Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > مثبت خاص بفؤاد زاديكه > خاص بمقالات و خواطر و قصص فؤاد زاديكه

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-11-2013, 02:59 PM
fouadzadieke
Guest
 
المشاركات: n/a
افتراضي ما جئت لألقى سلامًا بل سيفًا بقلم: فؤاد زاديكه

ما جئت لألقى سلامًا بل سيفًا





بقلم: فؤاد زاديكه






لقد ورد هذا الكلام على لسان السيد المسيح في إنجيل لوقا (مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا إنجيل لوقا 12 : 51-53) وفي انجيل متى «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا.” مت 10 : 34. و قد يكون العنوان بما يرمي إليه المضمون يدعو للتساؤل و ربما للتشكيك بأن يكون المسيح كشخص يسعى إلى نشر العنف و روح الكراهية بين البشر و هو رسول المحبة و السلام كما يُعرف عنه.

نلاحظ أن الكثير جدا من المواقع الإسلامية على الانترنت تشير إلى هذه الآية و تنشرها بكثرة في محاولة جاهدة لأن تلقي بلوم واحد على هذا الشخص الذي كان مسالما طول المدة التي أمضاها على الأرض و هي ثلاثين عاما, هذا من جهة و من جهة أخرى لكي يبرروا ما قام به نبي الإسلام من أعمال قتل و ما يدعو له فكره من تشجيع على ممارسة أعمال العنف و القتل و الإرهاب, ليقولوا أن محمد لم يكن النبي الوحيد الذي قام بالقتل أو دعا إليه.

بالطبع هذه الحملة المسعورة و المسمومة في آن واحد و التي حاولت أن تأخذ الآية بحرفيتها دون الرجوع إلى الرمزية المقصودة منها و الرمزية معروفة جدا باللغة العربية و استخداماتها من كناية و استعارة و تشبيه الخ و هي إشارات لا ترمي إلى المقصود بحد عينه.

أحببت هنا أن ألقي الضوء على ما تيسّر لي من فهم و هو متواضع على أيّة حال و لا أريد الحكم على المسيح إلّا من باب إنسان بغض النظر عن وجهة النظر الدينية.

لا يجوز فهم أي جملة أو كلام في غير موضعه عندما لا يكون مباشراً و فيه ما يدعو إلى المضمون و يشجع على القيام به كتطبيق عملي للمضمون. و لو أراد المسيح من هذه الآية الدعوة إلى القتل و استخدام السيف كرمز للعنف لما قال لبطرس الذي ضرب أذن الجندي الروماني عندما حاول إيذاء المسيح "أرجعْ السيف إلى غمده فمن يضرب بالسيف بالسيف يذهب" و في تلك اللحظة كان المسيح بحاجة كإنسان لمن يدافع عنه و يبعد عنه الأذى. لم يقبل هذا من بطرس بل لامه على فعلته فأخذ أذن الجندي و أعادها إلى مكانها بحب و بسلام بعيداً عن أية مشاعر حقد أو كراهية أو رغبة بالانتقام أوردود فعل أخرى على سلوك الجندي العدائي تجاه المسيح.

إنّ المسيح كشخص لم يسرْ على نهج و منوال نبي الإسلام الذي قتل بيده و ممن قتلهم كنانة بن الربيع و أم قرفة و عصماء و قتل اليهود كما قتل أصحابه و هذا مثبت في كتب الأحاديث, بل عاش حياة مسالمة و كان دائما يدعو إلى وجوب العيش بسلام مع النفس و مع الله و مع الآخرين.

عندما جاء المسيح شعر اليهود بخطره على مملكتهم علما بأنه أوضح ذلك لهم حين قال "مملكتي ليست من هذا العالم" و "اعطوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله" هم لم يفهموا هذا و اعتبروه ملك اليهود و هو سيقوم بتقويض أركان المملكة الأرضية ليقيم سلطانه و كان ذلك من قساوة قلوبهم و من قلة فهمهم.

كان المجتمع اليهودي في تلك الأثناء منقسما بين أتباع الديانة اليهودية و هم سكان المنطقة و بين الوثنية التي كانت ديانة الدولة الرومانية الحاكمة و المستعمرة لتلك البلاد. و حين قال المسيح هذه الآية أو الكلام اراد منه أن أي شخص سيتبعه بحكم واقع الأمر و المنطق فهو سيترك دين آبائه ليتبع الدين الجديد و بهذا فسيكون عرضة للنقد و للمضايقات و ربما للقتل و أعمال أخرى من العنف تمارس بحقه لكونه ترك دين آبائه و أجداده و كان الحكم بالموت على من يترك دينه اليهودي قائمًا و ليس الإسلام هو أول من شرّع لفكرة قتل المرتد عن دينه.

قال المسيح بواضح العبارة إنّه سيكون لكم ضيق. و عنى بذلك الاضطهاد و قد عانى المسيحيون منذ فجر المسيحية و لغاية اليوم أنواعاً شتى من الاضطهادات منها ما كان على صعيد الدول و منها ما كان على صعيد المجتمعات و كذلك على صعيد الأشخاص. فتعرضوا للقتل و للتعذيب و للنفي و للسجن الخ...

المعنى الذي أراده المسيح من هذه الآية هو أنّ الشخص الذي سيعتنق عقيدته سيكون عرضة لمتاعب كثيرة ضمن أسرته و أهل بيته و مجتمعه و كأنّ العلاقة صارت بين الطرفين تحكم بحد السيف و هذا السيف هو سيف الكراهية و الشرّ و البغضاء و الانتقام إنّه أكثر شرًّا من السيف فالسيف يقطع الرأس و تنتهي الحياة بينما في جو الكراهية و الحقد و البغضاء هناك قتل مستمر للنفس و للفكر و للجسد لا ينتهي.

أذكر تمامًا أنّني عندما انتسبت للحزب الشيوعي السوري في الستينات من القرن الماضي لقيت مضايقة من أهلي و عدم رضى بل و معاملة سيئة لأنهم كانوا يعتقدون بأن الشيوعية هي ضد الدين و أنّ الشيوعيين لا يؤمنون بالله و كل هذا لكون كارل ماركس قال حقيقة واقعة و األيمة نشعر بصدقيتها اليوم و أمس و غدًا و هي" إنّ الدين أفيون الشعوب" ألا ترون ما يفعلونه من مجازر و مآسي و إرهاب و كلّه تحت ستار الدين الذي يخدرون به العقول و الأفكار و يسممون النفوس وكذلك باسم الدّين؟ هل كذب ماركس حين قال ذلك؟ أكيد لأ.

كان المرحوم خالي (كبرو) من الحزب القومي السوري الاجتماعي و لكون حزبينا كانا على تضادّ فإنّ علاقتنا معًا انقطعت بشكلٍ تامّ حتى أنّني لم أعلمْ بمغادرته سورية إلى لبنان إلّا بعد المغادرة و في لبنان استشهد في حي الكرنتينا و كان قائدًا ميدانيا في الحزب بينما أخواه (متى) و (شكري) كانا مع الأحرار و الكتائب. الإخوة صاروا يتقاتلون هذا على المستوى السياسي و هذا أيضا ما كان و صار على المستوى الديني أيضا فكلّ خارج عن دين آبائه يلقى معاملة سيئة من أهله و من مجتمعه و تصير القطيعة بينهما كحد السيف القاطع من هنا جاء هذا التشبيه للسيف ونذكر الحروب الطويلة التي جرت بين الكاثوليك و البروتستنات في أوروبا, كما نذكر الخلاف الكبير و العداء بين الكاثوليك و الأرثوذكس لسنوات طويلة حتى أنّ هؤلاء كانوا يتهمون بعضهم بالكفر والتزوير الخ...

في يومنا هذا فإنّ أيّ مسلم يترك دينه ليصبح ملحدًا أو يعتنق النصرانية يُهدر دمُه و يتمّ تكفيره و يحكم عليه بالموت و بالقتل أليس هذا هو حدّ السيف الذي قصدته الآية تمامًا؟ نعم إنّه هو, إلا لِمَن لا يريد الفهم أصلًا و يهدف إلى تشويه الآية و حرفها و التلاعب بمفهومها.

و هناك تفسير لمفهوم الشهيد أحبّ هنا أن أستدلّ به فالشهيد في المسيحية يُقتَل من أجل دينه أي هو الذي يذهب ضحية أمّا الشهيد المسلم فهو الذي يقتل الآخرين من أجل دينه. و شتان ما بين المفهومين الأول ضحية و الثاني مجرم و قاتل.

أما الدليل الأكثر وضوحا على أنّ الآية لم يرد بها الدعوة إلى العنف و ممارسة أعمال القتل هو أنّ حياة المسيح لم تكن إلّا سلامًا بسلامٍ. عاش من أجل السلام و ضحّى بنفسه دون أن يقاوم أو يدافع عن نفسه بالقوة الجسدية فهو استسلم لهم كشاة ليسوقوه إلى الذبح لأنّه رمز السلام و المحبة.

إنّ المسيح لم يطلب من تلاميذه الدفاع عنه و كان له الحق بذلك, كما يقول إخوتنا المسلمون في تبريرهم لغزوات الإسلام ليقولوا إنّها جاءت للدفاع عن النفس علمًا أنّها لم تكن كذلك فهي كانت اعتداءً صارخًا على الآمنين و المسالمين كما في بلاد شمال أفريقيا و أسبانيا و مصر بلد الأقباط و بلاد الشام و المقدس و العراق و بلاد فارس و تركيا كلّها هي التي هاجمها المسلمون و غزوها فيما لم تهاجم هي المسلمين أو تغزوهم.

و كدليل واضح نأتي ببعض الآيات التي لا تدعو إلا إلى السلام و السلام وحده. في ميلاد المسيح غنت الملائكة قائلة "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة" (لو2: 14). وقد دعي السيد المسيح "رئيس السلام" (أش9: 6). وقد قال لنا "سلامي أترك لكم، سلامي أعطيكم.. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع" (يو14: 27)، وقال "أي بيت دخلتموه، فقولوا سلام لأهل هذا البيت" (لو10: 6). وذكر السلام كأحد ثمار الروح في القلب. فقيل "ثمر الروح: محبة فرح سلام" (غل5: 22). وفى مقدمة عظة السيد المسيح على الجبل "طوبي لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (مت5: 9).




كما ورد في الإنجيل أيضًا "أطلب إليكم.. أن تسلكوا كما يليق بالدعوة التي دُعيتم لها، بكلّ تواضع القلب والوداعة وطول الأناة، محتملين بعضكم بعضًا بالمحبة، مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط السلام. ولكي تكونوا جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا" (أف4: 1-4). ودعا السيد المسيح إلى السلام، حتى مع الأعداء والمقاومين، فقال "لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن، فحوّل له الآخر أيضًا. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضًا. ومن سخرك ميلًا، فاذهب معه اثنين، ومن سألك فأعطه" (مت5: 39-42).

بل قال أكثر من هذا "أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم.. لأنّه إنْ أحببتم الذين يحبّونكم فأيُّ أجرٍ لكم.. وإنْ سلّمتم على أخوتكم فقط، فأيّ فضل تصنعون" (مت5: 44-47).

أتمنّى أن يكون الإخوة المسلمون المخدوعون لحسن نيتهم و طيبة قلوبهم قد فَهِموا هذا و أتمنّى أيضًا أن أكونَ أزَلتُ اللبس عمّا يحاول البعض إلحاقه بمضمون هذه الآية والذي بروحه لا يُحْسَبُ على المسيح بل له.

التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 05-03-2020 الساعة 10:04 AM
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:52 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke