عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-03-2007, 09:54 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,820
افتراضي المقامة المهموزة في "الحقيقة" المهزوزة. شعر: فؤاد زاديكه

المقامةُ المهموزة
في
"الحقيقة" المهزوزة



في البدء كان البهاء, يغمرُ وجه الصّفاء ويزيّن جميع الأشياء, في مملكة الهناء. تعثّرتْ خطى الجهلاء, وظهر العناء وتبدّدت سحبُ الرّجاء فعرف الكونُ مصدرَ الشّقاء, وذاقَ الهمَّ و عرف الفناء, لأنّ القلبَ دخله الافتراء واللسانَ لجمه العراء والعينَ فقأها الاشتهاء, بعدما فتحها الحياء!

منذ البدء و الابتداء تغيّر وجهُ الكونِ إلى صورٍ وأفكار وآراء, اختلطتْ عليه الأجواء و هوت فوق رأسه الأرزاء, وكبّلتْ يديه و رجليه أصفاد الانزواء فندم على ما جاء, وتمنّى عودته إلى تلك الأفياء, ونعيمِ ذلك الثّراء. لكنّ الأحلام تبقى في شرنقة الهواء ولن ترى شجراً و لا ماء!

منذ البدء كان ثالوث البقاء والصفاء والرجاء. منذ البدء كُتبَ الناموسُ للأشقياء, منذ البدء تجمهرَت الشموس والكواكبُ العصماء في مهرجان الخلق المُدرَك الأسماء. منذ البدء كان البقاءُ وسيبقى إلى الانقضاء.

هبط الكونُ واختلّت معاييرُ الملوك والوزراء. وتشكّلت بحيراتٌ من الخوف والقلق والبغضاء, و عصفتْ رياحُ الموتِ في حلّة سوداء. إلى أن بزغ فجر الفداء فأنار الروحَ وأنعشَ الفكرَ بالعطاء وغيّر كلّ أوجه العزاء لأنّه حملَ معه الشفاء وبغيره ما كان, ولن يكونَ شيءٌ من جميع هذه الأشياء!

مضى الزمانُ على رِجْلٍ عرجاء. فذبُلَتْ في حدائق الكون الورود البيضاء حين ظهر الظلامُ معلناً وجه الظّلماء, كاتبا سفر الحدائق بحمرة الدماء التي صعد صوتها صارخا إلى كبد السّماء. صارتِ الأرضُ بلهاء مع ظهور هذا البلاء حاملا شريعة العداء و مولعاً بؤاد الإخاء, فغزا الكثيرَ من الأعضاء وعانى جسدُ الكون من العياء واستفحل فيه مرضُ الاسترخاء الذي لا يقبل الدواء ويرفض نصيحة الأطباء, ويعمل بفهلوة الدجل والسّفهاء وتعاويذ المشعوذين والدخلاء من أئمة الإثم وأذناب الفقهاء.
استفحل هذا الداء و سَطَا على قلوبِ الضّعفاء. أرهب الحمائم و البلابلَ الودعاء. حرّم الفهمَ والعقلَ و حارب الأذكياء ودرّس الجهالة في مدارس الغباء, و حين بلغ سيلُ الكره منتهى الأداء استحال التغييرُ و استشرى الوباء كطاعونٍ ينتقمُ من جمالِ الوفاء ويشوّه حلاوةَ النقاء ويأتي التعتيمَ على طهارةِ الفداء. أمضى البلاءُ رحلته فأهلك الأبرياء وصنع العجائب والغرائب من كلّ شنيعةٍ عوراء وكلّ فتنةٍ غرّاء وكلّ حكمةٍ عوجاء وكلّ دعوة حرباء. ليس لها من مبدأ سوى القضاء على هياكل الخير ومعابد الإباء.

كيف سينجلي الغمّ وتفرحُ الأثداء فتعطي حليباً طاهراً نقيّاً خالياً من القذى والقذاء؟ متى سيعود الكونُ إلى ما كان عليه قبل ظهور هذا البلاء الذي تسبّب في انتشار روائح الشّواء من أجساد الأبرياء والبسطاء والأتقياء؟ هل سننجو من سكاكينه فيكون لنا البراء؟ هل سيكفّ عن عنجهيّة التقوقع والانغلاق والاحتواء؟ هل ستعدلُ كفّة الميزان لتنتعش الحدائق بروض الرّخاء وتفرحُ السّماءُ بهبوب نسائم الفرح بعيداً عن خطّ هذا الاستواء بل هذا الاشتواء؟ كلّ ندائنا يذهبُ هباء لأن الظلام يرفض الرّحيلَ وينصبُ العداء, يرفضه بدافع الخيلاء والكبرياء وهو مملوء بالفساد ومعادن الرّياء!
__________________
fouad.hanna@online.de


التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 10-03-2007 الساعة 10:29 PM
رد مع اقتباس