مشاركتي الآن على مسابقة القصّة القصيرة بعنوان المطلّقة في منتدى نبض القلم من آعداد و
مشاركتي الآن على مسابقة القصّة القصيرة بعنوان المطلّقة في منتدى نبض القلم من آعداد و تقديم الاستاذة هيام الملوحي
وصْمةُ طَلاق
بِقَلَمِ: فُؤَاد زَادِيكَى
لَمْ تَكُنْ نَادِين تَتَخَيَّلُ أَنْ يُصْبِحَ لَقَبُ "مُطَلَّقَة" وَصْمَةَ عَارٍ تُلاحِقُهَا أَيْنَمَا ذَهَبَتْ. بَعْدَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ مِنْ زَوَاجٍ فَاشِلٍ انْتَهَى بِهُدُوءٍ تَامٍّ، عَادَتْ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهَا، حَامِلَةً مَعَهَا حَقِيبَةَ مَلَابِسَ وَ ذِكْرَيَاتٍ بَاهِتَة. لَمْ تَكُنْ تَبْحَثُ عَنْ شَفَقَةٍ، بَلْ عَنْ بِدَايَةٍ جَدِيدَةٍ، لَكِنَّ المُجْتَمَعَ كَانَ لَهُ رَأْيٌ آخَر.
فِي كُلِّ عَزُومَةٍ عَائِلِيَّةٍ، كَانَتْ نَظَرَاتُ الشَّفَقَةِ تَتَسَلَّلُ إِلَيْهَا مِنَ الأَقَارِبِ، وَ هَمَسَاتٌ تَتْبَعُهَا كَظِلِّهَا: "مِسْكِينَةٌ... لَمْ يُكْتَبْ لَهَا النَّصِيبُ". حَتَّى صَدِيقَاتُهَا المُقَرَّبَاتُ، بَدَأْنَ يَبْتَعِدْنَ عَنْهَا بِبُطْءٍ، وَ كَأَنَّهَا مَرَضٌ مُعْدٍ. "زَوْجِي لا يُفَضِّلُ أَنْ أَخْرُجَ مَعَ مُطَلَّقَةٍ... يَخَافُ عَلَى سُمْعَتِهِ"، هَكَذَا قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ، لِتَكْسِرَ مَا تَبَقَّى مِنْ رُوحِ نَادِين.
حَتَّى فِي العَمَلِ، لَمْ تَسْلَمْ مِنَ الأَحْكَامِ المُسْبَقَةِ. عِنْدَمَا تَقَدَّمَتْ لِتَرْقِيَةٍ، كَانَ تَعْلِيقُ مُدِيرِهَا غَيْرَ المُبَاشِرِ جَارِحًا: "المَنْصِبُ يَتَطَلَّبُ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً وَ مُسْتَقِرَّةً عاطِفِيًّا، لِكَيْ تُكَرِّسَ كُلَّ جُهْدِهَا لِلْعَمَلِ". وَ كَأَنَّ حَالَةَ زَوَاجِهَا هِيَ مِقْيَاسُ كَفَاءَتِهَا.
لَكِنَّ أَكْثَرَ مَا كَانَ يُؤْلِمُهَا هُوَ مُعَامَلَةُ وَالِدَتِهَا، الَّتِي كَانَتْ تَرَاهَا فَشَلًا شَخْصِيًّا، لا نِهَايَةَ عَلَاقَةٍ. "لَوْ تَحَمَّلْتِ أَكْثَرَ، لَمَا عُدْتِ إِلَيْنَا مَهْزُومَةً"، كَانَتْ هَذِهِ الكَلِمَاتُ سَيْفًا يَقْطَعُ آخِرَ خَيْطٍ مِنَ الأَمَلِ. لَمْ تَفْهَمْ وَالِدَتُهَا أَنَّ الزَّوَاجَ لا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سِجْنًا، وَ أَنَّ الكَرَامَةَ وَ الحُبَّ وَ الاحْتِرَامَ أُمُورٌ لا يُمْكِنُ التَّنَازُلُ عَنْهَا.
فِي أَحَدِ الأَيَّامِ، جَلَسَتْ نَادِينُ فِي غُرْفَتِهَا الصَّغِيرَةِ، تَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهَا فِي المِرْآةِ. لَمْ تَرَ امْرَأَةً مَهْزُومَةً، بَلْ امْرَأَةً قَوِيَّةً تَحَمَّلَتِ الكَثِيرَ. قَرَّرَتْ أَنْ تَكْسِرَ تِلْكَ القُيُودَ الوَهْمِيَّةَ. بَدَأَتْ بِتَجَاهُلِ الهَمَسَاتِ وَ النَّظَرَاتِ، وَ قَرَّرَتْ أَنْ تَعِيشَ لِنَفْسِهَا. الْتَحَقَتْ بِدَوْرَةٍ تَدْرِيبِيَّةٍ لِتَطْوِيرِ مَهَارَاتِهَا، وَ بَدَأَتْ مَشْرُوعًا صَغِيرًا لِبَيْعِ مُنْتَجَاتٍ يَدَوِيَّةٍ كَانَتْ تَصْنَعُهَا.
لَمْ يَكُنِ الطَّرِيقُ سَهْلًا، لَكِنَّ كُلَّ خُطْوَةٍ كَانَتِ انْتِصَارًا. بِبُطْءٍ، بَدَأَتْ نَادِينُ تَسْتَعِيدُ ثِقَتَهَا بِنَفْسِهَا. أَصْبَحَتِ المَرْأَةَ الَّتِي لَمْ تَعُدْ بِحَاجَةٍ إِلَى إِذْنٍ مِنَ المُجْتَمَعِ لِتَعِيشَ سَعِيدَةً. لَمْ يَكُنْ لَقَبُ "مُطَلَّقَة" يَعْنِي نِهَايَةَ حَيَاتِهَا، بَلْ كَانَ بِدَايَةَ فَصْلٍ جَدِيدٍ، فَصْلٍ كَانَتْ هِيَ بَطَلَتَهُ.
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 18-08-2025 الساعة 08:57 AM
|