Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
اغتيال الفكر في الشرق العربي بقلم/ فؤاد زاديكى
اغتيال الفكر في الشرق العربي بقلم/ فؤاد زاديكى قرأت مقولةً للمؤرخ البريطاني هوبل يقول فيها : "إن أردتَ أن تُلغي شعباً ما تبدأ أولاً بشلّ ذاكرته، ثم تلغي كتبه وثقافته وتاريخه، ثم تكتب له كتابًا واحدًا فقط وتنسب له ثقافة هذا الكتاب، وتخترع تاريخًا من هذا الكتاب وتمنع عنه أي كُتب أخرى عندئذ ينسى هذا الشعب مَنْ كان وماذا كان وينساه العالم". و من خلال هذه المقولة التي تحمل الكثير من الدقة والصواب أحببت البدء بموضوع شائكٍ و مؤلمٍ بالوقت نفسه, فنحن نعيش في عالم عربي و إسلاميّ تنطبق عليه هذه المقولة بالمائة مائة, فما أن احتلّ المسلمون بلاد الأقباط في مصر و الأمازيغ في شمالي أفريقيا و الآراميين في بلاد الشام و الآشوريين و الكلدانيين في العراق و غيرها من البلدان في أصقاع كثيرة من العالم حتى طبّقوا ما قاله المؤرخ البريطاني بالحرف الواحد, فجاءت النتيجة كما يقول وهي أن ماتت ثقافة تلك الشعوب وانتهى تاريخها لأنّ الغازي فرض تاريخه الواحد الأحد الذي لا غيره من خلال الكتاب الواحد كما فرض لغته لينتهي العمل بجميع اللغات الأخرى والتي سبقت ظهور هذه اللغة الجديدة بوقتٍ طويل. فهم قاموا بحرق الكتب والمكتبات لأنها مصدر النور والمعرفة والعلم كي يسود جهلهم ويستمر بالتحكّم في مصير الناس وإرادتهم. أتناول اليوم موضوعًا قديمًا جديدًا, حاضرًا غائبًا, معلومًا مجهولًا, ألا و هو حريّة الرأي و الفكر في عالم الشرق العربي و الإسلامي, فلقد خسر العالم العربي و الإسلامي الكثير من المفكرين و العلماء و أصحاب الفكر و الراي الحرّ ممّن دعوا إلى التجديد و إصلاح الفاسد, و التصدي لمحاولات احتكار السلطة وهم يقاومون الاستبداد بأقلامهم و أفكارهم, و كان بذلك خسارة كبيرة في شتّى المجالات الثقافية و العلميّة, فالمفكر هو أبو المعرفة و حين يتمّ الحجر عليه أو اغتياله و اعتقاله أو الحدّ من نشاطه فإنّ هذا الفعل يخلق أزمة فكرية كبيرة في المجتمع, و يكون له نتائج سلبية خطيرة, و ما الوضع المُزري الذي نعيشه في هذه البلدان العربية سوى الدليل القاطع على صحة ما نقول و ما قاله من قبلنا كثيرون بهذا الخصوص, فكم من جرائم و فظائع تمّ ارتكابها بحقّ المفكرين و أصحاب الاجتهاد و الرأي الحرّ و التاريخ العربي و الإسلامي حافل بالكثير من تلك الشواهد, و نرى في حاضرنا اليوم ما يؤكد عدم انتهاء هذه الظاهرة المرَضيّة الخطيرة في مجتمعاتنا, بل أنها تتكرّر بين الفينة و الأخرى في بلدان عربية و إسلامية شتّى. و الأكثر خطورة بالأمر هو استيلاء الأحزاب الشمولية على السلطة في بعض هذه البلدان ليتمّ نشر الفكر الواحد و التاريخ الواحد بما يخدم مصلحة استمرار نفوذ هذا الحاكم المستبد و حزبه الذي يوفّر له الدعم بالاستمرارية في الحكم, من خلال مساعي تشويه الحقائق و غسل أدمغة الناس بالتهديد والوعيد والترهيب والترغيب أو بأعمال القمع و الملاحقة و السجن على أن يصل أحيانًا كثيرة إلى الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية لكلّ معارض أو صاحب مشروع فكري يرى فيه أصحاب هذا النظام الشمولي خطرّا على مستقبلهم و تهديدًا لكيانهم الاستبدادي القمعي. ونعرض هنا بعض الأمثلة التي شهدت القتل والإعدامات باسم الدين من أجل بقاء الحاكم: - تمّ اغتيال علي ابن أبي طالب( 595م- 661م) هو صاحب كتاب (نهج البلاغة) لأنّه كان طرح أفكارًا جديدةً متحرّرة بعض الشيء عن السائد في تلك الأيام, فلم تُقبَل منه. - الجعد بن درهم (667م- 724م) تم ذبحه كأضحية في أول أيام عيد الأضحى. - قُتل عبد الله بن المقفع وهو في مقتبل العمر ولم يتجاوز السادسة والثلاثين عند موته (724م ـ 759م) - سُجن أبو الكيمياء جابر ابن حيان حتى وافته المنية سنة 815 م. - ضُرب عنق الإمام أحمد بن نصر الخزاعي سنة 846م وحُزّ رأسه وداروا به في الأزقة بقي الرأس منصوبا ببغداد والبدن مصلوبا بسامراء ست سنين إلى أن أُنزل. - كفّروا الفيلسوف الحسين بن منصور الحلاّج وصلبوه سنة 922م. - اضطُّهد وحُوصر الإمام أبو جعفر الطبري المؤرخ والمفسر والفقيه حتى توفي سنة 923م. - نفيَ أبو الحسن ابن المنمر الطرابلسي (959م- 1000م) ثم تم هدم ضريحه ونبش قبره بعد أكثر من ألف عام على وفاته. - سُجن الشاعر والفيلسوف الأديب أبو العلاء المعري (973م-1057م) ثم تم قطع رأس النصب التذكاري. - اتهم الفقيه العالم شهاب الدين يحيى السهروردي بالفساد وذبح سنة 1190م. - اتهم الشاعر والكاتب والمؤرخ والفيلسوف والطبيب والسياسي لسان الدين بن الخطيب (1313م- 1374م) بالإلحاد فقتلوه خنقًا في سجنه واخرجوا جثته في الغد ودفنت بالمقبرة الواقعة تجاه باب المحروق أحد ابواب فاس القديمة ثم أخرجت جثته في اليوم التالي وطرحت فوق القبر وأضرمت حولها النار فأحترق شعر الرأس، واسودّت البشرة ثم أعيدت الجثة إلى القبر وتركت لتثوي الثواء الأخير. - تمّ تكفير الفيلسوف أبو نصر محمد الفارابي (874م- 950م)، وأبو بكر الرازي (865م- 925م) وهو أحد أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق، والفيلسوف وأبو الطب الحديث ابن سينا (980م- 1037م)، وفيلسوف العرب يعقوب بن إسحاق الكندي (801م- 873م)، والعالم الفقيه أبو حامد الغزالي (1058م- 1111م). وحرقوا كتب أبو الفرج الأصفهاني (897م- 967م) والغزالي وابن رشد (1126م- 1198م). - تمّ تكفير الخوارج والقضاء عليهم. هذه عًيّنة من عيّنات الماضي في تعامل الدين والسلطة مع المفكرين والعلماء والفلاسفة والأدباء والشعراء وكلّ من جاهر برأي حرّ ونادى من أجل الحريّة الفكريّة أو من أجل خطوات إصلاح للمجتمع. وسوف نتناول بعجالة بعض الحالات التي حصلت في المشرق العربي كنهج تكفيري لأصحاب الفكر والرأي - حُورب الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري بسبب أشعاره فعاش بالمنفى ومات فيه - حُورِب الشاعر السوري نزار قباني لنفس الأسباب فعاش ومات في منفاه - تكفير عميد الأدب العربي طه حسين بسبب كتابه (في الشعر العربي) فهل بإمكان شاعر أو كاتب أو مفكر أن يهزّ أركان الدين بكتاب أو منشور أو مقال؟ وهل الله غير قادر عن الدفاع عن نفسه ليتولّى أمر الدفاع عنه بشر هم قام بخلقهم كما يُقال؟ - تمّ تكفير الكاتب نجيب محفوظ بسبب روايته (أولاد حارتنا) و "لم تقف الضجة حول «أولاد حارتنا» عند ذلك التاريخ في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، بل أثيرت هجمة شرسة على الرواية إثر فوز صاحبها بجائزة نوبل للآداب في عام ،1988 إذ اعتبر البعض أن الرواية بما فيها من هجوم وقدح في الأديان، هي سبب منح الكاتب الجائزة، ووصل الأمر إلى صدور فتوى بإهدار دم الكاتب من قبل الداعية عمر عبد الرحمن، وتلقف تلك الفتوى أحد المتشددين، ووجّه طعنة إلى رقبة نجيب محفوظ، نجا منها، لكن بقي يعانيها حتى رحيله".. - تكفير الكاتبة الدكتورة وفاء سلطان بسبب مقالاتها وأفكارها المتحررة والتي تدعو إلى الأخذ بالمنطق العلمي لا بالعاطفة والاندفاع والتعصب تحت تأثير الجهل و ظلامية الفكر. - تمّ تكفير نصر حامد أبو زيد بسبب كتاباته ودعوته لوجوب نقد الخطاب الديني وتخليصه من الأوهام والخرافات المسيطرة عليه, كما تمّ تَطليقه من زوجته تطليقًا قسريًّا بفتوى دينية ظالمة. - تمّ اغتيال المحامي والسياسي التونسي شكري بِلعيد(26 نوفمبر 1964 - 6 فبراير 2013) أمام باب منزله من قبل مجهولين وكان ماركسي – لينينيّ التوجّه. - اغتيال النائب عن حركة الشعب والمعارض التونسي محمد البراهمي بتعرضه لإطلاق نار أمام منزله الواقع بولاية أريانة (شمال شرق تونس العاصمة) من قبل مجهولين. - اغتيال المناضل الوطني والزعيم السياسي صالح بن يوسف في عملية تمت خارج تونس. - عملية اغتيال الصحافي السعودي المعراض جمال خاشقجي في السفارة السعودية بتركيا في الثاني من هذا الشهر. - وهناك اغتيالات أخرى كثيرة لأسباب دينية أو سياسية منها اغتيال الملك فيصل من قبل الأمير فيصل بن مساعد واغتيال السادات من قبل الإخوان المسلمين في مصر. - 16/7/1951 اغتيال رئيس الحكومة اللبناني رياض الصلح في الأردن. - 16/3/1977 اغتيال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط بإطلاق الرصاص على سيارته في بلدة دير دوريت بالشوف، واتهمت أطراف في سوريا بعملية الاغتيال. - 13/6/1978 اغتيال الوزير طوني فرنجية وأفراد من عائلته في هجوم نفذته مجموعة من حزب الكتائب اللبنانية على منزله. - 14/9/1982 اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل بانفجار استهدف اجتماعا لحزب الكتائب في الأشرفية، قبل 9 أيام فقط من تسلمه منصبه الجديد، واتهمت في العملية مليشيات موالية لسوريا. - 1/6/1987 اغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي بتفجير قنبلة ناسفة في مروحية كان يستقلها من طرابلس إلى بيروت. - 16/5/1989 اغتيال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد بتفجير عبوة ناسفة لدى مرور سيارته في بيروت. - 22/11/1989 اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض بعد تسلمه منصبه بمدة وجيزة بتفجير عبوة ناسفة استهدفت موكبه قرب القصر الحكومي في بيروت أثناء عودته من احتفال أقيم في ذكرى الاستقلال. - اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14/2/2005 بانفجار ضخم في منطقة السان جورج في بيروت. وقتل في الانفجار 19 شخصا آخرون كما جرح الوزير اللبناني باسل فليحان الذي توفي فيما بعد. لتبدأ سلسلة من الاغتيالات السياسية، ألقت قوى 14 آذار بالمسؤولية على سوريا وحلفائها في البلاد في الوقوف وراء هذه العمليات، وبينت أن جل الشخصيات المستهدفة تحسب على الطرف المناوئ لسوريا. - اغتيالات أخرى منها: اغتيال رئيس الحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوى. الصحفي سمير قصير. جبران تويني. الوزير عن الكتائب بيار الجميّل. وليد عيدو. النائب عن الكتائب أنطوان غانم. اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني اللواء فرنسوا الحاج في انفجار ضخم بمنطقة بعبدا في أول استهداف للمؤسسة العسكرية. هذه نظرة سريعة على واقع العالم العربي الذي يعيش تخبّطًا و ضياعًا, فكل معارض لنظام حكم شمولي مستبدّ أو جهة سياسية مخالفة له في الراي قد يكون عُرضةً للاغتيال, و الاغتيال هو وسيلة قذرة تدلّ على ضعفٍ لفاعلها و على خوفٍ و على عدم الثقة بالنفس, فنحن في عالم الشرق العربي لم نتعوّد على قبول الراي الآخر, و نسعى على الإقصاء على الدوام, ظنًّا مِنّا بأنّ في هذا الموقف قوةٌ و خلاص من المشاكل التي تعتر ض طريقنا بسبب الأفكار العقيمة التي تسود و الأساليب الهمجيّة التي لا تدلّ على أيّ مظهر حضاريّ – إنسانيّ محترم. و نلاحظ هنا على صفحات الفيس بوك اثناء طرح بعض الأفكار التي لا يتوافق عليها الجميع, كيف أنّ البعض لا يريد القبول بها و هو يسعى للمنع أو التكفير و ربما يصل على حدود شخصنة الموضوع و من ثمّ كيل الشتائم كأسلوب سوقي يدلّ على شخصية مهترئة و فكر أصلع لا يقبل بروح الحوار فهو من مبدأ إمّا رايي و إمّا لا يكون راي آخر سواه. واليوم نحن أمام حدث تاريخي هامّ حصل في هذه اليام وهو عملية اغتيال منظّمة ومخطط لها بعناية واتقان في دوائر مخابراتية استهدفت شخصية من عالم السلطة الرابعة (الصحافة) وكان هذا الشخص قبل سنوات من ضمن البلاط الملكي السعودي, واليوم تمّت تصفيته بشكل إجرامي وبشع للغاية, حيث تمّ تعذيبه وقتله و تقطيع أوصال جسده و كأنّه شاة. إنّ أي شخص يعطي أوامر بفعل مثل هذا الإجرام يخلو من كلّ شعور إنساني ولا يجب أن تمضي هذه الجريمة دون عقاب لينال الفاعلون من آمرين بها ومنفذين ما يستحقونه من عقاب عادل. إنّ الرئيس الأمريكي أصبح اليوم على المحكّ من أجل مصداقية ما يقوله, فلا يجب أن تتمّ لفلفلة هذه القضية بإلصاقها في آخرين لينجو الفاعل الحقيقي والآمر بها, والكلّ يعرف حق المعرفة بأنّ أيّ شيء لا يمكن فعله أو تحريكه إن لم يكن بإذن وموافقة ولي العهد السعودي فيما يخصّ الشأن السعودي كما هو الشأن في كل الأنظمة العربية الحاكمة وخاصة تلك المستبدة والقمعيّة.. |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|