شاهد عيان على اضطهاد المسيحيين في أزخ ..الشماس كوركيس نيسان بيري
على الرغم من سنوات عمره التي اقتربت من التسعين عاما لكن ذاكرة الشماس كور كيس هي ذاكرة الازخيني الجبار التي بقيت تتذكر أيام الموت و القهر و العذاب التي تكالبت على المسيحيين بشكل عام و الازخيينيين بشكل خاص انه الذاكرة المتبقية من رجال عرفوا طعم العذاب والقهر والذل والهوان ...انه من طينة الرجال التي ستبقى الذاكرة الازخينين على مر الأجيال تتذكرهم بكل احترام وتبجيل ألا يكفي انه جعل في ذاكرة أجيال المستقبل خارطة العز ...خارطة الأمل ...خارطة العشق إلى أزخ ..أزخ التي حجارتها تبكي أهلها المذبوحين ..أهلها المشردين في الدنيا ...نعم هذا هو الشماس كور كيس الذي علينا إن نقدر الرجال من أمثاله وهم قلة قليلة بقيت حية بيننا وتعالى أيها القارئ تابع معي حكايات يرويها هذا الشماس الازخيني الكبير حكايات لن تتكرر إذا رحل راويها ...حكايات تجعل القلب والعقل والروح ترتجف من هول العذابات والاضهادات التي عانى منها شعبنا الازخيني الجبار ...ولكم ما قاله لنا الشماس بالحرف الواحد ......(.... أنا كور كيس نيسان بيري ولدت في بلدة أزخ سنة 1921 ولما صار عمري أربع سنوات تقريبا ..كان والدي نيسان في الحياة ولنا" قريب عماد" اسمه لحدو جيجوأعزب يعيش معنا وفي أزخ يوجد دير اسمه مار يعقوب وأهل أزخ يحرسون هذا الدير بالمناوبة شخصين كل يوم ولما أتى دورنا للحراسة جاء إلى بيتنا القس ملكي وهو اسفسيني كان يوم الأحد وقال لوالدي :ما جيتوا لوحدي بل معي مار يعقوب وجئنا نطلب منك طلب بس لا ترجعنا ...فرد والدي اطلب ما تشاء ..فقال له :اطلب منك أن تحرس الكنيسة أنت وقريبك لحدو ...هنا رد عليه والدي :بس انأ أجي من الحقل تعبان كتير وانأ بس ما أنام أشخر وأروح في النوم..لكن إلحاح القس ملكي ووعد أبي لمار يعقوب اجبره على الموافقة وخالتي شموني أم بهنان كني وقت سمعت الحكي قالت لأبوي لا تروح ..بدك تموت وتترك ابنك كور كيس يتيم لكنه أصر على موقفه وطلب من والدتي إن تحضر الفرشات وفرشوا في سطوح الكنيسة اخذ والدي معه قريبنا لحدو جيجو للدير وكانوا منهوكين من التعب بسبب الحراثة بالكروم كل النهار ..فأخذت عيونهم غفوة وناموا ....حينئذ سمع أهل أزخ صوت طلقتين فهرعوا نحو الدير وهم يصرخون ..نيسان ...نيسان ولما لم يسمعوا جوابا قالوا في الحقيقة نيسانولحدو قد قتلوا ولما صعدوا فوق الدير وجدوا الاثنين مقتولين جثث هامدة كان ذلك في أيار 1925 فعرفوا من قتلهم لأن أهل قرية بإسحاق قرب مدو "وهم من الأكراد المجرمين كانوا يعادون أهل أزخ بسبب قتل عرفاتو الذي كان يأتي أزخ وينام فيها وفي الليل يسرق احد البيوت ويسافر وعندما عرف أهل ازخ من السا رق أخذوا احتياطاتهم إلى إن وجدوا اثنين منهم يسوقون حمار وقد سرقوه فصرخوا عليهم فهربوا ....عندها أطلقوا الرصاص عليهم فسقط احدهم قتيلا والأخر هرب والقتيل كان عرفاتو من بإسحاق وكان هذا المجرم نائم بأحد بيوت أزخ ثم خرج مع رفيقه ولما لم تسنح لهم الفرصة ليسرقوا شئ فوجدوا الحمار وسرقوه ولما اكتشف أمرهم وعلموا أهل ازخ بأن الضيوف الذين كانوا يباتوا عندهم هم كانوا يسرقون البيوت فغضبوا جدا فأبوا إن يعطوا أهل باسماق الجثة إلى إن تدخل بعض زعماء العشائر فأعطوهم الجثة بعد أن مضى عليها أيام وتعفنت ...فغضب أخ المجرم ويسمى تحلو وابن عمه ووعدوا بأن، يأخذوا بثأر أخيهم ويقتلون عشرة من أهل أزخ بدل قتيلهم .....فكانوا يحومون حول أزخ في كل ليلة ليأخذوا بثأرهم وقبل إن يقتلوا والدي نيسان وقريبه لحدو كانوا قد قتلوا يعقوب'كبركي في بيته عندما خرج لقضاء حاجة وفي الحوش تبعوا اطلقوا عليه النار وقتلوه...وقالوا هذا واحد وبقي تسعة وبقتل والدي وقريبه قالوا أصبحوا ثلاثة وباقي سبعة ........وبعد قتل والدي بستة أشهر أي سنة 1926 كانت قفلة أزخ "عندما جاء الدولة التركية تطلب من أهل ازخ البواريد اللي موجودي عندهم وعندما رفضوا طلبهم أمسكوا الرجال وضربوهم وأخذوا منهم السلاح ...أنا كان عمري 5 سنوات وكنت مع الصبية على سطح حدو سلطو "لحدو سلطوا".....وصارو يربطون الرجال بالحبال امام حائط مار يعقوب"كل اثنين مع بعض" وكان عددهم حوالي 300' رجل تقريبا فأحدهم يدعى عبدو كرموابنه سائق في بلدية القامشلي " حل الحبل من يده وهرب مع رفيقه صوب سقلان ازخ والجيش جميعهم صاروا يطلقون عليه الرصاص ولم يصيبوه فشاهدنا احد افراد الجيش كان ياتي من الحراسة وبيده البندقية وضربه رصاصة شاهدت طلع دخان من ظهره فسقط على الارض وقام وبدأ يهرب فضربه رصاصة أخرى في ظهره فسقط على الأرض ولم يقم فركض العسكري الذي ضربه ورفع حجرة كبيرة لضربها فوق رأسه هنا صرخت مارتوملكي" وقالت بالكردي "نا نا نا "لكنه افرغ حقده الأسود فهشم رأسه ومات .....وفي البلدة حين سمعوا ضرب الرصاص قالوا لقد بدأوا بقتل المساجين فأخذوا النساء والأطفال يذهبون إلى الكنيسة كنيسة العذراء..وبعضهم هرب إلى وادي اسفس "وادي جهنم "....عندما امسكوا اهل ازخ كانوا مربوطين وقررت الدولة ان تأخذهم الى المحرقة ويقتلون ويحرقون مع اولئك المقتولين والمحروقين من شعبنا وقال لي احدهم :إنا كنت معهم مربوط وساقوني إلى تلك المحرقة للقتل ...كنا جوعانين وعطشانين وكان عم يجي مطر وكانت المياه تعبي مكان حوافر الجياد فكنا نضع فمنا مكان حوافر الجياد لنشرب المي لكن الجنود كانوا ينهالون علينا بالضرب ولم يتركونا لنشرب المياه .... كان بعض منهم هربوا ووصلوا إلى الموصل واخبروا جميع الطوائف في الموصل ما يحصل بأهل أزخ ...فذهب وفد من أهل الموصل إلى المسئولين البريطانيين واخبروهم ما يجري في ازخ فأسرع السفير البريطاني وابرق برقية إلى لندن واخبرهم بالأمر ....ولندن أبرقت إلى القائمين بالحكم في تركيا بان يحلوا المساجين ...وقال لي احدهم لما قربنا من قرية "علا قمشة " وهي المكان اللي صارت فيها المحرقة شمينا رائحة اللحم المشوي والنار بعدها مشتعلة بشحوم بني البشر المحترقة خفنا جدا ولكن رأينا واحد خيال ينهب الأرض نهبا ويتجه نحونا ولما وصل عند الضابط وضرب تحية قدم له البرقية اللي كانت بحوزته ولما قراء الضابط البرقية صعد إلى صخرة عالية وقال خبروا هؤلاء الناس بان ما بقي شي سوى إن نأخذهم إلى مدياد ونحاكمهم ولما علمن بان ما بقى قتل فرحنا كثير وداروا وجوهنا نحو مدياد' وقبل إن نصل إلى مدياد أدخلونا في خان وكان مليان ذرى بيضاء ومن جوعنا صرنا نأكل الذرة ونملي جيوبنا ونقرظ منها وانتشينا قليلا بهذه الذرى ولكن العطش كان اقسي من الجوع وفي الصباح الباكر أخرجونا من الكوخ واتجهنا نحو مدياد ولما وصلنا مدياد واقترب منا أهل مدياد قلنا نحن عطشانين وجوعانين ولما سمعوا هذا كنت تشوف النسوان حاملات الجرات المي وتتجه نحونا لتسقينا ونحن نهجم على الجرات ونضع افواعنا عليها والعساكر تضرب على ظهور النساء بالسياط لتمنعها من أعطائنا المي والنساء لا تبالي وأكثر تهجم النساء لتسقينا ودخلنا فناء كنيسة مار شموني ولم نرى إلا أرغفة الخبز تنهمر علينا من على الحائط تتساقط على رؤوسنا ونحن نهجم على الخبز والعساكر تضرب بالسوط ولا نباليبارك الله بهذه المحبة المسيحيةالتي اكتشفناها في مدياد وأرغفة الخبز لم تتوقف بالأيام الكثيرة التي عشناها في مدياد والنساء الازخينيات ايضا آتت لتقديم المعون لأزواجهن وأهل مدياد قاموا بواجبهن بإطعامهن وإيوائهن ...وبعد ثلاثة أشهر أفرجوا عنا ورجعنا إلى ازخ .....وفي العراق لما سمعوا ا ن أهل ازخ قاسو من المحن التي سردناها وهم بحاجة إلى مساعدات ..قاموا بجمع ليرات ذهب لأهل ازخ ...وكان ملكون'هندو في زيارة للموصل لعند ابنه القس ميشيل الذي كان يدرس عند الكاثوليك واخذ معه موسى هندو والد المطران يهنان هندو وهناك اعطوا ملكون الذهب لكي يوزعها لآهل ازخ ...ولما وصل المال فرحوا أهل ازخ وتم توزيع المال بالتساوي على أهل ازخ ...وبعدما وصلت التبرعات اجتمع بعض أعيان البلد وقرروا إن يرسلوا كتاب شكر إلى المؤمنين في الموصل وكل من اشترك في هذا العطاء ويطمئنوهم على وصول المعونة وتوزيعها على كل الشعب والذين وقعوا على الكتاب هم 'قريا قس يوسف _قس موسى كتي _حنا صلوا كتي _اندراوس حنا إيليا _ملكون هندو "ولكن المطران بهنام عقراوي ما تمكن من الحضور بسبب الشيخوخة لان عمره كان يزيد على ال100سنة ..فقال احدهم وهو اندراوس حنا إيليا إنني سأصنع ختم من الشمع باسمه ووقع عنه...وأعطوا الكتاب إلى شخص ليأخذه إلى العراق ولما ذهب هذا الشخص حامل الكتاب إلى الحدود إلى قرية خانيك وجد شخص كردي يعرفه فسأله إلى أين متوجه قال إلى الموصل ..قال له :تعمل معروف توصل هذا إلى فلان ..قال على الرأس والعين ...فأعطاه الكتاب :ولما أخذه فتح الكتاب ولما وجد فيه تواقيع كثيرة وختم المطران اخذ الكتاب إلى شخص قرأه وقال له انه هام جدا ...اخذ الكتاب وسلمه إلى الدولة ولانه كان هذا الكردي مطلوب من الدولة فقال في نفسه :هذا سيجلب لي العفو لأنه كان فرار ...فأخذ الكتاب إلى عند القائم قام بالجزيرة "جزيرة ابن عمر " وسلمه إلى المسؤلين فرحبوا به وأعفوا عنه ...وألفوا حملة من الجيش واتوا إلى أزخ وقبضوا على كل من له اسم في الكتاب وخاصة المطران بهنام عقراوي واتهموهم بأن لهم علاقة مع الانكليز وأخذوهم إلى ديار بكر وكانوا تقريبا عشرين شخص مع المطران ...ولما أخذوا المطران عند كنيسة مار يعقوب كنت إنا موجود هناك رفعوا المطران واركبوه على فرس وما قدر إن يثبت حاله فوق الفرس فأتوا بالحبل وربطوه فوق الفرس كي لا يسقط من على ظهر الفرس والجماعة الباقية أخذوهم مشيا على الأقدام ...في يوم الوصول إلى ديار بكر توفي المطران بهنام عقراوي فأ هل ديار بكر تجمهروا امام الثكنة وطالبوا الجثة ليدفنوها في كنيسة المريمية بديار بكر فرفضوا ...ولم يعطوهم الجثة بل دفنوها وراء الثكنة وفي الليل نظر الحارس بأنه يوجد شعاع من السماء إلى فوق القبر فأخبر الضابط وقال له يا سيدي ذاك الذي قبروه وراء الثكنة قد نزل عليه نار من السماء ...فأنقبض الضابط وخرج ونظر إلى السماء وشاهد بأن هناك عامود شعاع ساطع من السماء فوق القبر فوضع الضابط يده داخل الشعاع فلم تحترق فقال للحارس يا غبي هذا نور وليس ناركما قلت هذا الذي مات ولي....وقال للحارس من إي طائفة هو ...قال له ؟انه من طائفة السريان الأرثوذكس'....قال للحارس اخبروا أهله ويأتوا ليأخذوه ويدفنوه حيث يشاءون وكان واحد عسكري مستأجر في بيتنا في ديريك بليرة ذهب شهريا كان اسمه'"إبراهيم اسادور "وهو مسيحي قال :إنا بيدي اخرجتوه من القبر وأخذناه ودفناه في كنيسة المريمية ....إما الآخرين الذين كانوا في السجن فقد اخرجوا من السجن بعد ثلاثة أشهر قضوها ..بعفو من مصطفى أتاتورك وشاهدت كيف جاوا إلى أزخ مشيا على الأقدام ..وأول القادمين كان أبونا قس موسى زوج خالتي ....والى اللقاء في حلقة مقبلة وموضوع اخر ...
التعديل الأخير تم بواسطة هشام شمعون ; 28-05-2008 الساعة 07:26 AM
|