Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الأزخيني > ازخ تركيا > من تاريخ البلدة

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-01-2006, 02:52 PM
دكتور سهيل دكتور سهيل غير متواجد حالياً
Super-User
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
المشاركات: 7
افتراضي االحلقة الخامسة - الوصية والسبي الأكبر لآزخ

.......... 10

وفي خريف عام 1834 شعر الشماس اسطيفو, ببوادر نوبة قلبية حادة ,فخشي ان يودع الحياة , على تركة إدارية كبيرة , قد يفرّط بها من سيخلفه , إن لم يكن يتمتع بالمقدرة التي يتمتع بها هو نفسه , لذلك جمع وجهاء البلدة بشخصياتها وأصحاب المشورة من الآزخينيين كي يودعهم الوداع الأخير , ويفضي إليهم بأنه خدم البلدة وسكانها , خدمة حسنة مستوحاة من قلبه ووجدانه وحكمته وتمنى ان تكون ايامهم بعده , مليئة بالفرح والرفاه والسلام .

وتابع قوله بأنه عليهم اختيار مختار جديد خلفاً له ليستمر في تأدية واجباته على أكمل وجه . . ورجاهم بحرارة عند الأختيار ,أن لا يقعوا في مصيبة داهية فيختارون أبن أخيه إسحاق بازو , لأنه غير كفوء لهذه المسؤولية . . قصير النظر . . طائش في تصرفه , قاسي الطباع . . ضعيف الإرادة . . يتمله الغرور في مجمل حياته . ومن المستحسن لهم أن يختارو رجل أخر يتمتع بصفات إيجابية معاكسة لصفات أبن أخيه إسحاق بازو , فيكون بذلك قد أحسنوا الأختيار وأبعدوا عن أهلها شدائد ومصائب هم بغنى عنها . .

وإنهم في حال عدم أخذهم بوصيته الأخيرة , قد يرتكبون أثماً كبيراً يندمون عليه بعد فوات الآوان . . إذ أن المخترة مسؤولية جسيمة , وإذا جاء بعده , من يسخر من هذه المسؤولية . . أو يحيد عن حكمتها . . فقد تصل أمور البلدة , إلى حالة سيئة من الخوف والتهديد والتعديات . . وقد تكبر وتنمو أكثر فأكثر , بواسطة الأدارة الفاشلة للمختار الجديد الخلف , الأمر الذي يفسح المجال لأميرالراوندوز في أن يجهز على آزخ ليلقنها دروساً عصيبة في الحرق والسلب والتدمير , والسبي وجمع المال والسلاح , وقد يصل أسراكم إلى الرواندوز قبل أن يتغير لون كفني.

قال الشماس اسطيفوا هذا الكلام المليئ بالمحبة والحنان ثم أسند رأسه المتعب على الوسادة المريحة , وبدأ في العد العكسي للحظات حياته المعدودة .



11

خيم الحزن الشديد على آزخ بعد وفات مختارها الحكيم الورع الشماس اسطيفو , وتنادى الآزخيون لأنتخاب مختار جديد حسن الأدارة , حسب وصية المختار الراحل . . وقد عرف الجميع أنه قد حذّر من اختيار أبن شقيقه إسحاق بازو فأنقسم الآزخيون على أنفسهم , منهم من آخذ برايء صاحب الوصية فأيدها بقوة وقناعة وأخلاص , ومنهم من رفضاها جملة وتفصيلا لأنهم يرون في إسحاق بازو بعكس ما كان يراه عمه فيه . . وإن أتهامات عمه له هي إجحاف بحق هذا الشاب الآزخيني الشجاع الغيور . . وبعد خروج الجميع من كنيسة ( عزرت آزخ ) تجمّع الكل في صالة ( القمسيون ) المجاورة للكنيسة من أجل التشاور , والأتفاق على رأي موحد ينقذهم من مرض الأنقسام .

وكان إسحاق بازو من جملة الحاضرين , فأستلم دفة الحديث , وراح يدافع عن نفسه من أتهامات عمه الجائرة بحقه قائلاً : أنا أشجب هذه الأتهامات الباطلة . . العرية من الصحة . . والمغايرة للحقيقة والواقع والعرف الأنساني الذي عشناه معاً على السراء والضراء . .

وأعتبر أن هذه الوصية قاسية للغاية , وهي طعنة غدر منغرسة في صدري وصدر أسرتي من بعدي . . لذلك أرجوكم يا إ خواني أن تمنحوني فرصة لأثبت لكم مقدرتي , وبطلان هذه الوصية الجائرة . . وبعدما تختبرون كفاءتي وجهدي تتثبتون من حسن ظنكم بي , سوف تحكمون عليّ آنذاك بالحكم العادل . . كي لا تبقى وصية عمي وصمة عار على جبيني وجبين أسرتي لإ ن للضرورة أحكام . . فبعد التداول والمشا ورات والحاجة الملحة على أختيار مختار بديل , يمكنه القبض على مقاليد الأدارة , كان لأ بد لأهل آزخ من أختيار إسحاق بازو , ضد رغبة ووصية عمه المختار الراحل .

وما أن أستلم إسحاق بازو ختم المخترة , وبدء أعماله الأدارية , حتى راح ينفذ مخططه المبيت في الأمتناع عن دفع الضريبة إلى الأمير , كما رفض إرسال عمال السخرة إلى الجزيرة , وأستعمل أسلوباً متشددا في تعامله مع أمير جزيرة بن عمر . . الأمر الذي أدى إلى القطيعة بينهم , دون أن يتمكن مجلس الشورى الذي فرضه أهل آزخ على مختارهم الجديد , من أن يرأب الصدع , فحصلت مناوشات بين الطرفين , وبدء فتيل النزاع بينهم يشتعل شئ فشئاً .

12

ونظراً لمكانة آزخ وثقلها في المنطقة , وقدرة رجالها على القتال والتصدي بشدّة لأي عدوان كان . . فما كان من أمير جزيرة بن عمر إلا محاولة تأليب أهالي البلدان والقرى المجاورة , على آزخ وسكانها الأحرار لشنّ حملة تأديبية تكسر شوكة آزخ . . إلا أنه لم يفلح في ذلك , لذا أتجها أمير الجزيرة هذا إلى أمير الراوندوز محمد باشا الملقب بالأمير الأعمى أو أميري كويرا باللغة الكردية , وراح يشحن صدره غيظاً ويؤجج لهيب النار في قلبه , مصوراً له تعنت الآزخيين ورفضهم دفع الضرائب المستحقة عليهم , ومحاولتهم الجدية في تشكيل قوة جديدة تهدد مصالح الراوندوز وجزيرة بن عمر على حد سواء . . وبعدما ملأ صدره حقداً , ثأر الأمير الأعمى حانقاً غاضباَ ووعد أمير الجزيرة بأنه سيجهز جيشاً كبيراً من رجاله وبقيادته شخصياً وسيضم إليهم رجال الجزيرة أيضاً للقيام بحملة تأديبية وراسعة النطاق على آزخ لتحطيم رجال السيف فيها , وتدمير الفتوة القتالية التي تعتز بها .





يتبع في الحلقة القادمة...................
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-01-2006, 07:48 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,221
افتراضي

الوصيّة والسّبي الأكبر تحت المِبْضع وعين المجهر " تعليق وتحقيق فؤاد زاديكه. القسم الخامس.

من الجدير بالذكر أن الرواية (رواية الأحداث) تنتقل إلى مرحلة جديدة. وتعاني من تحوّل خطير في مجرى الأحداث. حتى يمكنني القول بأن هذا الأمر كان عبارة عن منعطف تاريخيّ خطير, في حياة آزخ. ويمكن تقسيم مجريات الأحداث في هذه المرحلة إلى الآتي:

- بداية الأزمة من خلال إصابة الشماس بالمرض.
- أعراض المرض وما رافقه من تطورات.
- الوداع الأخير في خطبة شهيرة للشماس.
- وصيّة الشّماس بخصوص خليفته.
- وفاة الشماس واختيار ابن أخيه اسحق لحدو بازو.
- سوء تصرّف اسحق بازو على :
1 - الصّعيد الدّاخلي - المحلّي.
2 - الصّعيد الخارجي في العلاقة مع جزيرة ابن عمر.
وسوف أتناول جميع هذه النقاط, بما يلزم من التحليل من خلال مطالعاتي ومراجعاتي للعديد من المراجع التي توفّرت لديّ, وممّا تمّ أخذه عن الشيوخ وأصحاب المعرفة من رجالنا الكبار في السنّ. ولكن علينا ألاّ نغفل أن الأسلوب الروائي الذي كتب به روايته الأخ السيد (أفرام مراد) لا يعتمد الغوص في مجريات الأحداث كدراسة تاريخيّة تحليليّة, بل هو يضفي على الحدث مسحة روائية تأخذ أحياناً, سمة إخضاع الحدث للنّص الروائي. وليس في ذلك عيب أو نقص, علماً أن الرواية على وجه العموم هي تصوير لواقعة أو وقائع تاريخيّة, فهي ليست إذاً بعيدة عن التاريخ, أو هي خالية من التاريخ, إلاّ أنها تكسب التاريخ صفة الأدب, بأسلوب لغوي معيّن!

بداية الأزمة ومرض الشّماس

هنا تبدأ مرحلةٌ جديدةٌ من حياة آزخ وشعبها, وتعتبر هذه المرحلة نقطة تحوّل تاريخيّة حاسمة في حياة المنطقة برمّتها, وفي آزخ على وجه الخصوص. تتمثّل في حالة الشمّاس الصحيّة وما آلت إليه من انتكاسات خطيرة, لم تعد تبشّر بخير. إذ بدأت صحّته تتدهور شيئاً فشيئاً, وأيقن الجميع, بما فيهم الشماس, أنّها النهاية وأنّ ساعة الرحيل قد دنت! وأنه لا اعتراض على حكم الرب العادل, أو المقدرة على الوقوف في وجهه وخاصّة أنّ شعب آزخ كان مؤمناً, يعمل بأقوال الكتاب ويمارس هذه الأقوال والتعاليم فعلا على أرض الواقع.


أعراض المرض وما رافقه من تطورات.

مرض الشمّاس اسطيفان مرضاً شديداً, أنهكه وجعله عاجزاً عن إدارة شؤون البلدة, وأيقن أنّ أمر هلاكه بات محتّماً, وأنّ قضاء الربّ وقدره أمر واجب ومحترمٌ وعلى الرأس والعين, وقد بات قريباً, وليس من ذلك مفرّ! وكان موقناً من محبّة الشعب له والعمل بنصحه وإرشاده, وأنّ ما يقوله سيكون بمثابة وثيقة عمل, تحفظ من قبل الشعب وسيتمّ احترامها, ولن يتمّ إهمالها وتجاوزها, لذا قرّر وقبل فوات الأوان, وهو العليم بخفايا الأمور, والبصير بشؤون الدهر, والمهتمّ بقضايا شعبه, أنّه يجب أن يبيّن لهم سواء السبيل, لينأى بهم عن المخاطر والأهوال التي يمكن أن تحدق بالبلدة أو بشعبها من بعده. لقد كان الشماس اسطيفان شديد المحبة لآزخ وشعبها, واستطاع بحنكته وعطفه وروحه الطيّبة وأخلاقه الحميدة والحسنة, أن يجمع كلّ عشائر آزخ ضمن بوتقة المحبة المشتركة, ويوحّد بين عشائرها المتعدّدة ويؤالف بين بيوتاتها كأب رحوم يحسن رعاية أبنائه. وممّا جعله يوفّق في مهمّته هذه, وفي كلّ مساعيه, إدراك شعب آزخ لصدق محبته لهم ولآزخ ولبعده عن الأنانيّات العشائريّة الضيّقة, التي كانت تظهر ما بين الفترة والأخرى, فهو كان صمّام الأمان لكلّ الوضع الداخلي في آزخ, ولأجل هذه الأمور مشتركة بلغت آزخ قوّتها, من خلال قوّة جبهتها الداخليّة, وتعاون الشعب معه, للثقة التي كان قد أولاه إياها.

الوداع الأخير في خطبة شهيرة للشماس

قرّر الشمّاس أن يجمع إليه وجوه البلدة ووجهاءها, فطلب إليهم الحضور إلى ديوانه وعلى رأسهم الأسقف ?ور?يس الآزخي, حيث يرقد عليلا في فراش الموت. جلس إلى شيوخ البلدة وحكمائها محدّثاً إيّاهم, وشارحاً لهم أسباب ودواعي دعوته هذه لهم. ثمّ ألقى فيهم عظته الشهيرة التي دعاهم فيها إلى مزيد من الإيمان والمزيد من التمسّك بحبل الله والدعوة الصّادقة للمحبة دون زيف أو كذب أو خداع, على غرار ما كان يؤمن به ويعمل من أجله. وبيّن لهم أنّ المحبّة هي أساس العدل والنجاح, وأراهم أنّ سلوك سبيل الله إنّما سيقود في النهاية إلى الأمن والرّخاء والاستقرار والرّاحة النفسيّة العظيمة. وإليكم نص خطبة الوداع التي خطب بها فيهم.

وصيّة الشّماس بخصوص خليفته


"كونوا مع الله, ليكون الله معكم في كلّ شيء, ومن خلال جميع أعمالكم ومشاريعكم, في بيوتكم, في كرومكم, في جلساتكم. احذروا أعداءكم, وكونوا لهم بالمرصاد متى أرادوا إلحاق الأذى بكم, ساعدوا فقراءكم, وأيتامكم, و أراملكم. اعملوا عملا صالحاً, فيرى الربّ عملكم ويجازيكم, حسبما تستحقّون. كرّموا يوم الأحد المقدّس كما كرّمه وتمسّك به آباؤنا وأجدادنا من قبل. صوموا الأصوام المعيّنة. كرّموا العذراء البتول مريم, والدة الإله, فهي التي حمتنا في أكثر من زمان ومكان, إنّها شفيعتنا عند ابنها الحبيب, فادينا يسوع المسيح. اقتلوا كل مَنْ يعمل فاحشة ومحرّمة, لا تشفقوا عليه, أقلعوه من بينكم. فهو أصل الخطيئة, حتّى تظلّوا الشّعب الذي أحبّه الله, وحماه, ودافع عنه. هذه هي وصيّتي لكم, وإنْ خالفتموها, فالله يجازيكم, ويقتصّ منكم, ويقلبُ حياتكم إلى جحيم وذلّ وانكسار. اسمعوا إلى كلّ كلمة سأقولها لكم: إنّي سأموت, وهذا أمر الله وحكمه, لا مفرّ منه, ولا مهرب, ولا اعتراض عليه البتة. لكنْ لي رجاءٌ عندكم, وقبل أن أودّعكم الوداع الأخيرألا وهو. ألاّ تقيموا ابن أخي اسحق رئيساً عليكم, فهو رجلٌ يسيطرُ عليه الجشعُ, وليس ثابتاً في إيمانه, وهو أحمق, لا يقبل المشورة, ولا يستمع إلى النّصح أو الإرشاد, فهو يسير حسبما تمليه عليه أهواءه, وميول عقله الطائشة. لا أريد أن تقيموه عليكم والياً, وإنْ خالفتم قولي, ولم تعملوا به, فإنّكم ستدفعون لأجل هذا ثمناً غالياً, وحيث أن كفني لا يزالُ أبيض (لم يتلف بعد) سوف يتمّ سبيكم, وسيصلُ أسراكم إلى راوندوز, وحاصلكم إلى الموصل وبغداد"

وبقدرة الله أسلم روحه الطاهرة بين يدي ربّه آمناً, مطمئنّاً, لأن عصره كان عصر رخاء ومجد وقوّة لآزخ. استقرّت فيها الأوضاع, وعاش الناس أمناً وسلاماً ومنعةً وقوّة. وكانت كلّ المحن التي تصيبها, تزيد من إيمان شعبها وتقوّي عزيمتهم على المضي قدماً على هدي خطى الشماس الناجعة.

وفاة الشماس واختيار ابن أخيه اسحق لحدو بازو

لقد كان الشمّاس اسطيفو رجل السّاعة. تتحدّث عن هيبته العشائر, ويخشى سطوته الآغوات. انتقل إلى جوار ربّه في خريف عام 1834م, فكانت مناحةٌ شديدةٌ في كلّ مكان, وفي جميع أرجاء تلك المناطق. وظلّ أهل آزخ محزونين عليه لمدّة أربعين يوماً. نُصبتْ فيها الخيام, وأقيمت العزاءات, واستقبل المعزّون, من الوفود القادمة للمشاركة في التعزية, لما كان للشماس من احترام وهيبة لدى كل تلك البلدات والقرى التي كانت لآزخ بها علاقات, وحتى تلك البعيدة عن آزخ. عاشت آزخ حداداً لم تعهد مثله من قبل, فهي ودّعت زعيمها بمرارة و ألم, وأقسمت على الوفاء ومتابعة المشوار كما أراده هو لها.

انتهت مراسيم الدفن وانقضت مدّة العزاء, ووسط وجوم وسكون ورهبة انعقد المجلس, ولأول مرّة دون مشاركة من الشمّاس, الزعيم الروحي والعسكري لآزخ يتزعّمه الأسقف. فأحس أعضاء المجلس بفراغ عظيم, ولكن واجب اختيار خليفة للشماس, يدير من بعده شؤون البلدة, أمر لابدّ منه, وخاصة في المجتمعات العشائريّة والنظام العشائري الذي كان سائداً, ومتى انعدم وجود الزعيم, انتشرت الفوضى, وساءت الأحوال, وطمع الغزاة فيها. لذا كان من الضروري جدّاً انتخاب الزعيم المقبل, ليقوم بإدارة شؤون البلدة والشعب.

وقع اختيار المجلس على اسحق بازو كزعيم جديد لآزخ, وهناك روايات مختلفة في هذا الخصوص, فإحدى هذه الروايات تقول إنّ الاختيار كان بالإجماع, لكون اسحق بازو من بيت الشماس, فهم أملوا في أن يحمل شيئاً من طباعه وأخلاقه وطرقه في التفكير والتعامل مع المستجدّات! وهناك رواية أخرى تقول بأنه ظهرت وجهتا نظر مختلفتين الأولى تفضّل أن يتولّى اسحق الزعامة. فيما الثانية أرادت تحقيق وصية الشماس والعمل بها, وهو حذّر من مغبّة القبول بتسلّم اسحق الإدارة والأسباب واردة فيما سبق. المهمّ أنّه تمّ اختيار اسحق ابن لحدو بازو وهو ابن شقيق الشماس اسطيفو. وهنا يجب أن نلفت انتباه القاريء الكريم إلى أن نبوءة الشماس هذه, لم تكن الأولى, أو يكون هو أوّل منْ تنبأ بحصول مثل هذه الكارثة, فإنّ الحكيم "إيشوعايه" البشيركي, وهو رجل عمّر طويلا, يقال أكثر من مئة عام. جدّ (ببّو الخياط وأخوه مراد) كانت نبوءته تقول بالحرف الواحد: "?َ?ّوكه آزخ. عمايتكي تيروحون لرواندوز. وحاصلكي تيصل الموصل. وحجيركي تيسيرون تِتوتْ" ويروى عن إيشوعايه الحكيم هذا. أنّه كان يحمل في يده عصا على الدوام. ويضرب برأس هذه العصا الأرض, وهو يعلن عن تنبؤاته, وعمّا سيحصل, وقد سألت كثيرين ممّن سمعوا عنه, فأكدّوا لي ذلك, وقالوا إنه كان في عصر ما قبل الشماس اسطيفو, عرف عنه رجلا مؤمناً وعاقلاً ومتنبئاً.

سوء تصرّف اسحق بازو

كما ذكرنا وباعتراف الجميع, فإنّ الزعيم الجديد لم تكن له خبرة في أمور الحكم, ولا دراية في التعامل مع الظروف وفق ما تمليه مصلحة البلدة والشعب. فكان كثير التهوّر, طائشاً, لا يقبل نصحاً ويرفض لغة الحوار, واعتمد على السمعة الطيّبة, التي حقّقها الشماس لآزخ, في ادارة شؤون البلدة, وهذا لم يكن كافياً, إذ على القائد الجديد أن يقوم هو نفسه بعمل ما يؤكّد من خلاله مقدرته على إدارة الأمور بحنكة وكياسة. فلكل زمن رجاله, وكان من الخطأ أن يعتمد اسحق بازو على ما تركه الشماس من أثر, مكتفياً به دون أن يساهم هو فعليّاً في التطوير والمساهمة في إنعاش البلدة, وخلق علاقات حسن جوار مع البلدات الأخرى, وهذا كان من أهم الأولويات للحاكم في تلك الأزمنة, فالأمن المستتبّ, يعين على الاستقرار والبناء والعيش الحرّ الكريم.
كان الاختيار له زعيماً لكونه من أسرة الشماس, وهذا يعني أنه سيكون قادراً على إدارة شؤون البلدة بيسر من خلال التعامل مع الوسط الخارجي, وقبل ذلك تحسين الظروف الداخليّة وتقوية وحدة الصّف من الداخل.
إذاً شارك زعماء آزخ العشائريون في اختيار اسحق تيمّناً بحسن سيرة الشماس وتمّ ذلك بمباركة الأسقف ?ور?يس. كثرت أخطاء اسحق بازو, وزاد من ممارسات التعسّف, وعدم الاهتمام بما كان يوجّه إليه من نقد, في أن الأمور لو استمرّت على هذا المنوال فإنّها ستجلب البلاء والمخاطر على البلدة. كل هذه التهديدات والتوجيهات من قيادييّ البلدة لحرف اسحق عن مسار شذوذه, وعدم إيلائه مصلحة البلدة والشعب أهمية, كانت تذهب أدراج الرياح, مثل ضراط على البلاط. كانت هذه أغلاطه على المستوى المحلّي - الداخلي ممّا زعزع وحدة هذا الصفّ, وجعله هشّاً في مواجهة الأخطار القادمة.
أما على الصعيد الخارجي. وهو بالتأكيد يتمحور حول علاقة آزخ بجزيرة ابن عمر وما يخصّ التزامات آزخ تجاه الجزيرة من أعمال السّخرة المفروضة عليها, ومن دفع الضرائب المقرّرة (الجباية). ويقال أنّه كان من عادة آزخ أن تدفع العُشر(أي واحد من عشرة) من مجموع المحصول إلى جزيرة ابن عمر, التي كانت تحكمها كما مرّ معنا الأسرة الكرديّة البختيّة, ولكون آزخ تتبع إداريّاً للجزيرة, في معظم شؤونها السياسيّة والإداريّة وغيرهما فكان عليها الوفاء بالتزاماتها هذه. لدى قدوم الغلمان المكلّفين بجمع الجباية (الضريبة) من آزخ نشب خلاف بينهم وبين زعيم آزخ الجديد. وهناك رواية تقول: أنّ اسحق بازو رفض دفع الجباية المستحقّة على آزخ للغلمان, وبهذا يكون عصى أمر الحاكم الكردي في جزيرة ابن عمر. وكان يومذاك الأمير بدرخان بك وأخوه سيف الدين, وعندما علم الأمير بالأمر, خشي من مهاجمة آزخ لكونها أصبحت ذات شأن وقوة يحسب لها حساب أيام الشماس, فقرّر من أجل ذلك طلب مساعدة الميره كور(الأمير الأعمى) الزعيم السّوراني محمد باشا الذي كان يحكم على الراوندوز( وسنعرض في الحلقة القادمة لحروبه ومن ثمّ لغزوه لآزخ) وهناك رواية أخرى تقول: بأن الغلمان طالبوا أن يكون الدفع بالليرة الذهبية وهي 24 ليرة, وخلال 24 ساعة, وحيث كان من المستحيل تأمين ذلك الطلب وبهذه السرعة! ومنهم مَنْ يقول: إن احتجاج اسحق بازو على الجباية كان بسبب أنها تجاوزت النسبة المقرّرة, ورأى في ذلك غبناً وتعدياً. وهو لم يسع إلى الحوار أو إلى مقابلة الأمير الكردي لشرح الأمر له, بل تصرّف بما كان يُخشى منه, وهو رفض الدفع, وهذا لم يكن سهلا في محاولة تفسيره لدى أمراء الجزيرة, إذ اعتبروه خروجاً لآزخ عن طاعتهم وعصياناً يلزمه العقاب, وهذا ما كان, وهذا ما سنراه في القسم القادم.

التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 19-01-2006 الساعة 10:02 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-01-2006, 11:34 PM
الياس زاديكه الياس زاديكه غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 14,102
افتراضي

ومن إحدى وصاية شماس إسطيفو الذي قال بالحرف الواحد ، إذا إستلم إسحق بازو السلطة من بعدي
أقول لكم بأن أزخ ستسبا سبع مرات ، وفعلا سبيت أزخ سبع مرات . هنا حدد الشماس حتى العدد .
الياس
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20-01-2006, 08:48 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,221
افتراضي

شكراّ أخي الياس لنوضيحك الجميل وفعلا قيل أن آزخ سبيت (زُبيتْ) سبع مرّات ولذلك من جملة ما سمّيت به (بيت الزّبي) ويعني السّبي!
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21-01-2006, 02:16 PM
دكتور سهيل دكتور سهيل غير متواجد حالياً
Super-User
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
المشاركات: 7
افتراضي

شكرا لك أيها العزيز
سردك التحليلي المميز والدراسة التحليلية لأحداث الحلقة تعطي الرواية أكثر تشويقا
وما يحز في نفسي يا عزيزي ...........هذا السؤال أين هم أهل آزخ الآن .؟
وهل هم لا يسمعون الصوت ؟
تحياتي لك
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21-01-2006, 03:48 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,221
افتراضي

أين هم أهل آزخ الآن .؟
وهل هم لا يسمعون الصوت ؟

سؤالان هامّان وجديران بالاحترام يا دكتور سهيل! لكن دعنا نكمل المشوار, فقد يأتي في أحد الأيام أحدٌ ما ليكلّف نفسه عناء طرح سؤال! أو المساهمة بتعليق أو توضيح!
شكراً لك. وسوف نكمل مشوارنا للإجيال القادمة يا عزيزي.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22-01-2006, 02:29 AM
SamiraZadieke SamiraZadieke غير متواجد حالياً
Super Moderator
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 8,828
افتراضي

عندما نقرأ عن تاريخ أجدادنا نحس بألم وحسرة على ما قاساه شعبنا الأبي وكنا فؤاد وأنا نزور الرجال المتقدمين بالعمر والنساء أيضا وأتذكر كل هذه القصص فكانت أوراقه دائما بجيوبه ويكتب مايملى عليه من أفواه آبائنا وأذكر مرة ماحكته لنا ابنة عم أمي*خالة شوشة *ألف رحمة ونور على روحها*فقالت والألم يعصر قلبها هاجرنا إلى سوريا مشيا على الأقدام وكنت قدحملت أخي على ظهري ولم يكن معنا لاطعام ولاماء فبكى أخي كثيرا من الجوع والطريق طويل ومن شدة الجوع مات أخي وهو محمول على ظهري فطمرناه على الطريق وأكملنا سيرنا!!!أيوجد أصعب من هذا المنظر المروع وهذه الدراما!!فالكاتب سيأتي يوم ويخلد أسمه في التاريخ وهوكالجندي المجهول الذي يحارب في الظلمة وعندما يقدر الناس عمل الكاتب فبالتأكيد سيفرح وينسى تعبه!!!!تشكر يادكتور سهيل على نشر الكتاب وتشكر يافؤاد
على توضيحك وسردك الممتع للأحداث
سميرة
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22-01-2006, 12:50 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,221
افتراضي

لك كل الشكر يا سميرة على مرورك وتعليقك وإضافاتك إلى الموضوع المسحة الانسانية التي ضاعت حقيقة وجهها واختفت في طلام البؤس وظلمة القهر, لتموت وإلى الأبد وتدفن معها ذكرياتها وأحلامها وآملالها. أجل لقد عان شعبنا الكثير. ويفخر أحفاد هؤلاء القتلة باعتبارأن رجالاتهم كانوا أبطال قوميّين, ونحن الذين عانينا الأمرّين من ظلمهم وبطشهم, لا نستطيع أن ننظر إليهم أكثر من كونهم مجرمي حرب وجلاّدي شعوب.

نستطيع أن نفتح صفحات جديدة من العلاقة تقوم على أساس تصحيح السييء من مسار الماضي والعمل على خلق مناخ ينعش هذه الروح في العلاقة. لكن بالاعتراف بأغلاط الماضي والاستفادة منها والعمل على تجنّب حصول وتكرارمثلها في المستقبل هو الوضع السليم.و بهذا تكون العلاقة الجديدة سليمة وصحيحة. لكن أن يستمرّ الغاشم في سلوك تبرير ظلمه! فهذا لن يبني علاقة تقوم على العدل والسلام والتآخي.
نرجو ذلك ونأمل أن نبدأ جميعاً من جديد, ونشعر بحق الإنسانيّة علينا. وعندها سيكون التفكير أسلم والنيّات أصفى والقوب أكثر محبّة.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:30 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke