الفرق بيننا و بينهم في فهم الأمور. بقلم: فؤاد زاديكه

[fouadzadieke]

الفرق بيننا و بينهم في فهم الأمور

بقلم: فؤاد زاديكه


"من تعلّم لغة قوم آمن شرّهم" يُنسب هذا القول لنبي الإسلام محمد ابن عبد الله, و هناك من يقول" من تعلّم لغة قومٍ أمنَ مكرَهم" و على أية حال فالقول شرّهم أو مكرَهم لا يجعلنا نختلف أو نبتعد عن المعنى المقصود من هذا القول و هو يدلّ بوضوح على أن فكرة الشكّ بالآخر و عدم الثقة به, هي القاسم المشترك الأعظم لدى أكثر المسلمين, و هذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن طريقة تفكير هؤلاء الناس لا تستطيع الابتعاد عن الشرّ, أو فكرة التخوين أو التكفير أو اتهامات أخرى ليس لها أي مبرّر أو منطق. هل علينا أن نتعلّم الإنكليزية مثلا - و هي أكثر لغة في العالم من حيث عدد الناطقين بها – كي نحاول تجنّب شرورهم و مساوئهم؟ - و التي بالطبع لا تعيش إلاّ في عقولنا المظلمة و الخائفة كهاجس مستمر- أم لكي نتعلّم من آدابهم و علومهم و فنونهم و نستفيد من معارفهم و نقف على أسباب تطورهم و تقدمهم لنغني معارفنا و نحاول تطوير حياتنا؟ ألا نتعلّم لغات شعوب العالم كي نقيم بيننا و بينهم جسور التواصل و الاتصال من أجل تبادل الخبرات و التقنيات و التجارب و المعارف الكثيرة في الحياة؟ ألا نتعلّم لغة أقوام و شعوب أخرى كي نثقف أفكارنا و نغني عقولنا و نزيد من مصادر معرفتنا و نصقل خبراتنا و نختبرها؟ ألا نتعلّم لغات أخرى عملا بمقولة "كلّما تعلّمت لغة صرت إنسانا آخر"؟

هنا من المفيد ذكر حديث رواه البخاري في صحيحه و اعتبره صحيحا (95\7) قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة السُّرْيانية )) رواه أحمد ( 5 / 182 ) من طريق الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت ورواه الترمذي ( 2715 ) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلَّم له كلمات من كتاب يهود قال ( إني والله ما آمن يهود على كتاب )) قال : فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمته له قال : فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم )) . ورواه أحمد و أبو داود والحاكم وغيرهم وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وخالفه غيره فتكلم في ابن أبي الزناد فقد ضعفه يحي بن معين وأحمد وجماعة ووثقه مالك وغيره ولا بأس به إذا لم يتفرد بالحديث وقد اعتبر بحديثه غير واحد والخبر محفوظ وقد علقه البخاري في صحيحه ( 95 / 7 ) جازماً بصحته.
يؤكد صاحب الحديث بأن ثابت لم يتعلّم السريانية (طبعا هنا خلط واضح و عدم معرفة من قبل الكاتب, إذ أن كتب اليهود لم تكتب بالسريانية بل بالعبرية ) كي يستفيد من علوم السريان بل كي يقرأ البريد و يردّ عليه, و هناك نقطة هام أكّد عليها بقوله: أنه لا يؤمن بأي شيء مما يقرأه, أي الشك و الريبة و عدم الثقة بالآخر و الحذر منه, كلها كانت لسان الحال و طريقة التفكير لدى أحد علماء المسلمين, و لغاية اليوم يسير المسلمون على هذا الهدي و النهج من طريقة التفكير.

كلمة من المفيد قولها بهذا الخصوص: ألم يكن من الأفضل لنبي الإسلام أن يعلّم جماعته قولا كهذا مثلا: "تعلم لغة قوم تنلْ ودهم" أي كي تنال ودّهم و تتعارف معهم و تتبادل الثقافات معهم و تفيدهم بما لديك من خبرات و تجارب و تستفيد مما لديهم؟ أم أنني سأرى من يردّ عليّ بخصوص الموضوع ليقول: إن هذا الكلام جاء في عصر مناسب له. و إذا كان الأمر ما تقول و هو كذلك فلماذا لا يزال موجودا في كتب الأحاديث لغاية اليوم و هو معمول به؟ و إذا قال قائل: أراد من قومه أن يتجنبوا شرّ الإيقاع بهم من قبل أعدائهم, فنجيبه و عندما يعتبرهم اعداءه فلماذا يدعو إلى تعلّم لغتهم و الاحتكاك بهم؟ أم أننا, و لكي نكون عربا أقحاحا و مخلصين لأمتنا و تاريخنا العربي يجب علينا التشكيك بالأمم الأخرى و وجوب الخوف و الحذر منها, لأنها مصدر الشرّ كما يقول المسلمون؟ و هل العرب وحدهم الأمناء و الأوفياء عملا بقول نبيهم محمد : (( أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي, والقرآن عربي, وكلام أهل الجنة عربي)) كأنه أراد أن يقول و لا تحبّوا غير العرب؟