Arabic keyboard |
#1
|
|||
|
|||
المزاج الحضاري في نتاج ابن العبري..
المزاج الحضاري في نتاج ابن العبري.. "الأحاديث المطربة نموذجاً"
بقلم: د. حليم أسمر حياة ابن العبري : "ولد في عام 1226م في مدينة ملاطية من أبوين مسيحيين فاضلين . - اشتغل ولده في الطب هو الشماس أهرون ابن عوتا الملطي السرياني . - قدم والده أو جده من قرية (عبرى) القريبة من نهر الفرات بقرب ملطية . وهذا السبب في تسمية ابن العبرى . - أحب العلم منذ نعومة أظفاره - أتقن اللغة السريانية وطقوس الكنيسة - قرأ مبادئ الطب على أبيه - 1243 رحل إلى أنطاكية ثم إلى طرابلس الشام ودرس الطب والبيان والمنطق على الأستاذ يعقوب - درس الفلسفة ، اللاهوت ، اللغة العربية . - تبع تعاليم أساطين النساك الكبار - أتقن : السريانية العربية الفارسية الأرمنية واليونانية - عام 1246 رسم أسقفاً لبلدة جوباس بجوار ملطية . ثم أسقف لاقبين ونصب مطراناً لحلب ثم في 1264 مفريانا للمشرق "المثمر" - تنقل لمدة 22 بين الموصل وقراها ودير مار متى وبغداد وتبريز - أخيراً توفي في مراغة باذربيجان في 30 تموز 1286 في الستين من عمره([1]) دواعي التسمية : كانت ولادته في ملاطية قاعدة أرمينيا الصغرى سنة 1226 . سمي في المعمودة يوحنا ، وليس صحيحاً بما توهم بعض المستشرقين أن أباه كان من أصل يهودي وهذا ما أوضحه هو في بيت من الشعر تعريبه: إذا كان ربنا (المسيح) سمي نفسه سامرياً فلا غضاضة عليك إذا دعوك بابن العبري لأن مصدر هذه التسمية نهر الفرات ويؤكد العلامة البطريرك مار أغناطيوس يعقوب الثالث في رده على دائرة معارف البستاني ، أن لا علاقة لعائلة ابن العبري باليهودية - ابن العبري ينتمي إلى أسرة مسيحية عريقة ، واسم هارون ليس دليلاً على أن صحابه يهودي . لابد من القول إن هناك خلاف ، لكن هناك من قال أن هذه التسمية متأتية من قرية عبرة الواقعة على ضفة الفرات اليمنى وتبعد عن ملاطية بضعة كيلومترات وجدّ ابن العبري جلا من هذه القرية إلى ملاطية فلاحقه اسم القرية عبرا فبقيت النسبة إلى أحفاده فقيل لكل منهم ابن العبري([2]) . وبالعودة إلى قاموس المنجد للتدقيق بمعنى كلمة عبرة : حزن وسالت عَبْرته و العين : دمعت "والعامة تقول : عبرت العينُ عليه" العَبَر : سخنة في العين شبكيها – العَبْرةَ ج عِبَر وعَبَرات : الدمعة الحزن بلا بكاء . وهذا المعنى الأخير ليس بعيداً ولا غريباً عن ابن العبري من خلال مواقف عاشها خلال حياته فعندما توفي البطريرك ابن المعدني رثاه بقصيدة ذرف فيها قطعاً من كبد متفطرة ، والكلام الذي قاله في هذه المناسبة ينم عن نفس تجيش بالألم الشديد على فقده من جهة ، وتقديسه وتعظيمه من جهة أخرى ، فقد سماه فيها "شمس الزمان" و"ضياء الكنيسة وعمودها" و"قدس الأقداس" و"تاج الأمة " و"علمها الرفيع" إلى أن يقول له : "لتغن الحياة بدون حياتك يا أبا الحق ، ولتنسني يميني إن نسيتك ، فبفقدك امتلأت البيعة ظلاماً، وبعدك أضحى كمالها كالحاً نقصاً"([3]) وفي هذا المقام والنفس الغرض لا أستطيع أن أمنع نفسي بعد أن اطلعت على قصيدة الحكمة الإلهية وبتمعن ودقة إلا أن أقول إنه يضاف إلى دواعي التسمية ويؤكدها هذا المزاج الحزين المتفطر والمنفطر ودموعه السخية عندما يلج عالم الوجد الصوفي في معارج هذه الحكمة الإلهية الخالدة ، يبوح في هذه الأشعار عن وجده الدامي والدامع : حكما مثلى وهدايا ونهى وابتكارات العقول الساطعة خصت الخلان حظاً وافراً ما عدا قلبي وعيني الدامعة([4]) ويتابع في حالته هذه قائلاً : بينهم صبّ وضيء وجهه وله تاج من الدر العجيب هام مثلي بالتي في لحظها وهولها قيّمت قلبي الكئيب([5]) . وينهي قصيدته : ياخفياً جاء يوماً أرضنا خارجاً من قدره العالي العظيم وتجلى منقذاً كل الورى ومضى بالنصر للبيت القديم([6]) الأحاديث المطربة لابن العبري - مؤلف أدبي لابن العبري يسمى سريانياً "بالقصص المُضحكة" - نشره الإنكليزي المستشرق واليس بودج E.A.Wallis Bndge في عهد السرياني في لندن 1897 ونقل إلى الإنكليزي باسم القصص المضحكة - عثر عليه لويس شيخو معرباً إلى العربية بدون ذكر المُعرب وبتقدير لويس شيخو أن المعرب هو ابن العبري نفسه - تم الحفظ بين هذا الكتاب وكتاب دفع الهم لإيليا الصوبادي لذلك أبدل ابن العبري الاسم للأحاديث المطربة . - الكتاب يقسم في السريانية إلى عشرين فصلاً ، في العربية اختصرهُ بستة عشر فصلاً ذكر فيها ابن العبري : 1- أحاديث لفلاسفة اليونان . 2- أحاديث لحكماء الفرس 3- لحكماء الهند 4- لحكماء العبرانيين (ينفي عن) التعصب 5- لبعض الملوك 6- للمعلمين 7- للزهاد 8- للأطباء 9- أحاديث على لسان الحيوانات 10- حديث للأغنياء الكرام 11- للبخلاء 12- لأرباب الصنائع الدنية 13-للظرفاء 14- للجهّال 15-للمجانين 16- للّصوص عدد الأحاديث 772 لكن تم الاختصار منها سواء من قبل العبري نفسه خلال نقله ترجمة كتابه للعربية أو من قبل شيخو . سنختار بعض هذه الأحاديث بما يفيد ويسوغ العنوان الذي اخترناه لهذا اللقاء "المزاج الحضاري" وما هي مقومات هذا المزاج عند هذا المفريان ؟ سنختار من هذه الأحاديث المطربة ما يلي : 1- كلام الفلاسفة : سقراط : كما نعلم له مواقف طريفة من المرأة تبدأ مع زوجته ، وتنتهي بآراء بشكل عام : سقراط معلم الفضيلة ومؤسس علم الأخلاق : الفضيلة عنده علم والرذيلة جهل ولا يفعل أحد الشر مختاراً . ويتجلى موقفه من المرأة بالتهكم والسخرية الواضحة .. هذا التهكم الذي اصطنعه سقراط طريقاً للمعرفة ، فموقف سقراط من المرأة لا يتعدى هذا النطاق ، نطاق المجتمع ومقتضيات الحالة الاجتماعية ، درجة الثقافة المتوافرة في المجتمع المعني وموقع الفرد من ثقافة المجتمع. يأخذ أقوالاً لسقراط تشير إلى علاقته الطريفة مع المرأة ،ومن هذه الأقوال : 3- قالت امرأة لسقراط : ما أقبح وجهك ، فأجابها : لو كنت مرآة صقيلة نقية لاعتبرتُ كلامك لكنك ذات صدأ فليس يظهر فيك جمالي ولهذا لست ألومك . ص40 4- ورأى امرأة شنقت نفسها في شجرة فقال : ليت كل الشجر يحمل مثل هذا الثمر .([7]) 5- ورأته امرأة أخذوه ليصلبوه فبكت وقالت : واأسفاه يقتلونك بغير ذنب : فقال لها يا جاهلة أتريدين أن أذنب وأدان وأقتل كمذنب ؟ 41- واستشار سقراط بعض أصحابه في امتلاك امرأة . فأجابه : احرص لئلا يعرض لك ما يعرض للسمك في الشبكة فالداخلون يرومون الخروج والخارجون يرومون الدخول . وفي القول 325 يلمح سقراط أو بالاحرى يصرح عن موقفه من الملك من السياسة ومحاباة الساسة في عصره في القول التالي : 32- رأى إنسان سقراط يأكل أصول الشجر،قال له : إنك خدمت الملك لماذا احتجت إلى هذا المأكل الدنيء ؟ فقال له : لو أكلت أنت مثل هذا المأكل لما احتجت أن تخدم الملك ويقدم سقراط درساً في التربية وبالتحديد تربية الصغار والتعب على هذه التربية . وهذا يذكر أيضاً بحكم أحيقار في التربية وغاية الحكمة العملية من التربية . في القول التالي :- قيل لسقراط : لماذا تحب أن تعلم الصغار أكثر من الكبار ؟ فقال : لأن الغرسة الجديدة سهل تعديلها أما اليابسة فبالعكس . أقوال أفلاطون : معرفة الجاهل من كثرة كلامه فيما لا ينفعه وبإخباره عما لا يسأل عنه. ويحاول أفلاطون أن يحفز على التعلم والسؤال لكن يبقى هذا في حدود الطبقة التي حاول أفلاطون أن يكون وفياً لها ومن موقعه الطبقي ... 9- سئل أفلاطون : بماذا يتعدى الإنسان وقت محنته ؟ فقال : بتأمله أنه قد عرض لغيره مثله. 27- قال أفلاطون : من شيئين يعرف الجاهل، بكثرة كلامه فيما لا ينفعه وبإخباره عما لا يسأل عنه . 65- قال أفلاطون : إنه لعار عظيم أن الإنسان لا يتعلم ولا يسأل أن يتعلم فيوجد بذلك فيه شران . أقوال أرسطو : نعلم أن أرسطو ربى الاسكندر فترة من الزمن وحتى يقال إن الاسكندر بعظمته السياسية هو أرسطو أو الوجه الآخر لأرسطو ووصية أرسطو هذه ليست بعيدة عن واقع ثقافتنا وتاريخنا الذي يعود إلى ما قبل أرسطو ، ففي مكتشفات أغاريت نرى مثل هذه الوصية وفي حكم احيقار نجد هذا الأمر أيضاً ، وهذا أوصى به أرسطو 10- أوصى أرسطو للاسكندر قائلاً : احذر من كشف سرك لاثنين لأنه إذا أفشي لا تعلم من أفشاه وإذا عذبت الاثنين معاً تكن ظالماً للبريء . 24- سئل أرسطو : ما بال الحساد يحزنون دائماً ؟ فقال : لأنهم لا يحزنون على شرورهم فقط بل على خيرات غيرهم أيضاً . 51- قال أرسطو : إن الجاهل لا يحس بمرض عقله فهو كالسكران الذي لا يحس بالشوك الذي يدخل بيده . ديوجينس : ( هناك أكثر من ديوجين في تاريخ الفكر والأغلب هنا المقصود ديوجين الكلبي ). وحياة ديوجين الكلبي طريفة والطريف أكثر، حكمة هذا الرجل والدرس الذي نتعلمه هو التوجه الحكمي عبر تخطي هذا العالم المادي (عالم الفساد) . كما في الأقوال التالية : 12- قيل لديوجينيس : لماذا تأكل في السوق ؟ فقال : لأني جعت في السوق . 36- قيل لديوجينيس : ألا تقتني بيتاً تستريح به ؟ فقال إن بيتي حيث تكون راحتي . 45- سئل ديوجينيس : عن رجل موسر أهو غني : فأجاب إني أعلم أنه ذو مال كثير لكن لا أعلم أهو غني أم لا . 46- سأله ملك : أين غناك ومقتناك ؟ فأومأ إلى تلاميذه وقال : عند هؤلاء، يريد بذلك (الحكمة) ([8]) حكماء الفرس : قول كسرى أنه يريد الحكمة للعدو كي لا ينقاد لفعل الشر [فعدو حكيم خير من عدو جاهل] والألفاظ حتى من الموت والصمت ، والصمت أقوى من الكلام ،وفيما يلي : 90- سئل كسرى : لمن من البشر تريد أن يكونوا حكماء ؟ فأجاب : لأعدائي لأن الحكماء لا يسهل عليهم الانقياد للشر بخلاف الجهلاء فإنهم لا يحذرونه أبداً . 100- لما مات قيكباذ الملك قال أحد العلماء : إن الملك كان بالأمس ناطقاً وأما اليوم فهو واعظ وإن كان صامتاً . ربي بالحكمة ، هذا طريق التربية . حكمة الشعوب خبرة الشعوب ، هي خلاصة تجربة الشعوب : التربية بالحكمة وهذا القول يؤكد الهدف من الحكمة العملية على الأقل (التربية)... شاور امرأتك وافعل عكس رأيها ... وهذا ما يتوضح في القولين التاليين : 102- وقال : إن القلوب تحتاج إلى التربية بالحكمة كما تحتاج الأجساد إلى القوت لتحيا([9]) 105- قال يزرجمهر : إن كنت لا تعرف أي أمر يليق لك فعله من نوعين فاستشر امرأتك وافعل بضد قولها لأنها لا تشير إلا بما يضر . حكماء الهند : أقوال تعير عن حكمة وفلسفة الهند وظهور ثنائيات عالم البقاء وعالم الزوال 111- إن العلم يزيد الحكيم حكمةً والجاهل جهلاً كما أن الشمس تزيد الأعين القوية قوة والضعيفة ضعفاً . 117- ستة أفعال ليس لها ثبات : ظل الشمس ومحبة الجهال وعشق النساء والغنى الحرام والملك الظالم والمديح الكاذب . 114- سئل آخر : لماذا شبهوا الجاهل بالأعمى ؟ فأجاب :لأن الأعمى لا يفرق بين النور والظلام فكذلك الجاهل لا يفرق بين الحكمة والجهل . حكماء العبرانيين : لا يستثني المفريان حكمة العبرانيين وهذا ينفي عنه نفحة التعصب التي اتهم بها الآن طالب الحكمة لا يقف عند هويتها ، طالب الحكمة أرقى من كل الألوان وكل القوميات طالب الحكمة والسالك في دربها دائماً يشهد لها ... 167: إن الكلام مادام مكتوماً فهو في سجن من يريد النطق به فإذا تكلم به صار المتكلم به حينئذ في سجنه . قال آخر : ينبغي لرئيس الشعب أن يقومّ ذاته أولاً ثم يسعى بعد ذلك في تقويم من هم تحت يده وإلا أشبه رجلاً يروم تقويم الظل المعوج قبل أن يقومّ الجسم الذي يتكون منه الظل . أحاديث الزهاد : يورد المفريان بعض الأقوال التي تدل : 1- على علاقة النساك بالعالم 2- على علاقة النساك بالغير 3- علاقة النساك بالسياسة ... (العالم الزمني) 198: سئل ناسك : ما هو هذا العالم ؟ فأجاب : ضحكة لمن جربه . 304: قيل لناسك : لا نراك تلوم أحداً قط فقال : لأني لا أكف عن لوم ذاتي ولا دقيقة واحدة. 305: قال أحد الولاة لزاهد : ما لك لا تأتي إلينا أصلاً ؟ فقال : لأني لا أجد عندك ما أريد الحصول عليه ولا تجد أنت عندي شيئاً أخاف أن تخطفه مني([10]). 317: رأى بعضهم إنساناً قائماً بين مقبرة ومزبلة فقال له : تأمل يا هذا أين أنت واقف فإنك بين خزانتين عجيبتين الواحدة يخزنون فيها الناس والأخرى يجمعون فيها شهواتهم . أحاديث بعض الأطباء : 358: دخل طبيب إلى مريض أبله فسأله : كيف ترى نفسك اليوم وما الذي تشتهي ؟ فقال له: أنا اليوم بخير واشتهي كثيراً أن آكل ثلجاً : فقال له الطبيب : إن الثلج لا يوافقك لأنه يسبب لك سعالاً ، أجاب المريض أنا أمص ماءه فقط وأرمي الثفل كما افعل بالتفاح . 363: اشتغل رجل بالتصوير ثم تركه وصار طبيباً فسئل عن ذلك فأجاب : إن خطأ التصوير ترمقه الألحاظ وتميزه الأعين أما خطأ الطب فتغطيه أرض ويستره القبر . أحاديث على ألسنة الحيوان : هذه الأحاديث يؤخذ منها معنى مجازي حكمي . ولا يبتعد هذا عن علاقاتنا الاجتماعية اليومية ومثل هذه الأحاديث نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى وعلينا أن نتعظ منها ... ولو كانت قديمة ترصد وبحيوية الكثير من المشكلات العالقة عبر التاريخ إلى الآن ، ومنها : 369: قيل إن الثعلب استهزأ يوماً باللبوة لأنها لا تلد في السنة طول عمرها إلا جرواً واحد . فقال : حقاً ولكنه أسد . 378: الفيلسوف والملك (والبوم) : للطباعة . 380: قالت الخنفساء لأمها : لماذا يبصق الناس علي حيثما توجهت ؟ قالت أمها: إنهم يفعلون ذلك لأجل جمالك وسوادك الحالك وطيب رائحتك 381: صاد كلبٌ أرنباً فقال له : ليس بقوتك غلبتني بل لضعفي وإن لم تصدق قولي فاذهب وجرب روحك مع الذئب . ([11]) أحاديث الكرماء : تدل على السخاء والإلزام الأخلاقي تجاه الفقراء والمعوزين ومنها : 418: كان أحد الأغنياء إذا طلب منه فقير شيئاً ولم يعطه يدفع له صكاً بخط يده أنه مديون له 426: سئل بعضهم ما هو الكرم ؟ فقال : هو إعطاء الحاجة للمحتاج في وقت حاجته . أحاديث لأقوام بخلاء : البخل قيمة سلبية لكنه يتجلى من الأقوال التي جمعها ابن العبري ببديهة ورهافة حس عن هؤلاء البخلاء وطرافة نادرة ، والتندر حول البخل والبخلاء لا يخلو وجوده في تاريخ الفكر والأدب . والأحاديث التالية توضح ذلك: 441: نظر بخيل إلى ابنه يأخذ خبزاً ويضعه في طاقة كان يخرج منها دخان ثم يأكل الخبز فسأله أبوه عن ذلك فقال له : يا أبي إنني أشم رائحة طعام يخرج من هذه الكوة فأضع فيها خبزي ليصيبه شيء من رائحة الطبيخ فآكله . فلما سمع ذلك أبوه ضربه قائلاً : ويحك أتريد منذ الآن أن تعتاد التلذذ في الأكل ؟ 443: جاءت ابنة امرأة بخيلة إلى حانوتي فقالت له : تقول لك أمي خذ هذا الرغيف وأعطنا أصغر منه وأعطنا بالباقي جوزاً . 450: ثلاثة بخلاء استأجروا بيتاً واحداً وسكنوه جملة وكانوا يشترون زيتاً للسراج لكنهم كانوا إذا أبى أحدهم دفع حصته من ثمن الزيت يعصبون عينيه بمنديل إلى أن يناموا ويطفئوا السراج .. 450: قيل لبعض البخلاء : ما أحسن الأيدي على المائدة . فأجاب : لو كنًَّ مقطوعات . 465: قال بخيل لعبده : قدم المائدة وأغلق الباب . فقال له العبد : يا سيدي بل أغلق الباب أولاً ثم أقدم المائدة لئلا يدخل أحد قبل أن أغلق الباب . فقال له سيده : نعم الرأي وأنت حرٌ لأجل عقلك الثاقب فلا تعد عبداً لحسن تدبيرك . أحاديث الظرفاء : - قيل لرجل كان يأكل سمكاً وحليباً ألا تخاف أن تجمع في معدتك بين السمك والحليب ؟ فأجاب : وكيف يحس السمك بالحليب و قد مات . أحاديث قوم جهال : وهي من الطرافة بمكان ومنها : - سأل بعضهم تلميذه في أي يوم من الأسبوع وقع خميس الأسرار في العام الماضي . فقال التلميذ : على ظني أنه وقع يوم الثلاثاء ([12]). 564: ذهب أبي ليزور القدس مرتين ومات فيها لكن لا أدري أمات المرة الأولى أو الثانية . 573: طار لأحد الأمراء ، صقر فقال : أقفلوا أبواب المدينة حتى أقبض عليه . 605: مر أحدهم بمئذنة أحد الجوامع فقال لرفيقه ما أطول الناس الذين بنوا هذه المنارة ! فأجابه رفيقه : يا أبله كيف يكون إنسان بهذا الطول ولكن بنوها على الأرض ثم أقاموها ... 615: كان آخر يكسر لوزاً فطارت لوزة من يده فقال : سبحان الله إن اللوز أيضاً يهرب من الموت . أحاديث بعض المجانين : وخذوا الحكمة من أفواه المجانين ، والثقافة والحكمة والخبرة تحتاج إلى كثير من الدربة والمران : 630: قيل لمجنون : عدد لنا المجانين الذين في حمص فأجاب : هذا يصعب لكثرتهم فإن أردتم أني أعد لكم العقلاء الذين فيها وهم قليلون . 647: كان مجنون يأكل تمراً بنواه فسئل عن ذلك فأجاب : هكذا وزنه علي بائعه. أحاديث اللصوص : 658: دخل اللصوص بيتاً في الليل وبدأوا يفتشون عن شيء يأخذنه فلم يجدوا فقال لهم صاحب البيت : يا شباب لا تتعبوا إن الذي تطلبونه في الليل أنا أطلبه في النهار فلا أجده . 664: سرق آخر حماراً وأخذه للسوق ليبيعه فسرق منه فلما سألوه بكم بعت الحمار أجابهم : برأس ماله . كل هذه الأقوال يوردها ابن العبري مدلاً على حكمة الشعوب ، وعلى الهم المعرفي الحكمي الذي يحمله . لأن الهدف من كل هذا هو التعرف إلى خبرة الأقوام في مجال الحكمة لا تخلو عبارة جمعها من بيئة أو أرضية حكيمة ... وكأني به بجميع كل هذا ليقارن حكمة الأرض . الحكمة العملية مع الحكمية الإلهية والتي كانت شغله الشاغل حتى تكللت في القصيدة الفريدة . من نافل القول إن الحكمة العملية الأرضية التي اهتم بأبعادها ومعانيها كانت معبراً حقيقياً إلى عالم الحكمة الإلهية ، هذا العالم الذي نشد وراءه الوحدة والصفاء والوجد الصوفي الحقيقي . لكن هذا المعبر ، شغله بما فيه الكفاية من خلال الشكوك والمجادلات اللاهوتية التي تخطاها عابراً إلى الحكمة الإلهية .. وهذه بعض المقاطع من ملحمته الخالدة الحكمة الإلهية : خطرت والشمس في رأد الضحى تتوارى خجلا من طهرها غادة والحسن في أجفانها وبهاء الجد في ينظرها كاعب ، أم ، عجوز ، طفلة حيَّرت كل الورى في أمرها كم رجال قد أصابوا وصلها لم ينلها واحد في سرها وهي تغري بعيون كالتي قلبها بالحب والشوق اكتوى ترفع الرأس على أحبابها وحياء فوق خديها استوى * * * ويد شادت على ساحاتها مدناً عشرا ًكشمس طالعة حكماً مثلى وهدايا ونهى وابتكارات العقول الساطعة خصت الخلان حظاً وافراً ما عدا قلبي وعيني الدامعة ([13]) نغمة تلقى الضيا في (بابل) وهي ترضى في ذرى آفاقها أختها تمنح (مصرا) سحرها فتنير الأرض من إشراقها نغمة أخرى بها فينيقيا تسبر الأغوار في أعماقها وتنيل الترك أخرى شجوها فيميد الدهر من أشواقها بينهم صب وضيء وجهه وله تاج من الدر العجيب هام مثلي بالتي في لحظها وهواها تيمت قلبي الكئيب وبكت عيني جهاداً ضائعاً ورجاء راح أدراج الرياح ([14]) يا خفياً جاء يوماً أرضنا خارجاً من خدره العالي العظيم ويتحلى منقذاً كل الورى ومضى بالنصر للبيت القديم تعشق الصمت وتهوى عزلة وضجيج منها في الجو دوى حلوة النجوى وذي ألحاظها كل سهم فاتك فيها انطوى تيمتني بجمال سامر ونصبت بالهوى قلبي العليل واستباني الحب منها ومضى عن عيوني النوم والداء وبيل *** حطني الدهر على محفوفة في رياها عانق النور والظلام حولها الأسوار تعلو ستة تنطح الجو وتزري بالسماء بعضها كل وكل بعضها ولها الأبراج في ذات الثواء من خلال هذه المفردات والمقطعات نرى أننا في مجال الحكمة العملية وضمن إطار الحكمة النظرية العام وبالتعبير الحياتي العام نحن ضمن إطار علوم ما يجب أن يكون حتى لو كانت القيمة والمعيار تميل إلى حد السلب .الطريف في الأمر من هذه القصص المطربة (المضحكة) أنها تصل في بعض تجلياتها السلبية "حد السخرية " لكنها سخرية هادفة، كما نقول في الفلسفة "التهكم" الذي به إلى المعرفة والعظة والمشورة ...والمتأمل في كل هذه الأقوال ودلالاتها لا يسعه إلا أن يعترف بمزاج حضاري وروح منفتحة على الخبرة المعرفية للأقوام الدانية والقاصية ومدى الاعتناء بها وممارستها والتحدث فيها في المجالس المختلفة وبالحياة وبتعرجاتهاولم نأتِ على هذا الكتاب فقط من موقع التسلية والترفيه عن النفس وحسب أو رفع الهم في زمن الاكتئاب والاغتراب والنمطية الواحدة، إنما أتينا عليه لنوضح أن الفكر السرياني تأثر وأثر في حضارات العالم المختلفة ومن موقع الانفتاح المجاني الثقافي / الحضاري على العالم لولا هذه الروح التواقة لمعرفة خبرة الغير والانفتاح عليه لما تجلت هذه الأفكار وانتشرت عبر حياة أهل الفكر والعلم والثقافة في عصور الازدهار السرياني والتي تعد مدماك حقيقي في الحضارة العربية والعالمية .. وبالتحديد من موقع الحكم وموقع بناء الإنسان من خلال هذه النفحة الذكية والمزاح الحضاري الحيوي المتدفق العطاء ... وهذا يدفع عن المفريان تهمة التعصب والإلحاد تجاه الغير وخاصة اليهود ... والمتعصب لا يغامر ولا يسافر.ويتعمق هذا أكثر من خلال الشعر الحكمي ذو المعنى الفلسفي العميق الذي يتم أن العبري وتجلى في القصيدة الفذة قصيدة (الحكمة الالهية) التي لا يربو إلى من يقرأها شك بعظمة هذا المفريان ... فمن يقرأ فسيجد أن تاريخ الفلسفة والحضارة قد تجلى شعراً حكمياً محبكاً جزلاً . قصة الفلسفة وحتى ما قبل الفلسفة في هذه القصيدة (الملحمة) .. ومن سخرية القدر أن هذا الشعر الحكمي يكاد لا يعرفه أحد من العامة إلا قلة مهمة من المتخصصين بل تكاد تجدنا في محاضراتنا وفي مهرجاتنا الثقافية نرشد وندل الطلبة إلى الشعر الأوربي وعظمته ولدينا من العظمة في تراثنا ما لا يحصى ولا يعد..."ما لا يستطيع أن يقدره إنسان" الخاتمة أقف خاشعاً أمام عظمة ابن العبري وحكمته ويبقى أحد أبطال الفكر البشري ... ترك لنا تراثاً غنياً وثرياً يكفي ذخيرة لأجيال وأجيال ... ترك وراءه نغمات منعشة لا تزال قيثارة العلم والدين ترددها طروبة نشوى .... الأمة العظيمة التي أنجبت ابن العبري قادرة على إنجاب الكثير مثله وحتى أناس لهم مكانتهم في العلم والأدب والحضارة والتاريخ وأقف أمام ملحمته (الحكمة الإلهية) صامتاً مصغياً إلى هذا الدرس الفلسفي العميق المدوي في سماء الإنسانية ... الأوصاف التي نعت بها : بحر الحكمة /نور المشرق والمغرب/ ملك العلماء أكير الحكماء /الأب القديس/ الأب العارف بالله زينة المخلفين /إكليل المغارنة/ تاج الرؤساء/ دائرة معارف القرن الثالث عشر ... وفي هذا المساء أضيف بكل تواضع وصفاً جديداً ومن خلال قراءتي المتواضعة له : [ أسير الحكمة] ...
__________________
www.kissastyle.de |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|