Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
حالةُ الوعي بقلم: فُؤاد زاديكِى
حالةُ الوعي بقلم: فُؤاد زاديكِى تُعَدُّ حالَةُ الوَعْيِ مِن أَعْقَدِ حالَاتِ الإِنْسانِ الفِكْرِيَّةِ و الشُّعُورِيَّةِ؛ فَهِيَ مَزِيجٌ مِنَ الإِدْرَاكِ العَقْلِيِّ و الحِسِّيِّ تِجَاهَ الوَاقِعِ و التَّجَارِبِ الشَّخْصِيَّةِ و المَفَاهِيمِ المُجْتَمَعِيَّةِ. تَنْبَعُ أَهَمِّيَّتُهَا مِن دَوْرِهَا المُحَوَرِيِّ فِي تَوْجِيهِ سُلُوكِ الإِنْسانِ و اتِّخَاذِ قَرَارَاتِهِ وَ فَهْمِهِ لِمَعْنَى وُجُودِهِ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ حالَةً ثَابِتَةً بَلْ تَتَعَرَّضُ لِتَأْثِيرَاتٍ و تَنَاقُضَاتٍ مُعَقَّدَةٍ، تَخْلُقُ دَاخِلَ الذَّاتِ الإِنْسَانِيَّةِ تَفَاعُلَاتٍ مُتَجَدِّدَةٍ. أَوَّلُ هَذِهِ التَّنَاقُضَاتِ يَتَجَلَّى فِي الصِّرَاعِ بَيْنَ الوَعْيِ الفَرْدِيِّ و الوَعْيِ الجَمَاعِيِّ، فَالإِنْسانُ يُحَاوِلُ دَائِمًا إِيجَادَ تَوَازُنٍ بَيْنَ مَا يَعِيهِ و يُؤْمِنُ بِهِ و مَا تَفْرِضُهُ عَلَيْهِ الجَمَاعَةُ الَّتِي يَنْتَمِي إِلَيْهَا. يَضَعُ هَذَا الصِّرَاعُ الفَرْدَ أَمَامَ مُفْتَرَقِ طُرُقٍ دَائِمٍ، حَيْثُ يَجِدُ نَفْسَهُ بَيْنَ رَغْبَةٍ قَوِيَّةٍ فِي الحِفَاظِ عَلَى اسْتِقْلالِيَّتِهِ و فَرْدِيَّتِهِ، وَ بَيْنَ الضُّغُوطِ الاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تَمِيلُ إِلَى طَمْسِ هُوِيَّتِهِ الخَاصَّةِ. و لَعَلَّ هَذَا الصِّرَاعَ يَتَزَايَدُ فِي وَقْتِنَا الحَالِيِّ بِسَبَبِ سُرْعَةِ تَغَيُّرِ المُجْتَمَعَاتِ و تَأَثُّرِهَا بِالتِّكْنُولُوجْيَا و أَشْكَالِ التَّوَاصُلِ الجَدِيدَةِ. كَمَا أَنَّ لِلْوَعْيِ مَعْرَكَةً أُخْرَى، تَتَمَثَّلُ فِي مُوَاجَهَةِ الذَّاتِ و النِّزَاعِ الدَّاخِلِيِّ. فَالإِنْسانُ يَعِي غَالِبًا أَخْطَاءَهُ و ضَعْفَهُ، و يُحَاوِلُ جَاهِدًا تَحْقِيقَ المِثَالِيَّةِ، لَكِنَّهُ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ يُدْرِكُ حُدُودَ طَاقَتِهِ و قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْقِيقِ هَذِهِ المِثَالِيَّةِ. تَبْرُزُ هُنَا حَالَةٌ مِنَ التَّنَاقُضِ الدَّاخِلِيِّ بَيْنَ طُمُوحٍ يَدْفَعُهُ لِلتَّطَوُّرِ، و مَشَاعِرَ مِنَ العَجْزِ قَدْ تُثْنِيهِ عَنْ تَحْقِيقِ هَذَا الطُّمُوحِ، مِمَّا يُوَلِّدُ أَحْيَانًا شُعُورًا بِالإِحْبَاطِ أَوِ القَلَقِ. و لَيْسَ التَّنَاقُضُ هُوَ التَّحَدِّي الوَحِيدَ، الَّذِي يُوَاجِهُ حَالَةَ الوَعْيِ، بَلْ هُنَاكَ أَيْضًا تَفَاعُلُهَا المُسْتَمِرُّ مَعَ المَشَاعِرِ الإِنْسَانِيَّةِ، كَالحُبِّ و الخَوْفِ و الأَمَلِ. فَعِنْدَمَا يَقْتَرِنُ الوَعْيُ بِالخَوْفِ، قَدْ يُصْبِحُ الإِنْسانُ مُقَيَّدًا بِمَخَاوِفِهِ، غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى تَجَاوُزِهَا، مِمَّا يُحِدُّ مِن طَاقَتِهِ الإِبْدَاعِيَّةِ. أَمَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِالأَمَلِ، فَقَدْ يَجِدُ الإِنْسانُ فِي وَعْيِهِ دَافِعًا قَوِيًّا لِلنُّهُوضِ و التَّجَدُّدِ حَتَّى فِي أَصْعَبِ الظُّرُوفِ. إِذًا، يُمْكِنُ القَوْلُ إِنَّ حَالَةَ الوَعْيِ هِيَ مِيدَانٌ لِتَفَاعُلٍ مُعَقَّدٍ بَيْنَ الفَرْدِ و ذَاتِهِ و مُجْتَمَعِهِ، بَيْنَ الطُّمُوحِ و الخَوْفِ، بَيْنَ الإِيمَانِ والشَّكِّ. فَمَهْمَا بَلَغَتْ دَرَجَةُ نُضْجِ الوَعْيِ لَدَى الإِنْسانِ، يَبْقَى فِي صِرَاعٍ دَائِمٍ، يَسْتَمِدُّ مِنْهُ قُدْرَتَهُ عَلَى النُّمُوِّ و تَطْوِيرِ ذَاتِهِ و تَحْقِيقِ التَّوَازُنِ، الَّذِي يُجْعِلُهُ يَتَقَبَّلُ الحَيَاةَ بِكُلِّ تَنَاقُضَاتِهَا. المانيا في ١٣ نوفمبر ٢٤ التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; يوم أمس الساعة 11:47 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|