تَشَابُكُ الْبَيُولُوجْيَا وَ الْمُجْتَمَعِ فِي الشَّرْقِ بقلم: فؤاد زاديكى
تَشَابُكُ الْبَيُولُوجْيَا وَ الْمُجْتَمَعِ فِي الشَّرْقِ
يُعَدُّ الْمَيْلُ الشَّدِيدُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَ الْأُنْثَى ظَاهِرَةً فِطْرِيَّةً أَسَاسِيَّةً، تُشَكِّلُ دَافِعًا بَيُولُوجِيًّا عَمِيقًا لِضَمَانِ اسْتِمْرَارِيَّةِ النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ. هَذَا الِانْجِذَابُ الْمُتَبَادَلُ، الَّذِي يَتَجَاوَزُ مُجَرَّدَ الرَّغْبَةِ الْجِنْسِيَّةِ لِيُلَامِسَ جَوَانِبَ عَاطِفِيَّةً وَ نَفْسِيَّةً وَ اجْتِمَاعِيَّةً، هُوَ أَسَاسُ التَّكَاثُرِ الْبَشَرِيِّ وَ بِنَاءِ الْأُسَرِ. وَ مَعَ ذَلِكَ، تُظْهِرُ الْأُنْثَى فِي غَالِبِ الْمُجْتَمَعَاتِ الشَّرْقِيَّةِ حَذَرًا أَكْبَرَ، وَ خَشْيَةً، وَ تَحَسُّبًا لِلنَّتَائِجِ مُقَارَنَةً بِالذَّكَرِ، وَ هَذَا لَيْسَ وَلِيدَ الْمُصَادَفَةِ، بَلْ هُوَ نَتَاجُ تَدَاخُلٍ مُعَقَّدٍ بَيْنَ الْعَوَامِلِ الْبَيُولُوجِيَّةِ، وَ التَّارِيخِيَّةِ، وَ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَ الثَّقَافِيَّةِ.
فَبَيْنَمَا تَدْفَعُ الْفِطْرَةُ كِلَا الْجِنْسَيْنِ نَحْوَ بَعْضِهِمَا، تَجِدُ الْأُنْثَى نَفْسَهَا فِي مُوَاجَهَةِ قُيُودٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ أَكْثَرَ صَرَامَةً. فَالْكَبْتُ وَ الْحِرْمَانُ السَّائِدَانِ فِي هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَ غِيَابُ الْفَضَاءِ، الَّذِي يَسْمَحُ بِالْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ سَوَاءً الْفِكْرِيَّةِ أَوْ بِالتَّعْبِيرِ عَنِ الرَّغْبَةِ، يُلْقِي بِظِلَالٍ ثَقِيلَةٍ عَلَى عِلاقَةِ الْأُنْثَى بِالْجِنْسِ. فَالْأُنْثَى فِي هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ غَالِبًا مَا تُحَمَّلُ مَسْئُولِيَّةَ "الشَّرَفِ"، الَّذِي يَرْتَبِطُ ارْتِبَاطًا وَثِيقًا بِسُلُوكِهَا الْجِنْسِيِّ. أَيُّ انْحِرَافٍ عَنِ الْمَعَايِيرِ الْمَوْضُوعَةِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى عَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ، تَتَرَاوَحُ بَيْنَ الْوَصْمَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَ الطَّرْدِ مِنَ الْأُسْرَةِ، وَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ قَدْ تَصِلُ إِلَى أَشْكَالٍ مِنَ الْعُنْفِ. هَذَا الْخَوْفُ مِنَ التَّابُوهَاتِ، وَ مِنْ رُدُودِ فِعْلِ الْمُجْتَمَعِ، يَجْعَلُ الْأُنْثَى أَكْثَرَ حَذَرًا وَ تَفْكِيرًا فِي كُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَدْفُوعَةً بِمَيْلٍ فِطْرِيٍّ.
إِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، تَلْعَبُ الدِّينَامِيكِيَّاتُ الْأُسَرِيَّةُ دَوْرًا حَاسِمًا. فَغَالِبًا مَا تُرَبَّى الْأُنْثَى فِي هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ عَلَى الْتِزَامِ الصَّمْتِ، وَ قَمْعِ رَغَبَاتِهَا، وَ الْخُضُوعِ لِسُلْطَةِ الذَّكَرِ. بَيْنَمَا قَدْ تُعْطَى لِلذَّكَرِ مِسَاحَةٌ أَوْسَعُ لِلتَّجْرِيبِ وَ التَّعْبِيرِ عَنْ رَغَبَاتِهِ، تُفْرَضُ عَلَى الْأُنْثَى قُيُودٌ مُشَدَّدَةٌ. هَذَا التَّفَاوُتُ فِي الْمُعَامَلَةِ يُرَسِّخُ لَدَيْهَا شُعُورًا دَائِمًا بِالْحَذَرِ، وَ يَجْعَلُهَا تُقْدِمُ عَلَى أَيِّ خُطْوَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعِلَاقَاتِ بِخَوْفٍ بَالِغٍ مِنَ الْمَجْهُولِ وَ مِنَ النَّتَائِجِ الْمُحْتَمَلَةِ، خَاصَّةً فِي ظِلِّ غِيَابِ نِظَامٍ اجْتِمَاعِيٍّ دَاعِمٍ يَحْمِي حُقُوقَهَا وَ يُسَاوِي بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ.
لَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ الذَّكَرَ لَا يَمْتَلِكُ مَخَاوِفَ، وَ لَكِنَّهَا تَخْتَلِفُ فِي طَبِيعَتِهَا وَ شِدَّتِهَا. فَالضَّغْطُ الِاجْتِمَاعِيُّ عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَانِبِ الْجِنْسِيِّ الْمُبَاشِرِ، وَ لَكِنَّهُ قَدْ يُوَاجِهُ ضُغُوطًا أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْئُولِيَّةِ، وَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَوْفِيرِ الِاحْتِيَاجَاتِ، وَ "الرُّجُولَةِ" بِمَفْهُومِهَا الِاجْتِمَاعِيِّ. بَيْدَ أَنَّ هَذِهِ الضُّغُوطَ لَا تُقَارَنُ بِالْحَجْمِ الْهَائِلِ مِنَ الْخَشْيَةِ وَ التَّحَسُّبِ، الَّذِي تُعَانِيهِ الْأُنْثَى، وَ النَّابِعِ مِنَ الْخَوْفِ مِنْ وَصْمَةِ الْعَارِ، أَوْ فَقْدَانِ الشَّرَفِ، أَوْ حَتَّى الْعُنْفِ الْجَسَدِيِّ أَوِ الْمَعْنَوِيِّ.
فِي الْخِتَامِ، يُعْتَبَرُ الْمَيْلُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَ الْأُنْثَى غَرِيزَةً طَبِيعِيَّةً لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهَا، وَ لَكِنَّ الطَّرِيقَةَ، الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ هَذَا الْمَيْلِ، وَ تَوَقُّعَاتِ الْمُجْتَمَعِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ، تُشَكِّلُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ الِاسْتِجَابَاتِ الْفَرْدِيَّةَ. فَفِي الْمُجْتَمَعَاتِ الشَّرْقِيَّةِ، حَيْثُ يُفْرَضُ الْكَبْتُ وَ التَّحْرِيمُ، تُصْبِحُ رَغْبَةُ الْأُنْثَى مُحَاطَةً بِسِيَاجٍ مِنَ الْحَذَرِ وَ الْخَشْيَةِ، مِمَّا يُعِيقُ التَّعْبِيرَ الصِّحِيَّ عَنْ هَذِهِ الْغَرِيزَةِ الْفِطْرِيَّةِ، وَ يُلْقِي بِظِلَالٍ قَاتِمَةٍ عَلَى تَطَوُّرِ الْعِلَاقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ السَّلِيمَةِ.
بِقَلَمِ: فُؤَاد زَادِيكى
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 04-06-2025 الساعة 11:28 AM
|