Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
القسم الثاني من مشروع كتابي (هوامش) بقلم/ فؤاد زاديكى
القسم الثّاني من مشروع كتابي (هَوَامِش) و هو عبارة عن دراسة سيكولوجيّة لمراحل العمر, أقوم بنشر مضمونه على حلقات أرجو أن أستطيع من خلالها تقديم صورة عن بعض الماضي, الذي عشته في طفولتي و شبابي ثمّ في مرحلة الرّجولة و بعد ذلك فيما نحن عليه اليوم من تقدّم في السنّ, أعرض لكلّ مرحلة من هذه المراحل لبعض المواقف التي حصلتْ معي.
شبابُنا إنّ مرحلة الشّباب في حياة الإنسان هي مرحلة العنفوان والانطلاقة الأولى نحو التّصادم مع الحياة لهذا نرى فيها بعض المطبّات لعدم تبلور الخِبْرات بَعد وانعدام تعلّم ما يلزم من أجل المواجهة ولانعدام المعرفة في كيفيّة التّعامل مع المواجهة وكم هي كثيرةٌ تلك القضايا والمواقف والأمور التي تدعو إلى التّصادم والمواجهة بين الإنسان والحياة في هذه المرحلة من العمر, خاصّة في المرحلة الأولى من الشّباب و هي ما يسمّى بفترة المراهقة فهي مرحلة جدُّ خطيرة و حسّاسة و دقيقة للغاية تبدأ فيها المشاعر بالنموّ و التّبلور في تَلامُس مباشر مع الحياة. في هذه المرحلة من بداية الشّباب, أي المراهقة تختلط بعض الأمور على المراهق و يجد نفسه في حالاتٍ متناقضةٍ يتغيّر لديه الأسلوب بحسب المزاج الشّخصي السّائد لديه, وتعتبر هذه الفترة هي أهم فترة من عمر الإنسان فقد ينجح الإنسان في بلورة مفاهيم سليمة للتّعامل مع المواقف و الأحداث و القضايا و قد تخلق لديه عَجْزًا في حالة الفشل و ربّما ينعكس ذلك سلبًا على الشّخص بإصابته ببعض الأمراض التي تُصيب النّفس أو العقل, لذا يُولي علماء التّربية و علم النّفس و الاجتماع أهميةً قُصوى و بالغة لهذه المرحلة و يضعون أسسًا و خططًا و طرقًا للتّعامل مع المراهق, إذ أنّ التّعامل معه يكون صعبًا و يحتاج إلى مزيد من الصّبر و الأناة و المعالجة الصّحيحة ليبقى ضمن إطارٍ سليم لا انحرافَ فيه و لا شذوذ. تُعتبر فترة المراهقة الخُطوة الأولى لبلوغ النّضج العقلي و النّفسي و العاطفي و البدني والفكري للشّخص سواءً أكان ذكرًا أم أنثى, وشهدت المجتمعات البشريّة حالاتِ فشلٍ كثيرةً في هذا الباب و أذكر على سبيل المثال ومن خلال معرفتنا الشّخصيّة بإحدى هذه الحالات في مجتمع ديريك أنّ المعلّم (دنحا رزقو نرمو) كان أوّل معلّم ابتدائي في ديريك يحصل على أهليّة التّعليم الابتدائي (دار المعلّمين) و كان حصل عليها من حلب, لعدم وجود مثل هذا النّوع من المدارس في محافظة الحسكة في تلك الأيّام. في أثناء دراسته في مدينة حلب تعرّف على فتاة, فأحبّها و أحبّته وقد تعلّق بها كثيرًا و عندما فشلت تلك العلاقة انعكست سلبًا على طريقة حياته و نمط سلوكه و تفكيره, لكنّ الذي زاد في الطّين بلّةً أنّ شباب البلدة, الذين كانوا رفاقه و من أبناء جيله بدل أن يُعينوه على تجاوز تلك المحنة بالتّعامل معه بالرّفق و الّلين و تقديم العون و المشورة والنّصح وتهوين الموقف فهم ساهموا في تعقيد حالته أكثر ممّا زادت سوءًا حتى أوصلوه إلى مرحلة أقرب ما تكون إلى الجنون حتّى أنّ تسمية (دنحا المجنون) أرادوا إلصاقها به ظلمًا و عدوانًا دون مراعاة للحالة التي كان يعيشها بسبب فشل تلك العلاقة و هذا نموذج من نماذج كثيرة في مجتمعاتنا و المجتمعات الأخرى, فالرّفاق و الأصدقاء يمكن أن يشكّلوا عبئًا أكبر على مَنْ يقع تحت تأثير حالة كهذه و كم من فشل علاقة حبّ أو عشق أثّرت تأثيرًا خطيرًا على حياة النّاس كمثال على ذلك (مجنون ليلى) بعدما فشل في الحصول على حبيبته ليلى ابنة عمه, وزواجها من غيره. لذا نؤكد على ضرورة أن تكون هناك أوجهُ دعمٍ و توعية للشّخص الذي يمرّ بمرحلة المراهقة و قد مررنا بها و عشنا بعض المغامرات سواءً في مجال الفتيات أو في مجالات أخرى كتشكيل مجموعات تتعارك مع مجموعات أخرى من أجل فرض النفوذ الشّخصي و إثبات الذّات, وكانت كلّها عبارة عن مطبّات و هفوات أدركنا خطأها وعدم صحّتها فيما بعد. يقول بولس الرّسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح الخامس عشر و الآية 33:" لا تَضِلّوا: فإنّ المُعاشرات الرّديّة تُفسِدُ الأخلاقَ الحميدة" كما يقول الرّسول بولس في رسالته الثّانية إلى تيموثاوس في الإصحاح الثّاني و الآية 22 " أمّا الشّهوات الشّبابيّة فاهْرِبْ منها, و اتبعْ البِرّ و الإيمان و المحبّة و السّلام مع الذين يدعون الرَّبّ مِنْ قلبٍ نقيّ". سنعود إلى قول أنّه لم تكن هناك أيدٍ أمينة قادرة على التحكّم بمصير ذلك ولا حتّى معرفة ما كان يجري ويدور لغياب المتابعة و المراقبة و التّوجيه الصحيح والسّليم, بسبب الجهل أو عدم الاهتمام, وما كوّناه من خبرات في حياتنا و من تجارب ناجحة أو فاشلة, دفعنا ثمنه الكثير. لكنْ تحقّق المنشود وصرنا في مرحلة من الوعي القادر على كشف الخفايا ومعرفة الأسباب لتقييم أفضل وتوجّه أكثر صوابًا. بالطّبع لم يحصل كلّ هذا صدفةً بل أتى من خلال معارك متعدّدة في الحياة أخفقنا في بعضها ونجحنا في البعض الآخر منها. لا أعتقد بأنّ المراهقة تبدأ من سنٍّ معيّنة و تنتهي بسنّ معيّنة, فهناك من تبدأ المراهقة لديه مبكّرةً على شكل ميول كما ظهرت لديّ, و أنا في المرحلة الابتدائيّة و هناك من يبقى مراهقًا و هو يكون ابن الخمسين أو السّتين و قد يسمّونها مراهقة الشّيخوخة. وهنا يَحْضُرني قولُ المثل الأزخيني القائل "الجِاهل يقول ليسْ ألله" و هذا لا يعني عديم الإيمان, بل هو يعني الشّخص المراهق, فكثيرًا ما نطلق كلمة جاهل على الشّخص المراهق. في مرحلة الشّباب تصل شخصيّة الإنسان إلى مرحلة الذّروة من حيث الشّعور بالقوّة والحيويّة والانطلاق والنّشاط فيشعر المرء بأنّه قادر على فعل كلّ ما يريد وأنْ لا عوائقَ يمكن أن تقف حاجزًا بينه وبين تحقيق رغباته وطموحه وأمانيه التي يسعى لها. وفي هذه المرحلة يبدأ الشّخص باكتساب المهارات والقدرات والخبرات والمعارف والمعرفة وهذه إحدى ميزات سنّ الشّباب. بكلّ تأكيد يصبح الشّخص في هذه المرحلة قادرًا على اتّخاذ القرارات فهو تخلّص من سلطة الكبار و أوامرهم و من الحدود التي كانوا رسموها له, بما توجّب عليه عدم تجاوزها أو اختراق قوانينها و خطوطها. فكما بدأ الإنسان ضعيفًا في مرحلة الطّفولة يصبح قويًّا في مرحلة الشّباب والرّجولة من ثمّ يعود به الانحدار مرّةً أخرى إلى حالة الضّعف في سنّ الشّيخوخة. يتمّ بلوغ الشّخص في هذه المرحلة من جميع النّواحي الفكريّة و العقليّة و البدنيّة و النّفسيّة و الاجتماعيّة والجنسيّة, ولذا فهي تُسمّى مرحلة البلوغ ومن خلال ذلك يتمّ الحكم عليه في هذه المرحلة من العمر لأنّ الإنسان, يكون سيّد قراره و أنّ كلّ ما يصدر عنه يُصبح هو المسؤول عنه فلا يستطيع توجيه الّلوم لأحدٍ و لا التهرّب من مسؤولية الفشل, وبالمقابل فهو يفاخر بكلّ نجاحٍ يحقّقه أو خطوةٍ سليمة صحيحةٍ يكون قام بها. مِمّا لا يدع مجالًا لأيّ شكّ فإنّ هذه المرحلة من العمر هي مرحلة الدّراسة والبحث والاستقصاء والحصول على العلم والتّعليم والمعرفة ليصبح الشّخص قادرًا على التّعامل مع المشكلات وكلّ ما يجري حوله وما يعترض طريقه ويتعرّض له. أمّا احتمال الفشل والنّجاح فيتوقّف على مدى الوعي والتسلّح بالمعرفة إلّا إذا كانت هناك أمور خارجة عن طاقة الإنسان أو إرادته فغلبت كلّ مساعيه وأجهضت جهوده ومحاولاته. من المعروف بأنّ بناء المجتمعات و تقدّمها يساهم به الشّباب بما لديهم من خبرات و معارف و تجارب و تحصيل علمي يجعلهم قادرين على تحقيق ذلك, فيساهمون في تطوّرها و تقدّمها بما يتوفّر لديهم من مهارات وقيادة و ابتكار لهذا يجب على الشّباب خلق التوازن بين التّطوّر التّكنولوجي و التّعليمي و السّياسي و الاجتماعي والاقتصادي الخ... وبين بعض القيم الأساسيّة الهامّة و السّائدة في مجتمعاتهم, فعليهم أن ينبذوا العادات البالية و القديمة التي تؤثر سلبًا على حياة الناس, و يسعوا لتغييرها و تبديلها بأخرى تكون قادرة على الحياة فالمجتمعات الإنسانيّة تسير إلى الأمام و ليس إلى الوراء, فكلّ قديم لا يناسب و يتناسب مع مستجدات الحياة أو هو يسيء إلى التقدّم الحضاري في مكان ما, يجب إزالته لأنّه لن يكون نافعًا, واستمرار العمل به ضربٌ من الجهل و التّخلّف والخوف من الجديد الذي هو الأكثر نفعًا و جدوى. أمّا بخصوص سيكولوجية الشّباب فهي تنظر إلى مشاكل وتطلّعات الشّباب وما يتعرّض له في مواجهة الواقع الذي قد يقف حائلًا دون تحقيق طموحه. تكمن خطورة مرحلة الشّباب في أنّها تعتبر المرحلة الانتقاليّة بين الطّفولة و الرّجولة و من المعلوم أنّ كلّ مرحلة انتقاليّة عليها أن تراعي القديم و الجديد فتسعى من خلال أساليب واضحة و فاعلة و ناجعة بطرائق علميّة مدروسة لتعالج المشاكل بهدوء و رويّة دون حدّةٍ أو شِدّةٍ على نحوٍ سلبيّ فإنّ هذا سوف يؤدّي بكلّ تأكيد إلى الاضطراب و الاعتلال و حصول الخلل والأفضل أن يتمّ ذلك بتوجيه و إرشاد عقلاني لكي يصل إلى حالة الاتّزان و الانسجام النّفسي و الفكري و العاطفي وهذا يقود بالنّهاية إلى الاستقرار الضّامن للنّجاح.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|