ما بين الحكيم والاديب

[simar]

سمع أبو الاسود الدؤلي رجلاً ينشد هذا البيت
إذا كنت في حاجة مرسلاً
فأرسل حكيماً ولا توصه
فقال ابو الاسود لو قال هذا الشاعر ما يلي لكان أحسن :
إذا أرسلت في أمر رسولاً
فأفهمه وأرسله أديباً
نلاحظ طريقة تفكير ابو الاسود
كيف انه اختار الاديب وفضله على الحكيم لم َ ؟
لو تجذرنا قليلاً في حياة الادباء وعلى قمة هرم الادب تتربع الشعراء نلاحظ ما يلي :
إن الشعراء والادباء علة الدنيا
ولو لم يكونوا لما كان لنا اطلاع
على اخبار تلك الايام وما ضمته من مجتمعات متنافرة ومختلفة في نمط العيش والتفكير إذ نقل لنا الشعراء العادات والقصص وطريقة العيش وتناقلوا الاحداث منها السياسي او العاطفي لما للشاعر او الاديب من سعة اطلاع
بسبب صولاته وجولاته ما بين البادية وقصور الامراء فهو يخالط ويعاصر كل طبقات المجتمع وبهذا تزداد سعته الثقافية وبذلك يزداد الفرز لديه ما بين الصالح والطالح
في الادباء تتوافر الموهبة والحنكة في المحاورة والمناورة
يمتلكون الحساسية والعاطفة الرقيقة الشفافة والشخصية والاسلوب
الى جانب هذا لا يتخذ الشاعر من شعره مهنة يعتاش بها وانما هي موهبة ترفعه عن بقية البشر بحسن التعبير والرد والمدارة واستيعاب الاحداث والشاعر كالاخطبوط يتحرك بمجال اللغة بليونة ومرونة لان لديه القدرة على الحفظ لمفردات اللغة وحنكة التعبير وسعة اطلاع وقوة التصوير ببراعة والتلاعب بالالفاظ وقلبها حسب المطلوب
يكتظ الشاعر بالعاطفة فهو معلم الحب والهوى ومدرسة في محاكات الحبيبة واللغة والرقة تساعده الى جانب الموهبة في هذا
يكتظ شعره بالبطولات ومثال ذلك عنترة
يكتظ شعره بالفلسفة كالبحتري
يحب الطبيعة وهو بحد ذاته بيئة متنقلة كما في شعر ابن حمديس وابن خفاجة حيث يصور لنا ابن حمديس تدحرج الحصى بالماء وتألم الماء من هذا التدحرج وانينه إذ يقول
جريح باطراف الحصى كلما جرى
عليها شكا أوجاعه بخريره
لم ارَ اجمل من هذا البيت في تصوير الطبيعة بدقة وعمق
وكقول المتنبي :
وألقى الشرق منها في ثيابي
دنانيراً تفر من البنان ِ
وها هي صورة ثانية وبارعة في تصوير الفراغات التي بين اوراق الشجر كيف تسمح من خلالها بمرور اشعة الشمس لترسم على جسد النائم تحت ظلها اقراص دائرية تشبه الدنانير ما هذه البراعة في التصوير فكيف لا نثق بالشعراء والادباء ولديهم من الكنوز المعرفية والتصويرية ما لديهم واخيراً انا اوافق ابو الاسود
لان قلب ولسان الحكيم في فم ودماغ الاديب