Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
قصّة بِلضيكو المجنون بقلم/ فؤاد زاديكى
قصّة بِلضيكو المجنون بقلم/ فؤاد زاديكىتروي الحكاية الشّعبية المتداولة أنّه كان في زمنِ ما أخَوَان, أحدهما مجنون يُدعى (بِلْضيكو) و الآخر عاقل, كان لأخِ (بِلْضيكو) بقرةٌ و امرأةٌ بينما لم يكنْ لبلضيطكو أيُّ شيء من متاع الدّنيا. كانا يعيشان معًا, و إذ ببلضيكو في أحد الأيام و على أثر خلاف نشب بينه و بين أخيه يقول لأخيه: إنّنا سوف نقوم بقسمةِ ما لدينا بيني و بينك, لأنّي أريد مغادرة القرية و العيش في مكانٍ آخر. أجابه أخوه العاقل ما الذي يُمكن أن نقوم بقسمته يا أخي وكلّ ما لدينا بقرةٌ و هي لي و المرأة و هي زوجتي, أصرّ الأخ المجنون على وجوب أن يأتي شخصٌ ما ليتولّى أمرَ القسمة بينهما, أتى بلضيكو بالشّخص الذي سيقوم بالقسمة قائلًا له: دِهْ (هيّا) حَلِقْ پِشْك (إشارة القسمة) على المَرا و البقرة أيّهما ستكون من نصيبي و أيٌّ من نصيب أخي. نظر الأخ العاقل إلى الأمر فأخذ الشخص المكلّف بالقسمة جانبًا قائًلا له: يا سيدي أخي شخصٌ مجنون و أقسم بالله إنْ صارتْ زوجتي من نصيبه لقاء القسمة فهو سيأخذها منّي, و أنا لا أستطيع التخلّي عن زوجتي لأخي, لهذا رجاءً حاول أن تجعل البقرة من نصيب أخي و المرأة من نصيبي لطالما هو مصرٌّ على فكرة القسمة علمًا أنّه لا يملك أيًّا منهما و أمري لله. تَفَهّم الشخص الموكل بالقسمة الوضع بشكل جيّد و حاول بطريقةٍ ما أن يجعل البقرة من نصيب بلضيكو لتبقى المرأة لزوجها, فقال لبلضيكو خُذ البقرة فهي صارت من نصيبك بينما المرأة بقيت من نصيب أخيك. و على هذا النّحو تمّت القسمة. خرجَ (بِلضيكو) من القرية قاصدًا قريةً أخرى و هو يسوق البقرة أمامه, و بينما هو سائرٌ إذ به يلتقي امرأةً جميلةً تغْزِل طشّيتها (مغزل يدوي من خشب له سنّارة يُغْزَلُ به الصوف و القطن لجعله خيوطًا) فنظر إليها طويلًا و نظرت إليه, فسألتْهُ عمّا به فأجابها: إنّك أعجبتني, فقالت له على الفور: و أنا أيضًا أُعْجِبتُ بك. سألها على الفور: هل تريدين أن تتزوّجيني؟ فقالت: لِمَ لا, فأنا لوحدي و عندي عدّة إخوة و هم لا يسألونَ عنّي, و إنّي أقوم بعملي هذا لأكسب رزقي لتوفير لقمة العيش اليوميّ. سألته هي الأخرى: و ما هي مهنتك؟ أجابها: أنا أعمل قَصّابًا, فسُرّتْ لذلك و قالت: إنّها مهنة لا بأس بها, فالإنسان الذي لديه صنعة يستطيع إنشاء أسرة و تربيتها. تزوّج الاثنان و مرّت أيّامٌ على ذلك و في أحد الأيّام بادرت الزوجة زوجَها بالسؤال: أين صنعتُك يا بلضيكو؟ فأجابها: اليوم سأذهب للعمل. قام على الفور و أخذ بقرتَهُ و ساقها أمامَهُ إلى الچول (البرية بقصد الرّعي) و هناك التقى كلبةً و معها صغارها (جِرْوينها) و هي تُكَوكِز (تشكو) من الجوع فقال لها: ما بالُكِ يا قريبتي؟ واللهِ لن أجعلكِ جائعةً فسوف أذبحُ لك هذه البقرة و أعطيك لُقَمَ اللحم الكبيرة أمّا قِطَع اللحم الصّغيرة فهي ستكونُ من نصيبِ صغارِك الجائعين. ذبحَ (بِلضيكو) البقرة كما قال و وزّع لحمَها جميعَهُ على الكلبة و صغارِها, ثمّ حمل المِعلاق (القَصَبَة) و هو يرتدي قميصًا أحمر و عاد إلى الدّار فسألتهُ زوجته. ها... هل بعتَ اللحم و جلبتَ لنا بعضَ المال؟ أجابها: أجل و قد أتيت لك بالمعلاق لكي تطبخي لنا عليه أكلة (كِتَل) كبيبات. سألته الزّوجة: هل بعتَ اللحم كلّه؟ أجابها : نعم لقد بعتُ اللحم كلّه. سألتُه: لِمَنْ بعتَ اللحم؟ أجابها لقريبتي و صغارها. فقالت: و أين تسكن قريبتُكَ؟ قال: هناك بعيدًا في الچول. فقالت له: و ماذا تعمل قريبتك هذه؟ قال: هي تُعَوّي (عَو عَو عَو). سألته: هل قريبتُك كلبة؟ قال: نعم. بعد مرور أيّامٍ قالت سأذهب لأرى قريبة بلضيكو و ذهبت إلى حيث كان أشار لها, فرأت الكلبة جالسةً و حولها صغارُها فتقدّمت منها لدى رؤيتها, و ألقت لهم بعض قطع الخبز ثمّ هزّتْ رأسَها و عادتْ إلى الدَار. مضى على ذلك يومان قالت الزوجة و اسمها (مَلّوطة) لزوجها: لقد ذهبتُ قبل يومين إلى قريبتك و رأيتها و صغارها و أعطيتهم الخبز, ألن تذهب اليوم لتأتي لنا بالنقود, التي هي دينٌ عليها؟ إنّنا جائعون و ليس لدينا ما نأكله. أجاب سمعًا و طاعةً. توَجّه (بِلضيكو) إلى الچول حيث تُقيم الكلبة فرآها و صغارها و عندما رأته هزّتْ ذيلها (ذنبها) و هي تتظاهر بالدّعة تَوَقُّعًا منها بأنّه سيُعطيها كالمرّة السّابقة لحمًا طيّبًا, فما كان منه إلّا أنْ أمسك بها و شدّها و صغارها بحبلٍ إلى حجرة كانت هناك, ثمّ انهالَ عليها بالضّرب بعصىً غليظةً و هو يقول لها: اعطيني ديني. قريبتي اعطيني ديني. لقد اعطيتُك اللحم و قلت لك حينها إنّه دينٌ عليك. يجب أن تردّي لي ديني المستحقّ و الآن فورًا. أحسّتْ الكلبة بالألم و هي تعوي بشدّة و تحاول الإفلات من الحبل و بفعل الحركات الكثيرة التي قامت بها تحرّكت الحجرة من موضِعها, ففلت الحبل و هربت الكلبة و تبعها صغارُها, و عندما لم يتمكّن من اللحاق بها, عاد إلى الصّخرة فرأى دَنًّا مملوءًا بليرات الذهب, فأخذ منهُ ثلاث ليرات و وضع واحدةً في فمه و صار يمضغُها, و هو يقول للكلبة: قريبتي لا تخافي فأنا استرجعتُ ديني و قد أخذت فقط ثمن اللحم ليس أكثر و قد تركتُ الباقي فأنا لستُ طمّاعًا, و لن أتعدّى على حقّك فآخذ مالَك ظلمًا. عاد بِلْضيكو إلى داره فقابلته الزوجة قائلة: ها.. ماذا فعلت؟ أجابها: ألم أقُلْ لك إنّ قريبتي ستعيد لي ديني؟ ها هي تردّ لي ديني و قد أعطتني ثلاث ليرات ذهبية. عندما رأت الزوجة حقيقة ما جرى, قالت له: فعلًا قريبتك وفيّة, و لا تُحبّ أكل حقوق النّاس, لكنْ قُلْ لي أين كانت حين أعطتك الذَهب؟ قال: في الحقل. فقالت: و ما هذا الذي تمضغه في فمك؟ قال: ليرةً ذهبيّة أمضغها كعلكة. قالت: أَعطني إيّاها و ناولته قطعة علكة و هي تقول: اعلكْ هذه و ليس قطعة الذهب. حان المساء, فحملت الزّوجة نفسها و توجّهت إلى حيث أشار زوجُها, فرأت دنًّا مملوءًا بالذّهب, فحملته و عادتْ بهِ إلى الدّار, و خبّأتهُ في مكان أمين ثمّ استغلّت غيابَ زوجها, فنشرت قطعًا من الكتل المطبوخة في الحوش و فوق السّطح و على مَدخل البيت, و حيث كان الطقسُ قبل ذلك جميلًا ثمّ أمطر. لدى عَودة بلضيكو إلى الدار قالت له زوجته: ألمْ ترَ أنّ السماءَ قد أمطرتْ كتلًا؟ اذهبْ إلى الحوش وفوق السّطح و أمام المنزل و اجمعْ ما تستطيع من الكتل المتساقطة مع المطر. جمعَ بلضيكو الكتل و هو يظنّ فعلًا أنّ السّماءَ أمطرتها, و هو يقول: إنّها ما تزال نديّةً من المطر. في اليوم التّالي ذهب بلضيكو لينظر في شأن الدّنّ, فلم يجدهُ هناك. قال بينه و بين نفسه لا أحد يجرؤ أن يفعل هذا سوى زوجتي, فهي الوحيدة, التي تعرف بالأمر لأنّي أخبرتها عنه. قفلَ عائدًا إلى زوجته, سائلًا عن مصير الدّنّ, نكرت الزوجة أيّ علمٍ لها بالدّن, فهدّدها بينما هي تنفي التّهمة عنها و تنكر معرفتها بما جرى, فقام بضربها بشدّة, و هي مستمرّة في عملية النّكران, وصل الخبر إلى مخفر الشّرطة, فجاءت الشرطة و أخذتهما إلى التحقيق. في المخفر سُئلَ بلضيكو عن القصّة, فروى لهم كلّ ما حصل بينه و بين الكلبة و كذلك عن دنّ ليرات الذهب, و هو يقول: إنّ زوجتي خدعتني, و أخذت دنّ الذّهب دونَ علمي, بعدما كنتُ أخذتُ ديني من قريبتي الكلبة التي تعوي. استغربت الشرطة من أقواله إذ كيف تردّ الكلبة دينًا. ثم سألوه: متى حصل ذلك يا رجل؟ قال: يوم أمطرتِ السّماءُ كتلًا, ألا تذكرون؟ حتّى أنّ جميعكم أكلتم من تلك الكتل في ذلك اليوم. عرفت الشّرطة أنّ عقل الرّجل مصابٌ بلوثة, فقالوا للزّوجة: اذهبي إلى دارك فأنت طَليقة و حُرّة. إنّه رجل مجنون و سوف نحاسبه على ما تسبّب لنا به من إزعاج. لدى عودة المرأة إلى دارها, حملت دنّ الذّهب إلى إخوتها و قالت لهم: تعالوا و تمتّعوا بالخير, الذي أنعم الله به علينا, إنّها فرصة لن تتكرّر و سوف تكفينا مدى الحياة, و بهذا يدفع بلضيكو ثمن جهله و خفّة عقله و هبله حيث خسرَ المال و الزّوجة, و كان قبلها خسرَ أخاه. التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 02-09-2021 الساعة 05:54 AM |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|