![]() |
Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحياءُ و مفهومُه بقلم: فُؤاد زاديكِي يُعَدُّ الحَياءُ مِنَ الصِّفاتِ الإنسانيَّةِ الرَّفيعَةِ، الَّتِي تَحظَى بِقَدرٍ كَبِيرٍ مِنَ التَّقدِيرِ وَ الاحترامِ فِي كَثِيرٍ مِنَ المُجتَمَعَاتِ البَشَرِيَّةِ. وَ يَظهَرُ الحَياءُ فِي سُلوكِ الإِنسانِ كَرَدَّةِ فِعلٍ طَبِيعِيَّةٍ تُعَبِّرُ عَنِ الَّذَاتِ وَ قِيمِهَا، كَمَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى رُقِيِّ الشَّخصِ وَ عَفَّتِهِ وَ حِرصِهِ عَلَى صِيَانَةِ نَفسِهِ وَ احترامِ الآخَرِين. لَمْ يَكُنِ الحَياءُ مَفهُومًا وَاحِدًا فِي كُلِّ العُصُورِ وَ الثَّقَافَاتِ، بَلِ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَ المَكَانِ وَ ظُرُوفِ الحَيَاةِ. فِي العُصُورِ القَدِيمَةِ، كَانَ الحَياءُ يَرتَبِطُ بِالأَخْلاقِ وَ القِيَمِ الدِّينِيَّةِ، وَ كَانَ يُنظَرُ إِلَيهِ كَضَامِنٍ لِلسُّلُوكِ القَوِيمِ. أَمَّا فِي العَصْرِ الحَدِيثِ، وَ مَعَ تَغَيُّرِ الأَولَوِيَّاتِ وَ المَفَاهِيمِ، فَقَدْ أَصبَحَ الحَياءُ يُنظَرُ إِلَيهِ أَحْيَانًا عَلَى أَنَّهُ تَقيِيدٌ لِلحُرِّيَّةِ الشَّخصِيَّةِ، خُصُوصًا فِي المُجتَمَعَاتِ، الَّتِي تَرفَعُ شِعَارَ التَّحرُّرِ وَ الفَردَانِيَّةِ. وَ بَينَ هَذِهِ الرُّؤَى المُتَبَايِنَةِ، يَبقَى الحَياءُ عُنصُرًا أَسَاسِيًّا فِي بِنَاءِ العَلَاقَاتِ الإِنسَانِيَّةِ السَّلِيمَةِ، فَهُوَ يُنَمِّي حِسَّ المَسؤُولِيَّةِ وَ الاحترامِ المُتَبَادَلِ، وَ يُقَوِّي رَوَابِطَ الأُسْرَةِ وَ يَحْفَظُ القِيمَ وَ الأَخْلَاقَ فِي المَجتَمَعِ. وَ الحَياءُ، الَّذِي يَنبَعُ مِنَ الإِيمَانِ وَ القَنَاعَةِ الدَّاخِلِيَّةِ يَكُونُ أَكثَرَ ثُبُوتًا وَ أَثَرًا. إِلَّا أَنَّهُ لَا يُمكِنُ إِغفَالُ الحَياءِ السَّلبِيِّ، الَّذِي يَمنَعُ الإِنسَانَ مِنِ التَّعبِيرِ عَن نَفسِهِ أَوِ المُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ، فَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ يُصْبِحُ عَائِقًا نَفْسِيًّا وَ اجتِمَاعِيًّا. فَمَثَلًا، قَدْ يَمنَعُ الطِّفلَ مِنَ التَّعبِيرِ عَن تَعرُّضِهِ لِلعُنفِ، أَوِ الفَتَاةَ مِن رَفضِ سُلُوكٍ مُنحَرِفٍ تَتَعرَّضُ لَهُ، خَوفًا مِنَ العَيبِ وَ الكَلَامِ. فِي المُجتَمَعَاتِ المُحَافِظَةِ، يُنظَرُ إِلَى الحَياءِ عَلَى أَنَّهُ مِعيَارٌ لِلشَّرَفِ، خُصُوصًا فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَ مِن يَخرُجُ عَن حُدُودِهِ يُعْتَبَرُ شَاذًّا أَو مُنحَرِفًا. أَمَّا فِي المُجتَمَعَاتِ المُنفتِحَةِ، فَقَدْ تَتَغَيَّرُ المَقَايِيسُ وَ يُعْتَبَرُ الحَياءُ أَحْيَانًا نَوعًا مِنَ التَّخَلُّفِ عَنِ الرَّكبِ الحَضَارِيِّ. وَ بَينَ هَذَا وَذَاكَ، يَجِبُ التَّوَازُنُ فِي مَفهُومِ الحَياءِ، فَلَا نُفْرِطُ فِيهِ فَنَصِيرُ مَحبُوسِينَ خَلفَ جُدْرَانِ الخَجَلِ، وَ لَا نُفَرِّطُ فِيهِ فَنَفْقِدُ رَونَقَ الإِنسَانِيَّةِ وَ جَمَالَ الأَخْلَاقِ. فَهُوَ صِفَةٌ نَبِيلَةٌ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِالعَقلِ وَ التَّوازُنِ. يُمكِنُ القَولُ إِنَّ الحَياءَ يَبقَى قِيمَةً أَسَاسِيَّةً تُغنِي حَيَاةَ الإِنسَانِ، وَ يَتَجَلَّى أَثَرُهُ الإِيجَابِيُّ فِي كُلِّ مَجَالٍ، بَل وَ تَزْدَادُ الحَاجَةُ إِلَيهِ فِي زَمَنٍ تَتَزَاحَمُ فِيهِ القِيَمُ وَ تَتَفَكَّكُ المَفَاهِيمُ. التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 29-04-2025 الساعة 04:28 AM |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|