التوهان له أعوان 2 بقلم: فؤاد زاديكه

[fouadzadieke]

التوهان له أعوان

2

تعقيب على موضوع الزميل صبري يوسف
بعنوان" التوهان"

إنّ الإنسان يعيشُ وسطَ محيط هائل من المؤثرات الخارجيّة و الداخليّة, و هو يتعرّض لضغوطات كثيرة تقف مانعاً لتحقيق طموحاته في أحيان كثيرة, أو هي تجبره على التخلّي عنها, أو تلزمه بأن يتخذ مواقف متذبذبة, يتأرجح معها وفق ما تجري رياح تلك المؤثرات و ما يتناغم مع (مصلحته) و كم هي فظيعة هذه الكلمة, و بغيضة فالمصلحة تأتي في الأغلب على حساب قيم و مبادئ و أفكار عظيمة لكن بذرة الضعف المتواجدة في الإنسان ككائن بشري ليست من نتاج اليوم بل هي خلقت معه منذ كان وجوده.

مهما كان معنى هذه الكلمة و مهما تجاوزت شموليتها من مساحة التعريف أو التحديد, شخصية كانت أم عامّة أو غيرها. فالمصلحة و المصالح و اللهث خلفها هو من أهمّ أسباب هذا الهذيان, و هذا الضياع و هذا التوهان الذي يقود مصير الإنسان إلى عبثية خالية من المعنى, منغمسة في أوحال حلقة ضيّقة تحبس عنها النور و الهواء و الحرارة, نور المعرفة و هواء الانفتاح و حرارة المحبة, ليموت كل اخضرار في نباتها و كل حيوية في عطائها.
إنّ السّكوت عن الخطأ, إسهام فاعل في استفحال مدى خطورته, و هو تشجيع على استمراريته, و أنا أشير هنا إلى موقف حاولت التزامه شخصياً, و لازلتُ ملتزماً به, ألا و هو الصدق في ما أكتب, و ما أتعامل معه, فالصدق مع النفس و الآخرين هو سبيل النجاح, و قد يكون جارحا بعض الأحيان, و قد يكون مزعجاً, و قد يكون غير مريح إلاّ أنّه بالنهاية صادق لا يتحدث بغير لغة الأمانة, و الأمانة لدى الكاتب و الأديب ضروريّة جداً. الصدق في التعامل مع النص هو جزء من التعامل مع الآخر, هو جزء من روحية الفهم و من خلفيّة الفكر.

عندما نشبت أزمة الخلاف بين بعض شباب الكرد الذين تعدّوا على أحيائنا المسيحية في ديريك, مستندين إلى أوهام فارغة, و معتمدين على واقع ممسوخ خلق لهم ما يسمى بدولة كردستان العراق, و ما ينادون به من كردستان تركيا أو سوريا أو إيران أو أرمينيا و ربما بعد غد يطالبون بكردستان أمريكا أو فرنسا و الله أعلم! كان لي موقف حاولت فيه التزام الأمانة و الصدقية في التعاطي مع هذا الموقف, الذي كان مصيرياً, أقول وردني إيميل من بعض شبابنا المثقف طالبوني من خلاله أن أكفّ عن الكتابة في هذا الموضوع, و أن أقوم بحذف بعض المواضيع التي كانت ذات صلة بالحدث المذكور, بحجة أن الكتابة في مثل هذا الموضوع و في هذا الظرف بالذات سوف يزيد من حدّة التأزم (والتأزم واقع يومي معاش عاشه آباؤنا و أجدادنا من قبلنا سواء في آزخ أو في تركيا و غيرها من البلدات السريانية التي تعرضت لإبادة شرسة على يد آباء و أجداد هؤلاء الذين تسببوا في خلق تلك الأزمة على غرار ما فعلوه في مدينة القامشلي على إثر مباراة رياضية تحولت بقدرة قادر إلى أعمال شغب و قتل و حرق و تعديات شملت مناطق كثيرة في الجزيرة السورية) نعم طالبني هؤلاء الشباب الطيبون أن لا أتطرّق إلى مواضيع حساسة, خاصة في هذا الظرف الصعب من تاريخ المنطقة. لم يكن أمامي إلا أن أستجيب لذلك الموقف و أقول بكل صدق أنني لم أكن راضيا عن تجاوبي مع الطلب لأن الكلمة يجب أن تكون صادقة و الإعلام يجب أن يشير إلى الخطأ و أن يسعى إلى كشف الحقائق فالساكت عن الحق شيطان أخرس, و السكوت عن قول الحقيقة ضعف و هروب. رضخت لطلب إخوتي لكي لا يقولوا في يوم ما أنني غرّدت خارج السرب! استجبت لطلبهم كي لا يتم فهم موقفي بشكل مغلوط, هذا ما كان و هذا ما يعرفه جيدا صديقي الأستاذ صبري, مثل هذا يجعلنا نغطّي العيوب و نسكت عنها, مما سيؤدي إلى تعميقها و زيادة الانشقاق فيها, و الذي دفعني إلى القبول هو ألا يتحول موقفنا الموحّد إلى مواقف مشرذمة و مبعثرة و متفرقة ضعيفة.

إنّ السومريين و الأكاديين و الآشوريين و الكلدانيين و الآراميين أجدادنا الأوائل تقاتلوا على السلطة و اختلفوا على المصالح و اهتموا لأمور الدنيا في عصورهم المختلفة فكان في ذلك الداء الذي تسبب في انهيار امبراطورياتهم العظيمة, و زوال أساس ملكهم و انحطاط علومهم و مستوى شعوبهم و تضعضعها. لكي يكون مسعانا أميناً علينا أن نشير بدقة و أمانة و بوضوح دون خوف أو مواربة أو تلاعب إلى موضع الخطأ لكي نحدده و نعرفه و نفهم مسبباته و ماهيته, و متى تمّ لنا ذلك, نستطيع درء مخاطره و استيعاب حقائقه و بالتالي الشفاء و التعافي.

يتبع...