Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
دهاليزُ الأبالسة الجزء الثاني
دهاليزُ الأبالسة
الجزء الثاني ليس باستطاعة مقعدي الفكر و مشلولي الإرادة التخلّص من واقع الأمر المفروض بقبوله دون أيّة محاذير، لأنّ سلطان الخوف قد ملك منهم إرادتهم و شلّ قواهم العقليّة فأفرغها من مضمونها ليحوّلها إلى آلةٍ طيّعةٍ بيد الآخرين يتحكمون بمصيرهم مما يعقد أمورَ حياتهم أكثر فأكثر، و لا يترك لديهم أية فرصة أو مجال للتعبير عن النفس و الفكر و الإرادة و بهذا تنتفي فرص التحوّل و تتآكل إمكانيات التغيير و أيضا تموت الرغبة في السعي نحوَ التحوّل. إنّ هؤلاء يعيشون عالةً على مجتمعاتهم و بالتالي على غيرهم، يظلّون أسرى أفكار و أهواء رغبات مفروضة عليهم أو أنهم الذين يختارونها بملء إرادتهم لكن دون وعي أو فهم أو حتى إدراك. و يكون الجهل في هذه الحالة هو الآمرُ و الناهي و صاحبُ الكلمةِ الفَصل في تقرير مصير هذا النوع من الناس، لأنه يجعل منهم أدواتٍ طَيّعةً بأيدي الآخرين و هم لن يضمنوا و الحالة هذه أن يضمر المتحكمون بأمرِهم الخيرَ لهم، فيذهبون ضحية جهلهم و غبائهم و يصيرون لقمةً سائغةً لأصحاب الغايات و المقاصد و قد تؤذيهم كما قلنا، فهم يغدون أدوات تنفيذ لمقاصد الغير و لطموحات الآخرين، و لأجندة معيّنة قد تخدم الآخرين أكثر مما تفيدهم كفعلة للأمر و منفذين له فيكون الدافع للفعل هو الرابح بينما المنفّذ هو من دفع الثمن باهظاً و قد يكون هذا الثمن حياة هذا الشخص المأمور. هنا يلعب الانغلاق الفكري دوراً كبيراً و خطيراً بهذه العملية، لأن الانغلاق الفكري ظاهرة مرضية تطال الفكر و العقل و بالتالي الحواس و الشعور و تنعكس فيما بعد على السلوك، إنه حالة مرضيّة مُستعصية و السبب المباشر لها هو الخوف، الخوف بكلّ حالاته و أحواله، و بكلّ أنواعه و أشكاله، كالخوف من الآخر و الخوف من الغد و الخوف من الجديد و الخوف من التطور و حالة التغيير التي يمكن أن تحصل، و الخوف من المجهول بسبب القصور الفكري للشخص و عدم رؤيته الصحيحة للأمور و منها كذلك الخوف من التحرّر من عبوديّة الأفكار و النصوص و العادت و التقاليد السائدة و ربما المعمول بها كمقدس في واقع الفكر الضيّق و المنغلق. عندما ينفتحُ الإنسانُ على العالم بعقله و فكرِه و حواسّه، فإنّه يصبحُ قادراً على رؤية الأشياء كما هي بل و أدقّ ممّا تُرى عليه، لأنّ التمحيص الفكري عبر مسعى التحليل و التطبيق و التقييم و المقارنة سوف يُوصل بالنتيجة إلى حالة جديدة غير تلك التي كانت عليها من قبل و هو ما يمكن تسميته بالتغيير أو التحوّل أو التجديد، فالقديم لا يجب أن يبقى أكثر ممّا تُلزِم الحاجة له أو إليه، فإن فقد صلاحيته، فلا طائلَ منه و لا فائدة تُرجى من بقائه و لا من محاولات الإبقاء عليه. مع الانغلاق الفكري يكون انغلاق حضاري أيضا و انغلاق اجتماعي و هذا يعني انعدام التواصل الاجتماعي بين أصحاب هذا الفكر و بين مجتمعاتهم لأسباب الخوف و الشعور بالشك و الريبة من كل ما حولهم، و من الطبيعي أن يؤدي هذا إلى تصرفات غير عقلانيّة أو سلوكيّات غير صحيحة. هنا أيضاً يلعب وعي الأفراد دوراً هامّاً و أساسيّاً فاعلاً و قد يكون حاسماً كذلك، على اعتبار أنّ الوعي هو مرتكز للسلوك الوجداني و الذي سيأتي تتويجاً له و منسجماً مع روح هذا الوعي الفكري و سيدفع بذلك إلى ممارسة حياتيّة قابلة للحياة، إذ لا حياة مع الجمود بكلّ أنواعه و تصنيفاته و توجّهاته، لا حياة مع التقوقع و مع التخلّف و لا حياة مع ظاهرة العيش بالماضي لأنّ الحاضرَ أهمّ و المستقبل الأهمّ منهما معاً. للوعي حالاتٌ و تعريفاتٌ و جزئياتٌ متنوّعةٌ و متعدّدة الجوانب و أما الوعي الذي أعنيه و أقصده بالتحديد هنا فهو الوعي الإنساني الشامل و الجامع و هو الذي تكوّنه خبرات الأشخاص و تجاربهم. و بالطبع فإنّ الوعي هو الذي يميّز الإنسان عن باقي الكائنات الحيّة، أمّا الذي يلعب دوراً عظيمَ الشأن في نسبة الوعي و مستواه لدى البشر فهو الثقافة و كلّما تنوّعت مصادر هذه الثقافة كلّما كان تكوّن الوعي لدى الأفراد أعمق و أوسع و أشمل، و لا غرابة في قول: "قلْ لي ماذا تقرأ، أقُلْ لك مَنْ أنت" الإنسان ابن بيئته و ثقافته و كلّما تعدّدت و تنوّعت مصادر تثقّفه، يكون مستوى وعيه أرفع و أغنى معرفة و حضوراً علمياً و أكثر منطقيّة و موضوعيّةً بأحكامه و آرائه و طروحاته. و يمكن القول باختصار أنّ الوعي هو إدراك المرء لوجوده و لما حوله بفهم و تعقّل يستخدم بذلك العقل و هذا ما يفتقده أصحاب الفكر المنغلق إذ لا تتوفّر لديهم سبل الاطّلاع و الانفتاح و التواصل و هذا يحصل بفعل قبولهم الأعمى و امتثالهم لِما يُملى عليهم دون إعطاء فرصة للعقل كي يختار و يتصرّف بوعي فالوعي هو حريّة العقل. للبحث تتمّة.... |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|