Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
بقايا ذكرياتنا بقلم/ فؤاد زاديكى
بقايا ذكرياتنا بقلم/ فؤاد زاديكى الأماكنُ, الأشخاصُ, الأحلامُ كلُّها بقايا مِن ذكرياتٍ بدافع مؤثّراتٍ تشدّنا إليها من حينٍ لآخر, لأنّها جزءٌ مِنّا أو الأصحّ, أنّنا الجزء من كلِّها. لقد غَرسناها, سَقَيناها, رَعَيناها لكنْ و في ظروفٍ مُباغتةٍ, ولحظةٍ خاطفةٍ أهملناها, تَرَكناها, غادرناها. في كلّ يومٍ لنا معها ركعةُ صلاةٍ وخشوعٍ وتأمّل, لنا معها وقفةٌ لاستعادة البعضِ منها, وكأنّه استعراضٌ لفلمٍ وثائقيّ, نتأمّل في لحظاته, نُعاينُ أحداثه, نُمعِنُ في ما لم نَكُنْ نراهُ عندما كنّا هناك. كلُّ الأشياء, كلُّ الأحداث, كلُّ المواقف تخترقُ مسامات القلب, تنهشُ في لحم الجسد, فنشعر بالألم و النّدم, بالخيبةِ و الفشل, بالخوفِ و القلق. إنّها لحظاتٌ مُدَوّية, إنّها انعكاساتُ حياةٍ لازمتْنا وعاشتْ في أعماقنا بِصُوَرٍ مختلفةٍ و بأنواع شتّى, إنّها نحنُ لأنّها تَعبيرٌ عن إحساسِنا, عن ضميرِنا, عن ذاتِنا الإنسانيّة. الأماكنُ – بكلّ تأكيدٍ – تَغَيّرتْ معالمَها, فهي لم تَعُدْ على ما كانتْ عليه مِن بساطةٍ و براءةٍ و جمال, أمّا الأشخاصُ فقد رحلَ معظمُهم منتقلًا إلى العالم الآخر, وانتشرَ مَنْ تَبَقَّى منهم باقيًا على قيدِ الحياة في أصقاعِ المعمورة و أرجائها. كلٌّ يبحثُ عن ذاتِه الجديدة في عالمه الجديد, عن مستقبله, عن انتمائه و أمّا الذّكرياتُ فهيَ الوحيدةُ, التي لم يَطْرَأْ عليها أيُّ تَغييرٍ أو تَبديل, اللهمّ ما سِوى أنّها بدأتْ تُوجِعُ أكثر, مِمّا كانت عليهِ قبلَ أعوامٍ و أعوام, فمشاعر الألم غلبَتْ قدرةَ التّفكيرِ على التحمّل, فواقعُ الهجرة القسريّة, فصلَنا عن كلِّ ذلك الماضي لتبقى هواجسُنا هي الأكبر و الأكثر أثرًا و تأثيرًا في نفوسنا المتوجّعة, المتألمة, وهنا تكمن الصّعوبةُ في التّعبير الحقيقيّ النّاطق بما فيها و عنها. وطني, يا كيانَ ذاتي, ويا تعبيرَ حُرّيّتي, لا انتماء لي إليك, إلّا عندما تكونُ عادِلًا, عامِلًا بمفهوم الانتماء, خارجَ قُيودِ الأعراف المعمولِ بها, ودون الرّجوعِ إلى هياكل عظميّة لمفاهيم سائدة حرّفت مفهوم الوطن و المواطنة, لتخلقَ شَرْخًا كبيرًا و عميقًا بين الوطن و المواطن. وطني أنتَ ذاتي عندما أكونُ حُرًّا, وأنت مثلي تصبحُ حرًّا, فما حُرِّيّتُنا معًا سوى اكتمالٌ لمعنى الوطن و الوطنية من خلال تكريس مبدأ المواطنة الحقيقيّ الفاعل, غير المَنقوص, دُمتَ وطنَ الفكرة بالاعتبار, فأنت سكونُ الليل, وإشراقةُ النّهار, أنتَ همسةُ العطر و صفاء السّماء, أنتَ أريجُ الرّوح, وعطاءُ النّقاء, أنتَ الأمانُ و الازدهار, أنتَ الشّعورُ الصّادقُ بلا قيدٍ و لا إزار. قد تكونُ تغيّرت ملامحُ كثيرةٍ مِنْ وجهكَ يا وطني, وقد تكونُ الأماكنُ والمواضع صارت إلى غير ما كانت عليه, والأشخاص و المكوِّناتُ مِن الذّكريات و المُعاناة, من الأفراح و المسرّات, إلّا أنّ صورتَك سوف تظلُّ ناصعةَ البَياض في مُخَيِّلتي مهما حصل مِنْ أمر, أو طرأ أيُّ طارئ.
|
#2
|
||||
|
||||
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|