Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
ثلاثةُ أحداثٍ كادتْ تُنهي حياتي بقلم/ فؤاد زاديكى
ثلاثةُ أحداثٍ كادتْ تُنهي حياتي بقلم/ فؤاد زاديكى الحدث الأوّل في مراحل العمر المختلفة و المتعاقبة, التي نعيشها يمكن أن تقع لكلٍّ مِنّا أحداث و مواقف منها ما هو مفرحٌ و منها ما هو محزن, و هذا أمرٌ طبيعيّ في حياة البشر, التي تتأثّر بكلّ ما يجري لها في خضمّ بحر الحياة المتلاطم الأمواج. بالنسبة لي شخصيًّا, و كما روتْ لي والدتي في أكثر من مناسبة و لأكثر من مرّة عن بعض الحالات, التي مررتُ بها عندما كنتُ رضيعًا في قرية (برَه بيت) حيث كان يُقيم جدّي الياس حنا زاديكى و أسرتي من والديّ كبرو الياس زاديكى و حانا قرياقس يونو جمعة. لقد ذكرت لي والدتي – أطال اللهُ في عمرها) حادثتين هامّتين غلبتا على ما عداهما من حيث الخطورة على حياتي, كانت الأولى في حدود سنة 1949 حين كانت ولادتي في مدينة القامشلي في غرفة كان والداي اشترياها من أسرة أرمنية كانت غادرت القامشلي إلى أرمينيا و كانت الغرفة تقع في (حيّ الزّنود). كان والدي و أمي و عمّي حنا غادروا قرية (بره بيت) بسبب سوء معاملة جدّي لهم, فهو كان رجلًا من الطراز القديم, منحه الله صفة الطمع و صار له من المال ما لا يُحصى, لكنّ فقر قلبه أفقده الكثير من إنسانيّته, خاصّة في ما يخصّ معاملته لأبنائه الثلاثة أبي كبرو و عمّي حنا و عمّي اسطيفو. بعد زواج عمّتي (ايلي) من موسى ابن يعقوب غريب, بقي جدّي لوحده, حيث لا مُعين و لا مَنْ يهتمّ بوضعه و رعاية شؤونه, فما كان منه – بالطبع من منطلق الأنانيّة الذاتيّة – إلى أن سافر إلى القامشلي و رجا والدي و والدتي بأن يعودا إلى القرية, و هو يُبدي حسن النيّة, و يُشعرهم بأنّه قد تغيّر, لكنّ دود الخلّ منه و فيه, و مَنْ شبّ على شيءٍ شابَ عليه, اعترض عمّي حنّا على اقتراح أبيه و قال لأبي: يا أخي أنت تعرف حقّ المعرفة أبانا فهو لم و لن يتغيّر, و هو جاء ليس من أجلنا و إنّما من أجل مصلحته, فأختنا تزوّجت و بقي بمفرده لا أحد يهتمّ به, لهذا أراد منّا أن نعود كي نقوم بخدمته فقط و ليس لأي أمرٍ آخر, لكنّ والدي تأثّر بكلام ابيه و قال سوف نعود إلى القرية, علمًا أنّهما كانا يعملان و يكسبان مالًا معقولًا في القامشلي. (ما أن تعرّف جدّي الياس على مريم أخت لحدو و ملكي كيلان من قرية عين بازوق و تزوّجها حتّى عاد إلى طبيعته السابقة في إساءة المعاملة لأولاده و بقي على ما هو عليه إلى أن توفّاه الله في قرية بره بيت سنة 1952) كقول المثل: " عادت حليمة إلى عادتها القديمة". عادت أسرتي إلى قرية (بره بيت) و في هذه السنة و عندما كنتُ طفلًا رضيعًا, انتابتني حُمّى قويّة, فارتفعت درجة حرارتي, و فقدت الوعي, كما تقول والدتي. كان والدي ذهب في ذلك اليوم إلى مدينة (ديريك) ليشتري مادة (الكاز) الضرورية من أجل إشعال الفوانيس و اللمبات و الكازوكات, حيث لم تكن الكهرباء وصلت إلى القرية في تلك الأيام, و بالمناسبة فإنّ أمّي أميّة لا تُجيد القراءة و الكتابة, مثل أغلب نساء عصرها, حيث لم يكن أيّ تشجيع لدخول البنات إلى المدارس اعتقادًا من الأهل بأن البنت ضيفة في البيت و هي ستكون للغرب (أي سيأتي رجل غريب ليتزوجها فتذهب إليه) و هذه المقولة ما تزال سارية المفعول في مجتمعاتنا و هي علّة مرضية بالفكر و العقل و النفس, فما الفرق بين البنت و الولد؟ أكيد أنّ معظمكم لاحظ كم كان أهلنا يفرّقون بين الولد و البنت, حتّى أنّ بعض أمثالهم بهذا الخصوص لهي دليل على جهلهم و تخلّفهم و عدم رؤيتهم الصحيحة للأمور فمثلا حين يقولون: "ابن الابن لبّ القلب و ابن البنت ابن الكلب" يخلقون شرخًا كبيرًا في نفس البنت, علمًا بأنّ البنت أكثر محبّة لأهلها و أكثر اهتمامًا بهم. لم يُسمح للبنت في ذلك الزمن بالتعلّم و التخرّج و التخصّص لتحصل على مهنة و تستقلّ اقتصاديًا, و نحن نعلم بأنّ أكثر التعديات و العنف الذي كان يُستخدم بحق المرأة في مجتمعاتنا سببه عدم استقلالية المرأة اقتصاديًا, بل ظلّت تابعةً للزوج, الذي يأمر و ينهي و يفعل ما يحلو له مع المرأة و كأنّه حقّ مشروعٌ و شرعيّ أو إلهيّ. تمتّعت والدتي بذكاء كبير و حكمة و دراية بالأمور و كأنّها تخرّجت من مدرسة الحياة, الأوسع و الأشمل و الأكثر معرفة من المدارس المتعارف عليها, و لن أبالغ متى قلت بأنّ أكثر الذكاء الذي كان في إخوتي و أخواتي ورثناه عن أمي, علمًا أنّ والدي هو الآخر لم يكن قليل الذكاء. تروي لي والدتي هذا الموقف, الذي حصل معي, و حين وقع لي ما وقع, ارتبكت أمي إذ لم يكن أحدٌ إلى جانبها, فلم تعرف كيف تتصرّف, لشدة خوفها عليّ و هذا الخوف أغلق جميع منافذ التفكير الصحيح لديها, إنّه قلب الأمّ. صارت أمّي تبكي و تولول و في تلك الأثناء قدمت إلى بيتنا (مريم) زوجة ملكي خَلو أبو شريكنا شكرو, و هي كانت دائمة الزيارة لوالدتي كصديقة و معينة و ناصحة, فما أن رأت الخالة مريم حالتي, حتى سالت أمي ماذا جرى؟ أجابتها أمّي: لا أعلم, هكذا فجأة شعرت بأن حرارته مرتفعة ثم غاب عن الوعي و ها أنت ترين حالته. هدّأت الخالة مريم أمي و هي تقول: (لا تخافي... يَلّا قُومِي تِنْوَدّيُو نحَلِّقو فِالبيعة... البيع تِتِشْفيو ... خَلّي أمَلكي و إيمانكي فألله و البيعَة كبير) لا تخافي.. لا تخافي هيّا معي سنذهب به إلى كنيسة العذراء و نرميه في الكنيسة على نيّتها و هي سوف تشفيه. حملتني الخالة مريم و هي تضمّني إلى صدرها مسرعةً إلى الكنيسة, تتبعها أمّي الحائرة و الخائفة على فقدها لوحيدها. ذهبت بي الخالة مريم إلى حَضْرة البيعة و كما هو معلوم فإن الحَضْرَة هي (غرفة) مكان لحفظ التبن فيه للأغنام و المواشي, لكن هذه الحَضْرة كانت مليئة بالبصل الناشف. وضعتني الخالة مريم بينها و بين أمّي و نامتا لغاية الصباح, و في الصّباح أفاقت أمّي, فرأت أفعى مزخرفة (منقّشة) بأجمل الألوان المختلفة و المتعدّدة و هي تمرّ من جانبي بسرعة البرق, خافت أمي و هي تقول: أوووو شوفي الحيّة (الأفعى) فهدّأت الخالة مريم من روع أمي و من قلقها و هي تقول: يا بنتي هاي إشارة من العذراء بأنّ ابنك سوف يشفى, و فعلًا ما أن أصبح الصباح حتى عادت لي الحياة, و كأنّ شيئًا لم يحصل لي. فوجئت أمّي بما رأت, وقالت: آمنتُ و صدّقت باسمك يا ربّ ثمّ شكرا معًا العذراء و قالت لها الخالة مريم عليك أن تنذري للعذراء نَذرًا تقدّمينه في كلّ عام لأنّها كانت السبب في شفاء ابنك و إقامته من الموت, وافقت أمّي على ذلك و هي تقول: هذا وعد منّي و نذر عليّ كلّ سنة سأقدّمه إلى أن يكبر ابني و يتزوّج و بعد ذلك يقدّم هو بنفسه نذره فينتهي العمل بنذري. و هذا ما حصل. قالت لي والدتي: لم تكن تظهر منك أيّة حركة حتّى حركة التنفّس انعدمت لديك و أنّ الخالة مريم قالت لأمي: (إيّيمو ما كِنْ كِملو) أي أنّ أيّام عمره كانت لها بقيّة و لم تكن تلك نهايتها. كما قلت كانت والدتي في كلّ عام تقوم بتقديم ذبيحة وفاءً و توفية للنذر, و في إحدى السنوات كان فقر كبير حيث أصاب الدجاج مرض (إيش) ماتت أغلب دجاجات القرية و كان لوالدي عدد من الدجاج هي الأخرى ماتت و لم يبق سوى ديك و دجاجتان, فقالت والدتي إذا ذبحت دجاجة فلن يبقى لنا سوى القليل, لهذا تكاسلت و تقاعست عن تقديم نذرها لتلك السنة, و في إحدى الليالي (كما تقول والدتي) رأت العذراء لابسةً ثيابًا بيضاء و هي تأتي إلى والدتي لتذكّرها بوجوب تقديم النّذر كما وعدت, قائلة: لا تنسِ نذرك. خافت أمي و نهضت من نومها خائفةً, لكنّها عادت لتقول بينها و بين نفسها إنّ ذلك كان مجرّد حلم. فلم تهتمّ بالأمر. و في الليلة التالية ظهرت لها العذراء في نفس الهيئة و الوضع لِتُكَرِّرَ على مسمعها وجوب تقديم النّذر و هي توبّخها. كما اليوم السابق لم تهتم والدتي بالموضوع و في الليلة الثالثة و على التوالي ظهرت لها العذراء في نفس الحلم لكنّها كانت غاضبةً جدًّا هذه المرّة, وقالت لوالدتي بنبرة التهديد هذه هي المَرّة الأخيرة و إذا لم تقومي بالوفاء بنذرك فإنّي سآخذُ كبيرَ بيتك. نهضت أمّي من النوم مذعورةً و هي ترتجف فرآها أبي و سألها عن الأمر و لماذا هي خائفة لهذا الحدّ؟ أجابته بكلّ ما جرى معها خلال الأيام الثلاثة الماضية, فقال لها أبي: لماذا لم تقولي من اليوم الأوّل؟ ذبح والدي إحدى الدجاجتين و من ذلك اليوم استمرّت والدتي في الوفاء بنذرها إلى أن تزوّجت و قمتُ بالواجب و انتهى الأمر. ربّما لا يصدّق بعض القرّاء الكرام ما جرى, فهناك أحلام كثيرة أصدق من الواقع. و كانت الخالة مريم شاهدًا على ذلك كما جميع أهالي قرية بره بيت بعدما روت أمي و الخالة مريم كلّ ما حصل. هل غاب عن بالكم أنّ الرسالة المحمّدية برمّتها قامت على حلم؟ لم يكن فيه شيءٌ من الواقع و لا حتّى شاهد عيان لكلّ ما قيل. أمّا الموقفان الثاني و الثالث من الأحداث فإنّي سأتركهما للحلقة القادمة.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|