائعة الجمال، ولا يمكن للمرء إلا أن يقف أمامها مسلوب الإرادة، غائب الوعي. وفي المساء كان علي أن أنَفِّــذ أمـر "صاحـبة السمـو" بالـذهاب معها إلى أحد الملاهي الليلية "، لأشهـد بنفسي الجـانب الآخر من حياتها، حيث كانت ترقص بسعادة منقطعة النظير، وبحرية لا تتـوفـر في بلادها.

أما الشيخ محمد علي الطنطاوي، وهو سوري يقال إنه طُـرِد من بلده، ربما لخـفة دمـه فيما يلفقه من فتاوى شـرعية، فـتـلـقـفه الوهابيون وأفـردوا له برنامجا خاصا في التلفاز المتسعـود لـيرد فيه على أسئلة المشاهدين. وفي رده على سؤال جاءه من مواطن يقول فيه إن زوجته ولـدت طفلا يشبه تماما السائق الفلبيني الذي يعمل لديهما، فماذا يفعل؟ أمـره الشيخ بأن يتقي الله في أهل بيته، وسأله في استنكار عما إذا كان لا يؤمن بـ" الوحم ". أو تلك التي قالت له أن الفتاة كانت ترى خطيبها في عصر الخيام حيث لا توجد موانع بينهما، وسألته عما تفعله في عصـر الـغـرف الحجـرية المغلقة، فـرد عـليـها قائلا أن تراه من " ثقب الباب ".

إنها إذن مهزلة بشرية مزمنة تتشكل فصولها من هزيان لا يتوقف وهـراء لا ينضـب!!.

الحقيقة أنني فوجئت بانتشار الـدعـارة في مـدن المملكة الصحراوية، وبكميات الخـمـور وأفلام " البورنو " التي تدخل إليها والتي بدت لي وكأنها تفوق كمياتها في أوروبا، وقال لي أحد الألمان العاملين في المملكة أنه أحضـر معه من أوروبا كمية كبيرة من تلك الأفلام ووضعها في حقيبته بدون غلاف، وعندما رآها ضابط الجمارك المتسعود سأله: ما هذه؟ فـرد عليه قائلا: أفلام بورنو!! أعطيها هدايا لأصدقائي السعوديين، خـذ منها ماشئت. فالتفت الضابط حـوله ليتأكد من أن أحدا لا يراه وسحب منها بهدوء فلمين، وتركه يمـر بالباقي. وكنت أعـبِّر دائما عن إحساسي بالأسى، بقولي لهم مرارا وتكـرارا: « أتعرفون أن هذا الفلاح الذي أتى أليكم من أعماق الـريف المصري، لم يرى زوجته عارية أبدا، بل ولم يجامعها إلا في ظلام الليل، والآن تتيحون له مشاهدة أقذر أفلام الجنس لأول مـرة في حياته، وعلى أرض كان يعتقد دائما أنها أطهـر أرض في العالم، ومن بشـر كان يؤمن أنهم «خير أمة أخرجت للناس »!!!
هذا إلى جانب كميات لا تعد ولا تحصى من الكحوليات التي تهَرَّب في شاحنات قادمة من اليمن بأسماء أصحاب السمو الملكي الأمراء. وحدث ذات مـرة أن إحداها كانت تحمل صناديق خشبية كتب عليها جميعها « قرآن كـريم، لا يمسه إلا المطهرون »، وتعرضت الشاحنة لحادث مروري تسبب في انقلابها وتحطم الصناديق واكتشاف ما بداخلها، لكنها كانت كالعادة بإسم صاحب سمو ملكي، لا يمسه أحـد!!!.

الصـعاليك المتسعـودون والـدين

إن العربان المتسعودين مثلهم مثل أسلافهم " الصالحين " يستعملون الدين كوسيلة لتـبرير الظلم الاجتماعي والتخلف الحضاري وكافة أشكال التصرفات المنحطة واللاإنسانية التي يمارسونها ويدعون إليها، بل وفرضها بالقوَّة. فالإسلام كما يُطبَّق منـذ بدايتـه قام على أساس الخضوع والاستسلام للسلطة الغاشمة وحمايتها وتـبرير سلوكها مهما كان مخالفا لطبيعة الحق. فخبث الفكـر وانحـرافه لـدي أولئـك العـربان وأعوانهم من العملاء أدَّى إلى فبكـرة دين يبتعـد تماما عن جوهر الحق الإنساني أكثر مما يؤدي إلى ذلك خبث البدن وانحـرافه بالمعنى الحصـري للكلمتين.

وفي أحد البرامج التليفزيونية التي تقنع المشاهد بأننا شعوب همجية لا تعرف سوى الصراخ وعدم الاعتراف بالآخـر*9* وجهت الدكـتورة وفاء سلطان سؤالا [بضمير الغائب] إلى خصمها الدكـتور إبراهيم الخولي وهو أحد مشايخ الأزهر، قائلة :
« لماذا لا يقـول (د. الخولي) لنا إذا ضبـط عـلى إنجـيـل في محـفـظة رجـل مسيـحي في السعـودية مـاذا سـيحـل به؟ »
فَـرَدَّ قائلا:
« أولا ليست السعـودية المثل الإسلامي الذي يٌضرب والسعـودية في نهـجـها وسـلوكـها العام أكـبر بلـد أدينـه فـيما يتصل بمعايير الإسـلام.. »

لا شـك أن الدكتورة وفاء سلطان كانت تشير إلى المواطن السعودي : صادق عبد الرحمن مال الله وهو ليس مسيحيا، بل من الشيعة المضطهدين في السعـودية، وقد اتهمه حـماة الفضيـلة الـوهابية [المطوعون] بتهريب نسخة من الإنجيل إلى بلاد الإسلام. وبالـرغم من إصراره على أن التهمة ملفقة ولا أساس لها من الصحة، ومن المناشدات الدولية للإفـراج عـنه أو تخفيف الحكم عليه، فقد تم إعدامه بقطع رأسه في1992/9/3 علنا أمام الناس في مدينة القطيف، وتقول منظمة العفـو الدولية إن السلطة السعودية أعدمت على الاقل 103 أشخاص بنفس الطريقة الهمجية في عام 1999، ومع أن البلاغات الـمقـدمة للمنظمة تفيد بأنها أعـدمت في العشرين سنة الأخيرة 1163 شخصا، إلا أن الدلائل تشير إلى أن الـعـدد الحقيقي يفـوق هذا الـعـدد بكثير، وأن من بينهم مـن يقل عمره عن 18 عاما [أي لم يبلغ سن الرشد]، وقد أعـدم الكثيرون منهم بتهم واهية أو ملـفـقة، ولم يسمح لمحامين بالدفاع عـنهم*10*.

ولكننا نود أن نسأل فضيلة الشيخ إبراهيم الخولي، إن كانت عنده فضيلة بالفعل، لو لم تكن السعودية هي المثل الإسلامي الذي يضرب، وأنه يدينها في نهجها وسلوكها العام « فيما يتصـل بمعايير الإسـلام »، فماذا تكون إذن؟ وهي منار الهدى ومهـــد البطــولة عبر المدى... إلى آخره؟ أليست تلك الدولة البليدة الخسيسة هي التي جاءت منها هذه الفكـرة الهشة الهـزيلة؟ والتي يقتات من ورائها، وجعلت من فضيلته، إن كانت لديه فضيلة من نوع ما، عـميلا كي يروج بضاعـتها الفاسدة والمفـسدة، حتى وإن لم يكن يتعاطى ـ على ما يبد ـ أجـرا نفطيا منها مباشرة؟. ثم ما هي المعايير الإسلامية التي يعنيها، إن كانت هناك معايير حقيقية؟، فـهؤلاء العملاء لم يتفقوا على أي شيء في هذا الدين على الإطلاق منذ ظهوره وفـرضه على رقاب الناس.

كانت الفكرة في بدايتها تصدر على رماح السيوف وفوق رقاب العباد ودمائهم وأموالهم ونسائهم، واليوم تصدر على بساط من الدولارات التي يدرها النفط كل يوم. وما دام الأمر هكذا، فالمتأسلمون في كل مكان كانوا ومازالوا على أتم استعداد لتقبلها والعمل بها، دون البحث في مضمونها أو معرفة الهدف من ورائها، لأن هناك من يفكر نيابة عنهم، إنهم الأسياد الوهابيون وعملاؤهم الأبرار.

فالشيخ البدوي عبد العـزيز بن باز كبير الدجالين الوهابيين يري أن غياب التفكير شرط لحضور الإيمان، فيقول: « الفكر والكفر واحد، بدليل أن حروفهما واحدة*11* ». أرأيت عـزيزي القارئ مثل هذا الهـراء؟. ويعلق فيصل دراج على ذلك بجدية قائلا: « وعلى القياس ذاته، تصبح الحـرب هي البحـر، والبحـر هو الـربح، والـربح هو الحـبر*12* ».

ولأن ابن باز يرى أن الفكـر كفـر بدليل أن حروفهما واحدة فقد كـفَّـر العلم والعلماء وملأ الأرض دجلا وجهلا حتى وفاته عام 1999.

كما وأن للبدو المتسعودين أسوة حسنة دائما في رسولهم لذلك انتشرت بينهم ظاهرة مفاخذة الأطفال، وجاءت إحدى فتاوى الدجالين لمعالجتها على النحو التالي:
« الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي أبو عبد الله محمد الشمري والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 1809 وتاريخ 1421/5/3هـ، وقد سأل المستفتي سؤالا هذا نصه:

انتشرت في الآونة الأخيرة، وبشكل كبير وخاصة في الأعراس عادة مفاخذة الأولاد الصغار، ما حكم ذلك مع العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد فاخذ سيدتنا عائشة رضي الله عنها.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي: ليس من هدي المسلمين على مر القرون أن يلجأون إلى استعمال هذه الوسائل الغير شرعية والتي وفـدت إلى بلادنا مـن الأفـلام الخـلاعية التي يرسلـها الكفار وأعـداء الإسـلام، أما من جهة مفاخذة رسول الله صلى الله عليه وسلم لخطيبته عائشة فقد كانت في سن السادسة من عمرها ولا يستطيع أن يجامعها لصغر سنها لذلك كان صلى الله عليه وسلم يضع إربه بين فخذيها ويدلكه دلكا خفيفا، كما أن رسـول الله يمـلك إربه عـلى عكـس المـؤمـنين.

بناء على ذلك فلا يجوز التعامل بالمفاخذة لا في الأعراس ولا في المنازل ولا في المدارس، لخطرها الفاحش ولعـن الله الكـفار الـذين أتوا بهذه العادات إلى بلادنا.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، عضو: بكر بن عبد الله أبو زيد، عضو: صالح بن فوزان الفوزان، الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن آل الشيخ ».

بالطبع لا يستطيع أولئك المأفونون أن يقولوا صراحة إن صلعمهم هو الذي أتى بهذه العادة وغيرها إلى بلادهم، بالرغم من اعترفهم بأنه مارسها مع عائشة وهي في السادسة من عمرها!!!

ويتضح من هذه الفتوى أن ظاهرة مفاخذة الصغيرات وممارسة الجنس عليهن قد انتشرة وبشكل وبائي بين البدو المتأسلمين المتسعودين، ولكن أساتذة التلفيق لا يرون نبيهم أسوة في ذلك لأن الطفلة عائشة ذات الست سنوات كانت خطيبته، ولم يتمكن من نكاحها لصغر سنها، فكان يفاخذها بوضع قضيبه بين فخذيها ويدلك فـرجها دلكا خفيفا، فهو يملك قضيبه على عكس المؤمنين، هكذا قالت عائشة لهؤلاء الدجالين وغيرهم من رواة السنة النبوية المطهرة. ولا بد لهم من تبرير أفعال نبيهم بتبريرات تحتقر العقل البشري، وتحميل ما ظهر وما بطن من فواحشهم على كاهل الكفار الذين أتوا بها إلى بلادهم. أنه أسلوب النعامة الذي يتقنونه جيدا، ويحتمون به دائما. لذلك يطلبون دائما من إلههم البدوي الصحـراوي أن يلعن الكفار، فهو إله "شتام ولعَّان"، إله قليل الأدب. لا يعـرف أن إله أولئك الكفار حـرم عليهم السب واللعن، وأن قوانينهم تجـرم كل من يسب ويلعن!!

ولكن، هل بمجرد إصـدار هذه الفتوى يتمكن أولئك الدجالون أو غـيرهم من معالجة تلك السلوكيات المتفشية والمتأصلة في مجتمعهم بالرغم من حقارتها؟ أم أن القانون الوضعي، إن وجد وتم تنفيذه بقدر من العدل والإنصاف، هو القادر وحده على ذلك؟ كما حدث في كثير من الدول المتحضرة، التي التزمت في تعاملها مع صغار السن بما سنته المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وحماية الأطفال والأسرة بوجه عام.

فبعد ما يزيد على ست سنوات من صدور هذه الفـتوى الغبية، تخرج علينا قناة " العـربية " الفضائية التي تملكها دولة الجهل المقدس وتبث برامجها مـن دبي، بحلقة مع غـادة جمشير وهي إحدى مناصرات حقوق المرأة في البحرين، تناقش فيها تلك القضية التي تتفشى في دول الخليج، وتمارس فيها بدعم قوي من تراثهم الحـقير*13*، على حـد قولها.

كما وأن نفس اللجنة البدوية المريضة كانت قد أصدرت فتوى أخرى برقم 19402 في 1418/1/25 برئاسة شيخ الدجالين يكـفـرون فيها كافة الأديان والملل والشرائع الأخرى وجميع الكتب المقـدسة لـدي الآخرين، لأنها نسخـت وأزيلـت بالإسلام والـقـرآن. كما حثت المتأسلمين على مقاتلة الكـفـرة الذين لا يؤمنون بديـن الحق، الآية 29 من التوبة.

إن الثقافة الدينية الإسلاموية تغرس بذور الغرور في نفوس المتأسلمين، مما يجعلهم على عداء مستمر مع الآخرين. فقد نعتوا أهالي البلاد الزراعية بعد التأسلم بالعجم خاصة في مصر والشام والعراق وأطلقوا على المواطنين لفظ "عـلوج" أي "عجـول"، وهي كلمة توحي بالتعالي والتسلط، وجاء في الحديث النبوي « إذا ابتاعيتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالـزرع وتركـتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ». ولهذا السبب نرى رجال الدين يواصلون جهادهم بتحـريض الجهلاء على قتل الأبرياء، بينما هم يملأون بطونهم ويزيدون من بدانتهم.

حدث ذات يوم أن حضرت مجلسا لأحد " أصحاب السمو الملكي آلسعودي " الشبان، وكان قد عاد لتوه من زيارة إلى مصر، وفي معـرض حديثه عن هذه الزيارة قال عن مصر إنها " بلد وسخ " لأن في القاهرة شارع الهرم الذي يأوي العاهرات ...، وبلعت أقواله التي لا تقدم ولا تأخـر. وفضلت ألا أعلق عليها بشيء، إلا أنه التفت إليَّ وطلب أن يعرف رأيي، فسألته: « لماذا ذهبت إلى شارع الهـرم حيث توجد الوساخة على حد قولك؟ أليس هناك أماكن أخرى ـ ربما تكون نظيفة ـ كان بإمكانك الذهاب إليها، مثل مسجد الحسين أو السيدة زينب أوغيرهما من الأماكن المقدسة التي يحتلها بني جـلـدتك، إذا كنت لا تريد زيارة المتاحف والأماكن الأثرية التي تحفل بها مدينة القاهـرة؟ أليس من السهل على من يبحث عن الداعـرات أن يجدهن في مكة نفسها، وربما على بعد أمتار من بيت الله؟ ». فلم يرد علي، وحمل لي العـداوة في نفسه. فقد فهم بذكائه البدوي الفطـري ما أعـنيـه.

وفي مجلس آخـر لأحدهم، وهو يحتل الترتيب الثالث عشر لأبناء عبد العزيز بن سعود، وتقلد في الماضي مناصب عـدة في الدولة منها وزيرا للـدفاع ثم وزيرا للـزراعة ثم حاكما لمكة ثم تقاعد عن العمل الحكومي لأسباب تندرج تحت تعبير " قصر النظر "، قال صـراحة على مسمع الحاضرين: « إن الحج أصبح عبئا علينا ولا يجلب لنا سوى المشاكل والهموم، ولولا غضب المسلمين لهدمنا الكعبة وألغينا الحج ». وكان يعلق بذلك على المظاهرات السياسية التي قام بها الحجاج، خاصة الإيرانيون، لسنوات عديدة مطالبين بانتزاع أماكن الحج المقدسة من سيطرة السعوديين وتدويلها. ومما لا شك فيه أنه ينقل بقوله هذا ما يجري في أروقة أصحاب السمو الملكي وما يدور في اجتماعاتهم الخاصة. ولكن لأنه قصير النظر بالفعل فإنه لم يفكــر أنهم ظلوا يقتاتون من هذا الحج الوثني ومن تقديس مبنى الكعبة وحجـرها الأسود منذ آلاف السنين وحتى الآن، وأنه من المستحسن لهم الإبقاء عليها جميعها لما بعد نضوب النفط في بلادهم ونفاد عائداته. يجب عليه ألا يفضح نفسه ويفضح بني جلدته أحفاد صلعم، ويترك المتأسلمين في كافة بقاع الأرض مخـدرين بأفيون نبيهم الكريم جدا، حتى تظل بقــرته الحلـوب تدر عـليهم المنافع إلى أبد الآبدين.

إن انفصام الشخصية مـرض متأصل بجدارة في نفـوس البدو العربان ـ المتسعوديـن حاليا ـ منذ وجدوا بحكم البيئة وحياة البداوة وتعاليم محمد الإسلاموية. ولقد نقلوا هذا المـرض على أسنان سيوفهم ودولارات بترولهم إلى خارج مكامنهم الصحـراوية. وهم في حقيقة الأمـر لم يقدموا لأنفسهم أو للآخرين أي شئ يجعلهم « خير أمة أخرجت للناس »، بل « أخبث وأردأ أمة على الإطلاق »، ومع ذلك أصبحوا منذ زمن بعيد قدوة لنا، فلم نقدم لأنفسنا أو لغيرنا ما من شأنه أن يشير من بعيد أو قريب إلى أننا ننتمي إلى أمة واحـدة بالفعل وأنها تتسم بأقل قدر من الخـير. بل على العكس وضعنا أنفسنا في سلتهم الخسيسة لنقدم للآخـرين نماذج محمـومة ومهـووسة بالكـلام ومــريضة بالفـعـل والعـمـل.

إننا بانتمائنا إلى أولئك الحقـراء نهين أنفسنا أمام الآخـرين فننفـرهم منا، فالآخـرون في كل بقاع الأرض يحترمون ماضينا المجـيد، بينما يحتقرون لذلك حاضـرنا المَهـين وواقعنا المشين.

ملحوظة: يمكن تنزيل الكتاب بالكامل بصيغة pdf، 331 صفحة وبه العديد من الخرائط والرسوم والصور على العنوان التالي:
http://www.4shared.com/office/n1NOibXkce/______1_.html

الهوامش:
*1* أنظر Howarth, David: The Desert King: Ibn Saud, Mc Graw-Hill, NY 1964
*2* تقول بعض المراجع، خاصة السعودي منها، أنها كانت قوات مصرية.
*3* راجع مايلز كوبلان: لعبة الأمم، تعريب: مروان خير، ط1، ص90 ، توزيع مكتبة الزيتون بيروت 1970.
*4* أنظر كتاب : الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة للدكتور فؤاد زكريا ـ دار الفكر ـ القاهرة ، الطبعة الثانية 1986.
*5* د. أيمن الياسين: الإسلام والعرش، الدين والدولة في السعودية، ترجمة: سيد زهران، كتاب الأهالي رقم 26، القاهرة يونيو 1990.
*6* http://www.middle-east-online.com/?i...38672&format=0،
*7* Seymour Gray: Beyond the Veil, Harper+ Row, Publ. New York, 1984.
*8*S. Gray: Beyond the Veil, مصدر سابق .
*9* برنامج «الاتجاه المعاكس» قناة الجزيرة الفضائية القطرية بتاريخ 2006/2/21.
*10* أنظر التفاصيل المفجعة على صفحة منظمة العفو الدولية:
http://www.amnesty.org/ailib/intcam/...issues/dp.html
*11* حسن إبراهيم أحمد: العقل الإيماني، دار المدى، دمشق2000، ص 8.
*12* فيصل دراج: الشيخ التقليدي والمثقف الحديث، دراسات ثقافية، مركز الدراسات دمشق
*13* تسجيل الحلقة: http://www.jesus-for-all.com/media/7oqooq al mar2a alarabiya tv.wmv
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس