Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الثقافي > المنبر الحر ومنبر الأقليات

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-03-2015, 12:34 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 45,595
افتراضي خير الماكرين محاولة محمد ليكسب النصارى إلى الإسلام دراسة نقدية لسورة آل عمران عبد

خير الماكرين
محاولة محمد ليكسب النصارى إلى الإسلام
دراسة نقدية لسورة آل عمران
عبد المسيح وزملاؤه
المقدمة
تُصوِّر سورة آل عمران حادثة فاصلة في تاريخ الإسلام وصلته بالنصرانية، فبعد أن أرسى محمد بن عبد الله دعائم دولته الإسلامية في المدينة، قَدِم لزيارته وفدٌ نبيل من وادي نجران شمال اليمن حالياً وعلى رأسهم أميرهم العاقب بن عبد المسيح وأسقفهم أبو حارثة بن علقمة. وكان هدف سفرهم الطويل هو التحقُّق من الروح الذي كان يقود محمداً وأصحابه. فجلسوا معاً في مسجد المدينة يناقشون الأوجه الجوهرية للعقيدتين المسيحية والإسلامية. وقد تدوَّنت ردود محمد على تلك الموضوعات الحسّاسة في سورة آل عمران 3: 33-64. وتوضّح هذه الآيات إلى أي مدى استطاع محمد أن يساوم النصارى. فكان مستعداً أن يقبل مبادئ أساسية من العقيدة النصرانية، طالما لا تناقض معتقداته الشخصية.
ومن الجدير بالذكر أن نتذكّر أن هذه الآيات القرآنية التي تحدثت عن العقائد النصرانية لا تدل بالضرورة على أن محمداً كان حقاً مقتنعاً بها، بل هي تُظهر، بالحرِي، ما كان محمد مستعداً أن يقبله من العقيدة النصرانية بدلاً من أن يستميل النصارى إلى دينه، الإسلام. فمحمد كان تاجراً عربياً محنّكاً، وكان على أهُبة الاستعداد ليتاجر ولو بالآراء والمعتقدات. فلا ينبغي أن يُفهَم من سِجِل المناقشة التي دارت في المدينة أنه بحثٌ في العقيدة الإسلامية، بل إنه «حلّ وسط» قدّمه محمد للنصارى بُغية استمالتهم للإسلام. قد كان مستعداً أن يقبل ويؤمن ببعض أسماء المسيح وصفاته ومعجزاته.. إن قبلوا هم بدورهم الإسلام وأسلموا لله ورسوله.
ولا يتناسب هذا المبدأ مع طريقة النصارى في التفكير، إلا أننا نضع في ذاكرتنا عندما نقرأ سورة آل عمران أن محمداً أمّل نفسه بأن النصارى سيعترفون به نبياً عربياً من عند الله، إذا قَبِل هو المسيح بوصفه كلمة الله المتجسد. كانت تلك صفقةً قدّم فيها محمد للنصارى مكانة سامية وشرفاً رفيعاً، شريطة أن يقبلوا الإسلام.
ولا يُسمح للمسلم أن يساوم بأكثر مما ساوم به محمد في حواره مع هؤلاء النصارى. بل إن أقواله وضعت الحدود التي لا يجوز أن يتخطّاها الحوار الإسلامي المسيحي المعاصر. فإنه من غير الممكن للمسلمين المعاصرين أن يتعدّوا حدود ما تلاه محمد أمام النصارى اليمنيين بالمدينة. ويعتبر المسلمون قراءاته المدوّنة في القرآن وحياً من الله، يشتمل على الحق الثابت الذي لا تبديل له.
كُتِبت الدراسة التالية لسورة آل عمران لتقدّم للقارئ الكريم نظرة ثاقبة نقدية على الموضوعات التي تمّت مناقشتها خلال هذا الحوار الذي دام ثلاثة أيام.
نقصد من هذه الدراسة أن نجيب على الأسئلة التالية:
1 - كيف يمكن أن يفسر المسلمون اليوم هذه الآيات؟
2 - ماذا يفهم النصارى عند قراءتهم هذه الآيات؟
3 - ما هي الأساليب التي عرض بها محمد أفكاره ليستميل النصارى للإسلام؟
4 - كيف يمكن للنصارى أن يستخدموا هذه النصوص القرآنية ليوضحوا للمسلمين حقيقة المسيح؟
اقترب محمد كثيراً من عقيدة الوفد حتى بدا أنه مسيحي. ولذلك يحق للمسيحيين أن يُظهروا للمسلمين من القرآن ما يبدو أن محمداً قبله من الإنجيل، فيقوم بينهما جسرٌ يوصّلهما إلى الصورة الحقيقية المتكاملة للمسيح كما نجدها في الكتاب المقدس. ويستطيع المسيحيون أن يقترحوا على إخوانهم المسلمين أنهم إن آمنوا بما هو مكتوب عن ابن مريم في القرآن، فيستطيعوا أن يؤمنوا أيضاً بما جاءت به التوراة والإنجيل عنه. وينبغي أن نشجع المسلمين على استهلال بحثهم بالقرآن، ثم الانتقال إلى الإنجيل.-
الجزء الأول الحوار الرسمي-1كَلِمَاتُ محمدٍ الافتتاحيَّة
«33 إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ 34 ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» آل عمران 3: 33-34.
أقرَّ محمد بأن ثمّة أناس اصطفاهم الله وطهّرهم ليكونوا أئمة وأسوةً للعالمين. فمن عساهم يكونون؟ يؤمن المسلمون أن كل الأنبياء والرسل، حملة وحي الله، هم جميعاً مصطَفون. فأولاً يُعتَبر آدم والجنس البشري كلُّه معه مختاراً من بين الخليقة كلها، ولحق بهم نوح وبنوه بعد أن نجوا من الطوفان. ثم جاء بعد ذلك إبراهيم مع نسله اليهود والمسلمين. وأخيراً أعلن محمد أن آل عمران هم أيضاً مُصطَفون. وعمران القرآن هو عمرام الكتاب المقدس، أبو موسى وهارون ومريم الخروج 6: 20 والعدد 26: 59. وقد نال كل فرد من هذه الأسرة موهبة النبوّة، فموسى كرئيس كهنة كان كليم الله الزعيم الروحي والسياسي لبني إسرائيل، بينما كان هارون كبير الأحبار. وكانت مريم نبيَّة لهم الخروج 15: 20-21 والعدد 12: 1-15. عندما سمع محمد بهذه الصفات بدت له غايةً في التفرُّد والتميُّز، فقرّر أن الله لا بد اصطفى هذه الأسرة كلها.
أما مريم أخت هارون فاسمها مطابقٌ لاسم مريم أم المسيح. فخلط محمد بين الشخصيتين مريم 19: 28 والتحريم 66: 12 وظنَّ أن أم المسيح هي أخت هارون. وكان مقتنعاً شديد الاقتناع بأن المسيح هو من ذرية عمران، وأنه نبي ذو عزمٍ من أسرة ورثت النبوة. ولم يدرك محمد أنه كانت هناك مدةٌ قدرها 1350 عاماً بين عصر موسى وعصر المسيح. ومن المعلوم أن لغة البدو آنذاك لم تفرق بسهولة بين أنواع أزمنة الماضي المختلفة والمميّزة للفترات الزمنية، نتيجةً لطبيعة لغتهم الشعرية وأنماط تفكيرهم. يوجد في اللغة العربية زمن واحد للتعبير عن الماضي، بينما في الإنكليزية مثلاً يوجد ثلاثة. وتزيد بعض اللغات على هذه الأزمنة أزمنة أخرى لتحديد قرب أو بُعد الفعل عن وقت الحَدَث، أو الفترة التي استغرقها الفعل في حدوثه، أو تكرار الفعل من عدمه. فبالنسبة لهم كان الماضي أمراً منتهياً، بقَطْع النظر عمّا لو كان هذا قد حدث منذ بضعة أيام أو بضعة قرون! ولأجل هذا لم تبدُ لهم مدة ال 1350 عاماً فترة طويلة من الزمان.
نزيد على ذلك أن محمداً لم يستطِع أن يقرأ الكتاب المقدس بنفسه. فبناءً على ما بين أيدينا اليوم من أخبار، نعرف أنه لم تكن هناك ترجمة شاملة للتوراة والإنجيل إلى العربية في عهده. ولو كانت موجودة فلم يكن قادراً أن يقرأها، وقد أقرّ مرتين في القرآن أنه أُمِّيّ الأعراف 7: 157 و158، فكان على محمد أن يعتمد على آخرين لتلقينه شفوياً ما خفي عنه من أخبار كثيرة حوتها التوراة والإنجيل. لم يكن له الامتياز أن يطالع مصدر الحق الصحيح من نصٍّ مكتوب مترجَم ولا الكتاب المقدس في لغاته الأصلية، إنما سعى جاهداً أن يتعرّف من اليهود والنصارى على ما أوحى الله لهم من حق، فجاءه ردهم خليطاً، إذ كان أحدهم يصف الأمر على نحوٍ ما، ويقصُّ عليه آخر القصة عينها ولكن على نحوٍ مغاير. لم يكن محمد يبغي أن يسمع آراءً شخصية عن النصوص الكتابية، وإنما كان جُلُّ همّه أن يتعلّم كلمة الله حرفياً كما أوحى بها تعالى إلى عبيده الأنبياء، فاشتاق إلى معرفة مشيئة الله بدقة كما أعلنها للبشر، فجمع كل ما وقع بين يديه من أخبار وأنباء من مصادر مختلفة وكوَّن استنتاجاته الخاصة 33/1.
33/1 - نرفق في الملحق قائمة للنصوص التوراتية في القرآن التي رُويت شفاهاً من التلمود والمشنا وحوّرها محمد وجعلها ملائمة لمبادئه.
فعندما كتب محمد أن آدم ونوحاً وإبراهيم وعمران هم المصطَفون، كان يفكر في سلسلة العهود التي قطعها الله معهم في التوراة. وبالنسبة لمحمد، كان هؤلاء الرجال المصطفون رسل الله للبشرية، وزعماءها السياسيين والروحيين بنفس الوقت. وسيراً على تقاليد الساميين، استنتج أنه لم يتمتع هؤلاء الأشخاص بهذا الامتياز فحسب، بل وستشترك معهم ذريتهم في هذا الامتياز أيضاً. واعتبر اليهود والنصارى والمسلمين شعب الله المختار، لأنهم جميعاً يُنعَتون بأنهم ذرية إبراهيم وعمران. ولم يكن هؤلاء أطهاراً مستحقين في ذواتهم، بل اصطفاهم الله بتعيينه المُسبَق. ولا يخفى أن أصل كلمة اصطفى هو التصفية والتنقية، التي هي التطهير. فتمَّ تطهير هؤلاء الأشخاص قبل أن يتمّ اختيارهم. ولا يشرح محمد سبب وكيفية تطهيرهم، وإنما يكتفي فقط بذكر هذه الحقيقة 33/2.
33/2 - يقول الراغب الأصفهاني في هذا الصدد: «اصطفاء الله لبعض عباده قد يكون بإيجاده تعالى إياه صافياً عن الشوب الموجود في غيره، وقد يكون باختياره وبحكمه وإن لم يتغير ذلك من الأزل» معجم مفردات ألفاظ القرآن، ص 291، بيروت بدون تاريخ
أما ما ينفرد به هؤلاء المختارون فهو الامتياز أن الله يعرفهم ويسمعهم. إنه العليم وضابط الكل الممسك بناصية الأمور المتحكم في كل فرد. وهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء سورة الرعد 13: 27 وإبراهيم 14: 4 والنحل 16: 93. فإن كان قد اصطفى حقاً آباء اليهود والنصارى والمسلمين، فهو أيضاً قد اصطفى ذريتهم، وهو السميع المجيب لدعائهم الصادق.
لقد لمّح محمد في هذه العبارات ضمنياً إلى أن المسلمين ليسوا وحدهم المُختارين، بل أيضاً النصارى واليهود. وهيَّأ بهذه الافتتاحية لوفد نصارى وادي نجران أساساً مشتركاً لحوار ديني، وجعلهم يظهرون أنهم مساوون للمسلمين، إلا أن هدفه كان ربحهم للإسلام، الذي هو في رأيه أحدث الأديان وأكثرها تطوراً.-2مِيلاَدُ مَرْيَم
«35 إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 36 فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 37 فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» سورة آل عمران 3:35-37 .
هذا هو نص القصة لمولد مريم أم المسيح في القرآن. ولعل أعضاء وفدوادي نجران كانوا قد شرحوا لمحمد من قبل، ما كانوا يؤمنون به عن مريم العذراء، مبرزين براءتها وقداستها من يوم مولدها، ومثبتين أنها وُلِدت بلا دنس.
أمَّا امرأة عمران، التي لم يورد القرآن اسمها، رغم أنّ التوراة تسميها يوكابِد الخروج 6: 20 والعدد 26: 59، فقالت لربها آية 35:
«رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».
نلاحظ هنا أنها لم تصلِّ لله< لأن محمداً كان يعلم أن لفظ الجلالة الأكثر شيوعاً في التوراة لم يكن إلوهيم الله، بل يهوه الرب. وقد سلَّم أن لليهود صلةً خاصة بالله، وأقرّ عهد الرب معهم. وبناءً عليه، لم تصلِّ امرأة عمران قائلةً: يا رب، بل كان لها الامتياز أن تقول ربِّ. فعلى الرغم من كونها امرأة، إلاّ أنها كانت لها صلة شخصية برب العهد، مع الحق أن تسميه ربي الخاص.
وكثيراً ما تستعمل الآيات القرآنية المتعلقة بالتوراة رب بدلا من الله. ولعل هذا يدل على إمكانية سماع محمد أن لفظة إلوهيم ذُكِرت حوالي 2600 مرة فقط، بينما وردت لفظة يهوه حوالي 6828 مرة في أسفار العهد القديم. فما كان منه إلاّ أن صدَّق على الصيغة التي درج اليهود على استعمالها عند مخاطبة الله بوصفه ربنا.
لقد جرت العادة بين نصارى الشرق الأوسط على أنه عندما يُلِمّ مرض عضال بأمٍّ أو بأبٍ، إنهم يصرخون إلى الله أو المسيح قائلين: اللهم، إذا عافيتَني وخلصتَني، أكرِّس لك أول من تعطيني من أبناء. وهكذا يهب الآباء ولداً من أولادهم لله بُغية نوال بركته أو رضاه. وتغصُّ الأديرة الأرثوذكسية والكاثوليكية في الشرق الأوسط بالكثيرين من الرهبان والراهبات الذين تمَّ تكريسهم لله مِنْ قَبْل مولدهم. ولعل مشاكل جسيمة حلّت بأسرة عمران، مما أدى إلى تكريس الجنين الذي كان في بطن امرأة عمران لله من قبل أن يولَد، فلم يعد ينتمي إلى عمران أو امرأته، بل إلى الرب مباشرة.
ويحمل تعبير آل عمران معانٍ إضافية، لأنه خَلق أملاً في صدر امرأة عمران. فالله قد اصطفى موسى وهارون ليكونا رسولين وخادمين للرب، فاعتقدت أمُّهما أنها ستُرزَق بصبيٍ مرة أخرى، فنذرت ما كان في بطنها لله، وذلك لعدة أسباب: كان أملها أن يكون المولود صبياً، وأن يكبر ليكون نبياً ذا شأنٍ. وكانت ترجو أن يصبح إضافة مناسبة لشرف آل عمران، وبهذا تنحل مشكلتهم المُلحَّة التي ألمَّت بهم.
فانتظرت امرأة عمران وصلَّت -كما يقول القرآن - وآمنت أن الله هو العليم السميع، لشعبه المختار خاصةً. وهذان الاسمان اللذان اختارتهما لوصف الله القدير مذكوران ضمن قائمة أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين، ويردان في القرآن، أولهما 158 مرة وثانيهما 64 مرة. وهما يتفقان مع صفات الله الأساسية. إن ما يربو على 25 بالمائة من الأسماء المذكورة في هذه القائمة تصف الله بأنه ضابط الكل المسيطر على كل شيء، وأن عينيه مفتوحتان على الدوام، وهو يعلم كل شيء، ويفهم كل شيء، ويتحكم في كل مُجريات الأمور، ولا مفرَّ لأحد منه. وقد كان على علمٍ برغبة امرأة عمران أن تأتي بطفل مكرس للرب فكان قد قرَّر مصير الطفل مُسبقاً. وكانت الأم تدعو ربها حتى يكون الطفل مقبولاً لديه مليئاً بمواهبه وبروحه، حتى وهو ما فتئَ جنينًا.
أما القسم التالي من النص فهو يُظهِر تناقضاً غريباً، فالأم كانت تصرخ: رَبِّ، إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى!. اغتمَّ والدا الفتاة لمولدها لأنها لم تكن صبياً كما أمَلا، بل مجرد فتاة. أي أنها لن تكون نبياً ألمعياً يُشرِّف سلسلة أنبياء آل عمران، بل مجرد فتاة وضيعة القدر. فصرخت امرأة عمران كأنها تقول لربها في يأس: ربِّي، ما هذا الذي فعلتَه بي؟!. ويُرجِع القرآن في صرخة أم مريم هذه، صدى صراخ كل امرأةٍ كانت تتوقع مولد صبي ثم تُمنَى عوض ذلك بفتاة.
ثم يتلو ذلك توضيح لا يمكن فهمه على أكمل وجه إلاّ من وجهة نظر إسلامية وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى. تبدو هذه العبارة لأول وهلة فلسفة بسيطة بديهية، ولكن لها معنىً تشريعياً محدداً في الحضارة الإسلامية التي ترى أن للرجل حظ الأنثيين، لأنه ذو قيمة أكبر. فتُعتَبر شهادة امرأتين أمام القاضي في الشريعة الإسلامية مساوية لشهادة رجل واحد سورة البقرة 2: 282. ولا تحصل الأرملة في حالة وفاة زوجها إلاّ على نصف نصيب ابنها من الميراث سورة النساء 4: 11 لأن المرأة تساوي نصف قيمة الرجل، حتى لو كان صبياً في عامه الأول!من يفهم فليفهم! إن هذه العبارة تدل على انحطاط قدر المرأة في الإسلام سورة النساء 4: 34.
كانت أم مريم تندب حظها الذي جعلها تنجب طفلة دَنيّةً، فهيهات أن يخطر ببال إنسان أن تكون المرأة نبيةً كريمةً في الإسلام 35/1.
فعندما صرخت امرأة عمران إلى ربها صرخة يأس، كأنها تشتكي من أن مولودها لم يكن إلاّ فتاة، غير أن الله كان يعلم بهذا أصلاً، فإن قصده لها كان قصداً فريداً سامياً.
35/1 - يقول أغلب الفقهاء بأن المرأة لا يجوز أن تتولى القضاء لما ورد في القرآن: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض» النساء 4: 34.
قيل المراد بالتفضيل هنا العقل والرأي ولما روي عن رسول الله: «النساء ناقصات عقل ودين» ولنقص النساء عن رتب الولايات» شهاب الدين النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، ج 6 ص 248، القاهرة بدون تاريخ.
وما أن وُلِدت الطفلة حتى أسموها مريم، الذي هو الاسم المؤنث الوحيد الذي ذُكِر في القرآن بأسره. أما النساء الأخريات فكُنَّ يُسمَّين امرأة عمران أو امرأة فرعون، باعتبار أنهن مُلكٌ لأزواجهن. فما من امرأة أخرى تسمَّت باسمها في القرآن. بل إن اسم مريم يظهر 34 مرة، في الوقت الذي يظهر فيه اسم «عيسى» 25 مرة لا غير، مما يوحي بعظمة مكانة مريم عند محمد.
كذلك يحمل اسم مريم دلالة رمزية، فهو يمثِّل سائر النساء في القرآن< لأن معناه المُرَّة أو العاصية. كانت نفس أم مريم مُرَّة لأنها ولدت أنثى. وهذا الاسم المُرَّة يجمع مأساة النساء في الدنيا ويوضح التفرقة التي يعانين منها. إن المرأة الوحيدة المذكورة في القرآن تحمل اسماً يمثِّل عناء جميع النساء في العالم.
ولكن على الرغم من خيبة الظن، أودعت أم مريم المولودَ لله قائلةً آية 36: «إِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». كانت امرأة عمران في نظر محمد امرأة مصلية مؤمنة، فعلى الرغم من أنها رُزِقت بفتاة، إلاّ أنها استودعتها ربّها ليحميها ويهديها طوال حياتها. ومن الملفِت للنظر أنها لم تكرِّس مريم وحدها، بل وذريتها أيضاً ليحميها الرب بسلطانه ونعمته من تجارب إبليس ومن كل مكروه. وبهذا اعترف محمد بطريقة غير مباشرة بتنزُّه المسيح عن الخطية، وبالهداية والحماية الخاصة التي وهبها لكل الذين يتبعونه.
إن عيسى ومريم هما الوحيدان اللذان يعتبرهما الإسلام منزَّهين عن الخطية من مولدهما. فقد جاء في الحديث «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه» مسلم، فضائل 149، مسند، ج2 ص 233. ويختلف المسلمون مع المسيحيين في مفهومهم عن الخطية الأصلية الموروثة، فهم يدّعون أن الطفل يولد خالياً من الخطأ ولا يُلوِّثه الشيطان بها إلاّ بعد أن يولد مباشرة. ويعتبر الإسلام كلاً من المسيح ومريم آية الله، لأنهما -كما يقول الحديث- المولودان الوحيدان اللذان أتيا إلى العالم من غير أن يستهلا صارخَيْن البخاري، تفسير آل عمران. فإن الله كان قد أعدّ العدّة لحمايتهما من التلوّث بالخطية والشر الذي لا مفرَّ منه. لا بل إن بعض المسلمين يقرّون بأن مريم والمسيح لبثا بلا خطية حتى وفاتهما.
تنسب هذه الآية من سورة آل عمران لمريم والمسيح دوراً سامياً، الأمر الذي نستشفّ منه مدى تأثير شيعة وادي نجران النصرانية على القرآن، لأن هذه الشيعة كانت تعتقد بألوهية مريم والمسيح. وبينما أقرَّ محمد أن المسيح وأمه هما المنزَّهان من الخطية، التمس هو المغفرة من ربه ثلاث مرات في القرآن سورة غافر 40: 55 ومحمد 47: 19 والفتح 48: 2 36/1. أما المسيح فلم يحتج أن يطلب غفراناً لخطاياه، لا في القرآن ولا في الإنجيل، لأنه لم يخطئ أبداً. وتثبت بعض الأحاديث بأنه كان الرسول الوحيد الذي لم يخطئ قَط البخاري، توحيد 19 < مسند، ج 1 ص 281. فيعتقد المسلمون أن الله حمى مريم والمسيح من الشيطان في حياتهما، فعاشا بلا خطية.
36/1 - تتحدث عدة أحاديث عن استغفار محمد لذنوبه: اختلف العلماء فقط في عدد استغفاره إذ تدل بعض الأحاديث على أنه كان يستغفر يومياً عشر مرات النسائي قيام الليل 9 بينما تفيد روايات أخرى أن عدد استغفاراته اليومية كان مائة مسلم، ذكر 41، أبو داود، وتر 26.
ويُدعى الشيطان عدو الله، وكثيراً ما يُنعَت ب اللعين أو الرجيم المرفوض. يُذكر اسم الشيطان حوالي 70 مرة في القرآن، أي أكثر مما في التوراة والإنجيل، الأمر الذي يدل على أن الشيطان أكثر واقعية بالنسبة للمسلمين عما هو بالنسبة لليهود والنصارى. ويخاف بعض المسلمين من الشيطان ويلعنونه كل يوم، على أن لعناتهم لا تأخذ في أغلبها طابع المواضيع أو المناقشات اللاهوتية فقط، بل أيضاً تكون مراراً لعنات تنصَبّ على أناسٍ بعينهم.
ولهذه اللعنات قوة وسطوة حقيقية، كما تتكرَّر كثيراً في القرآن. ولا يمكن تجاهل مكانة إبليس في النفسية والفولكلور الإسلامي، فحين يُلقي المسلمون بالحجارة على عمودٍ بعينه قرب مكة أثناء الحج، يحاولون بذلك أن يصرفوا الشيطان عنهم بصورة رمزية بلا جدوى.
وجاء في سورة النجم 53: 20-23 أن الشيطان نفسه وسوس في محمد الكلمات التي عُرِفت فيما بعد ب الآيات الشيطانية. وهي تعلن أنه كان لله صاحبة زوجة اسمها اللّات وابنتان: مناة والعُزَّى. وكان محمد متسامحاً ومسانداً للشرك وهو نبي قبل أن يرفض هذه الآيات معتبراً إياها من وسوسات الشيطان. ولكن بعدما كان يعترف بأكثر من إله، الأمر الذي يناقض سيادة الله وهيمنته، ندم ورفض تلك الآيات الشيطانية، كما جاء في سورة الحج 22: 52 و53 واعترف أن الشيطان هو الذي وسوس بها في قلبه، واعتذر بأنه ما من نبي لم يُغرِه الشيطان، بل يوحي إليه أحياناً 36/2. وهذا دليل على أن محمداً لم يكن قادراً دائماً أن يميّز بين وحي الله وإلهام الشيطان، وأنه كان للشيطان اتصال مباشر بمحمد أثَّر عليه وأغواه، فلم يقدر دائماً أن يميز بين صوت الله وصوت إبليس، بل كان في شك مما كان يوحى إليه سورة يونس 10: 94 والناس 114: 4-6.
36/2 - كان محمد يعتقد أن لكل امرئ رفيقاً من الشياطين يلازمه دائماً ويجربه أحياناً. روي عنه قوله: «ليس منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الشياطين. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم ولكن الله أعانني عليه فأسلم» مسلم، مسافرون 69، الدارمي، رقاق 25، مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ص 257.
بناء على هذا الحديث وأمثاله يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الجامع الأزهر إن: «كل إنسان معه شيطان. كما أمد الله الإنسان بمَلَك يهديه ويؤيده فإنه كذلك يمده بشيطان يوسوس له ويزين له السوء ويغريه بالمنكر ويدعوه إلى الفتنة ويستوي في ذلك الأنبياء... والقرين من الجن له قدرة على تقليد صاحبه في صوته، وقد يتشكل بشكله، وهو على دراية واسعة بحاله الظاهرة... وللقرناء صلة ببعضهم يعرفون عن طريقها الأخبار التي تحدث للناس...» وفي ادعاء الشيخ أن هذا الأمر يعود إلى العالم الروحاني: «وهوعالم واسع وقد ثبت وجوده علمياً وقد مر على البشر قرون وأزمان وهم يجهلون الميكروبات وأثرها في حياتهم ثم اكتشفوها أخيراً...» بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة، ج 4، ص 33-34 القاهرة 1994.
«فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقُبُولٍ حَسَنٍ وأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا» سورة آل عمران 3: 37. الإشارة هنا إلى ربها، وليس إلى الرب أو الله، تبيِّن أن الفتاة مهيضة الجناح عديمة الحقوق كانت بالحقيقة مختارة ومصطفاة من الرب لتعيش في حقوق عهده، ووُهِبت لها علاقة خاصة بربها. كما أنها هي نفسها قد وُهِبت له من قبل أن تولد، فهي ملك له. وقد منحها ربها نعمته، وأعانها فكبرت، وحماها في بستانه كغرس بديع. يُظَن أن مريم ترعرعت تحرسها عينا ربها، حتى غدت صبية صالحة، فنمت في حماه، محفوظةً للهدف الذي اصطفاه لها، حتى تنتج ثمراً فريداً في أوانه.
أما آية 37 فتصيبنا بالحيرة مرةً أخرى، فإن محمداً رأى ضرورة أن يكفلها زكريا. وهذا خطأ. لأن زكريا ما كان قيِّماً أو وصيّاً عليها. إن محمداً يُنوِّه ضمناً هنا أن زكريا كان أبا مريم بالتبني. وربما سمع محمد بالصلة الخاصة بين أسرة مريم وأسرة زكريا، فمريم استجارت ببيت زكريا عندما وُجِدت حبلى وهي لا زالت فتاة مخطوبة لم تتزوج بعد لوقا 1: 39-45. أساء محمد فهم هذه العلاقة، ونظم شعراً عربياً بدوياً قائلاً إنه كان من المُحال أن تذهب مريم إلى بيت زكريا دون أن تكون هناك علاقة شرعية بين أسرتيهما، وإلاّ قوبل هذا العمل بالارتياب من جهة المسلمين الذين كانوا سيتساءلون عمَّا كان سيصنعه معها. لكن وقد شرح محمد أن زكريا كان كفيلها وأنه تبناها بعد وفاة أبيها عمران، صارت العلاقة شرعية لا تشوبها شائبة.
أما الظن بأن زكريا كان كفيل مريم بنت عمران وأخت هارون يثبت مرة آخرى أن محمداً اعتقد فعلاً بأن عمران عاش زمن المسيح فلم يقدر أن يميّز الفترة الطويلة بينهما.
تظهر مريم في القرآن من المؤمنات المسلمات الأمينات، تذهب بانتظام لتصلي في محراب المسجد الهيكل. وكانت تقيم هناك ليل نهار، ولا تبرح ذلك المكان المقدس. وكانت تصلِّي مولِيةً وجهها شطر القِبلة الصحيحة في المحراب.
أما المحراب فهو الركن حسن التزيين في كل مسجد حيث يصلي المسلمون مولّين وجوههم شطر مكة.
وكان السبب الذي دعا الله أن يبعث لها الرزق متواصلاً، هو أنها كانت تصلي نحو القِبلة الصحيحة، فكانت تتلقى غذاءً من خَدَمٍ سمائيين في الهيكل، إذ يظن المسلمون أنهم يتلقون بركات مادية مثل المال والغذاء حين يصلون، وإن لم يصلوا يتضوّرون جوعاً ويخسرون المعارك! يرتفع صوت المؤذّن باكراً يصرخ: حي على الصلاة، حي على الفلاح!. يرجو المسلم أن يتبرَّر ويَنعم بالبركة في الدنيا ويُجزَى بالجنَّة في الآخرة بناءً على خدماته الدينية وأعماله الصالحة التي يقوم بها. ونرى هذا البر الذاتي عينه في القرآن عن حياة مريم التي صلَّت، فبعث الرب ملائكته من الجنة بكل ما كان يعوزها من متطلَّبات الحياة اليومية، فأصبحت مريم مَضرِب الأمثال وقدوة للمسلمات أجمعين. فالأم المسلمة تظن أنها لو صلَّت بانتظام، سيرزق الله أسرتها بكل ما يعوزها. لقد وصف محمد مريم كمؤمنة من العهد القديم بمفهوم إسلامي عن الصلاة.
وضاق زكريا ذرعًا بما كان يجري، ففي كل مرة كان يزورها في الهيكل ويحمل الطعام لمريم، كان يجد أن أحداً سبقه وحمل لها ما تحتاجه، فسألها مستغرباً عن مصدر الطعام، فربما كان شاب يزورها في الهيكل ويحضر لها الطعام. ولكن مريم بتواضعها اكتفت بالرد عليه قائلةً: هوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ.
ثم أنهى محمد هذه القصة الغريبة عن رزق مريم بخاتمة على فمها آية 37، إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بَغَيْرِ حِسَابٍ. إن الله لَيصطفي فتاة غير متزوجة تُدعَى المُرَّة ليباركها ويعتني بها، ولسوف لن تنقطع هذه الهبات طالما أنها تداوم على الصلاة. فليس الأغنياء أو المهرة أو المشهورون أو العظماء من الرجال هم وحدهم الذين يصطفيهم الله وينعم عليهم ببركته، بل أيضاً امرأة مُهمَلة تصلي على الطريقة الإسلامية بوقار.
يمثل وجود قصةٍ كهذه في القرآن أن محمداً كان على دراية بالتقاليد المريمية التي استشرت آنذاك بين الكنائس الشرقية، التي قَبِل محمد أفكارها جزئياً وردَّدها بأسلوب قرآني ليستميل النصارى للإسلام. من أجل ذلك يشعر بعض المسلمين بأنهم أقرب إلى المسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك منهم إلى البروتستانت، لأنهم يتضرعون إلى مريم ويتمنون أن يتبرروا بأعمالهم الصالحة جنباً لإيمانهم بالمسيح.-3نبوّةُ مِيلاد يُوحنّا المَعْمَدَان
«38 هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ 39 فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ 40 قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ 41 قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ» آل عمران 3: 38-41.
تتناول هذه الآيات ميلاد يوحنا المعمدان المُغطِّس، المعروف في القرآن بيحيى بن زكريا. فربما قال زكريا لنفسه حسب القرآن، وهو يرى مريم تُرزَق دائماً بالطعام في مكان العبادة جزاءً لها على صلواتها المستمرة: ليتني أُرزَق أنا أيضاً بابنٍ مبارك مثل هذه.
ثم دعا زكريا «ربه» في الآية 38 زيادةً على الصلوات الرسمية المفروضة، وطلب منه صبياً، حتى لا يُضطَرّ أن يسعى وراء كسب المأكل والملبس. قد استنتج زكريا أنه سيُرزَق بالطعام من عند الله طالما قام ابنه بالصلاة. هذا يوضّح لنا سبب ممارسة بعض الفرائض الدينية عند بعض المسلمين، الذين يجتهدون ليكسبوا المنافع المادية. ولا يخدم واحد إلاّ إذا توقَّع نوال شيء في المقابل لأتعابه. كان محمد تاجراً ماهراً، لم يتصرف بناءً على نزعة الإحسان، بل كانت نظرته للحياة بأنه لا شيء يُعطى إلاّ إذا دُفِع ثمنه، فالعاملون ينالون أجرهم، ومن لا يعمل فلن يأكل أيضاً. ونقرأ في سورة فاطر 35: 29 و30 أنّ الدين تجارة لن تبور، وأن الله يوفي المسلمين أجورهم ويزيدهم من فضله وفق أعمالهم 38/1.
38/1 - حث محمد أصحابه على التصدق بزعمه أن الأعمال الصالحة التي يؤديها المسلم في حياته الدنيا سوف تعود عليه بالثواب بعد موته أيضاً ومن تلك الأعمال الصالحة التي تنفع المرء في «الحياة الأخرى» والتي تسمى «صدقة جارية» بناء الجسور وحفر الآبار للمسلمين ابن ماجة، مقدمة، 20، أبو داود، وصايا 14.
يختلف هذا المبدأ عما نجده في الأناجيل تماماً، فيجب علينا أن ندرك نيّة الأفراد عندما نتعامل مع المسلمين الذين يقدمون الخدمات والعطايا الجزيلة نادراً دون توقّع مقابل معيّن. فمن يخدم ربه، يتوقع منه أن يُغدِق عليه بركاته الغزيرة، وينال نتائج عملية لخدماته. وليس المسلمون فقط هم الذين ينهجون هذا النهج، بل ينهجه أيضاً كثير من النصارى الذين لا يفهمون أن الله قد منح لهم بركات السماء كلها في المسيح مجاناً أفسس 1: 3 ورومية 8: 32. أما في الإسلام فنجد المبادئ التجارية في كل خدمات المسلمين وهي الأساس لتبريرهم والركن لرجائهم الأبدي. فمن ينشئ مسجداً على الأرض، يبني الله له قصراً في الجنة، ويتمسك بالعقيدة الإسلامية أن الحسنات يذهبن السيئات سورة هود 11: 114. وسيضع الله يوم القيامة موازين سورة الأعراف 7: 8 و9 الأنبياء 21: 47 والمؤمنون 23: 102 و103 والشورى 42: 17 والرحمن 55: 7 والحديد 57: 25 والقارعة 101: 6-9 ليزن الأعمال الصالحة مقابل الأعمال السيئة، ويقرر بذلك فقط مصير كل فرد. ويتم شرح هذه المفاهيم بمصطلحات تجارية، ويُنظر إلى الله كأنه تاجر دقيق ومحصٍ سريع.
نعود إلى زكريا فنقول إنه - وفقاً لمحمد - تجاوب مع هذا المفهوم: فمريم صلَّت ورُزِقَت طعاماً. فما كان منه إلاّ أن قرر أن يصلي هو أيضاً، لا لأن يُرزَق بالطعام فقط وإلاّ لكان يتعيَّن عليه الصلاة عدة مرات كل يوم مثل مريم، لكن ليُعطيه الله ابناً صالحاً، يرفع الصلاة لأجله، ليحصل هو وأسرته على القوت والكسوة مجّاناً. ويُظهر القرآن زكريا كخادم الرب الذي كان يتوقع منافع من أجل خدماته، وكان يأمُل أن تُغدق عليه البركات بلا حساب أو حدود.
يوجد في الإسلام نوعان من الصلوات: الصلاة الرسمية والدعاء الشخصي. ونجد في الآية 38 نموذجاً من النوع الثاني، أي الدعاء. أما الصلاة فهي ابتهال طقسي منظم، محفوظ في الأذهان ومكتوب في الصحف، ويمارسه المسلم خمس مرات كل يوم. ويكررالكلمات المنظمة هذه الفريضة عينها أثناء الصلوات الخمس نحو سبع عشرة مرة. ويتعيَّن عليه في بداية صلواته الوضوء كتطهير خارجي، وينبغي عليه أن يسجد خلال كل ركعة مرتين حتى تمس جبهته الأرض. فبهذه الطريقة يسجد لله 34 مرة في اليوم. وأصبح هذا السجود الرمز الظاهري لروح الإسلام. أما الإسلام اصطلاحاً فهو التسليم والخضوع لله عز وجل، وشرعاً هو الاستسلام له، وواقعياً التسليم لأي سلطة سياسية تحكم البلاد باسم الله. وعندما يشهد المسلم أنْ لا إله إلاّ الله، يُشهِر موالاته لله ومبايعته لرسوله - في ذات الوقت - على الصعيدين الديني والسياسي.
أما المسيحي فإنه إذا سلَّم نفسه للرب يسوع المسيح، يتم هذا التسليم مرةً واحدةً وإلى الأبد، بلا رجعة ولا نكوص. لكن المفروض على المسلم أن يعلن ولاءه وإسلامه لله نحو 34 مرة كل يوم. فهو ليس في ما بعد حُراً بل عبداً لله، وإن ترك الإسلام يجب قتله. هذا القتل مفروض على الرجل المرتد فقط، أما النساء فلا يُطبَّق عليهن هذا الحكم، بل يُجلَدن حتى يُسلِمن مرة أخرى أو يُحبَسن في غرفة دون طعام أو شراب، فإنَّ على المسلم أن يبقى عبداً لله ما عاش.
ولا يمكن أن يؤدي المسيحيون الصلوات الإسلامية لأنهم ليسوا عبيداً لله، بل هم أبناؤه الأحباء. وهم لا يصلّون لله لينالوا ثواباً أو أجراً، بل حباً وشكراً لنعمته، فتختلف صلواتهم اختلافاً جذرياً عن صلوات المسلمين، فهم أولاده بالتبني وأبناؤه في الروح قد وفَّر لهم ما يحتاجون في الدنيا والآخرة. ولهم الامتياز أن يتحدثوا مع أبيهم الذي في السموات، فيتكلمون معه بصدق وصراحة في كل مكان وزمان. وقد نالوا بالفعل كل البركات السماويّة بواسطة السيد المسيح رومية 8: 32 وأفسس 1: 3. أما المسلمون فيكررون في صلاتهم أنهم عبيد مملوكون لله.
ويُسمى النوع الثاني من الصلوات في الإسلام الدعاء الفردي. ويُرفع الدعاء لله بحسب ما يشعر به المسلم في قلبه وذهنه. ويشبه دعاؤه الصرخة في الفضاء إلى رب العالمين البعيد وغير المدرك. فليس للمسلم اتصال مباشر بالله العظيم، ولا يعلم من هو الله بالحقيقة. وعندما يوجّه إليه أدعيته، يهمهم همهمة العبد الذي يلتمس نعمة من سيده الذي يمرّ به غير مهتم ولا مبالٍ. والله يستجيب إذا شاء سورة البقرة 2: 186، ولكنه غير مضطر أن يستمع إلى دعائه. إنّ المسلم لا يضمن أن الصلاة الرسمية أو الدعاء التلقائي سيُستجابان أم لا ولا إن استمع أحد إليه، فالله أكبر!!
أعلن الله لزكريا إعلاناً خاصاً بعد أن دعا ربه ورفع إليه طلبته المتواضعة بخصوص الذرية الصالحة. ويعتبر المسلم في هذا الوحي الذي أكرم الله به زكريا دليلاً على أنه نبي. ونقرأ في القرآن أن عدة ملائكة - وليس ملاكاً واحداً ظهروا له وهو واقف في المحراب مولياً وجهه شطر القبلة الصحيحة، وهو على وشك الانتهاء من ركعات الصلاة الرسمية.
هذا الوصف يختلف اختلافاً كلياً عما نقرأه في العهد الجديد لوقا 1: 5-25 حيث نجد ملاكاً واحداً يقابل زكريا وهو يوقد البَخور ويقوم بخدمته الكهنوتية في الهيكل. فالقرآن يصوِّر زكريا كمسلم تقي يتوجَّه نحو القبلة المعيّنة. وكأنه لو صلَّى في اتجاه آخر لَمَا استجاب له ربه. فبعد ما ركع كمسلم تقي ساجداً لله، ظهرت له عدة ملائكة وأعلنت له: إن اللهَ يُبَشِّرُكَ. وكلمة يبشرك تعني في العهد الجديد توصيل البشرى أو الخبر السار، بنعمة الإنجيل. أما مضمون هذا الإعلان فهو يحيى الذي معناه: «الحيوي والممتلئ بالحياة والطاقة».
ونجد في هذا التبشير الإلهي اعترافاً مدهشاً يقِرُّه ويفسره عدد من علماء المسلمين، أن الله قد أرسل يحيى ليمهِّد الطريق للمسيح الذي هو كلمة الله المتجسد. ويُثبت القرآن أن المعمدان بُعِث ليجعل الآخرين يؤمنون بأن المسيح هو كلمة الله، ولينبِّههم إلى مجيئه.
هذه الآية واحدة من ست آيات في القرآن يُدعى المسيح فيها «كلمة الله» سورة آل عمران 3: 39 و45 و64 والنساء 4: 172 ومريم 19: 34 والأعراف 7: 158. ما أروع أن يعلن القرآن عن مجيء يوحنا ليعدّ الطريق للمسيح! إلا أن المسيح لم يكن كلمة الله فقط، بل هو حَمَل الله أيضاً الذي رفع خطية العالم. ولا يُسجل الإنجيل أن المعمدان دعا المسيح كلمة الله البتة، لكنه أعلن أنه حمل الله، الذي قدم نفسه ذبيحة كفارية عن البشرية. ينكر المسلمون هذه الحقيقة الجوهرية، فالقرآن يُشير إلى المسيح على أنه كلمة الله، ولكن لن يعترف بأنه حَمَل الله. فليس في الإسلام بديل أو ذبيحة كفارية عن خطايا العالم لأجل الغفران العام بالنعمة. فيرجو المسلمون أن يُنعِم الله القدير، على الخاطئ المذنب بالدخول إلى الجنة إن أراد ذلك، لا بناءً على الحق الشرعي الذي تمنحه ذبيحة النعمة، بل برحمته وحدها. وعلى كل واحد أن يعمل من أجل مصيره الشخصي، ولذلك رأى محمد أنّ يحيى ما كان ليكرز بحمل الله، وإنما بكلمته المتجسِّد فقط. وأنّه جاء ليُعدَّ الطريق لكلمة الله المتجسِّد.
ومن الجائز أنّ محمداً، كان يسمع آياتٍ من الأصحاح الأول من الإنجيل حسب البشير يوحنا من وفد وادي نجران، فخلط بين يوحنا المعمدان ويوحنا البشير، لأن البشير وحده كان يعلن أن المسيح هو كلمة الله في مقدمة إنجيله يوحنا 1: 1-14، بينما يوحنا المعمدان كان يدرك ويشهد أن يسوع هو حمل الله الوديع يوحنا 1: 29 و36.
وصف القرآن يحيى أيضاً بأنه سيدٌ حاكمٌ، وحصورٌ عفيف يكثر من الصوم في البادية، ودعاه أيضاً نبياً ومن الصالحين. حتى أنّ محمداً نفسه رأى فيه أكثر من مجرد نبي.. رأى فيه زعيماً سياسياً. فالنبوة في الإسلام ترتبط أحياناً بالمسؤولية السياسية. فبحسب ما رواه محمد، لم يعلن يوحنا بأن المسيح كلمة الله فحَسْب، بل اعتبره حاكماً بأمر الله وقائداً سياسياً لشعبه، كما أكَّد على أن يحيى عاش حياة متواضعة ولم ينعم بلباس نعيم، ولكنه كان صوَّاماً كثير الصلاة.
يُدعى يحيى نبياً من الصالحين، وترجع هذه الصفة إلى الاعتقاد الشعبي في الإسلام بأنه وُجد مئات الألوف من الأنبياء وأنهم جميعاً صالحون. فمن غير المعقول في رأي المسلمين أنهم كانوا خطاة لأن كلمة الله لا بد أن تأتي من خلال إناءٍ طاهر. وعلى الرغم من ذكر خطاياهم، الملموسة في القرآن لا يزالون معتبرين من الصالحين. وإلاّ يظنوا أن رسالتهم فقدت صلاحها. وهكذا يعتقدون أن محمداً صالح على الرغم من أنه استغفر ربه مراراً. ويُدعى المعمدان صالحاً أيضاً. وهذا الادعاء يرشدنا إلى قصة الشاب الغني في الإنجيل الذي دعا المسيح المعلم الصالح والذي ردَّ عليه المسيح بقوله: «لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ» متى 19: 16-26 ومرقس 10: 17-27 ولوقا 18: 18-27. إن فكرة الصلاح الإلهي الكامل غير مفهومة في الإسلام، لأن المسلمين لم يدركوا أننا جميعاً خطاة هالكون، وأنه ليس أحد صالحاً سوى الله سبحانه وتعالى رومية 3: 23-27. والسبب لعدم هذه المعرفة أنهم لا يقدرون أن يعرفوا الله العظيم البعيد وغير المدرك، وبالتالي لا يعرفون أنفسهم الهالكة. فالقدوس ليس معياراً لإظهار ذواتهم.
وإثر سماع وعد الملائكة العظيم في الآية 40، لم يستطع زكريا تصديق الخبر السار في البداية. فهبّ صارخاً: «رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الكِبَرُ وامْرَأَتِي عَاقِرٌ». وهنا تقترب الرواية القرآنية من قصة الإنجيل من حيث شَكِّ زكريا في وعد الرب له. فقد كان زكريا طاعناً في السن وكانت امرأته عاقراً. قد اقتبس محمد هذه القصة من العهد الجديد وأشفق على زكريا، لأن محمداً نفسه كان محروماً من البنين، فابنه مات صغيراً وبقي بلا وريث. كان دعاء زكريا وشكوكه يجولان في قلب محمد أيضاً.
كانت الاستجابة الإلهية التي وردت في القرآن استجابة قصيرة. فردت الملائكة: لا نقاش! لا أسئلة! يفعل الله ما يشاء! هذه الآية واحدة من عدة آيات في القرآن تُظهِر المبدأ أن الله إذ قضى أمراً ينفذه حتماً، وما الإنسان إلا دمية في يديه. لا توجد حرية إرادة حقيقية في الإسلام، فردّ الله دعوى الداعي يكون: لا تتفوه ببنت شفة! قد قضيتُ الأمر فأنْفِذه!. لا مجال للشرح أو الفهم أو القبول، ولا حاجة حتى للإيمان فالله ينفذ مشيئته فقط، فالمسلم يبقى عبد الله، وليس هو ابنه. وإن عزم الله أنه سيولد لزكريا ولد، فسيولد الولد سورة مريم 19: 35، فليس للبشر رأي أو تحكّم في شؤونهم. كل شيء مُقدَّر، وليس للمسلم أن ينوب عن نفسه بدافع نشاطه أو الشعور بمسؤولية. بل هو عبد بدون حركة خاصة جامد ومرتعب، دائم في الخوف من القضاء والقدر.
قال زكريا الذي استولى الشك عليه في الآية 40: «ربِّ اجْعَلْ لِي آيَةً!». لم يكن زكريا قد آمن بحدوث المستحيل عند هذه النقطة مقتنعاً، فطلب برهاناً، على الرغم من الإعلان المدهش الذي أبلغته به الملائكة عمَّا قرره الله. وقد كان زكريا يستعمل للمرة الثانية مصطلح رب، بصيغته المعهودة في العهد القديم ولم يدع إلى الله حسب اصطلاح القرآن.
وكان الرد الذي تلقَّاه زكريا هو: «أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بالعَشِيِّ والإِبْكَارِ» سورة آل عمران 3: 41. نجد في هذه الآية أحد الاختلافات البارزة عن النص الأصلي في الإنجيل، حيث نقرأ أنه تعيَّن على زكريا أن يمكث تحت هذا العقاب مدة تسعة أشهر طوال. إلاّ أن محمداً خفَّف الحكم الإلهي إلى ثلاثة أيام فقط، لأنه احترم زكريا واعتبره من الصالحين. ولو أن الله عاقب زكريا ذلك القصاص الصارم تلك المدة الطويلة، ربما لعاقب محمداً أيضاً على امترائه وريبته. فقلَّل محمد فترة العقوبة وقلبها إلى امتياز قائلاً: وَسَبِّحْ بالعَشِيِّ والإِبْكَارِ، إنك ستُرزَق بابن حتى على الرغم من عدم إيمانك! وهكذا أفلح محمد في تغيير أشهُر العقاب التسعة إلى ثلاثة أيامٍ ممتلئة تأملات وتسابيح. وأراد بذلك أن يوضح استحالة أن يعاقب الله نبياً صالحاً عقاباً شديداً مثلما نقرأ في الإنجيل.
هذا الأسلوب يوضح كيف اقتبس محمد من الكتاب المقدس آياتٍ وقصصاً ثمّ حرّفها ليؤيد مبادئ الإسلام، وقال بعدئذ إن النص القرآني هو وحي أصيل ولكن النص في الإنجيل قد تحرّف. سَلَّم محمد بالحقيقة التاريخية على وجه عام، لكنه أعمل فيها التحوير والتحريف حتى وافقت منطقه الديني ومشاعره الشخصية. سعى أن يضرب عصفورين بحجر واحد: أن يتزلَّف إلى الوفد النصراني ويسترضيهم، وأن يطمئن نفسه وأتباعه. وليس هذا إلاّ دليل على روح معادية للكتاب المقدس غيَّرت الحقائق التاريخية لتوافق الاحتياجات والثقافة المحلية، مما يؤكِّد على أن محمداً ما كان نبياً ينطق بالحق، بل صاحب آراءٍ شخصية طوَّرها وصاغها هو بنفسه.-4البِشَارَةُ بميلاد المَسيح
«42 وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ 43 يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ 44 ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ 45 إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 46 وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ 47 قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 48 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ 49 وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» سورة آل عمران 3: 42-49.
تروي هذه الآيات البشارة إلى مريم العذراء بمولد المسيح الطفل في بلدة الناصرة، والمُدوَّنة أصلاً في الإنجيل حسب البشير لوقا 1: 16-38. وهنا أيضاً نجد مناسبة أخرى سلَّم محمد فيها بحقائق تاريخية وبعقيدة نصرانية أساسية، لكنه حرَّفهما لتتفقا مع طريقة تفكيره الخاصة. قد استخدم الحادثة متصنّعة ليكسب وفد وادي نجران للإسلام، و ليُرضي أيضاً المسلمين من قومه بالمدينة في آنٍ واحد.
اِدَّعى محمد مرة ثانية في الآية 42 أن أكثر من ملاك ظهر لمريم، وليس الملاك جبرائيل جبريل وحده 42/1. ثم أبلغت الملائكةُ مريمَ أن الله اختارها، وقالوا لها: «يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصطفاكِ وَطَهَّرَكِ واصطفاكِ عَلَى نِسَاءَ الْعَالَمِينَ». ومريم هي الوحيدة بين النساء التي يعتبرها المسلمون مصطفاة من الله في جميع العصور. والله لم يصطفِها فحسب، بل وطهَّرها أيضاً. لا يعتبر المسلمون أنها خاطئة أو أنها ورثت الخطية عن أبويها، إنما يرون أنها احتاجت إلى تطهيرٍ من الله لتنال شرف النبوة.
42/1 - انظر «هل القرآن معصوم؟» Light of Life
نالت مريم من محمد تبجيلاً لم تنله امرأة أخرى، فقد نسب لها أعلى مرتبة حظيت بها امرأة ذكرها القرآن. فهي في المفهوم القرآني المرأة الفريدة بين نساء العالمين، سواء على الأرض أو في السماء. ومقدار الاحترام والتبجيل الممنوحين لمريم في الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية أثر على التكريم الممنوح لها في الإسلام إلى حدٍّ كبيرٍ.
بيد أنه بعدما جعلها محمد محترمة ومكرَّمة بما يماثل طريقة تكريم بعض النصارى لها، أسرع بالحطّ من سموها وجعلها على مستوى مسلمة صالحة، وصوَّرها كأنها تنضم إلى صفوف من النساء المسلمات الساجدات لله خمس مراتٍ كل يوم. ونرى في وصف محمد مثالاً نموذجياً على الأسلوب الذي صاغ به رسالته للنصارى. فمن ناحيةٍ سمح لهم أن يسمعوا ما يريدون سماعه، فاعترف بأن مريم أفضل النساء قاطبة. ومن الناحية الأخرى، شكَّلها بحسب الصورة التي أرضت المجتمع الإسلامي. وكان محمد يرتكز على هذه الألعوبة خاصة عند عقد صفقاته التي تهدف إلى استمالة النصارى إلى الإسلام، فيقبل بعض مفاهيمهم، ويحترم تكريمهم للسيدة العذراء ويشجعهم بنفس الوقت على الموافقة والتصديق أن هناك مواضع مشتركة كثيرة بين المسلمين والنصارى.
إن محمداً لم يكتفِ بتقديم مريم على أنها سيدة النساء عبر الأجيال والعصور، بل زاد على ذلك أنْ جعلها في الآية 43 إمامًا تَؤُمّ المسلمات جميعاً في صلاة الجماعة 43/1.
43/1 - إن فاطمة بنت محمد هي الوحيدة عند المسلمين وخاصة لدى الشيعة حيث تتمتع بجانب مريم بنفس المكانة العليا. ومن ألقابها عند الشيعة «سيدة نساء العالمين، مشكاة أنوار أئمة الدين وزوجة أشرف الوصيين البتول العذراء» محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج 43، ص 2، تهران 1963.
الآية 44 هي جملة اعتراضية، يجيب فيها محمد على سؤال قاطع متأخر عن زكريا وكيف كان يحق له أن يتبنى مريم البنت. فأظهر أن جبريل ألهمه جواباً منفصلاً على هذه القضية الدقيقة. ولعل مريم كانت تأتي بما فاض عنها من طعام الجنة إلى أسرتها مما أدَّى إلى إقبال الكثيرين على كفالتها، ووافق جميعهم على إلقاء أسهمٍ بالطريقة الوثنية القديمة التي كانت تمارَس أمام الأوثان في مكة قبل الإسلام. وباستخدامهم هذه الطريقة كانوا يرجون معرفة الشخص المناسب، بإرشاد الأرواح والآلهة. لقد وافق محمد على هذا الأسلوب وصدَّق عليه، وكيف لا وهو نفسه كان قد استعمله من قبل أمام أوثان مكة، فأدخل هذه العادة السحرية إلى الإسلام.
والآية 45 في سورة آل عمران مهمة كل الأهمية لأي مسيحي يتعاون مع المسلمين، لأن محمداً لخَّص فيها ستة من ألقاب المسيح الواحد والعشرين المذكورة في القرآن. لقد كشف عمَّا كان بمقدوره أن يوافق على صفات المسيح ليرضي سامعيه النصارى، مُقدِّما آراءه كأساس لمزيدٍ من البحوث والنقاش. وهو لم يذكر الصفات التي ما كان يؤمن بها عن المسيح والتي كان يرفضها. إن هذه الآية تبقى إلى اليوم مفتاحًا للنقاش النافع البناء مع المسلمين. فينبغي على المسيحيين أن يحفظوها عن ظهر قلب!
«إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مِرْيَمَ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» سورة آل عمران 3: 45.
تُعَدُّ هذه الكلمات عند المسلمين وحياً ووعداً من الله لمريم العذراء حملته الملائكة عَمَّن سيكون المسيح. تُعيّن هذه الصفات الست إطار كل ما يُسمَح للمسلمين أن يؤمنوا به عن المسيح، وتضع الخط الفاصل بين ما يمكن للمسلمين قبوله فيما يختص بابن مريم وما يجب رفضه.
روى محمد أن الله خاطب مريم شخصياً بواسطة جماعة من الملائكة، وليس بواسطة إنسان أو نبي أو عرَّاف. ولذلك يُقدر المسلمون مريم أنها النبية الوحيدة التي لها اتصال مباشر مع الله، فتحمل تقريباً نفس مكانة محمد، بل وأعلى من ذلك في بعض النواحي. وكفى أن سورة 19 تحمل اسمها عنوانًا وموضوعاً، وتُرقِّيها إلى رتبة آية الله، أي علامة أو معجزة الله.
تبدأ الآية 45 بعبارة مدهشة: إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ. فالقادر على كل شيء بشّر مريم بنفسه، وكرز لها بالإنجيل. والقرآن يعلن أن الله هو المبشر الأول! فإذا كان المسلمون حانقين على النصارى لأجل نشاطاتهم التبشيرية، فيجب على خدام الرب أن يعلنوا لهم أنهم إنما يحذون حذو الله! فإن كان هو أول من بلغ مريم بالبُشرى، فعلينا نحن أيضاً ألاَّ نصمت أو نخبِّئ ما قد أعلنه الله في القرآن والإنجيل.
تقول هذه الآية: إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ. يظهر هذا التعبير كلمة منه أحد أسماء المسيح في القرآن< لأن كلمة منه لا تدل على مجرد كلمة، بل على شخص فريد. قد وضع هذا التعبير تجسد كلمة الله موضع التنفيذ، لأن علماء المسلمين مُجمِعون على أن هذه الكلمة لم يُنطَق بها ولم تُسمَع بالآذان، بل على أنها شخص 45/1.
45/1 - يروي الطبري أن «كلمة» اسم لعيسى سماه الله بها جامع البيان، ج 3 ص 69
وأما فخر الدين الرازي فيقول في تفسيره: «إن السلطان العادل قد يوصف بأنه ظل الله في أرضه وبأنه نور الله لما أنه سبب لظهور ظل العدل ونور الإحسان فكذلك كان عيسى عليه السلام سبباً لظهور كلام الله عز وجل بسبب كثرة بياناته وإزالة الشبهات والتحريفات عنه... فلا يبعد أن يسمى بكلمة الله» مفاتيح الغيب، ج 8، ص 48.
هذه واحدة من ست آيات يُدعى المسيح فيها كلمة الله المتجسد. ربما سمع محمد رسالة إنجيل يوحنا 1: 1-14، فَرَاق له التعبير إن في البدء كان الكلمة... ولكنه لم يَعِ معناه بالكامل. فنقرأ في الإنجيل حسب البشير يوحنا: «وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ». فحذف محمد مجده من الآية الكريمة، واقتبس وصدَّق أن عيسى هو كلمة الله المتجسد.
يسمّي القرآن إبراهيم خليل الله، وموسى النبي كليم الله، وأعطى الرب لداود الزبور المزامير الممتلئ بالتسبيح لله. ونال سليمان من الله حكمةً استطاع بها أن يفهم حتى لغة الطير سورة النمل 27: 16، وتلقى زكريا بشارةً شخصية من القدير الذي أوحى إلى هؤلاء الأنبياء بكلمته. فنطقوا بها بمستويات متباينة من الأمانة، ما عدا المسيح. فهو لم يسمع كلمة الله فحسب، بل كان هو ذات الكلمة! سمع جميع الأنبياء كلمة الله وبلَّغوها، ولكن دون أن يتبعوها كاملةً. كان هناك فرق شاسع بين أقوالهم وأفعالهم. أما المسيح فلم يكن ثمة تعارض أو تضارب بين رسالته وحياته. أتمّ الكلمة التي وعظ بها بشهادة حياته. كان هو نفسه زكياً ومُنزَّها عن الخطية والدَّنس سورة مريم 19: 19. ويشير اصطلاح كلمة الله إلى طبيعته اللاهوتية.. لقد حلّ كل سلطان وقدرة كلمة الله في المسيح وفيه قدرة الخلق، والشفاء، وسلطان غفران الخطايا، والتعزية، والتجديد. قد ظهرت فيه مشيئة الله في هيئة جسدية. هو لم يتكلم الكلمة التي استُؤمِن عليها فقط، بل عاشها وكان هو هي. وبمقدور المسلمين أن يدركوا هذه الحقيقة من القرآن.. إن شاءوا!
في الإسلام صار الوحي إلى محمد كتاباً، أما في المسيحية فإن إعلان الله قد صار بشراً! يؤمن النصارى أن إرادة الله، وقدرته وسلطانه صارا جسداً في المسيح. ويطلب المزيد من المسلمين في العالم من النصارى الصلاة الشفاعية لأجلهم ويشفيهم المسيح لإيمانهم المسَلَّم إنه كلمة الله الشافي القدير. ويعمل الله ذاته في كلمته والله هو كلمته بالذات يوحنا 1: 1.
أدرك علماء الإسلام بعد محمد هذا الجوهر الجلي ولم يألوا جهداً لتبسيط هذا الاصطلاح، فادّعوا أن كلمة الله في المسيح كانت مخلوقة، وأنها لم تولد ولم تنبثق من الله مباشرةً. وأما عن القرآن فقالوا إنه حضور الله بالذات، أما المسيح فقد اعتبروه مخلوقاً غير مولود. حاولوا بقدر استطاعتهم أن ينزلوا المسيح إلى مستوى البشر حتى يُطمَس ثم يختفي مجده الإلهي، الذي يسطع حتى في القرآن.
أما اللقب الثاني لابن مريم في القرآن فهو المسيح المسيَّا. وبينما يرد لقب كلمة الله خمس أو ست مرات، يظهر لقب «المسيح» إحدى عشرة مرة. وهو مشتق من الفعل مَسَحَ، الذي يعني: أَمَرَّ اليَدَ عليه بالماء أو الدهن، أو غسل، أو أزال الأثر. وكلمة المسيح هي صيغة مبالغة على وزن فعيل وتعني «الممسوح». وتحتوي على أكثرية معاني لقب المسيح الأصيل. غير أن المسلمين وبعض النصارى يظنون أن هذا اللقب مجرد اسم. فلنتذكر كيف عرَّف المسيح نفسه بوصفه الممسوح عندما قرأ بصوتٍ عالٍ في المجمع بمدينة الناصرة:
«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ» إشعياء 61: 1 و2 ولوقا 4: 18 و19.
كشف المسيح في هذه الآية من الإنجيل عن معنى لقبه. إنه الممسوح. وهذا يصف وظيفته وسلطانه. لقد مُسح في زمن التوراة ملوك وأنبياء وكهنة عديدون بدُهن زيت مقدس لينالوا قوة الله وسلطانه ليستطيعوا أن يتمموا دعوتهم. ويجمع النصارى أن المسيح هو ملك الملوك، ورئيس الكهنة الأبدي، وكلمة الله المتجسد، لأن ملء السلطان الإلهي يحلّ فيه جسدياً. وأعلن المسيح أن كل سلطان في السماء وعلى الأرض قد دُفِع إليه متى 28: 18. ولا يعرف المسلمون، ولا يدركون، هذه الحقيقة الروحية، فيستخدمون هذا اللقب كاسم بعد أن أفرغوه من مُحتواه. هذا أسلوب على طريقة محمد. قد استعمل الاصطلاح بعد أن أفرغه وأبدل محتواه الأصلي بمعنى إسلامي.
يظهر اسم عيسى 25 مرة في القرآن، غير أن معناه في القرآن ليس كمعناه في الإنجيل. فاسم يسوع كان معروفاً وموجوداً في اللغة العربية منذ يوم الخمسين، وهو تعريب لكلمة يَشُوع العبرانية. إلاّ أن محمداً شَوَّه الاسم العربي ليسوع بوضع أول حرف منه في نهايته وآخر حرف منه في بدايته. ونجد عدة تفسيرات تشرح لماذا سمَّى محمد يسوعَ بعيسى. فيقول البعض إن اسم عيسى مأخوذ عن العبيد السريانيين في مكة حسب طريقة نطقهم هذا الاسم اليوناني إيسو. ويقول آخرون إن محمداً غيّر اسم عيسى ليوافق اسم موسى في السجع. بل ويرى بعض العلماء أن قلب أول وآخر حرفين في الاسم يدل على رمي لعنة أو معاملة سحرية. بينما يرى آخرون أن عيسى مأخوذ عن عيسو بن يعقوب المكروه، وقد أطلقت اليهود في شبه جزيرة العرب أيام محمد هذا الاسم على كل مارق فاسد، ثم أطلقوا هذا الاسم المرفوض على يسوع الذي اعتبرته اليهود مبتدعاً في ديانتهم ومضلاً لأمتهم. غير أن أحداً لا يعلم على وجه اليقين سبب تغيير اسم الأسماء هذا في الإسلام. فلا يعرف المسلمون اسم المسيح الحقيقي ولا يدركون معناه وقوته لأن اسم المسيح الشخصي أُفرِغ وأُبدِل بواسطة محمد.
شرح الملاك جبرائيل في متى 1: 21 وأيضاً في لوقا 1: 31 أن اسم ابن مريم سيُدعى يسوع لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم. فمعنى هذا الاسم: أن يهوه يخلص أو يُعِين. ويطمئننا هذا الوصف الإلهي ويمنحنا تعزية كبرى، لأن يسوع قد خلَّصنا بالفعل، وهو ما فتئ يخلص أتباعه من كل خطاياهم. ما أروعه من اسمٍ! فيكشف هذا الاسم الفريد عن خطة الله لخلاص العالم في العهد الجديد، وتُرعب هذه الخطة إبليس، ربما لأنها كامنة في اسم يسوع. فحرَّفه محمد في القرآن إلى عيسى، حتى لا يدرك المسلمون أن يسوع قد خلَّصهم أيضاً من جميع خطاياهم، فاسم عيسى كما هو مكتوب في القرآن مُحرَّف. فيتجاهلون مخلصهم الوحيد ويرفضونه.
ويَرِد لقب «ابن مريم» 23 مرة في القرآن. فالمسلمون لا يدعون يسوع بابن الله بل بابن مريم. ويُعتبر هذا اللقب «ابن مريم» في الشرق الأوسط عاراً وتهكماً. فإذا سُمِّيَ الابن على اسم والدته فهذا يعني أنه مجهول الأب. فأراد محمد أن يُبرِئ ساحة مريم بواسطة سورة آل عمران وسورة مريم ليوضح أن المسيح ما كان ابن سفاحٍ، بل ابنٌ زكي مولود من عذراء. لذلك يحق لكل مسلم مُخْلِص في إيمانه أن يصدق بأن المسيح وُلِد من مريم البتول. لم يعاشرها زوج ولم تُغتصب. إن حبلها بالمسيح كان حبلاً روحياً، بكلمة الله وروحه الطاهر دون تدخل عناصر جسدية.
تقترب معتقدات المسلمين في هذه المسألة من الإيمان النصراني مع اختلاف واحد طفيف، وهو قولهم إن المسيح خُلِق في مريم بكلمة الله. بينما يقرّ قانون الإيمان المسيحي أنه وُلِد فيها. قد يظهر هذا الاختلاف لأغلبية المسلمين والنصارى مثل مماحكة كلامية. ويزعم البعض أن خُلِق يعني في نفس الوقت وُلِد. لكن شتَّان الفرق بين هذا وذاك إذا تعمقنا في المعنى الروحي.
لكي نفهم مصدر هاتين العبارتين والنتائج الروحية التي تترتَّب عليهما، ينفعنا أن نطَّلع على الخلفية التاريخية للنزاع الذي يكتنفهما. عاش بالإسكندرية بمصر نحو عام 300م شيخ واعظ اسمه أريوس جنباً من راهب اسمه أَثَنَاسْيُوس. كان أريوس فيلسوفاً قال إنّ المسيح خُلِق بواسطة كلمة الله في مريم العذراء، ووُلِد في بيت لحم واعتمد من الروح القدس في نهر الأردن، ثم نما في المعرفة والإدراك الروحي حتى بلغ رتبة ابن الله الكاملة عن طريق الاستنارة الروحية سالكاً في طاعة الإيمان. واعترف أريوس أن المسيح مات على الصليب، ودُفِن وقام حيًّا من قبره في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الله أبيه السماوي.
ولم يوافق أثناسيوس على هذا الكلام، وسمّى تعليم أريوس هرطقة وتجديفاً على الله. فأوضح: لو كان المسيح مخلوقاً، لكانت له بداية، وليس له كيان أزلي مثل الله، فإن كان مخلوقاً يشبه الملائكة والشياطين. فصرّح أثناسيوس بأن المسيح انبثق من أبيه السماوي قبل كل الدهور كانبثاق الكلمة من فم قائلها، وأنه إلهٌ أزلي من إلهٍ أزلي. ومولده في بيت لحم لم يكن إلا تجسده، وليس بدايته. وبذل أثناسيوس حياته بالدفاع عن هذه العقيدة، أن المسيح كان موجوداً قبل ميلاده لأنه إله سرمدي.
كان هذان المعتقدان المختلفان الشرارة التي أوقدت نزاعاً محتدماً فتّ عضد الكنائس في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. وشنَّ علماء اللاهوت حرباً عواناً على بعضهم البعض دامت أكثر من 300 عام قبل أن يتفقوا على مسألة طبيعة المسيح. وكانت النتيجة أن الكنيسة انقسمت. ولربّما سمع محمد بعض الأفكار عن هذا النزاع، فقبل ما نفعه من اعتقادات أتباع أريوس في شبه جزيرة العرب.
لقد احتاج الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الكبير إلى كنيسة موحّدة لأجل حكومته، فدعا قادة الكنائس والأساقفة والمطارنة والرهبان معاً، الذين بلغ عددهم 318 رجلاً، وأمرهم بأن يجتمعوا في نيقية عام 325م ليتناقشوا ويصِلوا إلى قرار بشأن طبيعة المسيح لتثبيت وحدة الكنسية. وتمَّ أخيراً تحرير قانون الإيمان النيقاوي نسبةً إلى نيقية المذكورة واتُّفِق عليه. ولا يزال إقرار الإيمان هذا مقبولاً ومحفوظاً لدى الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية على السواء باعتباره القاسم المشترك لإيمانهم. وفيه يعترفون جميعاً أن المسيح: نور من نور ، إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق ، مساوٍ للآب في الجوهر . أما المسلمون فرفضوا هذا القرار وادَّعوا بخلق المسيح مثل كل المخلوقات الأخرى.
لو كان المسيح مخلوقاً، لَكان الله مجرد خالقه، وهو عبده وحسب. ولكن إن كان مولوداً، فالله يكون أباه وهو ابنه. وشارك المسيح أتباعه بامتيازه، حتى يكونوا أولاد أبيهم السماوي وليسوا عبيداً. يتعلق خلاص البشرية بأسرها بهاتين الكلمتين مولود وغيرمخلوق. فيسمِّي المسلمون المسيح ابن مريم فقط، بينما نحن المسيحيين ندعوه ابن الله. وتجد المعيار الروحي لهذه المشكلة في الآيات التالية:
«لَمْ أَكْتُبْ إِلَيْكُمْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ الْحَقَّ، بَلْ لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَهُ، وَأَنَّ كُلَّ كَذِبٍ لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ، إِلَّا الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ؟ هذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ، الَّذِي يُنْكِرُ الآبَ وَالِابْنَ كُلُّ مَنْ يُنْكِرُ الِابْنَ لَيْسَ لَهُ الآبُ أَيْضاً، وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِالِابْنِ فَلَهُ الآبُ أَيْضاً.
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لا يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ. أَنْتُمْ مِنَ اللهِ أَيُّهَا الأَوْلادُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ» 1يوحنا 2: 21-24 و4: 1-4.
حاول محمد في الآية 45 من سورة آل عمران أن يظهر لوفد وادي نجران النصراني، على الرغم من نكرانه لألوهية المسيح، أنه هو أيضاً مؤمن بالمسيح، واعترف في الكلمات التالية أن المسيح وجيه مكرَّم في الدنيا، وأنه من المقرَّبين لله عزّ وجلّ في الآخرة.
تأتي كلمة وجيه من الوجه، وكأن الوجيه هو صاحب الوجه الكبير. ونحن نرى في وقت الانتخابات وجوه المرشحين على لافتات كبيرة معلَّقة في الشوارع أو مُلصَقة على الحوائط، وما من عابر طريق إلاّ ويقع بصره على صورهم. وكأن القرآن يقول إنه لا يستطيع أحد السير فيهذه الدنيا ولا دخول السماء دون أن يواجه المسيح ويمرّ منه، فهو في الإسلام من أهم الشخصيات في الدنيا وفي الآخرة. غير أنهم لا يعترفون بأنه الطريق الوحيد والحق الرسمي والحياة الأبدية فيعتبرونه واحداً من الطرق المتعددة لله، وكجزءٍ من الحق وليس الحق كله. إلا أنهم يشهدون بأن المسيح حي ويعيش في السماء حقاً.
قرَّظ محمد المسيح كثيراً أمام وفد وادي نجران غير أنه لم يقل الحقيقة كلها. فبحسب الكتاب المقدس المسيح هو الطريق الوحيد، وكل الحق، والحياة الأبدية، وهو أقرّ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلَّا بِي» يوحنا 14: 6. وهو جالس عن يمين أبيه، ويسكب روحه على كل من يقبل بإخلاص قلب التبرير المجاني الذي أتمَّه بموته.
يعلق القرآن إن المسيح حي، بخلاف أنفس البشر الآخرين الذين ينتظرون يوم الدينونة. إنه يحيا الحياة الأبدية بالقرب من الله. لم يتلاش المسيح أو يمت حين تقرّب من القدير، فإشعاعات قداسة الله لم تبده لأنه بلا خطية. قدَّم محمد المسيح بهذه الطريقة ليُدهِش النصارى بما يحق أن يؤمن به المسلمون عن شخص المسيح. ففي رأيهم، هو ليس حياً في السماء الثالثة فقط، بل مُقرَّب لله شخصياً! هو ليس منتظراً في المستويات الدَنية كآدم، وموسى، وإبراهيم الذين ينتظرون يوم الدين الذي فيه سيدنون من الله. أما المسيح فهو قريب من الله، مثل الكروبيم والسرافيم.
سمح محمد للمسيح أن يُقترب من الله أكثر من أي شخص آخر، لكنه لم يوافق على أنه جالس عن يمين العظمة، مع العلم أن المسيح يُعتبر في القرآن مُنزهاً عن الخطأ وطاهراً لأنه استطاع أن يقترب من عرش الله. لم يرد محمد أن يعترف بألوهية ابن مريم فوافق باقترابه من الله لا بجلوسه معه على عرش المجد الرؤيا 17: 7. وبهذه الطريقة يظهر روح ضد المسيح مرة ثانية، معترفاً بالحق ومحرِّفاً له في نفس الوقت.
كان للسلاطين العثمانيين عروش ذهبية مرصعة بالأحجار الكريمة تضارع الخيالَ روعةً. ولم تكن هذه العروش كراس لشخص واحد بل تشبه الأرائك الواسعة، حيث يمكن أن يجلس اثنان أو ثلاثة أشخاص بسهولة. وكان أولئك السلاطين يدعون ذوي الامتيازات العالية وأصحاب المكرمة ليجلسوا معهم على عروشهم. ويُصرِّح الكتاب المقدس مراراً أن المسيح جالس عن يمين أبيه على العرش الإلهي مزمور 110: 1 ومتى 22: 44. ولم يستطع محمد أن يسمح للمسيح بهذا الحق. سمح له أن يقترب من الله، ولكن لم يدعه يشترك في سلطان أبيه ومجده. فيعتبر المسلمون المسيح ثاني أعظم شخصية في التاريخ العالمي، بعد محمد، ليس في الماضي فقط بل وفي الحاضر والمستقبل أيضاً.
أما الآية 46 فتذهلنا بما ترويه:
«وَيُكَلِّمُ النَّاس فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ» سورة آل عمران 3: 46.
يعتقد المسلمون أن المسيح قدر أن يتكلم وهو طفل رضيع. فسورة مريم 19: 23-33 تصرِّح بأنه نطق جُملاً كاملة لحظة مولده. لم يحتَج أن يتعلم الكلام، لأن عقله كان كامل النمو منذ مولده.
لماذا يستطيع المسلمون أن يؤمنوا أن المسيح الطفل تكلم منذ مولده؟.. لأنهم يعتقدون أنه كلمة الله المتجسد! ظهر مليئاً بكلمة الله، فائضاً بالحق والحكمة الوفيرة من أول لحظة وُلِد فيها. فبدأ حياته بالكلام، وما انفك يتكلم إلى اليوم. كل كلمة نطق بها كانت وحياً عن أوامر الله ومواعيده.
أخذ محمد هذه الرواية المثيرة للعجب، أن الطفل يسوع قد تكلم بطلاقة وذكاء، من قصة أبوكريفية ملفّقة ومنحولة ابتدعها النصارى السريانيون، وتعود هذه الأسطورة إلى القصص السريانية التي روتها الأمهات لأطفالهنَّ عن الطفل يسوع الحبيب. فنجد هذه النصوص الأصلية في خمسة مصادر مكتوبة مئات السنين قبل الإسلام 46/1.
46/1 يذكر ميشال الحايك في كتابه «المسيح في الإسلام» المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1961 ستة مصادر مسيحية قديمة تتحدث عن كلام يسوع في المهد وهي:
- إنجيل متى المزعوم 31: 1: 3، 31
- إنجيل توما المزعوم 60: 7، 15 في نصه اللاتيني 6: 1-4 والسرياني، 229-221
- إنجيل طفولية سيدنا، 48-49
- وإنجيل الطفولة الأرمني 20
- هذه القصة قديمة ذكرها القديس أريناوس عن إنجيل مرقسي منحول الآباء الرسوليون 7: 655
وكان محمد قد سمع هذه القصة من عبيدٍ سريانيين بمكة، ولم يقدر أن يميِّز بين مرويات الدَّهماء وبين الوحي الإلهي الصحيح، فيتضح أنه ما كان نبياً بل طالب الحق حنيفاً. لم يقبل أحبار النصارى هذه القصة الوهمية لعلمهم الأكيد بعدم صحتها. ولم تؤكّد مريم العذراء هذا الحادث عندما زارها لوقا الطبيب اليوناني، وتحرَّى عن التفاصيل المتعلقة بميلاد المسيح.
اعتبر محمد هذه القصة ممكنة، وربما لم يصدقها بكل جوارحه، إنما سردها على قادة النصارى اليمنيين ليستميلهم للإسلام. فأراد أن يقنعهم بأنه يؤمن بالمسيح أكثر مما هم كانوا يؤمنون به.
اعترف محمد أيضاً أن المسيح من الصالحين. وهنا استعمل ذات الكلمة الواردة في الكتاب المقدس لوصف الله في إعلان يسوع أن ليس أحد صالحاً إلاّ واحد وهو الله متى 19: 17 ومرقس 10: 18 ولوقا 18: 19. لكن الخمسمائة ألف نبي أو أكثر في الإسلام يُدعون صالحين لأن المسلمين يعتقدون أن الرسالة الصالحة لا تأتي إلاّ من مصدر صالح. لذلك ينظرون إلى المسيح على أنه صالح. فيحبونه ويكرِّمونه، ولكن لا يعترفون أبداً بألوهيته. وكل من يقول إن المسيح هو الصالح الوحيد، وإن صلاحه مثل صلاح الله، فلا يعتبر فيما بعد مسلماً. لا يمانعون الشهادة بأن المسيح قريب من الله، ويعتبرونه من أفضل رسل الله، ولكنهم لا يؤمنون بلاهوته.
وجاوبت مريم بحسب الآية 47 بتحفّظ شديد على إعلان الملائكة فقالت: «رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ؟» لا يعتبر المسلم هذه الآية من كلام مريم المباشر، ولا يرى فيها رأي محمد الشخصي، بل يقبلها وحياً من الله. فيظن المسلمون أن الله أرسل الملاك جبريل لمحمد، بعد تبشير مريم بميلاد المسيح في الناصرة ب 600 عام، ليؤكد له أن مريم لم يمسسها بشر! لقد اجتهد محمد في سورة مريم 19: 16-33 وسورة آل عمران 3: 33-64 ليُبرِئ ساحتها، كما ذكرنا. فيؤمن المسلمون بناءً على هذا الوحي القرآني أن مريم كانت عذراء عمرها ما بين 12 و16 عاماً، ولم يمسسها أحد ولم تُغتَصب، بل صانت نفسها من كل غواية . كانت فتاة مصلِّية قانتة لا تبرح مكان العبادة إلا عندما لاقاها الملاك سورة مريم 19: 16-17. إن المسلمين يُعجَبون من مريم تعجباً ويعدُّونها آية الله ونبية منزَّهة عن الخطأ.
أجابت الملائكة بحسب القرآن مريم المُحرَجة بعبارة صارمة، وأخبروها أن خلق المسيح فيها أمرٌ هيِّن عند الله. فإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون. لا يترك الإسلام مُتَّسعاً لحرية الإرادة، ولم يسأل الملائكة مريم إن كانت تقبل أو حتى أن تصدق الرسالة السماوية، بل فرضوا عليها مشيئة الله فرضاً دون أدنى اهتمام بمشاعرها ورغباتها. فيظهر الله كالذي ينفذ إرادته دون اعتبار أو احترام للبشر. فمن يريد أن يفهم الله في الإسلام فليدرس هذا النص القرآني ويقارنه بالنص الموازي له في سورة مريم. فيستطيع استيعاب مفهوم الله في الإسلام الذي يختلف جُلَّ الاختلاف عما هو في المسيحية.
نقرأ في إنجيل لوقا 1: 26-45 حقيقة الرواية المبنية على شهادة مريم ذاتها التي أدلت بها إلى لوقا الطبيب اليوناني. فبعدما سلم الملاك جبرائيل على مريم التحية اللطيفة أصابتها بصدمة، وحاولت تجميع أفكارها لتفهم مغزى هذه التحية السماوية. ولكنها لم تُجِب على إعلانه بكلمة ولم تفتح الحوار معه، كما يزعم القرآن.
ثم أزال جبرائيل خوفها وشرح لها الخطة الإلهية خطوة بخطوة: إنها ستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع، وسيكون هذا عظيماً وسيُدعَى ابن الله العليّ، الذي سيخلُف داود أبيه في المُلك، لأن الله كان قد وعده قبل ذلك بألف عام أنْ سيكون له وريثٌ أبدي 2صموئيل 7: 12-14. وسيكون ملكوته ملكوتاً روحياً لا ينتهي.
وبعد هذا الإيضاح المفصَّل أقرَّت مريم أنها ما عاشرت رجلاً قط. لم يبدُ منطقياً لها أن تحبل بغير زوج، فأوضح الملاك لها ثانية أن يتم ميلاد المسيح روحياً فيها، وأن يحل الروح القدس نفسه عليها وستظللها قوة العليّ. لم ينفخ الملاك بروح الله في مريم، إنما حلّ الروح القدس عليها وحبل بالمسيح فيها.
أعلن الملاك لمريم بحسب الإنجيل، - بعد هذا الإيضاح الطويل- أن قريبتها أليصابات، زوجة زكريا العاقر، كانت حبلى رغم عمرها المتقدم. وساعد هذا الخبر مريم على استيعاب اللّغز: أن كل شيء مستطاع عند الله. فخضعت طوعاً للخطة الإلهية وصدقتها، ووافقت على إرادة الله دون إجبار. إن كل من يضاهي النص الأصلي لهذا الحدث التاريخي بملخَّص القصة القرآنية يرى الفرق الشاسع بين هاتين الديانتين. فأصدر الله في الإسلام أمراً غير مشروطٍ، دون مناقشة، بينما تتّحد في الإنجيل محبة الله وإنشاء الإيمان في الفتاة تدريجياً.
بعد ما أخبرت الملائكة مريم حسب القرآن بما قرَّره الله، تابعت سرد وعوده عن المسيح. فأخبرتها الملائكة في آية 48 أن الله بنفسه أخذ يعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل. الغريب في هذا الإعلان القرآني أنّ الله لم يعلّمه فقط العهد القديم التوراة والعهد الجديد الإنجيل والأمثال الحكمة، بل اطلعه على كتاب إضافي سِرِّي. فماذا كان هذا الكتاب يا تُرى، مع العلم بأن القرآن لم يكن قد ظهر بعد؟ يفهم المسلمون واليهود من هذا التعبير أنه يشير إلى اللوح المحفوظ في السماء. فيظن الإسلام أن كل الوحي دُوِّن سابقاً في السماء في نصه الأصلي 48/1.
48/1 - وفي تفسير ابن كثير: في رواية عن ابن عباس «أن رسول الله قال: إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور، لله فيه كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة، يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء» تفسير القرآن العظيم، ج 4، ص 497
فكل ما كُتب في التوراة والمزامير والأنبياء مع الأناجيل والرسائل في العهد الجديد، وحتى في القرآن ليس إلا أجزاء منسوخة من هذا الكتاب الأصيل في السماء المدونة فيه كل أحداث التاريخ، بل سيرة كل شخص على الأرض، بحذافيرها.
اعترف محمد في عبارة مدهشة أن الله شخصياً علَّم المسيح هذا الكتاب الأصلي! فلم يسمعه المسيح من اليهود، كما كان الحال مع محمد، ولا من العبيد النصارى، ولكن من الله رأساً. كشف الله العليم للمسيح كل سر في الدنيا وفي الآخرة، وأعلن له مشيئته الكاملة. ويقدر المسلمون أن يؤمنوا بأن تجمّع حق الله وعلمه السابق في المسيح، لأن محمداً اعترف بأن المسيح هو كلمة الله وأنه كان على علم بمشيئة الله الشاملة. وهذا يعني ضمنًا أنه كان يعرف العهد القديم بأكمله وأنه صدَّق عليه، مما يثبت عدم تحريفه.
وتستمر آية 49 فتقول: «وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ».
هذه آية من سبع آيات في القرآن تعلن صراحةً أن المسيح هو رسول الله. فما هو الفرق بين الرسول والنبي؟ الشهادة الإسلامية تقول:
لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
لا ترد كلمة «نبي» في الشهادة التي يرددها المسلمون كل يوم. فلم يعتبر محمد نفسه نبياً دينياً فحسب، بل رسول الله أيضاً. إن كلمة رسول تعني شخصاً أُرسِل باسم سلطة أرسلته. أما النبي فهو من تلقَّى وحياً وإلهاماً من السماء، بينما يكون من واجبات رسول الله أن يبني ملكوت الله بالأسلحة والشرائع إذا تطلب الأمر. يجمع الرسول بين الالتزامات السياسية والرسالة الروحية. فليس إعلان مشيئة الله إلاَّ نصف مهمته، أما النصف الآخر فهو إنشاء مملكة الله بالنفوذ السياسي، كما يرى الإسلام.
أعلن الملاك جبرائيل في الإنجيل لمريم أن ابنها سيرث عرش سَلَفِه داود وأنه سيبني ملكوتاً أبدياً إلهياً. لكن لم يسمح محمد للمسيح أن يُدعى ملكاً إلهياً، لأنه كان سيظهر آنذاك أعظم من محمد . لكنه لم ينكر بنفس الوقت سلطة المسيح السياسية.
ولا يُصرّح المسلمون أن المسيح ومحمد نبيان وحسب، بل إنهما زعيمان سياسيان من رجال الدولة. ويقرأون في القرآن عن أنبياء كثيرين، إنما أسماء رسل معدودة. ومنهم موسى وعيسى ومحمد. يقرأ المسلمون في القرآن أن المسيح تلقَّى من الله سلطة روحية وسياسية، ويعرفون أنّ من واجباته أن يبني المملكة السماوية على الأرض وأن يسُنّ شرائع روحية وسياسية.
لكن شتان الفرق بين هذا الفكر الإسلامي وبين المبادئ التي يعلنها الكتاب المقدس عن سلطة المسيح السياسية. يظهر في الأناجيل أن المسيح قد تحدث 90 مرة عن ملكوت الله أو ملكوت السموات، ولكن تكلم عن الكنيسة ثلاث مرات لا غير. فلم يأتِ المسيح ليبني كنيسته بالدرجة الأولى، إنما أتى ليؤسس ملكوت الله الروحي على الأرض حسب دستوره في موعظة الجبل. فأتى ليعيد الخليقة بأسرها إلى أبيه السماوي. جاء ليرث ويجمع كل ما خلقه الله على الأرض. فلم يأتِ من أجل الصديقين فقط أو من أجل بضعة مؤمنين لهم حُظوة لديه، بل جاء ليخلِّص الضالين ويرشد الجميع إلى طريق العودة إلى أبيه في السماء. ولكن عندما رفض بنو إسرائيل مَلِكهم الموعود، كما نقرأ في مثل الكرمة والكرامين، وقتلوا سيدهم. فسلّم دعوته وحقوق إرث ملكوت الله للأمم أجمعين متى 21: 33-46 ومرقس 12: 1-12 ولوقا 20: 3-19.
عندما سلم بنو إسرائيل مسيحهم وملكهم ورئيس السلام للسلطات الرومانية حدث تغيير جذري في دعوة المسيح. فمنذ ذلك الوقت وصاعداً صار كل إنسان من جميع الأمم مدعواً لدخول ملكوت الله الروحي، وصار له حق في رعويته.
إن كلمة كنيسة في اليونانية هي إكْلِيسِيا، تشير إلى نخبة مدعوين من شعوبهم. وهم الذين لبَّوُا الدعوة لحمل المسؤولية مهما كلف الأمر. وهكذا دعا المسيح كنيسته من كل الأمم ليحملوا المدعوين مسؤوليتهم الروحية والاجتماعية عن شعب الكنيسة. فبعد أن انسكب الروح القدس على كل بشر أشار سفر الأعمال ورسائل الرسل مرتين أكثر إلى الكنيسة مما إلى ملكوت الله. لم يهمل المدعوون الملكوت الروحي، ولكنهم يبذلون جهدهم أولاً للكنيسة. فليضع المسيحيون حسب معيار العهد الجديد ثلثين من وقتهم ومالهم لالتزامات الكنيسة وليصرفوا الثلث الأخير لإنشاء ملكوت الله الروحي. فينبغي أن يتوجَّهوا إلى خلاص نفوس الضالين فقد جاء المسيح ليطلب ويخلص الهالكين متى 18: 14 ولوقا 19: 10. إنه يهتم اهتماماً بالغاً بالذين خارج الحظيرة ولا يمكث مع المُخلَّصين فقط. إنه يفضل أن يترك التسعة وتسعين باراً وحدهم ويفتش على الضال حتى يجده ويخلّصه لوقا 15: 7!
لاحظ محمد التطوّر الروحي في خدمة المسيح: أنه لم يأتِ أساساً ليبني كنيسته الروحية، بل ليؤسس ملكوت أبيه السماوي على الأرض. وقبل محمد مرة أخرى 90 بالمائة من ماهية المسيح وخدماته، لكنه حرَّف النقطة الجوهرية. فقد زعم أن المسيح لم يكن إلاّ رسولاً لله، ونفى عنه صفة الملك الروحي نفياً تاماً. لم يفهم محمد ما قصده المسيح حين وضح رسوليته وقال: «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا» يوحنا 20: 21. فقد كشف المسيح أنه حقاً رسول الله، لكنه أوضح في ذات الوقت أنه ابن أبيه السماوي أيضاً.
خلاصة بشارة الملائكة بمولد المسيح في القرآن
ألقى محمد خطبة بارعة كان قد حفظها عن ظهر قلب أثناء مناقشة الثلاثة أيام. حاول أن يفهم، ويستوعب، ويغيِّر المعلومات التي حصل عليها من وفد وادي نجران بخصوص وعود الملاك جبرائيل لمريم، حتى تتوافق مع طريقة تفكيره الإسلامية. قدَّم محمد في قالب شعري للنصارى ما قَبِلَه من الوعود التي وعد بها الله بشأن مجيء المسيح ليقنع سامعيه أن الإسلام هو أحدث وآخر دين. واستعمل مبادئ وألفاظاً من الإنجيل كأداة ماكرة ليجذبهم للإسلام. وتم اجتهاده بطرق ثلاث:
1 قدم سبعاً من صفات المسيح وأسمائه بطريقة إيجابية جعلته يظهر كأنه مسيحي مؤمن . بل قدم حلولاً وسطاً أوسع من المفهوم الإسلامي ليُعمي النصارى ويجذبهم إلى الإسلام. وقد تخطىّ الحدود التي رسمها لنفسه، فاعترف بأن المسيح هو كلمة الله المتجسد، وأنه ابن العذراء مريم التي حبلت به من دون زواج. وكما رأى محمد خُلِق المسيح في بطن مريم بكلمة الله وروحه.
ووافق محمد أيضاً على مهمة المسيح السياسية الدنيوية كسفير الله ورسوله. ولعله كان يسمع أن كلمة «مسيح» تحمل معنى مزدوجاً، أي ممسوحاً روحياً للتبشير الديني وممثلاً عاماً بسلطان الله. وجاهر محمد بأن المسيح يحيا إلى الأبد، وأنه يثبت شخصية عظيمة «وجيهاً في الدنيا والآخرة». وأعلن أن عيسى قُرِّب من الله دون أن يُمات. واستعمل لذلك عدة ألفاظ عبر بها عن تنزّه المسيح عن الخطية وأكد خلوده.
ويحق للمسيحي أن يستخدم كل هذه الأسماء والصفات والمعاني الخاصة بالمسيح في حواره التبشيري مع المسلمين كجسر يقودهم من القرآن إلى ملء الإنجيل. فالسواد الأعظم منهم يرون في هذه العبارات وحي الله المباشر لمحمد.
2 وضّح محمد بصورة غير مباشرة ذكية في عظته التي ألقاها على الوفد النصراني أنه غيَّر معاني الألقاب والصفات السبعة للمسيح. وتصرَّف كأنه قبل طبيعة ابن مريم الروحية، ومهمته السياسية، وخلوده الأبدي. إنما أفرغ هذه الألقاب الكتابية من محتواها وملأها بأفكاره الإسلامية. فيظهر المسيح في القرآن على أنه كلمة الله المتجسد، الذي بيّن قدرته بمعجزات بهية، ولكنه في الوقت نفسه يظهر مخلوقاً ضعيفاً مثل أي شخص آخر. ولهذا لم يسمه محمد -ولو مرة واحدة- ابن الله، بل ابن مريم فقط. فرغم أن محمداً اعترف تقريباً بألوهية المسيح، نجده ينكرها تماماً. ولذلك أثبت على نفسه أنه ضد المسيح 1يوحنا 22: 2 و23 و1: 4-3. وأكد محمد على خدمة المسيح السياسية وعلى هدفه بتأسيس مملكة الله بين بني إسرائيل. ومع ذلك رفض وصفه الملك الروحي ورفض سلطته الكلية، فدعاه فقط رسولاً من عند الله. قد عاف محمد أن يعترف بأفضلية المسيح عليه.
3 من المدهش أن محمداً اعترف أن المسيح لم يظل ميتاً في قبره، بل حي إلى الأبد. إن محمداً ميت، ولكن المسيح حي! ينتظر محمد في البرزخ يوم الدين 49/1.
وأما المسيح فيأتي ثانيةً ليدين الأحياء والأموات. يدّعي محمد في الأحاديث أن المسيح يحيا في السماء الثالثة فقط، أدنى من موسى وإبراهيم اللذين يسكنان السماء الخامسة والسادسة، وينكر حقيقة المسيح عند الله رغم أنه أثبتها أمام وفد النصارى من اليمن. فيظهر المسيح للمسلمين رسولاً مفوضاً، ولكنه بعيد بكثير عن أن يكون الرب الذي يجلس على العرش عن يمين أبيه.
49/1 - اختلف علماء الإسلام في معنى البرزخ. فقد أتى الطبري بعدة روايات عن «أصحاب التأويل». ويبدو أن الجميع اتفقوا على أن البرزخ يعنى نوعاً من الحجاب أي الحاجز أو المانع، قال مجاهد بأنه حجاب بين الميت الموت والرجوع إلى الدنيا، وفي قول ابن زيد: «ما بين الموت والبعث» جامع البيان، ج 13، ص 53
أنصت محمد بحرص لشهادة وفد وادي نجران النصراني الذي شرح ما كان الله قد وعد به بخصوص ميلاد المسيح بفم الملاك جبرائيل لمريم. غير أن محمداً طوَّر هذه الوعود وصنع منها مبادئ تنسجم مع أركان إيمانه الإسلامي - إن جاز القول. فقد حوَّل الملك الإلهي إلى مجرد رسول لله، الذي وُلِد ولادة معجزية من عذراء. ولكن اعتبره واحداً من عبيد الله المخلوقين دون أي طبيعة إلهية.
ولكي يربح محمد النصارى للإسلام صاغ أفكاره الإسلامية في قالب نصراني مؤثر، وأراد أن يقنع الوفد بأنه مؤمن صالح، مثلهم تماماً .ولكن غرضه كان تحويل النصارى للإسلام خطوة خطوة.-5خطابُ المَسِيح إِلى الْيَهُود
تحوي سورة آل عمران 49-51 ثالث عظة ألقاها المسيح على قومه، وهي واحدة من ثمانية دوَّنها القرآن. يتحدث المسيح هنا كشخص بالغٍ بصيغة المتكلم، وتوجد فجوة مقدارها ثلاثون عاماً بين الوعود التي أوحى الملاك لمريم بخصوص مولد المسيح وهذه العظة التي ألقاها المسيح بعدئذ. هذه الفجوة فقرات من سورة مريم 19: 10-33.
قد وعظ المسيح حسب القرآن:
«49 إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْرَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرَاً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 50 وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 51 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» سورة آل عمران 3: 49-51.
يا لها من رسالةٍ! قد استعد محمد لمواجهة الأسقف مع وفد كنيسته فأنصت بحرص إلى تعاليمهم وشهاداتهم وامتص حججهم واقتبس دلائلهم. ثم حفظ ما قالوا محركاً مبادئهم في ذهنه، وبعدئذ دور عقيدتهم حسب اعتقاده الخاص. ثم قدمها ثانيةً في صورة شعرية مركَّزة وسمّاها وحياً من الله. واستطاع أن يعبّر بكلمات معدودة ما لا تستطيع عظات مسيحية كثيرة أن تعلنه.
تُظهر ألقاب المسيح السبعة 49/2. المذكورة في سورة آل عمران 3: 45-49 جوهر عيسى وطبيعته الفائقة. وأما معجزات ابن مريم التي ذكرها القرآن فأبرع من ألقابه وأسمائه. نجد في سورة آل عمران 49-52 ست معجزات للمسيح من العشر معجزات المذكورة في القرآن.
49/2 - ألقاب يسوع السبعة في سورة آل عمران 3: 45-49 كما يلي: «الكلمة» و«المسيح» و«عيسى» و«ابن مريم» و«وجيهاً في الدنيا والآخرة» و«من المقربين» و«رسول الله».
سمّى محمد كل فقرة اكتتبها في قرآنه آية، بمعنى علامة أو معجزة. لكن يظهر فرق أساسي بين آيات محمد ومعجزات المسيح: قد كانت أعاجيب محمد كلمات فقط، بينما كانت أعاجيب المسيح أعمال شفاء ملموسة.
تصف أول معجزة مذكورة في سورة آل عمران 3: 49 كيف خلق المسيح وهو بعد طفل طائراً من الطين ثم نفخ فيه فطار. ولا نعرف مصدر هذه القصة غير أنها أحد أساطير طفولة المسيح المدوَّنة في إنجيل مزيف يُدعى إنجيل متى الثاني وفي كتب أخرى كثيرة 49/3.
49/3 - ترجع قصة خلق يسوع من الطين طيراً حسب ميشال الحايك ويوسف الحداد إلى أربعة مصادر وهي:
- إنجيل متى المزعوم، 27
- إنجيل طفولية سيدنا، 36
- إنجيل الطفولية في نصه الأرمني، 2، 18
- إنجيل توما الموضوع
ميشال الحايك، المسيح في الإسلام، ص 201، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1961، يوسف الحداد، القرآن والكتاب، ص 953، المطبعة البولسية، بيروت 1986
وهذه القصة لم تنل تصديقاً عليها من شهود العيان والرسل المسؤولين على تسجيل نصوص الإنجيل. فالمصادر التي أصدرت هذه الروايات للأطفال هي الأخبار من الكنيسة السريانية. سمع محمد عن هذه القصة وصدَّقها. قد كان محمد يصدق معجزات المسيح أكثر مما آمن المسيحيون أنفسهم، فقد صدق أعاجيب لم تحدث قط. وهذه الحادثة ترينا مرة أخرى أنه لم يكن نبياً، بل باحثاً عن الحق وقبل معلومات خاطئة، فقام بدوره بتضليل آخرين!
ونجد لفظين في الآية 49 يسببان هزَّة في شعور أي مسيحي واعٍ. فإن المسيح قال: «أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئِةِ الطَّيْرِ». فنلاحظ أن القرآن ينسب للمسيح قوله أخلق.
إن النص العربي في صورته هذه يعلن دون تأويل أن المسيح الطفل خلق طائراً من الطين واستطاع أن يخلق فيه حياة. فليس ابن مريم مجرد رسول، لأنه قدر أن يخلق شيئاً من العدم حتى وهو طفل 49/4.
49/4 - مما يلفت النظر أن الطبري يمر بعملية خلق يسوع مرور الكرام ويسكت عنه جامع البيان، ج 3، ص 275 أما المفسرون المتأخرون كالبيضاوي والخازن والنسفي فيؤولون «الخلق» كعمل تصوير وتقدير مجمع التفاسير، ج 1، ص 498-499.
نجد في هذه الآية ترديداً لصدى آية الإنجيل: «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» يوحنا 1: 3. فينبغي على المسيحيين أن يتذكروا أن المسيح ليس المخلّص فحسب، بل الخالق أيضاً. وافق محمد ذاته على أن للمسيح القدرة على الخلق، ولا يذكر القرآن أحداً عدا المسيح له نفس السلطان. ليس ذلك فحسب، ونبّر محمد على هذه الحقيقة المذهلة بزعمه أن المسيح قال: أنفخ في جثة الطائر الخالي من الحياة، فيستطيع أن يطير. ترشد هذه الآية المسلمين ليؤمنوا أنه قد سكن في المسيح روحٌ مقتدرٌ على منح الحياة، فاستطاع بنفخة فمه أن يمنح حياة لجسد ميت. يبرز القرآن مراراً أن الله وحده هو القادر على خلق شيء وأنه نفخ في آدم ووهبه الحياة سورة الحِجر 15: 29< السجدة 32: 9< ص 38: 72. واستَخدم محمد نفس التعبير بنسبة المسيح أنه منح حياةً بنسمة نفخته. وتذكرنا هذه الآية بتصرف المسيح عشية يوم قيامته من بين الأموات فبعدما دخل الغرفة الموصَدة، ليظهر لتلاميذه الخائفين، نفخ فيهم قائلاً: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ!» يوحنا 20: 22.
خلق الله آدم نفسًا حية، ويخلق المسيح أتباعه خليقة جديدة، فصاروا أبناء وبنات لله، مملوئين بحياته الروحية الأبدية. ولكن من يقارن هذه الحقيقة بالرواية القرآنية التي تتحدث عن المسيح وخلقه طيراً يطير، يستطيع أن يرى الفارق التدريجي لخلقه في القرآن وتقييمه. فرأى محمد نفسه مضطرّاً للاعتراف بقدرة المسيح على الخلق، لكنه لم يشَأ أن يعترف بطاقته لخلق بشر جديد، ولم يعِ معنى الحياة الأبدية والقدرة على منحها، لذا قال - وبكل بساطة - إن المسيح الطفل خلق طائراً يطير. ولكن يا له من فرق، يا له من إقرار ماكر! 49/5.
49/5 - وفي قول بعض المفسرين إن الطائر الذي خلقه يسوع كان خفاشاً أي لا طائراً عادياً ولا حيواناً ثديياً حقاً ولكن ما بين هذا وذاك.
يصرح القرآن مرتين أن عيسى فتح أعين العمي بمجرد قدرة كلمته، ولم يحتَج إلى عملية جراحية أو دواءٍ ما. اعتبره محمد كلمة الله المتجسد، مليئاً بقدرة إلهية على الخلق والشفاء. ويحمل شفاء المسيح للبُرْص معنى خاصاً عند بعض المسلمين. إذ يعتبرون هذا المرض قصاصاً من الله على خطية مستترة 49/6.
49/6 - وجاء في الاحاديث المروية عن محمد قوله: «اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيء الأسقام» أبو داود، وتر 32، كتاب تفسير النساء 102، استعاذة 32، ابن ماجة، تجارات 6، مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 219
وقوله: «فر من المجذوم كما تفر من الأسد» البخاري، طب 19
و: «لا تديموا النظر إلى المجذومين» ابن ماجة، طب 44. إن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أمر بإحراق المجذومين الذين مر بهم في طريق مكة فقال: «لو كان الله يريد بهؤلاء خيراً لما ابتلاهم بهذا البلاء» ابن قتيبة، عيون الأخبار، ج 4، ص 69، القاهرة 1934-1949
وعن قتادة: أن مجذوماً دخل على عبد الله بن الحارث فقال: أخرجوه قالوا: ولِمَ؟ قال: بلغني أنه ملعون نفس المصدر.
وحيث أن المسيح شفى البُرص، استطاع أن يغلب سببه أولاً فغفر الخطايا بسلطانه. لقد حدثت هذه المعجزة المزدوجة مع المفلوج الذي دلاّه أصدقاؤه من سقف البيت أمام المسيح مرقس 2: 1-12. فلم يقل لهذا المسكين أمامه بأنه سيشفيه في الحال، إنما قال له: «مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». فغضب فقهاء اليهود الواقفون حوله في أفكارهم لأنهم ظنوا أن لا أحد يستطيع أن يغفر الخطايا سوى الله. فاتهموا المسيح بالتجديف. لكنه فهم اضطرابهم الداخلي وشرح لهم كيف أن لابن الإنسان سلطاناً على مغفرة الخطايا، وقال للمفلوج: «قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ!» فأعلن سلطانه على غفران الخطايا من خلال معجزة الشفاء هذه. ويقدر المسلمون أن يعرفوا من القرآن أن للمسيح القدرة على شفاء جميع الأسقام، وأنه كان يقدر على تحرير الناس من سبب المرض ذاته. فيتجه المسلمون في بلدان متعددة إلى المسيحيين طالبين منهم التشفع لأجلهم عند «سيدنا عيسى» الحي في السماء ليشفيهم.
ونقرأ في الآية 49 أيضاً أن للمسيح سلطان إحياء الموتى. ويستعمل القرآن صيغة الجمع في هذا الصدد، وليس المفرد أو المثنى مثلاً. وهذا يعني أن المسيح أحيا ثلاثة أشخاص على الأقل - بحسب ما تقتضيه صيغة الجمع في اللغة العربية. ويذكر الإنجيل أن المسيح أحيا فتاة مرقس 5: 35-43، وشاباً لوقا 7: 11-17 ورجلاً بالغاً يوحنا 11: 1-45. ونجد هذه المعجزات مذكورة أيضاً في القرآن ولكن من دون تفصيل أو تفسير. لذلك لا يعرف المسلمون كيف شفى المسيح المرضى وكيف أحيا الموتى، غير أنهم يؤمنون أن هذه المعجزات قد حدثت، ليس إلاّ. فينبغي علينا نحن المسيحيين أن نوضح هذه النصوص للمسلمين ونشجعهم على قراءة هذه الروايات في الإنجيل بأنفسهم، فيستطيعون أن يتقابلوا مع المسيح ويروه كما كان وكما هو.
بيد أن القرآن يذكر أن المسيح ما استطاع ان يعمل كل هذه المعجزات بنفسه، إنما أكملها بإذنِ الله. ولا يفهم المسلمون ما قصده المسيح عندما قال في يوحنا 5: 19 و20 إنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً من نفسه، ولكنه يعمل أيضاً كل ما يرى الآب يعمله. قد أنكر يسوع نفسه واستمر في تمجيده للآب وأصرَّ أن يتعلَّم أتباعه منه التواضع ونكران الذات، لأنه هو بنفسه وديع ومتواضع القلب متى 11: 28-30. ونجد على النقيض من ذلك أن أحد أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين هو المتكبّر 49/7.
بينما المسيح هو المتواضع! إن روح إنكار الذات والتواضع هذه تناقض روح الفخر والكبرياء في الإسلام.
49/7 - إنه من الغرابة بمكان أن يكون «التكبر» في القرآن من صفات الجبابرة الظالمين بينما المتكبر واحد من أسماء الله الحسنى النحل 16: 29، الزمر 39: 60
وقد ورد في ثلاثة آيات أُخَر في القرآن أن الله أرسل روح القُدُس إلى المسيح ليؤيِّده لتقويته، فاستطاع أن يعمل معجزاته الباهرة سورة البقرة 2: 87 و253، المائدة 5: 110. ولا يدرك معظم المسلمين أن يتقارب الله وروح القدس والمسيح في نفس الآيات. إن هؤلاء الثلاثة تعاونوا معاً كوحدة عملية لتتمِّم هذه المعجزات. لا يؤمن المسلمون بمساواة جوهر الله وروحه والمسيح في وحدة الثالوث الأقدس، مع أن القرآن يعترف بصورة غير مباشرة بتعاون الله مع روحه والمسيح. فيقدر المسلمون، إن كانوا لا يؤمنون بثالوث في الجوهر، أن يؤمنوا بثالوث في العمل والتعاون حتى وإن لم يعترفوا بهذه الحقيقة.
لقد اقترب محمد كثيراً من النصارى، ولكن الفجوة بينهما لا زالت أكبر من أن تُعبَر. فقد صوَّر المسيح بثلاث معجزات باهرة: كخالق قدير، وكأعظم طبيب على وجه الأرض، واستطاع أن يقيم الموتى. وتمت هذه الأعاجيب بشرطٍ أو قيدٍ واحد أن أذن الله بها وفق مشيئته تعالى وبتأييدٍ من روحه القدس. حاكى محمد النصارى في إيمانهم بقدر ما استطاع، ليقنع وفد وادي نجران أن المسلمين يؤمنون بنفس الحقائق الروحية مثلهم، وحتى بشِبْه ثالوثٍ. ولكنه كان في الواقع قد جرَّد المسيح من سلطانه الإلهي وجعل منه مجرد عبد لله.
تابع محمد تلاوته الشعرية التي تحوي كلمات المسيح المزعومة: «وَأُنْبِئِكُمْْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينْ» سورة آل عمران 3: 49.
كان محمد يواجه مشكلة متفاقمة في المدينة. أتت أغلبية أتباعه من مواطني المدينة، بينما هاجرت معه مئة عائلة مسلمة أو ما يزيد على ذلك من مكة إلى المدينة واستجاروا بها. وكان مسلمو المدينة قد ختموا ووافقوا على ثلاث معاهدات متتالية وتعهدوا أنهم سيتولون ضيافة اللاجئين من مكة، وفعلاً نفذوا ذلك بأمانة. إنما مع الوقت اغتنى مسلمو المدينة على حساب المهاجرين، لأن مسلمي مكة لم يكن لهم مصدر رزق، وكانوا قد أنفقوا مالهم الذي أتوا به. فاشتدت حدة المشكلة بين الفريقين وانعكس ذلك على الإسلام بصورة أضعفته. اغتاظ محمد لأنه كان يعلم أن بعض مسلمي المدينة كان بحوزتهم ذهب وكنوز متعددة مخبَّأة في بيوتهم، وأنه كلما غادر الضيوف المهاجرون البيتَ، أكل أهل المدينة طعاماً أفضل، كانوا يخبئونه في صناديقهم. غضب محمد وهدَّد مسلمي المدينة الأغنياء بأن المسيح سيأتي ثانية عن قريب في نهاية الزمان ويستطيع أن ينظر عبر الحيطان ويرى ما اكتنزوه من المال والقوت في بيوتهم، ثم يحكم عليهم بسبب بُخلهم وريائهم.
أقر محمد أن المسيح سيأتي ثانيةً، وأنه لا يمكن إخفاء شيء عن عينيه. وبذلك اعترف على نحو غير مباشر أن المسيح هو العليم. ويمكن أنّ محمداً استخرج هذا الاعتراف من الإنجيل بحسب يوحنا 2: 24 و25، حيث نقرأ أن المسيح لم يكن محتاجاً أن يخبره أحدٌ عما يجول بداخل البشر، لأنه عرف ما هو في كل إنسان. فقبل محمد هذا السلطان، ولكن بينما يعلن الإنجيل أن المسيح علم أهداف الإنسان وخطاياه، يكتفي محمد بأن يذكر بكشف المسيح المال والطعام المخبَّأ ليخزي البخلاء يوم الدينونة 49/8.
49/8 - يا ترى كيف يفسر المسلمون هذا التحذير القرآني؟ جاء في تفسير الطبري «إن عيسى كان يخبر الصبي: إن أمك قد خبأت لك كذا فيرجع الصبي إلى أهله ويبكي إلى أن يأخذ ذلك الشيء. ثم قالوا لصبيانهم. لا تلعبوا مع هذا الساحر وجمعوهم في بيت. فجاء عيسى يطلبهم فقالوا له: ليسوا في البيت فقال: فمن في هذا البيت؟ قالوا: خنازير، قال عيسى: كذلك يكونون، فإذا هم خنازير» جامع البيان، ج 3، ص 271 -280
وقال الرازي في تفسير هذه الآية: إن الذي أي عيسى حل عليه السلام يخبر بالغيب مفاتيح الغيب، ج 8، ص 57.
نوَّه محمد بقدرة المسيح على كشف المستور كمعجزة، غير أنه وجَّه هذا الخطاب خاصة لوفد وادي نجران ليخبرهم أن المسيح يعلم ما يفكرون فيه بالضبط. وأنه سيعلن إذا كانوا يتلاعبون مع محمد أو إن كانوا يعترفون فعلاً بالحق كما صوَّره هو. فالمسيح سيخبرهم أيضاً بما كنزوه في بيوتهم في وادي نجران وما ضحّوا به من أجل اللاجئين المسلمين الفقراء.
ويتضح من هذه الآية أن يستطيع المسلمون أن يؤمنوا بأن المسيح يعلم عِلم الغيب وأنه سيأتي ثانيةً وينظر في قلوبهم بعينيه الفاحصتين، فيكشف أسرارهم وخطاياهم، ويدينهم يوم القيامة بصفته الديان الأزلي.
يقول المسيح في الآية 50: «وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكِمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ!».
استطرد محمد هذه العظة وقال إن الله أرسل المسيح ليشهد لصحة التوراة ويثبت سلامتها. فكيف يدّعي بعض المسلمين أنّ التوراة والزبور والنبيين محرفة، رغم أن القرآن نفسه يبرز أن المسيح جاء ليصدِّق على عصمتها؟ وقد وردت شهادة المسيح لصحة ونزاهة التوراة في آيات أخرى من القرآن سورة المائدة 5: 43 و45 و46< الحديد 57: 27، فلماذا إذاً يصرُّ نفر من المسلمين على أن الكتاب المقدس قد تحرَّف؟ فليقرأوا ما قاله المسيح شخصياً في الإنجيل حسب متى 5: 17 و18: «لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ يتحقق الْكُلُّ». أتى يسوع ليؤيد صحة التوراة، بل هو ذاته ضمان أسفار العهد القديم. هو كلمة الله المتجسد الذي لا يقدر أحد أن يغيّره أو يبدله. له الحق الأزلي أن يضمن عصمة التوراة ويكفلها إلى الأبد، وحتى القرآن يصدق على سلطانه هذا.
ثم تابع المسيح حديثه كما نقرأ في القرآن وقال: « وَلأُُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» سورة آل عمران 3: 50.
نرى في هذه الآية القرآنية قراراً غريباً على لسان المسيح بالنسبة لشريعة موسى. إنّ الإسلام دين تحت الشريعة، وتشبه الحياة فيه تصرفات الأمة اليهودية تحت شريعة العهد القديم. ويؤمن بنو إسرائيل أن كل كلمة من العهد القديم وحيٌ من الله كما يفترض المسلمون أن كل آية في القرآن موحى بها من الله. ويعتقدون أن الوحي هو الشريعة بالذات. فكل من يعيش تحت الشريعة ليس له حرية الرأي أو الاختيار كيف يعيش. كل ما يريد الإنسان أن يعمله محدَّد بالشريعة. فمن يقصد أن يفهم حياة المسلمين واليهود ينبغي أن يدرك أنهم عبيد الشريعة وأنهم يُدانون بها. أما المسيح فحررنا من لعنة الشريعة غلاطية 3: 10-13. ولا يعني هذا التحرير أن شريعة موسى قد انمحت في حياة المسيحيين، لأن الديان الأزلي سيدين أتباعه حسب الشريعة الإلهية. إنما قد تبرروا بموت المسيح الكفاري تبريراً كاملاً، ولأجله يمتلئون بروحه القدوس المعزّي. وهذا الروح هو الشريعة الجديدة بذاتها التي وُضعت في قلوبهم، وهو يمنحهم في ذات الوقت القدرة على تتميم فرائض الشريعة في المحبة. وقد كتب الرسول بولس أن ناموس روح المسيح المحيي قد أعتقنا من ناموس الخطية والموت رومية 8: 2. فليس أتباع المسيح بدون شريعة ولا يعيشون بلا ضمير في إباحية غير متقيدة بنظام لأن الروح القدس يرشدهم رومية 8: 14. فلا يعيشون بعد تحت الشريعة كالمسلمين واليهود لكنهم يسلكون في نعمة المسيح.
ينبغي أن ينضوي جميع الناس، حسب المفهوم الإسلامي، تحت الشريعة الإسلامية التي تغطي وتنظم كل جهات الحياة. ولا يُسمح لأحد أن يتصرف كما يريد خارج ذلك القانون.. ما عدا المسيح، لأنه جاء مُشرِّعاً، وليس منفذاً للشريعة. فكان له الحق أن يغير ويطوّر الشريعة الإلهية. مَن هو المشرع الأوحد لدى المسلمين؟ لا أحد إلا الله. لكن بما أن المسيح أتى مؤهَّلاً لتغيير الشريعة، فهو مُشرِّعٌ على رتبة الله حتى في الإسلام. لم يكن لمحمد سلطة تغيير الشريعة، بل كثيراً ما انتابه الشك والخوف من الإساءة لشريعة موسى، فحاول أن لا يغيِّر أي بندٍ من بنود الشريعة< لئلا تحسبه اليهود نبياً كذاباً. وسأل محمد اليهود وألحّ عليهم ليخبروه بالتفصيل ما كان مكتوباً في التوراة، غير أنهم كانوا يسخرون منه ويضللونه ويتجاهلونه ابن هشام، ج 2، 45-67. أما المسيح فلم يخف من اليهود، بل كان له الحق والسلطان لتطوير الشريعة وتتميمها. فقد أعلن مرة: «كل ما يدخل الإنسان من الخارج لا يقدر أن ينجسه.. إن الذي يخرج من الإنسان ذلك ينجس الإنسان. لأنه.. من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة متى 15: 11 ومرقس 7: 15-23 ولوقا 18: 20 و23. وشهد المسيح أن الشريعة الموسوية تقول: «عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ». أما أنا فأقول لكم: «لا تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضاً» متى 5: 38-40. وتبرهن سلطة المسيح هذه لتغيير وتكميل الشريعة أن له نفس السلطة القضائية مثل الله.
كان محمد مُحقاً في القرآن بقوله إن المسيح مُشرِّع إلهي، وإن له الحق والسلطان ليطلب من الناس الطاعة والخضوع فقال: «اِتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ!». إن القرآن لا يلهم حواريي المسيح أن يحبوا الله من كل قلوبهم، بل أن يتّقوه ويخافوا منه. فليست محبة الله المقدسة ومحبتنا المخلصة له من المواضيع المطلوبة في الإسلام، بل التقوى والوقار تجاه الله. وربما يُلخَّص الإسلام بالآية القائلة: «رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ» مزمور 111: 10 والأمثال 1: 7< 9: 10، أما الرسول بولس فكتب أن ملء الحكمة قد حل في المسيح شخصياً كولوسي 2: 3.
لم يقل المسيح في القرآن لسامعيه أن يتقوا الله ويعبدوه بإجلال فقط، بل تابع قوله بسلطة المُشرِّع الإلهي: وَأَطِيعُونِ !. إن هذه الكلمات القرآنية تأمر كل الناس بطاعة المسيح. فينبغي أن يقبلوا كلماته المدوَّنة في الإنجيل ويعيشوا بموجبها. نتأسف لأن محمداً لم يقدر أن يقرأ الإنجيل أو يفهمه فكانت النتيجة أنه أهمل خلاص المسيح، إلا أنه قبل المسيح بصفته مُشرِّعاً لا مخلِّصاً.
قد سمح محمد للمسيح أن يقول: «وَأَطِيعُونِ!» ليغري نصارى وادي نجران بالتحوّل إلى الإسلام. وكانت هذا العبارة خدعة في صفقة ماهرة، بيد أنها تفرض على المسلمين قاطبةً طاعة سيدهم المسيح. ونعترف بأن الكثير من المسيحيين الاسميين يؤمنون بالمسيح نوعاً ما إلا أنهم لا يطيعونه بأمانة. أما القرآن فيأمر جميع المسلمين بطاعته. ألا ينبغي على المسيحيين أيضاً دراسة شريعة المسيح الجديدة والعيش بمقتضاها؟ ونجد مسيحيين متحررين في أيامنا يقولون: بما أنّه تعيَّن على المسلمين الخضوع للمسيح، فينبغي على المسيحيين أيضاً أن يتبعوا الإسلام. إنهم لا يعرفون ولا يفهمون الآية التالية 51 التي يبدو أن المسيح يقول فيها: «إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ».
كان محمد يرفع المسيح إلى رتبة الله تقريباً، اعترف بأنه خالق، والطبيب الأعظم الذي يشفي كل مريض بقدرة كلمته. وهو معطي الحياة للموتى، وعلاّم الغيوب، المصدق على التوراة، والمُشرِّع الإلهي، وله السلطان بطلب الطاعة التامة من الجميع. فبعدما داهن محمد الضيوف المسيحيين أمامه في مسجد المدينة وتمنى أن يكسب ثقة الأسقف وأعضاء وفده ليؤمنوا بأنه نبي الإسلام المختار، رأى نفسه مضطراً أن يُرضي اتباعه المسلمين أيضاً الذين جلسوا حوله. فنزّل المسيح من عليائه وأحدره إلى مستوى كل مسلم، واستخدم نفس الأسلوب كما فعل سابقاً مع مريم في آل عمران 3: 42 و43. فبعد أن كان قد رفعها ووصفها بأنها المرأة الوحيدة المصطفاة على باقي النساء في الدنيا وفي الآخرة، وبعد أن جعلها نبية وآية الله، ووصفها بأنها إمام، اعتبرها مؤمنة خاشعة تسجد مع باقي النساء المسلمات. كذلك قدَّم تقييماً للمسيح ورسمه مسلماً خاضعاً يعترف بربوبية الله له، ويقول: «إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ». أما رب العهد في التوراة فهو يهوه. وكان لكل عضو في هذا العهد الامتياز أن يسمّي يهوه ربنا، وذلك لأن الله القدير كان قد استهل الوصايا العشر بقوله: «أنا الرب إلهك».
قصد محمد وحدة الديانات الثلاث بالتصريح الذكي «إِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ» سورة العنكبوت 29: 46، فادّعى أن «الله» و«يهوه» إله واحد. لم يقل المسيح ولا مرة واحدة إن الله أو إلوهيم هو ربه، بل عزَّى تلاميذه بقوله: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ» يوحنا 20: 17 فأوضح بهذا الإعلان إن الله أبوه وليس ربه، ومنح هذا الحق الفريد لكل من يؤمنون به. لم يعلّم المسيح صحابته أن يصلّوا لله «إلوهيم» أو «يهوه» بل أن يقولوا: « أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ» متى 6: 9.
لم يقبل محمد الصلاة الربانية كما يصليها جميع المسيحيين، لكنه أراد أن يُخضع المسيح لله ليكون سواء بسواء مع عامة اليهود والمسلمين. لم يكن على استعداد للاعتراف بأن يسوع المسيح هو الرب فيلبي 2: 9-11. يُعلِّمنا الرسول بولس أن لا أحد يستطيع أن يدعو يسوع المسيح رباً إلاّ بالروح القدس 1كورنثوس 12: 3. وبما أنّ الروح القدس لا يوجد بالمفهوم المسيحي في الإسلام فلم يقدر محمد أن يدرك حقيقة المسيح أنه الرب بالذات. أراد محمد في الواقع أن يرسم المسيح في صورة عبد لله. وفي هذه الحالة سيعبد جميع أتباعه الله كمسلمين أتقياء، فيسجدون لله المجهول، البعيد، الجبّار المتكبِّر القهار، الذي يستحيل الوصول إليه!
إن القول: فَاعْبُدُوهُ يحمل في طياته معنى الاستعباد. فالعبادة في الإسلام تعني: أنا مُلكٌ لربي، وهو مالكي، ويمكنه أن يصنع بي ما يشاء. أنا مستعد أن أعبده وأكون عبداً له بدون نهاية. فتربّي العبادة الإسلامية المسلم دائماً للخضوع لله كخضوع العبيد لسادتهم. وجعل محمدٌ المسيح يطلب هذا الاستسلام لله من جميع أتباعه، كي يضمن عبادتهم لله كالعبيد فيصبحون تلقائياً مسلمين أتقياء.
هذا هو الصراط المستقيم الذي تفتقت عنه قريحة محمد، بعد ما رفض صراط اليهود الأصلي. يصلي المسلمون في خاتمة الفاتحة أن لا يهديهم الله صراط اليهود، لأن غضب الله حال عليهم سورة الفاتحة 1: 7. وأراد محمد أيضاً أن يجعل صراطه الخاص متميزاً عن صراط النصارى، الذين اعتبرهم ضالّين، يتيهون يائسين عطشى في قفر بلا ماء، يهذون ويتخيلون ويرون سراباً ثلاثة آلهة بدلاً من الواحد ويظنون أنّ واحداً منهم قد صُلب سورة الفاتحة 1: 7 51/1.
51/1 - البخاري، تفسير سورة الفاتحة 1: 7
ربما كان محمد قد رأى الطرق الرومانية المُعبَّدة فأراد أن يستعملها في صورة بيانية لوصف الإسلام. إن كلمة صراط كلمة معرّبة من اللغة الرومانية وتعني الشوارع العريضة المبلطة المؤدية للهدف حتماً. وعندما قارن محمد هذه الطرق المعبَّدة بالوعر الرملي في بلده أبصر في الصراط الرمز الذي يعبّر مثالياً عن دينه. يفسّر المسلمون اليوم، الشريعة صراطاً مستقيماً يهديهم إلى الجنة. ولكن الكتاب المقدس يناقض هذا الظن المضلّ، فلا يستطيع أحد أن يطيع ويتمم الشريعة تماماً، وكل من يبني آماله على الشريعة تحكم الشريعة عليه بالهلاك حتماً متى 7: 13 و14.
وبهذا الخطاب صوَّر محمد المسيح إماماً مسلماً يأمر أتباعه وخاصة نصارى نجران أن يطيعوه ويعتنقوا الإسلام فوراً. ولكن نصارى نجران ترددوا في قبول دعوة محمد لأنهم أدركوا المتناقضات في الإسلام وشعروا بالاختلاف بين روح المسيح وروح محمد، فحذَّرهم محمد من أن يلقوا نفس مصير اليهود الذين كفروا بالمسيح، الذين دعاهم المسيح أن يصيروا تلاميذه ويهجروا جمهور اليهود المتمردين ليتبعوه في الصراط المستقيم ويعتنقوا الإسلام.-6إِعْتِرَافُ رُسُل الْمَسِيح وصلاتهم
يقول القرآن إن المسيح وجَّه خطابه إلى بني إسرائيل أولاً. وكان قد حاول إقناعهم بمعجزات باهرة، وحذَّرهم من عاقبة بخلهم، وحاول تطوير الشريعة الإلهية ليُهوِّن عليهم حياتهم، وطالبهم بخوف الله وبطاعته. وذلك هو الصراط المستقيم في رأي القرآن! ولكن الأغلبية الساحقة من اليهود لم تستجب لدعواه، بل قسَّوا قلوبهم تجاه الإنجيل وكرهوا المسيح لذيوع صيته وشهرته.
وتدل الآية 52 على أنّ المسيح قد أدرك كفر اليهود المتزايد به، فتحداهم على الملأ: «مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ؟». وكان المسيح قد لاحظ أن الكثيرين من اليهود منصرفون عنه غير مؤمنين به، غير راغبين في إقامة صلة روحية بينهم وبينه وغير مستعدين لطاعة أوامره. وكان أغلبهم يتبعه من أجل معجزاته. وفي إنجيل المسيح بحسب يوحنا 6: 66-71 نقرأ بكل وضوح عن نقطة التحول المصيرية في حياة المسيح عندما تركه السواد الأعظم من أتباعه. ففجأةً رأى نفسه مع بضعة تلاميذه الأوفياء. وطردته السلطات اليهودية التي أرادت اغتياله بالخفية يوحنا 5: 16-21< 8: 37-40< 11: 53-54< متى 16: 13-23.
انتبه محمد باليقظة لهذه الحقيقة المؤلمة. فقد مرّ وقت على المسيح وصل فيه عدد أتباعه للذروة، ولكن حينما اندلع الاضطهاد تركوه أجمعين إلا التلاميذ الاثني عشر. فكيف تناول محمد هذا التغيُّر الانقلابي في حياة المسيح؟ يذكر القرآن أن المسيح استنفر أتباعه الباقين بطريقة إسلامية بأن سألهم: «من أنصاري؟». وكلمة أنصار لها معانٍ عِدَّة: فهي تعني هؤلاء الذين يعينون المرء في الحياة الاجتماعية في أوقات حرجة، وتعني أيضاً الذين يجاهدون في سبيل الله ويقاتلون بشجاعة حتى الانتصار. وزعم محمد أن المسيح كان يواجه بقية أتباعه وحرّضهم للقتال بالسلاح لحفظ سلامته وفي سبيل الله.
«52 فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 53 رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ 54 وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ» سورة آل عمران 3: 52-54.
نقرأ في هذه الآيات اعتراف رسل المسيح كما تصوره محمد، هادفاً من ورائه إقناع وفد نصارى نجران بأنه يمكنهم هم أيضاً اعتبار أنفسهم مسلمين دون حرج أو تردد. وبهذا صاغ محمد قانون إيمان الرسل من وجهة نظر إسلامية. ففي هذا القانون قدَّم الحواريون أنفسهم وأجسادهم وأموالهم للمسيح عاطفياً، بوصفهم أنصار الله. وهذا اللقب هو أحد الأسماء أو الألقاب الستة التي تسمَّى بها تلاميذ المسيح في هذا الاعتراف المُقتَضَب والصلاة التي تَلَتْه. فأدرك محمد أنّ للمسيح أنواعاً مختلفة من الأتباع. فالنوع الأول هم الحواريون الطلاب المستعدون للاستماع والدراسة. ولم يكونوا على يقين تام بعد بماذا سيؤمنون به وماذا يفعلونه، لكنهم كانوا متصارحين مع معلمهم.. فبجَّلوه وأُعجِبوا به وأحبوه. أما الفئة الثانية فهم الأنصار المتعاونون أو المقاتلون المدركون قدرة معلِّمهم غير المحدودة، فكانوا على استعداد أن يقاتلوا من أجله، حتى وإن لم يفهموه تماماً. لا يترددون في بذل وقتهم وتضحية مالهم في سبيله، لا بل والاستعداد للجهاد من أجل إرساء ملكوت الله وتثبيته. هم كانوا متأهبين للقتال في سبيل الله بغض النظر عن التكلفة.. كما فعل بطرس. ثم أقروا بأنهم مؤمنون بالله ومرتبطون به برباط إخلاصهم الدائم. قد آمنوا به وبوحيه وفهموا ما أرادهم أن يفعلوا وما لم يُرِد أن يفعلوا.. بحسب شريعته. وأخيراً، اعترف الحواريون بأنهم مسلمون، بمعنى أنهم أسلموا حياتهم لله أو خضعوا له. وهذا الإسلام الأساسي يشمل إبراهيم سورة آل عمران 3: 67، وموسى، والمسيح ورسله.
هذا هو المفهوم الإسلامي للتقدم التدريجي في حياة التقوى: أولاً: طُلاّب، ثم أنصار مقاتلون، وبعد ذلك مؤمنون، وأخيراً مسلمون! فلا يتعجب أحد إذا ظن المسلمون أن النصارى يقاتلون لأجل إيمانهم. ففي عام 1981 تم اعتقال بطريرك الكنيسة القبطية بمصر، مع ثمانية من أساقفته وخمسين كاهناً لعدة أشهر لمجرد ادعاء المسلمين أنهم حاولوا تأسيس دويلة مسيحية في مصر الإسلامية، أو لأنهم تدخلوا في مسائل سياسية خطيرة. يظن المسلمون في جميع أنحاء العالم الإسلامي أن المسيحيين سيقتنصون كل الفرص السانحة للاستيلاء على الحكم واستبدال الشريعة الإسلامية بحقوق إنسانية ومسيحية. إنهم يعتقدون أن هدفهم الأسمى هو تشكيل دولة مسيحية< وبسبب هذا الوهم تجد أن المسلمين دائماً يشعرون بأن المواطنين المسيحيين والمبشرين الأجانب لا يشغلهم من وراء خدماتهم هدف ديني فحسب، بل يهدفون أولاً إلى قلب السياسة القائمة. فينظرون إلى المسيحية من خلال نظرتهم الإسلامية فيرون أن النصارى يسعون إلى تأسيس دولة دينية.. تماماً كما يفعل المسلمون.
دعا محمد تلاميذ المسيح «مسلمين» ليساعد الوفد النصراني على اعتناق العقيدة الإسلامية بأكثر هِمةٍ. يا لها من مناورة ماكرة! فقد تلاعب بالمعنى الروحي للكلام إذ قال إن كل من أسلم لله فهو قد دخل الإسلام بالفعل. مع العلم أنّ محمداً لم يشأ أن يعتنقوا إسلاماً روحياً فقط، إنما توقع استسلاماً إضافياً لقيادته. فأراد أن يدفع الأسقف وكنيسته إلى قبوله كسفير الله، والخضوع غير المشروط لشريعته بواسطة هذه الإشارة إلى أن جميع رسل المسيح كانوا بالفعل مسلمين!
بوعد اعتراف قانون الإيمان الرسولي المزعوم نقرأ خلاصة الصلاة الرسولية المُخلِصة في الآية 52:
«رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ» سورة آل عمران 3: 53.
لم يكن القرآن موجوداً في عصر الرسل بعد، إنما كان معهم فقط التوراة، والزبور، والحكمة، والأنبياء، والإنجيل. فالقرآن يثبت بهذا البيان عصمة العهدين القديم والجديد ويبرز أنّهما موحى بهما من الله. ويعلق محمد بحسب هذه الصلاة الواردة في القرآن بأن تلاميذ المسيح مسلمون مخلصون لأنهم آمنوا بالكتاب المقدس! وهذه ألعوبة بارعة لإدخال أتباع المسيح في الإسلام بغرس فكرة أنهم كانوا مسلمين من قبل طالما أنهم يؤمنون بالكتاب المقدس. حينئذٍ لا يحتاجون أن يدخلوا الإسلام.. فهم بالفعل مسلمون ولا يدركون!
كل من يقارن صلاة رسل المسيح المدونة في القرآن بالابتهالات الرسولية الحقيقية مثلما وردت في رسالة بولس الرسول إلى أفسس 3: 14-21 يستطيع أن يفهم الفرق الكبير بين الصلاة في الإسلام والمسيحية. تبدو الصلاة التي وضعها محمد في أفواه رسل المسيح صلاة فقيرة، بلا روح والمعنى سطحي. مع أن صلاة بولس الحقيقية مفعمة بالمحبة والطاقة الإلهية والعمق والإيمان والرجاء والطمأنينة. وهو لم يُصلِّ لأجل نفسه كما تدَّعي الصلاة الرسولية المزعومة في القرآن بل صلى من أجل الأعضاء المؤمنين في الكنيسة، ممجداً الآب والابن والروح القدس.. الإله الواحد الوحيد إلى الأبد.
كان محمد قادراً أن يميّز مراحل مختلفة في النضج المسيحي. فأعلن أنه يوجد مبتدئون، وأنصار عاطفيون، ومسلمون مؤمنون بالكلمة الموحاة بإخلاص. ثم أشار إلى درجة متفوقة: أتباع المسيح الأمناء المستعدون للذهاب مع سيدهم أينما شاء. واعترف محمد بهذه الكلمات غير مباشرة - أنه يوجد بين المسيحيين نخبة بمستوى أعلى من الالتزام بالله عما يوجد في الإسلام، فوصف أتباع المسيح بصفات ممتازة في القرآن، يسلكون بلا كبرياء ويثبتون في الرحمة والرأفة سورة المائدة 5: 82< الحديد 57: 27، لا يبيعون آيات الله لِقاء ثمنٍ سورة آل عمران 3: 199، قد جعلهم الله فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة سورة آل عمران 3: 55. فبدا أتباع المسيح لمحمد كطبقة عُليا من البشر، ورأى أنهم اقتنعوا بالمسيح وتعاليمه واتبعوه في الماء والنار، في السرَّاء والضرَّاء، وأنهم حاكوا محبة المسيح ولم يتخلوا عنه. دعاهم محمد أفضل أعداء الإسلام سورة المائدة 5: 82 لأنهم كانوا يتعاطفون مع المسلمين وأحبوهم رغم الاختلاف القائم بينهما. وكانت أخلاقهم تعكس روح كهنتهم ورهبانهم غير المتكبرين، فجمع محمد اختباراته مع المسيحيين في إعلان الله القائل: «وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً» سورة الحديد 57: 27.
هذه الآية تصديق غير مباشر على اعتراف بولس الرسول في رسالته إلى رومية 5: 5: «لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا».لاحظ محمد روح المسيح في أعضاء كنيسته، لكنه لم يفهمه.
أما العبارة الأخيرة فتبدو أكثر أهمية لأتباع المسيح، إذ صلوا: «فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ». وثق محمد بأن المسيحيين مُخلِصون لربهم ولإنجيله، وأنهم مستعدّون للاستشهاد. وسمع أيضاً أن المسيح تحدث عن كتاب الحياة الذي يُدوَّن فيه أسماء أتباعه لوقا 10: 20 < الرؤيا 3: 5 و20: 15، فوعد أنه يقيمهم يوم القيامة. واعترف الرسل في القرآن بإخلاص شهادتهم واستعدادهم لبذل الذات في سبيل المسيح، فطلبوا إليه أن يسجِّلهم في سفر الحياة. لا يقدر المسلمون أن يدركوا أن الإيمان بالنعمة وحدها يكفي لخلاص أنفسهم، بل يأملون أن طاعتهم وأعمالهم وأضاحيهم، بل وحتى استشهادهم في سبيل الله سيفتح لهم أبواب جنَّات الخلد.
كيف يتوقع المسلمون أن يتصرف المسيحيون عملياً؟ فإنهم ينتظرون من النصارى أن يعرفوا الإنجيل ويُقرُّوا بعصمته، وأن يُسْلِموا لله حقاً ويجاهدوا لنشر دينهم ويتبعوا المسيح مهما تكلف الأمر، حتى وإن استشهدوا في سبيل إيمانهم. نرى في هذه الآيات الباهرة وصفا شعرياً مُركَّزاً لما توقعه محمد من المسيحيين: فتصورهم تلاميذ، أنصار الله، مؤمنين، مسلمين ،أتباع المسيح، شهوداً، بل وشهداء. ليت كل مسيحي يتساءل: إلى أي مدى قد وصل في هذا التدرج الروحي، وكم هو مستعد لتتميم دعوته في اتِّباع المسيح حقاً.
يتعرض اليوم كل مسيحي إلى الخطر إذ يقصد خدمة المسلمين ويمارس أسلوب التشابه Contexualisation، ويقدم الرسالة المسيحية بطابع إسلامي بُغية ربح المسلمين للمسيح. فسوف يتَّهمونه بالزندقة والنفاق والخداع، يعترف بالإسلام ظاهرياً غير أنه ليس مسلماً حقيقياً، فهو في نظرهم ذئبٌ في ثوب حَمَل. وتتطلب الشريعة إعدامه فوراً، دون إمهال، ودون منحه وقتاً أو فرصة للتوبة. مع العلم أنّ محمداً سمح لنفسه بأن يتصرَّف كالمسيحي ليربح النصارى للإسلام، لكن حرَّم على النصارى أن يتصرفوا كالمسلمين ليربحوا المسلمين للمسيح.
واستمرّ محمد في خطابه أمام وفد نصارى وادي نجران واقترب في كلامه من لب الاختلاف بين اعتقاد ضيوفه وإسلامه الخاص قائلاً:
«وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ واللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ» سورة آل عمران 3: 54.
يشير هذا النص المثير إلى حقيقة محرجة، إذ دأب اليهود على مؤامرة قتل المسيح سراً. وكان محمد قد سمع بالمقاومة التي لقيها المسيح من قادة اليهود وبمحاولتهم القضاء عليه بأي وسيلة ممكنة متى 26: 4 ومرقس 14: 1 ولوقا 22: 2 وويوحنا 5: 12-20 و8: 37 و40 و11: 53. لكن لم يقدر محمد أن يحتمل الفكرة بأن يكمل بنو إسرائيل مؤامرتهم ضد المسيح، وإلاّ تمكنت القبائل الوثنية في مكة أو اليهود في المدينة من هزيمة محمد أيضاً. لذلك استنتج أن اليهود مكروا، لكن الله في فكره أمكر حتى سمّاه في القرآن «خير الماكرين». ويوجد بين علماء المسلمين من لا يحب المعنى الحرفي لهذه العبارة، فيسمُّون الله خير المدبرين أو أفضل الناصحين، أو أمهر المخططين، غير أن معنى المكر ثابت في العربية، ولا سبيل للتَّمَحُّل حول المعنى! 54/1.
54/1 يروي الطبري في تفسيره عن السدي أن مكر الله بهم القاؤه شبه عيسى على بعض أتباعه حتى قتله الماكرون وهم يحسبونه عيسى وقد رفع الله عز وجل عيسىقبل ذلك جامع البيان، ج3، ص 289
أما الزمخشري فيقول في تفسير «والله خير الماكرين»: «أقواهم مكراً وأنفذهم كيداً وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب» الكشاف، ج 1، ص 432
يرى الرازي في «مكر الله» عدة وجوه:
- الأول: مكر الله بهم هو أنه رفع عيسى إلى السماء.
- الثاني: ألقى الله شبهه على أحد المنافقين.
- الثالث: انتزع ملك الروم وكان نصرانياً سراً أتباع عيسى المعذبين وقتل وسبى أعداءهم في بيت المقدس.
- الرابع: أن الله سلط عليهم ملك فارس حتى قتلهم وسباهم.
- الخامس: يحتمل أن يكون المراد أنهم مكروا في إخفاء أمره وإبطال دينه ومكر الله بهم حيث أعلى دينه وأظهر شريعته وقهر بالذل والدناءة أعداءه وهم اليهود» مفاتيح الغيب، ج 8، ص 65-66.
وإن كان الله خير الماكرين، إذن سيتعلّم أتباعه منه لا محالة، فيحاكونه ويمكرون بين بعضهم البعض أيضاً. قال محمد كثيراً: «الحرب خدعة» البخاري، جهاد 157، مسلم، جهاد 18، أبو داود، جهاد 92. فتأذن الشريعة للمسلم بالكذب في أربع حالات: في الجهاد، وفي إصلاح ذات البَين، بين الرجل ونسائه، وبين المرأة ورجلها الترمذي، بر 26، مسند، ج 6، 459 و461. ولا يؤكد حتى القسَم في بعض الحالات الحقيقة الواقعة سورة التحريم 66: 2. ولا تكون السياسة والتجارة والتدريس والحياة الأسرية مبنية على الحق الخالص، بل تتفرع منسوجة بالألاعيب والحِيل والغش!
فلماذا استخدم محمد هذه الصفة المرعبة من صفات إلله؟ وما هو السبب والغرض من إظهار القدير بمظهر «خير الماكرين» في القرآن؟ نجد الإجابة من الآيات التالية في القرآن آل عمران 3: 52-53، حيث ترك محمد لله ذاته أن يشرح ويحل هذه الأحجية والعرقلة اللاهوتية، ويكشف عن الخديعة الكبرى التي قام بها الله في تاريخ العالم.-7حَدِيثُ الله إِلَى الْمَسِيح
«55 إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 56 فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ» سورة آل عمران 3: 55 و56.
تحتوي هذه الآيات أحد الأقوال الأربعة التي ألقاها الله إلى المسيح أو عنه في القرآن 55/1. وأعلن الله فيها للمسيح أنه يتوفّاه ثم يرفعه إليه. هذه هي خديعة الله الكبرى أنه أنقذ المسيح من الصليب! كان المسيحيون قد أخبروا محمداً بأن المسيح مات على الصليب موتاً مريعاً، فاعتبر هذا القصاص الصارم غير لائق برسول الله. وكان يعتقد أن الله القدير لن يَدَع المسيح الأمين يسقط حتى يُصلَب. فقد كان عيسى حسب القرآن صالحاً زكياً ومنزَّها عن الخطأ، وأيضاً الله هو صالح وأمين في ذاته. لذا كان من غير المعقول لمحمد أن يحكم الله العادل على المسيح البريء بالموت على الصليب. فلا بد أن ينجّيه من هذا العذاب، وإلاّ لكان الله قد تخلَّى عن أمانته.
55/1 - آل عمران 3: 45 الخ و55 الخ، المائدة 5: 115 الخ و116 الخ
افتكر محمد أنه لو كان الله سمح بأن يُصلب المسيح، فيمكن أنه يواجه هو نفسه نفس القضاء، لذلك أكَّد محمد على عدم إمكانية الصلب، فادَّعى أنّ الله ألقى على المسيح نوماً، ثم أرسل ملائكته لتصعده إليه مباشرة. ويحتمل القول مُتَوَفِّيكَ معنىً مزدوجاً فيعني أن المسيح نام فقط، أو أنه توفيوفاة سلام كما يقولون عن الشيخ الكبير عند موته «رقد في سلام» 55/2.
55/2 - اختلف المفسرون المسلمون في معنى «الوفاة» لقد ذهب ابن عباس إلى أن «إني متوفيك» يعني: أني مميتك جامع البيان، ج 3، ص 290
وفي رواية عن وهب بن منبه: «توفى الله عيسى بن مريم ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه إليه» جامع البيان، ج 3، ص 291
يضيف ابن اسحاق أن «النصارى يزعمون أنه توفاه سبع ساعات من النهار ثم أحياه الله» نفس المصدر مفاتيح الغيب، ج 8، ص 67، ابن كثير، ج 1، ص 360.
وأما الطبري نفسه فيرى: «وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ» جامع البيان، ج 3، ص 291 هكذا حرّف المفسرون معنى الآية «إني متوفيك» وأسندوا تحريفهم هذا على الإسرائيليات راجع القصص الواردة في تفسير الطبري: جامع البيان، ج 3، ص 290الخ.
استعمل محمد هذه الكلمة ليُرضي النصارى، لأنها تقبل التفسير بأن المسيح مات حقاً. وفي ذات الوقت أكَّد الصيغة الإسلامية لأتباعه المسلمين أنّ المسيح نام فقط ثم رُفِع لله. قصد محمد استرضاء كلا الجانبين. إنما عزم على تجنب صلب المسيح مهما يكلف الأمر، فأنكر في هذه الآية كما في آيات أُخَر حدوث صلب المسيح التاريخية سورة النساء 4: 157، فاعترف بدهاء أن المسيح قد مات، لكنه لم يُصلَب. هذا هو المنوال الذي ينتهجه الإسلام: فيقبل بعض اعتقادات المسيحية المهمة مثل ولادة المسيح من مريم العذراء، ومعجزاته البارعة وأنه مشرع بسلطة إلهية وأنه حي عند الله، إنما يرفض محمد بتاتاً بنوَّة يسوع لله، وموته الكفاري على الصليب. وحتم على هذا التلاعب بالادعاء أن الله خير الماكرين لأنه خلَّص المسيح من الصليب.
لم يدرك محمد سبب أو هدف الصليب، ولم يميِّز أن الله المُحِبُّ هو أيضاً القدوس في آن واحد. لم يخطر على باله أنه ينبغي على القدوس أن يحكم على كل خطية، ويدين أخيراً الخاطئ. لكن الله بذات الوقت يحب الخطاة، ويشتاق أن يخلِّصهم. لم يستطع محمد أن يتصور هذا التناقض في كيان الله الداخلي. فحل هذه المعضلة بنفسه نيابة عن البشر، وذلك بتجسد المسيح حتى بقي إنساناً واحداً بلا خطية ليستحق النيابة عن الخطاة أجمعين. فالمسيح وحده كان مؤهلاً بسبب ولادته من الروح القدس وصار «حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ» يوحنا 1: 29.
إن الإسلام لا يسمح بفكرة بديلٍ يحمل ذنوب الآخرين ودينونة الله عنهم. فالله يسيطر على كل شيء، ويغفر لمن يشاء وقتما شاء وأينما شاء. الله حر وغير محدود بأي مبادئ أو قانون. وهو ليس شخصاً أو أباً يشتاق إلى خلاص أولاده، وليس الله محبة فلا يبالي أن يتجسد كي يموت بدلا عن الخاطئ. لهذه الأسباب بقيت ضرورة حدوث الصلب غير منطقية ومحجوبة عن المسلمين.
يفترض المسلمون أيضاً أنه لا حاجة إلى الصليب لأنهم لا يرون أنفسهم خطاة هالكين مستوجبين الهلاك. مع العلم أنهم يعترفون بأن جميع الناس يرتكبون خطايا ومنها الكبائر ومنها الصغائر. وهم يحاولون محوها بصلواتهم وصومهم، غير أنهم لن يعتبروا أنفسهم خطاة محكوماً عليهم مرفوضين من الله القدوس. ويثقون في برّهم الذاتي المؤسس على أعمالهم الصالحة المزعومة. ولا يظنون أنهم بحاجة إلى مصلوب ليكون نائباً عنهم. فتبقى حقيقة الخلاص بموت المسيح الكفاري ونوال البرّ الإلهي المعد لهم بالنعمة محجوبة عنهم. لا يؤمنون بالخلاص بالإيمان، لكن يظنون أن أعمالهم الصالحة سوف تبررهم، راجين أنها ستزيد وزناً عن خطاياهم في الميزان يوم الدين. لذلك يظل الصليب حجر عثرة للمسلمين 1كورنثوس 1: 18-25.
اضطرّ الله في الإسلام أن يكشف عن وجهه وروحه أمام صليب المسيح ويعلن أنه خير الماكرين الذي أنقذ المسيح من الصليب وألقى السُّبات عليه قبل أن يرفعه إلى السماء. يخبرنا الكتاب المقدس بتحديد دقيق مَن هو الأحيل والأمكر في كل الخليقة. ويعلمنا سفر التكوين أن الحية كانت أحيل جميع الحيوانات في الجنة التكوين 1: 3. تخبرنا هذه الكلمات القاسية الفاحصة مَن هو الله في الإسلام. إنه ليس إلوهيم، بل ينتحل اسمه [إلوهيم كلمة عبرية تعني الله] ويتحدث على لسانه بينما هو ليس الله حقيقةً. إنه روح أشد نجاسةً ومكرًا. وأراد إنكار حقيقة الصليب التاريخية واستبعاد هدفها وإمكانية حدوثها ونتيجتها. هذه الخديعة الكبرى المكتوبة في القرآن ليست بالخديعة البسيطة أو السهلة، فأراد محمد أن يقتلع عود الصليب من جذوره ويمحو نتيجة الخلاص محواً تاماً. وهكذا اضطر روح الإسلام أن يعلن عن ذاته في مواجهة الصليب بوصفه خير الماكرين. لم يستوعب محمد أن المسيح قد انتصر على الشيطان والموت وكل قوات جهنم بموته على الصليب وقيامته. فغشّت قوى الشر محمد واستعملته لينكر حقيقة الصليب التاريخية وإمكانيتها حتى لا يدرك جل المسلمين أن قوات الشر قد هُزِمَت بالفعل. كانت خديعة محمد في الواقع مجادلة دفاعية من القوات الشيطانية التي ما أرادت أن يعرف البشر بمن فيهم المسلمون عن نصرة المسيح المكتملة. لذلك جعلت محمداً يعلن أن المسيح نام ومات في سلام، وكأن النصرة الإلهية التي تمت على الصليب لم تحدث قط سورة مريم 19: 33.
يقترح بعض الفلاسفة، المسلمون والمسيحيون العصريون حلاً في مواجهة هذا الاختلاف الجذري أنّ عندهم الحل وإمكانية التوفيق بين شتى المعتقدات، فيقولون إن محمداً لم ينكر موت المسيح على الصليب، ويفسرون أن الآية من سورة النساء 4: 157 لا تعني أن المسيح لم يمت أو لم يُصلَب، ولكنهم يدّعون أنه لم يُصلَب على يد اليهود، إنما على يد الرومان. فاليهودية كانت تحت الاحتلال الروماني في أيام المسيح. ولم يكن لهم حق الحكم على أحد بالموت. وإن كانوا قتلوا المسيح فإنهم لم يصلبوه بل رجموه بالحجارة. ويضيف هؤلاء الفلاسفة أن الرومان صلبوا عدداً هائلاً من اليهود أمام أسوار القدس، وأن المسيح كان واحداً منهم . وبهذه الألعوبة الفكرية يحاولون إرضاء كلاً من المسلمين واليهود والمسيحيين ! ولكن هذه النظريات ما هي إلا محاولات دمجية توفيقية Sncretism لتوحيد الأديان وليس لها أساس في الفكر الإسلامي، ولا تتماشى مع هدف محمد الأصلي. فما كان محمد ليوافق على فكرة صلب نبي بمشيئة الله، بل رفض هذه العقوبة المستحيلة له. فلم يقبل أن يلحق بنبي آلاماً أو عاراً، نظراً لموقفه الشخصي.
كان محمد تاجراً محنكاً، وأراد إرضاء النصارى وحاول وضع العسل في أفواههم. فبعد أن أنكر عقيدتهم الرئيسية، حاول تهدئتهم باعترافه أن المسيح حي حتى في الإسلام. فقبر المسيح بقي فارغاً حسب القرآن. المسيح حي! ولكن هذه الحقيقة المدهشة لا يعالجها المفسرون المسلمون لأنها تسند العقيدة المسيحية. رغم أن القرآن يؤكدها مرتين سورة آل عمران 3: 55< سورة النساء 4: 158
55/3.
55/3 - في سلسلة الفتاوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية صدرت الفتوى المرقمة 1621 المؤرخة في 7/11/1396 الموافق 1976 إجابة عن السؤال إذا ما كان عيسى ابن مريم حياً أو ميتاً وأين هو اليوم. قال الشيخ صفوت الشواذفي: إن عيسى ابن مريم حي ولم يمت إلى اليوم، ما قتله اليهود ولا صلبوه ولكن شبه لهم، بل رفعه الله إليه جسداً وروحاً، وأنه في السماء إلى اليوم وذلك من رحمة الله له وإعلاء شأنه، وليس لله في عيسى آية أعظم من أول أمره إلى آخره كما جاء في قوله تعالى: «بل رفعه إليه» فتاوى اللجنة الدائمة، ص 98، مكتبة السنة، القاهرة 1991.
يواجهنا هذا الاعتراف بجوهر باهر: أن محمداً ميّت، أما المسيح فحي! إن قبر محمد لا زال مشغولاً بصاحبه، ويزوره كثير من المسلمين في المدينة ويأملون أن عظامه لازالت موضوعة هناك. لا يدّعي العلماء المسلمون أن محمداً في الجنة، بل هو ما برح ينتظر يوم الدينونة في البرزخ. لذلك يتعين على كل مسلم أن يصلي لأجله كل مرة يلفظ اسمه قائلاً: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً سورة الأحزاب 33: 56. فلا يسكن محمد في سلام بعد، بل ينتظر مع الخطاة الباقين يوم القيامة حين يواجه هو أيضاً الدينونة. المسيحية هي عقيدة الحياة، وأما الإسلام فهو دين الموت. إن مؤسس المسيحية حي، أما مؤسس الإسلام فميت. كل من يتبع المسيح يدخل الحياة الأبدية، وكل من يتبع محمداً يمضي إلى دينونة وموت أبدي.
تمادى محمد في تلاوته حسب سورة آل عمران 3: 55 حتى أكَّد للنصارى أن المسيح حي حقاً، ولا يسكن في السماء الثالثة أو الرابعة أو الخامسة أو السادسة، بل هو قريب لله المجيد. فقال الله لعيسى: «إِنِّي ... رَافِعُكَ إِلَيَّ». يُعَدُّ هذا الإعلان أقوى حجة استعملها محمد ليستميل النصارى للإسلام.
وجدير بالذكر أن المسلمين لا يعتبرون هذه الكلمات صادرة من محمد، بل يؤمنون أنها جاءت من عند الله رأساً. فيقبل المسلمون هذا الكلام عن موت المسيح وصعوده إلى الله وحياً إلهياً وتأكيد لحضور المسيح ابن مريم الدائم في الحضرة الإلهية.
قال الله: «إِنِّي.. رَافِعُكَ إِلَيَّ». هذا الوعد يفوق وعد الملاك جبرائيل في سورة آل عمران 3: 45 بأن المسيح سيكون من المقربين لله. بل يعني أنه يحيا الآن مع الله القدير مشاركاً في قداسته وجلاله. نجد في هذه الآية القرآنية مجالاً فسيحاً للعقيدة المسيحية الخاصة بواسطة المسيح الشفاعية كرئيس كهنة أمام عرش الله القدوس. إنّ المسيح يبرر ويشفع في كل حين من يؤمن به. لا يؤمن المسلمون بامتياز المسيح بالشفاعة، ولا يدركون أن حَمَل الله قد صالحنا مع الله. ويزعمون في سيرة النبي عن ابن هشامأن المسيح موجود في السماء الثالثة بصحبة يحيى يوحنا المعمدان، وأن كليهما يسكنان بالقرب من آدم، أدنى من موسى وإبراهيم بكثير. ليس المسلمون مستعدين أن يؤمنوا بما ورد في القرآن على لسان الله : «إني.. رافعك إليّ!» بيد أن المفسرين المسلمين أحياناً يؤيدون تنزُّه المسيح عن الخطأ ويقولون - بالتلميح لا بالتصريح - إنه من أعظم الأنبياء ورسل الله في تاريخ البشر البخاري، توحيد 19< مسند ج 1 و281.
ويتابع الله حديثه في القرآن فيقول: «وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذِّينَ كَفَرُوا اليهود وَجَاعِلُ الَّذِين اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِين كَفَرُوا إِلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ» سورة آل عمران 3: 55.
أراد محمد إرضاء أسقف كنيسة وادي نجران ووفده واستمالتهم للإسلام بتصريحه أن النصارى هم أعلى فئة بين الناس. وكان محمد قد أقرَّ في أكثر من موضع في القرآن أن النصارى يمتازون بميزات خاصة وبروحٍ لا يتمتع به أحد في العالم أجمع سورة الحديد 57:27.
حين اضطهد أهل مكة المسلمين الأوائل، شجع محمد نحو ثمانين منهم على الإلتجاء إلى الحبشة، حيث منحهم المسيحيون الأمان واعتنوا بهم وسددوا أعوازهم. بل وحتى دافعوا عنهم ضد مالكيهم في مكة ولم يسلموهم إلى أيديهم. لكنهم لم يبشروا اللاجئين المسلمين بجانب معونتهم الإنسانية ومساعدتهم المادية. وهكذا دعَّموا بشكل غير مباشر قوى ضد المسيح، لأنّ معونتهم لم تكن مصحوبة بالكرازة بالإنجيل. وكان ينبغي على المسيحيين في الحبشة أن يوفروا الأمان للاجئين المسلمين، لكنهم أخطأوا حينما لم يبشروهم. وكتب محمد على أساس هذا أن الله قد وضع في قلوب أتباع المسيح رأفة ورحمة سورة الحديد 57: 27. قد لاحظ محمد أنّ المسيحيين نالوا قوة روحية من صميم إنجيل المسيح تعينهم على إنكار ذواتهم وعلى خدمة الضيوف المُضطهَدين بالإخلاص، فحموهم من مضطهديهم. ولم يقبل نصارى الحبشة هدايا تجار مكة الأثرياء، ولم يكسبوا شيئاً سوى اللاجئين أنفسهم. وترك هذا التصرف الغريب عميق الأثر في صدر محمد، ولكنه لم يدرك سبب إحسانهم كما أوضحه الرسول بولس في رسالته قائلاً: «إِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا» رومية 5: 5. كان محمد قد لاحظ عن بُعد سرّ الكنيسة المسيحية، وهو أن يسكن روح الله في ضعف أعضائها، خالقاً فيهم محبة وفرحاً وسلاماً وطول أناة، مع ثمار روحية أخرى. ولم يفهم محمد أيضاً أن موت المسيح الكفاري وصعوده إلى الله هما السبب لانسكاب الروح القدس على المؤمنين التائبين. فلم يعِ سر إيماننا المسيحي: «مَنْ لَهُ الِابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ» 1يوحنا 5: 12. شعر محمد بالواقع الروحي فقط غير أنه لم يستطع إدراك جذوره وأسبابه.
ثم بعد أن عظَّم محمد النصارى ورفعهم فوق كل كفار، انهال عليهم بضربة شديدة، كي لا يتكبروا. فقد قال على لسان الله:
55 «ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمْ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».
غضب محمد على النصارى جميعاً لأنهم اختلفوا في آرائهم وقوانين إيمانهم، فأعلنت إحدى الكنائس أن مريم هي أم الله، بينما اعتبرتها جماعة أخرى مجرد أَمَة من إمائه تعالى. وشدّدت بعض الكنائس على أن المسيح هو ابن الإنسان، بينما نبَّرت أخرى على أنه ابن الله أو الله المتجسد. ثم إن بعضهم قالوا: لا يمكن أن الله يموت، واستنتجوا أن يسوع لم يمت يقينًا بالجسد على الصليب، بل ظهر كما لو كان مصلوباً. غير أن آخرين حاربوا هذه البدع وأصرّوا على صحة موت المسيح على الصليب وواقعيته بكل حذافيره. استاء محمد جداً من هذه الاختلافات العميقة بين النصارى حول معتقداتهم الجوهرية. ولم يستطع أن يقرأ التوراة أو الإنجيل لأنهما لم يكونا قد تُرجِما بعد إلى العربية. وكان يعتمد على شهادات النصارى القبط والسريان المتضاربة< فلم تجمعهم وحدة واحدة. وفطِن محمد أيضاً إلى أن بعض المؤمنين من النصارى يظنون أنفسهم أفضل من غيرهم، وازدروا ببعض الجماعات، بينما تكاتف آخرون معاً وامتدحوا كنيستهم مدَّعين أنها الفضلى. فأنذر محمد النصارى على لسان الله بأنه سيحكم عليهم لعدم اتحادهم. ياله من تحدٍ لجميع المسيحيين! صلى المسيح أن يكون جميع أتباعه واحداً، كما أن الثالوث القدس واحد يوحنا 17: 21 و22. غير أن محمداً اضطر أن يحذرهم بأن الله سيحكم عليهم يوم القيامة لأنهم لم يكونوا واحداً. فاصبح محمد منذراً حقاً لأتباع المسيح.
يؤمن المسلمون بقيامة الأموات يوم الدينونة. ولا يستطيع أحد بحسب الإسلام أن يتيقن من غفران خطاياه قبل هذا اليوم الأخير. لهذا ينتظر أتباع محمد الساعة الحاسمة بشك عميق والخوف المستمر يملأ قلوبهم. ثم يجيء الله أخيراً ليحكم ويفصل المسلمين الصالحين عن الطالحين، ثم يرمي بهم مع جميع الكفار إلى لهيب الجحيم. ولم يصل المسلم بصلاحه إلى درجة صلاح الله، لذا يتعين على كل مسلم ورود جهنم. وقد نبَّر محمد على هذه الحقيقة المُرّة التي تكسر الأفئدة بأن قال: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا» سورة مريم 19: 71 و72 55/4.
55/4 - يورد النسفي في تفسيره لهذه الآية حديثاً يؤيد في الظاهر ما جاء في الآية ولكنه يهوّن الأمر في نفس الوقت وتولي الآية معنى يناقض تماماً نصها «قال رسول الله: الورود الدخول، لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، وتقول النار للمؤمن: جُز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي» مدارك التنزيل، ج 3، ص 42 اسطنبول بدون تاريخ.
وإجابة عن سؤال أحد القراء بشأن هذه الآية قال الشيخ عطية صقر بأن في «ورود النار» حكمة، وذلك أن المؤمنين المسلمين في زعمه يطلعون على جهنم ليشكروا نعمة الله لدخولهم الجنة وقد صح أنها تكون عليهم برداً وسلاماً منبر الإسلام، العدد 4، ص 108، القاهرة 1994
كيف تتجاسر الديانة الإسلامية الإعلان بأن جميع تابعيها سيدخلون جهنم حتماً! فلا ضمان للمسلمين بغفران خطاياهم، ولا يملأ قلوبهم رجاء أكيد بأنهم سينالون حياة أبدية. ولا يسكن الروح القدس فيهم، وما من معزٍ إلهي يطمئنهم بأن تبريرهم قد تم. فينبغي عليهم أن يصلّوا ويصوموا ويؤدوا الزكاة ويقوموا بالحج والعمرة< ليرحمهم الله بعد أن تكون قد احترقت أشلاؤهم في جهنم. وهذا التخويف مكتوب في القرآن ذاته!
أما مَن يَستَشهد مِن المسلمين في الجهاد فلهم فقط رجاء دخول الجنة مباشرةً جزاءً لتضحيتهم بأنفسهم في سبيل الله. وهم بالحقيقة ينتظرون عبثاً تتميم الوعود لهم من لذيذ المأكل والمشرب والمُتَع الحسِّية: «إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ» رومية 3: 23. كل من يرفض المصلوب ليس له رجاء، أما الذين يحبونه ويؤمنون به فيفهمون قول الرسول بولس: «الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ» كولوسي 1: 27. ويؤكد لهم المسيح أن كل من يؤمن به لن يُدان، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة الأبدية يوحنا 3: 18.
يحذر الله بذاته في القرآن المؤمنين مستعملاً كلمات درامية: «فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ» سورة آل عمران 3: 56.
بعد التفسير الإسلامي لموت المسيح وصعوده إلى الله، حذَّر محمد الوفد النصراني من أن يشكوا في صحة رسالته، ووصف عقوبة الله الصارمة التي ستحل على كل الكفار في الدنيا وفي الآخرة 56/1.
56/1 - إن العذاب الذي يحل عليهم في الحياة الدنيا أن يحبسوا ويذلّوا ويدفعوا الجزية قول الخازن والنسفي في مجمع التفاسير، ج 1، ص 508.
تأمر الشريعة الإسلامية المسلمين بقتل الكفار إن لم يقبلوا الإسلام. وبعد أن ذبح المسلمون في غزواتهم عشرات الآلاف منهم، وجدوا أن سفك الدماء بهذا المقدار كان مريعاً وبلا نفع. فقرروا أن يبيعوا عبدة الأرواح وخائفي الأصنام إلى اليهود والنصارى بيع العبيد، فيستفيد المسلمون مالياً من تجارة الرقيق هذه. ويرث عبدة الأصنام جهنم في كل حياتهم التي يقضونها عبيداً لأسيادهم من المسلمين واليهود والنصارى، والعذاب بدون نهاية في الآخرة أيضاً. يعتبر المسلمون العبودية عقاب الله للكفار وفقاً لشريعتهم. وللأسف الشديد فقد موّل النصارى الذين اشتروا العبيد انتشار الإسلام بإثرائهم تجارة الرقيق الإسلامية. ولم تكن هذه كلمات فارغة بلا معنى حينما نطق بها محمد. بل قصد الهجوم على كل معترضي الإسلام والتغلب عليهم كي تبدأ لهم جهنم العبودية في هذه الدنيا. وكان محمد يتنبأ أيضاً أن يدخل كل الكفار والوثنيون المناهضون له الجحيم وسوف لا يجدون معيناً. تشمل هذه النبوة الإسلامية المسيحيين أيضاً فلا يستطيع المسيح مساعدة كل من ليس بمسلم. وكذلك فإن القديسين لن يستطيعوا مساعدتهم، بل إن محمداً ذاته لا يستطيع مساعدتهم ما لم يدخلوا الإسلام. اعتقد المسلمون انهم حين يضعون ضغوطاً على النصارى واليهود وعبدة الأرواح أنهم يتممون بهذا القصاص مشيئة الله. ويعيش اليوم أكثر من خمسين مليون مسيحي في بلاد إسلامية كمواطنين من الدرجة الثانية، ويقاسون ألوان الحرمان والمذلة في حياتهم لمجرد أنهم لازالوا يؤمنون بابن الله المصلوب.
إن النقطة الحاسمة والحرجة في هذه الآيات هي كلمات الله: «أُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ». فيظهر أن الله بالذات هو المعذب الذي يعذب غير المسلمين بعذاب أحمر في هذه الدنيا وفي الآخرة. ليس الله في الإسلام محبة أو طويل أناة، بل يأمر كل إنسان ليستسلم ويخضع للإسلام طوعاً كان أو قهراً دون شروط. وإن لم يقبل غير المسلمين الإسلام، ينتظرهم عذاب مريع في الدنيا وفي الآخرة. وسيُصلى المسيحيون الذين لم يقبلوا الإسلام في نار جهنم، وكل مرة يتقشَّر عنهم جلدهم المحترق، ينالون جلداً جديداً حتى يقاسوا عذاباً أبدياً.
قصد محمد يهذا التحذير إخافة الوفد النصراني وهزهم لكي لا يرفضوا الإسلام والعرض الذي قدَّمه لهم. وكان محمد قد كرَّمهم بل وعلَّى من شأنهم كمسلمين. غير أنه واجههم في اللحظة الأخيرة بواقع الإسلام الحقيقي. وكان المسلمون على أهبة الاستعداد أن يُنزِلوا عقاب الله بالنصارى إن لم يقبلوا الإسلام حالاً.
ينتهي حديث الله إلى المسيح في سورة آل عمران بهذه الكلمات المرعبة المحبطة. لم يسمع المؤمنون كلمة منعشة عن الله محبة، ولا دعوة للخلاص المعدّ لهم، ولا وعداً بقلب جديد أو إيضاحاً عن حلول روح جديد فيهم، بل كل ما يجدونه في القرآن هو تهديد وترهيب لغير المسلمين. فلا يستسلم معظم المسلمين لله بالمحبة أو الإرادة الحرة أو الاقتناع الداخلي، بل يؤمنون به بالخوف ويخضعون له بالرعب المحض. كان هذا التحدي الخلاصة الإلهية للوفد النصراني من وادي نجران. فالإسلام لا يعني إلاّ الخضوع أو الاستسلام لله ولرسوله التنفيذي، لا أكثر ولا أقل!-8خلاصة المباحثة على لسان مُحَمَّد
بعدما انتهى محمد بتلاوة حديث الله، بقيت أمام سامعيه صورة مرعبة عن قاضٍ لا يرحم بل يعذب. عندئذ قلب محمد الصفحة وبدأ يُحرّض المسلمين والمسيحيين لفلاح الإيمان وشرح كيفية نوالهم ثواباً سماوياً رائعاً.
«57 وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 58 ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ 59 إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 60 الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 61 فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» سورة آل عمران 3: 57-61.
يزعم محمد في الآية 57 أن المسلمين المؤمنين الذين يقومون بأعمال صالحة سينالون أجرهم وافياً من الله. ويُعتَبر الثواب الإلهي أجراً يُدفَع، مثل ذاك الذي يتقاضاه المرء بعد أتعابه أو في معاملة تجارية. فالإسلام دين مبني على التجارة، يحصل كل واحد فيه أجره حسب قيامه بالأعمال الصالحة. أما الله فيوصف خفياً بأنه تاجر يجازي كل من يقدم له خدمة حسنة بالبركات. وإذا لم يتم تقديم أعمال صالحة أو صلوات بانتظام، فإنه لا يمكن توقع أي منافع من القدوس. لذلك يظهر الخلاص بالنعمة غير منطقي للمسلمين، لا بل يبدو أمراً غير عادل لهم. فالله لا يسيء إلى الصالحين بتخليص الآثمين.
أصرَّ محمد على أنّ الله لا يحب الظالمين الأثمة وفاعلي الشر، وأعلن هذا القرار بعبارات قوية صريحة. فقد ورد في القرآن ثماني عشرة مرة أن الله لا يحب الظالمين 57/1، وورد فيه أيضاً أنه يحب المسلمين الكرماء والمقاتلين الأمناء وكل من ينفذ الشريعة الإسلامية 57/2.
57/1 - البقرة 2: 190 و205 و276، آل عمران 3: 32، 57، 140، النساء 4: 36، 107، 148، المائدة 5: 64، 87، الأنعام 6: 141، الأعراف 7: 31، 55، الأنفال 8: 58، النحل 16: 23، الحج 22: 38، القصص 28: 76، 77، الروم 30: 45، لقمان 31: 18، الشورى 42: 40، الحديد 57: 23
57/2 - البقرة 2: 195، 222، مكرر آل عمران 3: 76، 134، 146، 148، 159، المائدة 5: 13، 42، 93، التوبة 9: 4، 7، 108، الحجرات 49: 9.
ويحسب المسلمون النصارى تحت الفئة المرفوضة من غير المخلصين، لأنهم يخالفون الشريعة بإيمانهم بوحدة الثالوث 57/3 وأما اليهود فتمكث عليهم لعنة الله حسب الإسلام لأنهم لم يفوا مطالب عهدهم. أما المسلمون فينالون إحسان الله إن أكملوا الصالحات. لذلك يجب عليهم أن يصلّوا خمس مرات يومياً، ويصوموا شهر رمضان، ويقوموا بالحج إلى مكة مرة في حياتهم، ويتصدقون على الفقراء، ويجهادون في سبيل نشر وتقدم الإسلام في العالم. هذا هو ما يرضاه الله! ولا تعني الأعمال الصالحة أن ينكر المسلم ذاته، أو يصير خادماً مخلصاً لغيره، لأن الأعمال الصالحة عنده هي أولاً تنفيذ فرائضه الشرعية والانخراط في الجهاد سورة المائدة 5: 111< الأنفال 8: 40< الصف 61: 4.
57/3 - يقول الإمام أحمد رضا خان برلوي إن إهانة الرسول «المقدس» عقابها حسب القرآن والسنة والإجماع وكلام المفسرين هو القتل الأنفال 8: 13 عقوبة تحقير النبي، ص 22 معهد رضا Stockport انجلترا.
يشير القرآن إلى أن الله لا يحب فعلة الشر، فقد ورد بتفصيل شديد أن الله لا يحب الظالمين سورة آل عمران 3: 140، ولا الآثمين سورة النساء 4: 107، ولا المُفسدين سورة المائدة 5: 64، ولا المعتدين سورة المائدة 5: 87، ولا المسرفين سورة الأعراف 7: 31، ولا الخائنين سورة الأنفال 8: 58، ولا المستكبرين سورة النحل 16: 23، ولا كل كفور سورة الحج 22: 38، ولا الفرحين سورة القصص 28: 76، ولا الكافرين سورة الروم 30: 45. أما الإنجيل فيصرّ على عكس ذلك: «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» يوحنا 3: 16. فلو أن الله لم يحب جميع الظالمين ما كان قد أحب أحداً، ولو أنه لا يحب الخطاة ما يتأكّد أحد من أن الله يحبه. «وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» رومية 5: 8. وهكذا يظهر أن كل البشر من رجال ونساء هم فاعلو شر في نظر الله. وهذا يعني أن الله في الإسلام لا يحب أحداً، ولا حتى المسلمين، لأنه لا يحب الآثمين.
استشفَّ محمد من ملامح وردود سامعيه أن أسقف نجران وأعضاء كنيسته لم يقبلوا وَحْيه ولا نُبوته. وربما كانوا قد قالوا لمحمد إنهم قد يوافقون على بضع مبادئ محددة من حديثه، ولكن أغلبية حديثه جاء مختلفاً عن نصوص الكتاب المقدس أو متعارضاً معها. فاستاء محمد وأعلن في الآية 58 أن كل ما كان يتلوه عليهم هو وحي الله الصحيح مباشرة ومن آياته السرمدية، ودعا عبارات القرآن آيات بمعنى معجزات وبيِّنات وزعم أن الملاك جبريل منحه بصيرة نافذة في الأحداث التاريخية الماضية أدقّ مما يجده النصارى مكتوباً في كتابهم. وأن المواضع التي اختلف فيها الملاك جبريل القرآني مع أخبار الكتاب المقدس قد حرّفها المضلّون عمداً أو سهواً. ثم قطع محمد كل مناقشة وأقحم خلاصة حاسمة لتلاوته في الآية 59:
«إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» سورة آل عمران 3: 59.
ماذا يعني هذا الادعاء القاطع الذي يُكثر المسلمون من ترديده؟ إنهم يخبرون المسيحيين به أن هناك ثلاثة أشخاص في تاريخ العالم أتوا للوجود دون أبٍ، هم آدم، الذي خُلِق من تراب، وحواء، التي صُنعِت من ضلع آدم سورة النساء 4: 1< الأعراف 7: 189< الروم 30: 21< الزمر 39: 6< الشورى 42: 11، والمسيح الذي وُلِد من روح الله. وبهذا حطَّ محمد من قيمة عيسى وأنزله إلى مستوى سائر المخلوقات، وزعم أن ظهوره في الوجود بلا أبٍ ليس حدثاً فريداً. فهؤلاء الثلاثة بحسب الإسلام خُلقوا ولم يولدوا من الله الطبري ج 3 و295. ولكن إذ نتعمق في هؤلاء الثلاثة، نجد بحسب القرآن أن آدم تكوَّن من عدة مواد مختلفة، بينما المسيح من روح الله. وتكوَّنت حواء من ضلع آدم، بينما المسيح هو كلمة الله المتجسد. أخطأ كلٌ من آدم وحواء، لكن المسيح ظل بلا خطية. مات كلٌ من آدم وحواء، وأما المسيح فحي. شتان هو الفرق بين آدم الأول وآدم الأخير، حتى بحسب القرآن. فالمسيح هو كلمة الله المتجسد، ولم يُخلق من الطين بل وُلد من روح الله.
حاول محمد ثانية إقناع النصارى بأن رسالته من الله وناشدهم أن يتوقفوا عن عصيانهم وينتهوا من تمردهم، وزعم أنه يعلن حق الله الصافي. غير أن الأسقف ووفده لم يقدروا أن يقبلوا الخلاصة المتصنّعة التي قدّمها محمد، ورفضوا رسالته بأدب جَمّ بعد ثلاثة أيام من حوارهم معه.
اشتاط محمد غضباً من محاولته الفاشلة، وأدرك أنه انهزم أمام أشرف وأفضل وفد 61/1 زار المسلمين بالمدينة. وبدافع من غيظه والكراهية طالبهم بأن يدخلوا معه تحت حكم الله المباشر. وألح عليهم أن يسرعوا إلى ديارهم بشمال اليمن ويحضروا أبناءهم وزوجاتهم إلى المدينة. ثم يحضر محمد وقومه المسلمون مع أبنائهم وزوجاتهم ويضعونهم قبالة خصومهم النصارى. ويجب عندئذ على الطرفين الابتهال إلى الله ومطالبته بلجاجة أن يقضي على الكاذبين المتمردين على الحق، تماماً كما فتحت الأرض فاها وابتلعت بني قورح الذين ناهضوا موسى رسول الله قبل ألفي سنة العدد 16: 1-35.
61/1 - ابن هشام السيرة النبوية تحقيق مصطفى السقا وزملاؤه، ج 2، ص 224 القاهرة 1935.
اعتبر محمد النصارى بهذه المواجهة كاذبين لأنهم لم يقبلوه نبياً، ولم يؤمنوا بأن القرآن أدقّ وأصح الحق وأعلاه تطوراً. وكان هذا الإنكار لمحمد أعمق ازدراء وأشد احتقار له، وحَسِب رفضهم له ولرسالته عاراً عليه< لأن رفضهم يعني أنه نبي كاذب ومخادع. ولكي ينجو بنفسه من هذا اللوم الذي لا يمكن تلافيه، اِدَّعى أنه على حق وأن النصارى على خطإ، وأصرَّ على أنه يُعلن الحق كلّه، وأن النصارى هم المخادعون الذين يناقضون آخر وحي من الله ويقاومونه على الدوام. وليثبت صحة كلامه، دعا الأسقف ووفده للدخول في محنة بُغية اختبار يقين إيمانهم، وليزعزع اعتقادهم الداخلي الراسخ. لذا يتعين على كل مسيحي يريد الدخول مع المسلمين في حوار أو نقاش أن يتأكد من إيمانه الشخصي ويعرف بنوده جيداً، وإلاّ سيؤدي تحدي المسلمين له إلى تجربته في عُمق كيانه الروحي.
يكشف لنا التحدي الذي واجه به محمد وفد وادي نجران سراً آخر عن الإسلام، فعند المسلمين صلوات مبيدة ومهلكة، وأنهم يحاولون تدمير أعدائهم باستنزال لعنات الله عليهم. وينبغي أن لا نقلِّل من قيمة هذه اللعنات الإسلامية لأنها من ممارسة السحر الأسود الذي يستعملونه في مواجهاتهم الخاصة والسياسية والدينية. رفض في عام 1992 رئيس كينيا حزباً إسلامياً كان قد طلب الاعتراف به رسمياً للانتخابات. ولما أصرَّ أعضاء ذلك الحزب على تسجيل أنفسهم ووضحوا أنهم حزب إسلامي سياسي، جاوبهم أنه لا يريد أن يُشرك تجار رقيق في حكم بلاده. ولمَّا رفض الرئيس الاعتذار عن توبيخه الشديد لهم، بدأوا سلسلة من الصلوات طوال اليوم كله طالبين من الله إماتة الرئيس والإطاحة بحكومته على الفور. ودام هذا الأمر عدة أشهر. ولكن الرئيس لا يزال حياً!
وفي عام 1987 تحدى أحد شيوخ الإسلام الأتراك في مدينة برلين مبشراً مسيحياً أمريكياً حقق نجاحاً في تبشير المسلمين، أن يُحضر كل مَن معه إلى الملعب الرياضي. عندئذ يأتي هو ومن معه من المسلمين أيضاً. فتجمَّع الفريقان لهذه المبارزة، ووقف كل فريق منهما عند أحد الأهداف. وتمّت هذه المبارزة بواسطة ابتهالات، وأخذ المسلمون يلعنون المسيحيين لمدة ساعة بأعلى صوتهم طالبين إلى الله أن يهلك هؤلاء الغشاشين في الحال. وبارك المسيحيون من جانبهم لاعنيهم المسلمين، وتضرعوا إلى المسيح أن يخلصهم من كراهيتهم العمياء. وبعد ساعة بُحَّ صوت كلا الفريقين، فعادوا إلى بيوتهم والحزن يملأ قلوبهم.
نعود إلى أسقف وادي نجران فنرى أنه لم يقع في هذا الفخ، بل عاد إلى دياره هو وجماعته بعد أن فهموا من هو محمد وما هو الإسلام. ويتعيَّن علينا ملاحظة أن محمداً لم يصلِّ ضد قادة المسيحيين فقط، بل قصد هلاك أبنائهم وزوجاتهم الأبناء الذكور أولاً ثم الزوجات. فكثيراً ما يفكر المسلمون في العائلات وليس في الأفراد باعتبار الأسرة هي البنية الرئيسية. ولذلك لا يصبّون كراهيتهم على المبشرين والرعاة والأساقفة فحسب، بل على كل أفراد أسرهم وأعضاء كنائسهم. فكل من يجد نفسه مدعوّاً من الله ليخدم بين المسلمين فليضع نفسه مع كل فرد من أهل بيته وأقاربه تحت قوة دم يسوع المسيح الحامية. فليس لنا ملجأ سوى المسيح نفسه، وما من قوة تنقذنا من هجمات الشيطان عدا دم المسيح. لا تخشَ سحر الإسلام الأسود، لأن بركة المسيح أقوى من لعنة محمد! وكل من لا يسلّم حياته وخطاياه وماله ومصالحه بالكامل للمسيح الحي المُخلِّص، أفضل له أن يُحجِم عن الدخول في خدمة رومانسية مليئة بالمغامرات بين المسلمين، لأن التعامل مع روح الإسلام ينطوي على خطر كبير. لكننا في مأمن مع المسيح الذي هو ملجأنا، وبه نغلب غلبة أكيدة 1يوحنا 4: 4 و5.-9خُطْبَةُ وَدَاع مُحَمَّد لِلْوَفْد
«62 إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 63 فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ 64 قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» سورة آل عمران 3: 62-64.
انتهى النقاش الحاسم بين أسقف وادي نجران ومحمد بالمدينة نهاية مُرَّة. ولما هَمَّ النصارى الأشراف بالرحيل عن المدينة بعد ثلاثة أيام من الحوار تحدَّاهم محمد مرة أخرى برسالة نهائية، وحاول فيها أن يحفر في نفوسهم أن حديثه كان يحوي الحق الإلهي الخالص. ومضمون هذه الرسالة التي تلاها ثانيةً على الوفد هو خلاصة الحق الإسلامي، وقانون الفكر الإسلامي: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
هذه هي الشهادة الجوهرية في الحضارة والثقافة الإسلامية، والتي تُفسَّر على أنها ثيوقراطية، أي حكم الله المباشر. فكل نواحي ومجالات الحياة تتمحور حول الله القدير، العليم، الحكيم، الذي يرشد ويقرر كل شيء، وما من شيء يجري إلاَّ تحت سيطرته ومشيئته. لا يعرفه أحد ولا يفهمه أحد. هو الله المهيمن، العظيم، القهّار. وليس على البشر إلاّ السجود والركوع له كالعبيد.
لكن أسقف نجران وأصحابه كانوا قد أدركوا في كتابهم المقدس نوعاً آخر من إله يختلف عن الله في القرآن كل الاختلاف. فكانوا قد آمنوا بأبي ربنا يسوع المسيح، بالإله القريب الذي ارتبط بهم - وهم الخطاة المُبرَّرون - كأبٍ حنون صبور، تبنَّاهم وملأهم بروحه القدوس. يناقض مفهوم الإله الذي أعلنه المسيح الله الذي يعلنه محمد تماماً. يعلم المسيحيون من هو الله، فيدعونه: أبانا الذي في السموات ، بينما لا يعلم المسلمون من هو إلههم. إن إله المسيحيين هو محبة لانهائية، أما الله فبالرغم من رحمته، فهو قاضٍ صارم لا غير.
بدأ الأسقف أبو حارثة ابن علقمة والملك المسيحي العاقب عبد المسيح وكل الوفد في الرحيل بهدوء دون أن يوافقوا على أن محمداً هو النبي الصحيح لكل أبناء العرب ورفضوا إسلامه، فدعاهم محمد غشاشين، ومفسدين، وأثمة يلحقون الضرر بأنفسهم وبالعالم أجمع. لكنه تمكن من كبح جماح غضبه وخاطبهم مرة أخرى، مُنعماً عليهم بلقب أهل الكتاب. واعترف مرة ثانية بأن الله وهب النصارى هدىً إلهياً ونوراً سماوياً بما أوحاه في التوراة والإنجيل سورة المائدة 5: 46 فأقرَّ بل وقَبِل أنّ الستة وستين سفراً التي يتكوَّن منها الكتاب المقدس يمكن تلخيصها في عبارة واحدة وهو اسم يسوع المسيح. وألحَّ محمد على الوفد الراحل، بل وناشدهم ثانيةً أن يستديروا ويناقشوا معه هذا الشخص الفريد: كلمة الله المتجسد، الذي تتجمع فيه كل الكلمات الإلهية الأخرى.
إنما وضع محمد حداً لاعترافه على الفور، وكأنه يضرب بسيف ذي حدين. لا يستطيع المسلمون قبول المسيح على أنه شريك في المجد مع الله أو أنه ابن الله، كما أنهم لا ولن يقبلوه على أنه الله في ذاته. فليس بمقدورهم أن يقبلوا بشراً له جسد قابل للموت على أنه رب العالمين، فالله هو الواحد الأبدي الفريد. فَهِم محمد أن ثمة فروقاً بين المسلمين والمسيحيين غير ألوهية المسيح ومجيئه ليصالح العالم مع الله على الصليب، فانفصل محمد عن المسيح في آخر الأمر عمداً وعزماً. وبهذا يكون قد باعد بينه وبين الرب الحي الذي هو الطريق الوحيد، والحق الذي يخلّص، والحياة الأبدية. نبذ محمد ابن الآب السماوي، إلا أنه تابع مناداة الوفد الراحل بأن يعودوا للقائه مرة ثانية لمناقشة أسمى الأسماء: اسم عيسى.
لما رأى أن كل دهائه ومثابرته لم تفلح في تغيير رأي النصارى، طالبهم بقول أخير يؤكد فيه أن مسلمي المدينة هم المسلمون الحقيقيون الوحيدون الذين يتقون الله ويعبدونه مثل العبيد الخاضعين لسيدهم. لكنه لم يتلقَّ رداً من النصارى< فبعد ثلاثة أيام كانوا قد شرحوا كل شيء ولم يفهمهم أحد. وأغلب الظن أنهم حاولوا تبشير محمد، غير أنه لم يكن مستعداً لإنكار نبوَّته، فرفض أن يقبل المسيح كَرَبّه ومخلِّصه، وتمسَّك بإصرار أكثر بروحه المضادّة للمسيح.
تشير هذه الآية إلى النهاية المريرة لمناقشة طويلة أبدى فيها كلا الجانبين مثابرة عنيفة. إلاّ أن هناك اليوم ما يكفي من الحالمين والمثاليين بين صفوف المسيحيين المؤمنين والليبراليين على حدٍ سواء، الذين يظنون أن بمقدورهم حل جميع المشكلات بالمناقشة. ولكن هذه الأمنية الصالحة غير ممكنة مع المسلمين، فهُم مقتنعون بأنهم على حق وأن المسيحيين على باطل. ويرون إيمانهم مبنياً على وحي إلهي لا يناقش البتة، بل يُقبَل فوراً.
نقدّر نحن المسيحيين المسلمين حق قدرهم، ونقبلهم كما هم، حتى يفتح الرب قلوبهم وعقولهم. إنهم في احتياج ليعرفوا حقيقة الله الآب، وحينئذٍ يدركون حقيقة حياتهم النجسة تلقائياً، ويصبحون مستعدين لقبول حقيقة الخلاص المعدّ لهم أيضاً. نصلي أن يَرِفَّ الروح القدس على كل المسلمين فتنفتح عقولهم، وتنفكّ قلوبهم المقيدة بالسلاسل وقال الله: «لِيَكُنْ نُورٌ فَكَانَ نُورٌ» التكوين 1: 3 ، الأعمال 26: 15-18.-
الجزء الثانيالصدمة الكبرى-1حَقُّ المَسِيحِيِّين الشَّرْعِي لبقائهم فيِ بِلاَدٍ إِسْلاَمِيَّة
كان محمد تاجراً مخضرماً وباحثاً أصيلاً عن الديانة الحقة، وظن أنه تلقَّى وحياً سماوياً بواسطة الملاك جبريل، فاعتبر نفسه النبي المختار للعرب. وكافح بكلمات شعرية، وبوعظ مباشر، وبحيل ماهرة، وبأسلحة مُسنَّنة، ليكسب عبدة الأصنام واليهود الأذكياء والنصارى المستقيمين للإسلام. وليحقق هذا الغرض اجتهد ليتعلم ما يمكنه عن شريعة اليهود الذين استقروا في شبه جزيرة العرب. وقد سار على منوال اليهود فترةً وقلّد طقوسهم حتى طلب من المسلمين أن يتخذوا القدس الأقصى قبلةً لهم في بادئ الأمر ليكسب يهود المدينة للإسلام. ولكن لما سخروا منه واستهزأوا به وأخفوا عنه التفاصيل الكتابية شرع في اضطهادهم والقضاء عليهم قبيلة تلو الأخرى، حتى تلاشى اليهود من المدينة. وكردّ فعل لعنادهم أمر أن يتحوَّل جميع المسلمين عن بيت المقدس ويولّون وجوههم شطر الكعبة في مكة قِبلةً لصلاتهم. وبهذا التحول الجذري أسَّس للمسلمين الهوية الإسلامية الخاصة بهم.
وكان النصارى يتلقون من محمد معاملة مشابهة< فقد أكرمهم على لطفهم ورأفتهم في الحبشة بمن فرّ من المسلمين المضطهدين في مكة، وأقرّ أنهم صادقون غير مخادعين، متواضعون غير مستكبرين. غير أنه كان يُكِنّ لهم غيرة لأنه أحسّ بأنهم طبقة أعلى من سائر الناس سورة آل عمران 3: 55. فبذل جهده ليستميلهم وخاصة وفد وادي نجران النصراني إلى الإسلام. ووَعَى أنه سيفشل من الجهة الروحية لو لم ينجح في كسب هؤلاء القادة النصارى للإسلام بالحجج الماهرة والقصص الكتابية المقتبسة، وأدرك أن النصارى سيظلون مصدر تهديد على المسلمين بحججهم الأرقى وأسلوب معيشتهم المهذبة، الصادرة من محبتهم. وتمنى محمد أن يستغل هذه المواهب حتى حاول جذب النصارى إليه وعرض عليهم حقاً شرعياً كأقلية نصرانية في دولة إسلامية. وقد اعترف بهذا الامتياز أنهم تلقَّوا هداية إلهية ووحياً خاصاً من المسيح، الذي هو كلمة الله المتجسد. وحاول أن يرضيهم ويتسامح معهم ليقرّبهم من الإسلام عن طريق اللطف والإحسان، فقال:
«46 وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورُ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 47 وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» سورة المائدة 5: 46-47.
لقد دخلت هذه الآية الفريدة المهمة لكل المسيحيين الساكنين في بلدان إسلامية إلى شريعة الإسلام رسمياً ومنحتهم حق البقاء وأمناً إلى حد ما.
وكان السبب الروحي لهذا الإعلان أن محمداً اعتبر الإنجيل وحياً مباشراً من الله للمسيح ابن مريم واعترف بأنه يحتوي على الهدى الإلهي. نقرأ مراراً في القرآن أن الله يهدي من يشاء ويضلمن يشاء سورة الرعد 13: 27< إبرهيم 14: 4< النحل 16: 93< فاطر 35: 8< المدثر 74: 31. فيما يقبل المسلمون أن يحتوي الإنجيل على هدى إلهي، يقدرون أن يدركوا أن الجنة من نصيب النصارى بناءً على إرادة الله الظاهرة في هداه المتضمن في الإنجيل.
يدعم هذا التصريح العجيب لفظ آخر هو كلمة «نور». فكان محمد يلاحظ أن النور الروحي يشع من الإنجيل وهو نور شافٍ صادر من عند الله. لم يُرِد محمد أن يعترف بأن المسيح ذاته هو نور العالم، أو أن أتباعه يعكسون نوره كأنوار باهرة في دنيانا، لكنه لم يقدر أن ينكر أن النور المقدس يشرق من الإنجيل. فلا يمشي أتباع المسيح في الظلمة بل يتقدمون في النور إلى أبيهم السماوي.
تمادى محمد فصرح بأن إنجيل المسيح يصدِّق على التوراة بوصفه وحياً من الله. وكان يوضح في بداية هذه الآية أن المسيح أتى ليصدّق على أسفار العهد القديم مظهراً مرتين تثبيتاً لعصمة التوراة في هذه الفقرة. وكرر محمد اللفظ الإسلامي الرئيسي «هدى»، واستعمله كأساس توافقٍ منسجم بين التوراة والإنجيل. فلماذا يدّعي بعض المسلمين أن الكتاب المقدس محرَّف بينما يؤكد القرآن سلامته؟
وسمع محمد أن الإنجيل يتضمن موعظة خاصة وتحذيراً للمؤمنين، ولا يفطن إليها إلا الأتقياء الذين يتجاوبون بها. كان محمد قد حاول دراسة التوراة والإنجيل وراقب من خلالها حياة اليهود وسيرة النصارى بحرص شديد، فتعرَّف على الثمار الروحية النابعة من الهدى الإلهي وتعجّب خاصة بالسلوك المسيحي، فأراد تقريبهم إلى الإسلام بتسامحه الكريم وشحن اعترافه الأريب بعبارات مسيحية، فأطلق على النصارى اسم أهل الإنجيل، وهو اسم محترم، كان معناه أنهم دائماً يتحدثون عن العهد الجديد، وتملأهم كلماته فيعيشون بحسبها. بل حذر محمد بعض المتحررين من النصارى أنهم ليسوا على شيء حتى يقيموا التوراة والإنجيل سورة المائدة 5: 68. وأقر محمد بهذا الاعتراف ولو بطريق غير مباشر بأن الإنجيل ملآنٌ قوة إلهية تستطيع أن تقدّس قراءه إلى التمام.
ولما استتبَّ الأمر لمحمد في المدينة كحاكم ومُشرِّع وقاضٍ، أعلن أن للنصارى امتياز اتخاذ القرارات والأحكام الخاصة بشؤون جاليتهم وفقاً للمبادئ المكتوبة في الإنجيل. ولأجل هذا الحق، أرغم زعماء المسلمين بعدئذ، البطاركة والأساقفة في مختلف كنائس الشرق الأوسط، ليس فقط أن يقوموا بوظيفة القادة الروحيين، بل أن يمارسوا أيضاً بعض السلطة السياسية في رعويتهم فأصبحوا الممثلين السياسيين والقضاة وجباة الضرائب. وكان على الأساقفة أن يحكموا كنبلاء وأمراء مستقلين، يتمتعون بحريّة محدودة طالما عاشوا بتواضع وطاعة للشريعة الإسلامية في بلادهم. وكانوا يشرعون تنظيم الطقوس الكنسية وشؤون عائلاتهم ومسائل الزواج والميراث بحسب المعايير المكتوبة في الإنجيل. حتى وإن كانت هذه المبادئ على خلاف نصوص القرآن.
وشجع محمد رجال الدين النصارى أن يتصرفوا بصرامة في الحكم، وأن يقاطعوا جميع النصارى الذين لا يتمسكون بأحكام الإنجيل معتبرينهم متمردين فاسقين كافرين، لأنهم لم يُوَفُّوا المتطلبات الشرعية للبر الإلهي. فكل من وُلد مسيحياً في أغلب البلاد الإسلامية، كان عليه أن يعيش في ظل الشريعة الدينية لمجتمعه المسيحي. فليس له حرية أن يفعل ما يريده، بل عليه أن يحيا ويتزوج ويتصرف كمسيحي. أما حركة التعديلات مثل الإصلاح حسب الإنجيل مع تكوين الطوائف والشِيَع المتنوعة مثل البروتستانتية، فلا يُعتَرف بها. وينبغي على الأسقف أن يحارب أي دخلاء مثل هؤلاء المبشرين المتجددين الذين يحاولون إصلاح قطيعه.
ولكن هذه الحرية المحدودة المُباحة للنصارى لا تعني أنه مسموح لهم أن يبشروا المسلمين، فهذه المحاولة محسوبة فتنة أشدّ من القتل سورة البقرة 2: 217!
لا يمكن للمسيحيين أن يمارسوا مسيحيتهم إلا في حدود كنائسهم وداخل جدران بيوتهم. وكل من يتخطى هذه الحدود الدينية يلحقه العقاب السريع، إذ فرض المسلمون على هذا المجتمع المسيحي ألاّ يبشر المسلمين. هذا الالتزام هو أحد الأسباب التي تجعل الأساقفة والكهنة يمنعون أي كرازة مسيحية بين المسلمين. بل إنهم يبلغون بعض المرات السلطات الإسلامية عن هذه الأنشطة لينقذوا جماعتهم الخاصة من بطش الحكومة وعقابها الصارم.
حاول محمد إرضاء المسيحيين ليشعروا بالأمن والرضى تحت نير الإسلام، وفكر أنهم يقبلونه أخيراً لأنه الدين الأفضل. قد ينخدع مَن لا يعرف الإسلام حق المعرفة ويتعجب بهذه السماحة الكريمة والحرية المحدودة. لكن محمداً تصرف كذئب في ثياب الحملان، سالكاً كل الطرق الممكنة لجذب المسيحيين، ولأنه كان مقتنعاً بأن الإسلام هو أفضل وآخر دين، ظن أن كل إنسان عاقل لا يقدر إلا أن يقبل الإسلام عن طيب خاطر.
وبعد أن جرب محمد أفضل ما عنده من كلام، وكرم، ومنحٍ لحقوق قضائية، واستقلال محدود، وبعد تقديمه التبجيل والاحترام للنصارى، استبدّ به الحزن والغضب العميق. فقد أدرك أن القادة المسيحيين الأمناء، على الرغم من حسن استماعهم، بقوا مسيحيين ولم يقتربوا من الإسلام. فترجم رفضهم للإسلام على أنه إهانة واحتقار موجه له شخصياً، لأنهم لم يقبلوه نبياً ورفضوا أن يعترفوا به رسولاً لله. بل لم يطيعوا أقواله ولم يقبلوا شريعته على أنها شريعة إلهية. كان رفضهم لمحمد هزيمةً له، ومحاولة لتقويض دعائم سلطته. فتزايد كراهيةً لهم وناصبهم العداء. غير أنه استمر في تسمية النصارى ألطف وأفضل أعداء الإسلام سورة المائدة 5: 82< لأنه وجدهم يعطفون حتى على خصومهم، بل أظهروا حباً حتى لأعدائهم بلا أثر للكبرياء. قد تعجّب محمد من أتباع المسيح حتى في كراهيته لهم! فعندما سمع نبأ موت النجاشي في الحبشة، صلى لأجله صلاة الدفن الإسلامية المعينة للمسلمين المخلصين فقط مسند، ج 3، 255.
لكن ليطمئن قومه ويؤكد لهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح، ابتدأ يهاجم جميع النصارى في شبه جزيرة العرب وأخضعهم لنير الإسلام. وربما كان الدافع لهذه الهجمات الانتقام الشخصي. فهو سبق وحذَّر النصارى من العقاب الشديد الذي سيحيق بالكافرين قاطبةً سورة آل عمران 56: 3، لكنهم لم يثقوا في كلامه. فما كان من محمد إلاّ أن استنتج أنه يتحتّم عليه سحقهم لينقذ الإسلام. فلا يقدر المسلمون أن يشعروا بأن الله مع المنتصرين إلاّ إذا انتصروا أيضاً على اليهود والنصارى كلهم.-2إِخْضَاعُ أَهْل وَادِي نجْرَانوَطَرْدُهُم نِهَائِيًّا مِن الجزِيرَة الْعَرَبِيًّة
بعد ثلاثة أيام من الحوار الديني في المسجد الجامع بالمدينة، غادر أسقفُ وادي نجران أبو الحارثة بن علقمة والملك العاقب عبد المسيح مع الوفد النصراني الذي بلغ عدده ستون رجلاً، غادروا محمداً والمسلمين بعد أن رفضوا الإسلام في نهاية المباحثة. وكان المسيحيون يشهدون أنهم قد أسلموا لله قبل ظهور محمد بوقت طويل. لكن لم يعتبر محمد إسلامهم إسلاماً حقاً، حيث أنهم لم يستسلموا له كخاتم الأنبياء. ولم ينتظر طويلاً إلى أن أرسل محمد فرسانه ليُدَاهِم هذه المملكة النصرانية ويقهرها، بعدما برَّر حقّه في إخضاع اهل النصارى المحترمين بوحي إلهي مزعوم ينطوي على أحد التصريحات الأكثر سلبية في القرآن تجاه النصارى واليهود:
«29 قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ 30 وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ الْنَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» سورة التوبة 9: 29-30.
أمر محمد شراذم جنوده بالانتشار في شبه جزيرة العرب ليقهر القبائل البدوية الواحدة تلو الأخرى. وكان اليهود والنصارى، الذين سمّاهم قبلاً «أهل الكتاب» هم الذين ينبغي مقاتلتهم بالأسلحة الفتاكة حتى يستسلموا لمحمد. وعادة تُعَدُّ الحرب في السياسة بين الشعوب آخر ملجإٍ يُستَعان به عند فشل الحوار المقنع المفيد. ولمَّا كان محمد قد أمر جيوشه بقتال اليهود والنصارى، فقد أقَّر بهذه الإرسالية أنه لم يجد فيما بعد حجة بناءة ليقنعهم بقبول الإسلام. ولا عجب في ذلك، لأن اليهود والنصارى كانوا أوفر حظاً من جهة العلم والمعرفة من المسلمين. لذلك لم يرَ محمد منفذاً إلا أن يقهر أهل الكتاب لكي لا يقع المسلم فريسة للإغراء، فيرتد عن الإسلام ويقبل إحدى هاتين الديانتين السماويتين.
عزَّز محمد قراره للهجوم على النصارى فقهياً وشرعياً بصورة دقيقة، لأن عامة المسلمين لم يُجمِعوا معه على مهاجمة أهل وادي نجران الشرفاء، المثقفين. لذلك أوضح محمد إلى المسلمين بأن:
1 اليهود والنصارى لا يؤمنون بنفس الإله الذي يؤمن به المسلمون، بل يؤمنون بيهوه الرب أو بأبي يسوع المسيح، وليس بإله العرب.
2 وهم لا يؤمنون بيوم الدينونة حسب مبدأ البر الذاتي المؤسس على الأعمال الصالحة. إنما يؤمنون عوض ذلك بامتياز النعمة المُعلَنة في العهدين القديم والجديد، والتمسك بدم المسيح المسفوك الذي يكفر عنهم.
3 هم لا يقبلون الشريعة الإسلامية باعتبارها من وحي الله ، بل على أنها من صياغة محمد، التي تنص على أحقية الرجل في التزوج من أربع نساء وتطليقهن وفقاً لهواه الشخصي.
4 هم لا يحكمون بنفس الطريقة التي حكم بها محمد. فلم ينفذوا عقوباته الصارمة من قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في حالة السرقة، أو الجلد بالسياط، بل وحتى الرجم بالحجارة في حالة الزنى البائن.
رفض اليهود أن يتبعوا ديانة محمد البدوية لأنهم كانوا يتبعون موسى كليم الله. أما النصارى فكانوا يتبعون المسيح ابن الله، الذي فتح أمامهم الطريق إلى الآب السماوي ومنحهم قوة روح المحبة وأعطاهم الحياة الأبدية.
أصرَّ محمد على أنه ينبغي مقاتلة اليهود بالأسلحة الفتاكة، رغم أنهم أولاد إبراهيم< وقرر الهجوم على النصارى، رغم أنهم يتبعون نسل آل عمران، حتى يؤول بهم الحال إلى الانكسار من جرَّاء الضغط المستمر والاستهزاء المرير. ويتم من خلال هذا الاضطهاد حثُّهم، بل وإجبارهم، على قبول الإسلام. فإذا لم يقبلوا هذا الدين طوعًا، فلسوف يُسلمون كَرهًا. إن كلمة «الإسلام» لا تعني القبول الروحي فحسب، بل بنفس الوقت استسلاماً غير مشروط لله مقرونا بخضوع للنظام السياسي المحمدي 29/1.
29/1 - الإسلام في اصطلاح العلماء «إظهار الخضوع والقبول لما أتى به سيدنا رسول الله ص وبه يحقن الدم» ابن منظور، لسان العرب ج 13، ص 27، بيروت 1990.
ليس الإسلام ديناً فحسب، بل هو دين الدولة، أو دولة مبنية على الدين. بكل شرائعها وتَعَنُّتها وتَعَسُّفها. وقد ألحق محمد بهذا التوضيح ثلاثة بنود جزائية خاصة بأهل الكتاب، يتعيّن تطبيقها عليهم بعد استسلامهم للمسلمين:
1 عليهم أن يدفعوا جزية باعتبارهم من الموالي أو الذميين أي أقلية غير مسلمة. ولم يحدد محمد مقدارها بل تركها خاضعة لأهواء الحاكم المسلم، الذي كان لمّا يحتاج إلى المزيد من المال، يُضيِّق الخناق على اليهود والنصارى، وكان على البالغين من العمر منهم أن يدفعوا الجزية عن أنفسهم وممتلكاتهم، بل وأحياناً عن بهائمهم أيضاً، وعن أشجارهم بين الحين والحين. وخُوِّلت بعض المرات مسؤولية جمع الضرائب للأساقفة الذين أدَّوا مهمتهم بأمانة.
2 على كل فرد أن يدفع هذه الجزية بنفسه. لم يستطع اليهود والنصارى إنابة عبد أو مندوب عنهم للقيام بدفع هذه الجزية المؤلمة، بل كان يتعين على كل واحد منهم أن يتقدم شخصياً إلى مندوبي الحاكم. وكان كثيراً ما يصيبهم الاستهزاء والشتم، بل والضرب أيضاً. كانت هذه الجزية في نظر الفقهاء المسلمين بمثابة إذلال وعقاب لعدم قبولهم الإسلام. فلم يعنِ دفع هذه الضريبة الخاصة مجرد تأدية ضريبة عادية، بل اقترنت بالاحتقار والخزي العلني. وقام المفسرون والمشرعون بوصف وتطوير عدة بنود جزائية مستهجنة لوضع هذه التفرقة في حيز التطبيق أثناء تأدية الجزية الطبري ، ج 10، ص 109 وما بعدها < ابن كثير ج 2، ص 34 وما بعدها.
3 كان على النصارى الإقرار بأنهم طبقة دنيا من الناس، وأنهم كالشمعة التي تضمحل بلا صوت، دون مستقبل خاص بهم وبأولادهم. كان ينبغي الحط من سُمُوِّهم والتقليل من شأنهم. لم يشأ محمد أن يقهرهم فحسب، بل أراد تشويه سمعتهم والانتقاص من كرامتهم وإزالة قوتهم. وثبَّت الشعار «إن الله مع المنتصرين» وأن إله اليهود والنصارى مستعد أن ينصرهم لأنه تخلى عن شعبه المتمرد الحقير.
لكن ما هي الخطية الشنيعة التي اقترفها أهل الكتاب؟ لماذا أثاروا حفيظة محمد إلى هذا الحد البعيد؟
يظهر أن الدافع الباطني لهذا الحكم هو أنهم لم يقبلوا محمداً كنبي من الله، ولم يعتبروا الإسلام ديناً سماوياً. وجعل رفضهم سلطة محمد الدينية والسياسية، بل والوجود الإسلامي ذاته محفوفاً بالخطر، فشعر محمد بأنه مضطر لإخضاع أهل الكتاب ومحوهم من شبه الجزيرة العربية.
لكن ما هو الاتهام الذي وجَّهه محمد ظاهراً أو رسمياً لليهود؟ كان يزعم أنهم قالوا إِنَّ عُزَيْرا عزرا النبي ابن الله. كان عزرا قائداً دينياً وسياسياً وقاد نخبة اليهود المسبيين إلى بابل وعاد بهم إلى القدس ليؤسس المملكة اليهودية عام 458 ق. م. قد ربط محمد حكمه على اليهود بالزعيم السياسي الذي أسس مملكة يهودية، وليس بأحد الأنبياء، ولا بآباء الإيمان. فرفض عزرا لأنه أعاد لليهود ثقتهم بنفسهم كأمة وشعب. لا يوجد دليل في تاريخ اليهود أنهم ألّهوا عزرا إلا أن البعض منهم أكرمه أكثر من موسى. ويعلن العهد القديم العبادة للرب الواحد بالصراحة: «اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ» مرقس 12: 29-30 نقلا عن التثنية 6: 4 و5 ولاويين 19: 18. فلم يكن ثمة إله آخر في اليهودية بجانب يهوه. وبنى محمد حكمه على اليهود على شكوك وظنون وهمية، لمجرد أن يجد علة مشروعة لمهاجمتهم.
أما النصارى فكان من اليسير على محمد إدانتهم، لأنهم اعترفوا له جهراً بأن المسيح هو ابن الله المتجسد، ذو الجوهر والقدرة الإلهية والمحبة والقداسة. لقد أعطى محمد المسيحَ مكانة سامية، وأفرد له في قرآنه زهاء المائة آية. غير أنه رفض ألوهيته وكتب في القرآن 17 مرة أن ليس لله ولد. وحسب محمد أنه لو كان المسيح إلهاً حقاً في جسد إنسان، لكان أعظم شأناً من محمد، حاكم المدينة. فقبل بعض الحجج اليهودية المعادية للمسيحية التي تنكر ألوهية المسيح وفداءه للبشر على الصليب. وكان محمد يكره فكرة النبي المصلوب، لأن هذه الفكرة تتضمن الإمكانية أن يعاقبه الله بذات العقوبة. لعن محمد النصارى لأنهم دأبوا على خرق قانون الإيمان الإسلامي القائل بأن: «لا إله إلاّ الله» في اعترافهم بابن العلي المصلوب وبألوهية الروح القدس. فشتم ولعن المسيحيين طالباً من الله أن يقتل كل النصارى فوراً لأنهم يعترفون بأن عيسى هو ابن الله.
ولكن لا يزال بين المسيحيين أشخاص مثاليون أو إنسانيون Humanistic يأملون أن يتفتَّق الحوار المخلص مع المسلمين عن قاسم مشترك بين هاتين الديانتين. إن الغشاوة تطمس أعين هؤلاء الأشخاص، فلا تدعهم يرون روح الإسلام على حقيقته. فطالما بقيت هذه اللعنة الصارمة ضد جميع أتباع المسيح مكتوبة في القرآن ومحفورة في عقول المسلمين، يكون تعضيدهم للنصارى أو إعجابهم بهم إما من الجهل أو الخداع.
تحوَّل الكثيرون من نصارى وادي نجران عن إيمانهم بعد نجاح حملة المسلمين إلى الإسلام إما بدافع من الخوف أو لأنهم كانوا مضطرين أن يدفعوا الجزية لمحمد، الذي ضمن لهم حياتهم وممتلكاتهم وحرية العبادة داخل صوامعهم وبِيَعهم. ونورد هنا العهد الذي أملاه الخليفة عمر بن الخطاب على نصارى دمشق المهزومين، الذي يشير غالباً إلى مضمون ضمان الحماية الذي وقَّعه محمد لنصارى وادي نجران:
باسم الله الرحمن الرحيم:
«هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين 29/2، من نصارى مدينة دمشق ومحيطها»
«إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا،
وشرطنا لكم على أنفسنا
أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها قلِّيَّةً القلية هي التي يقال لها القلاية. وهي من بيوت عباداتهم ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها: ديراً ولا كنيسة،
ولا نخفي ما كان منها في خطط المسلمين،
ولا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال نُطعمهم
ولا نُؤوي في منازلنا ولا كنائسنا جاسوساً، ولا نكتم غشاً للمسلمين،
ولا نعلّم أولادنا القرآن، ولا نُظهر شركاً، ولا ندعو إليه أحداً، ولا نمنع من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه، وأن نوقر المسلمين
ونقوم لهم في مجالسنا إذا أرادوا الجلوس،
ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم: في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نتكنى بكُناهم، ولا نركب السروج،
ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله معنا،
ولا ننقش على خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رءُوسنا، وأن نلزم ديننا حيث ما كنا، وأن نشد زنانيرنا على أوساطنا،
وأن لا نُظهر الصليب على كنائسنا، ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم،
ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفيفاً، ولا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا ولا في شيء من حضرة المسلمين، ولا نخرج سعانين ولا باعوثاً السعانين هو أحد الخوص، أو أحد السعف والباعوث أحد الأعياد، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا،
ولا نُظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نُجاورهم بموتانا، ولا نتخذ من الرقيق ما يجري عليه سهام المسلمين ولا نطّلع عليهم في منازلهم».
قال عبد الرحمن: فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه:
«ولا نضرب أحداً من المسلمين. شرَطْنا ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا، وقبلنا عليه الأمان. فإن نحن خالفنا عن شيء مما شرطناه لكم وضمنَّاه على أنفسنا فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق».
وفي رواية له من طريق أخرى «أن لا نُحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب».
وفيها: «وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد في ليل ولا نهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل».
وفيها: «وأن نُنزل من مرّ بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمه».
وفيها: «وأن لا نُظهر صليباً أو نجساً في شيء من طرق المسلمين وأسواقهم».
وفيها: «وأن نُرشد المسلمين ولا نطَّلع عليهم في منازلهم».
29/2 - أحمد شهاب الدين القلقشندي، كتاب «صبح الأعشى في صناعة الإنشاء»، ص 1-14، القاهرة 1913
أبو يوسف: كتاب الخراج، ص 138، القاهرة 1933
ابن عساكر: تاريخ دمشق الكبير، ج 1، ص 149، دمشق 1911
الطرطوشي: سراج الملوك، ص 135-136، القاهرة 1872
فماذا يعني ويتضمن هذا الالتزام الذي فُرِض على مسيحيي دمشق عام 635 للميلاد؟ لم يعد يُصرَّح لهم ببناء أبنية كنائسهم أو إصلاحها، لأن المسلمين كانوا يتخيلون أنه بعد مضي بضعة أجيال لن تكون ثمة حاجة لمثل هذه الأبنية.
كان عليهم أن يُحسنوا ضيافة كل مسلم ينزل عليهم ضيفاً، وأن يقوموا على تسليته والعناية بحصانه أو بعيره مدة ثلاثة أيام وأكثر.
ولم يكن يحق للمسيحيين أن يعلموا أبناءهم تفسيرهم الخاص للقرآن بهدف منعهم من اكتساب الإسلام. بل كان عليهم أن يلوذوا بالصمت حينما يعزم أحد أفراد عائلتهم على قبول الإسلام.
وكان لزاماً على النصارى إكرام كل مسلم يقابلونه في الشارع أو في الأماكن العامة، ولم يكن يُسمح لهم أن يلبسوا زي الطبقة الحاكمة، بل كان ينبغي عليهم الإشارة إلى وضاعتهم عن طريق حلق شعور رؤوسهم بطريقة خاصة، وأيضاً عن طريق لون ملابسهم أو الحزام الخاص. كما كان محرماً عليهم أن يظهروا صليباً فوق ملابسهم، أو كتبهم، خارج بيوتهم وكنائسهم. وكان غير مسموح لهم بالترنيم بصوت عالٍ أو أن يقيموا اجتماعات أو احتفالات خارج البيوت. فكانوا مُجبرين على العيش في الخفاء، والاحتفاظ برؤوسهم منخفضة عقاباً على عدم قبولهم الإسلام.
ولم يستطع كثيرون من المسيحيين أن يتحملوا هذه التفرقة على المدى البعيد، وفي نهاية الأمر قبل الإسلام حوالي 90 بالمائة منهم على أمل أن يظلوا مسيحيين سراً. غير أنه تمت تلقائياً أسلمة الجيل الثاني أو الثالث بالكامل.
وكلما خرق أحد المسيحيين أيّاً من هذه الشروط، أو حين كان يتوهّم الحكام المسلمون أن يقصد المسيحيون خرق شروط ضمان الحماية هذا، عاقبوا الجماعة المسيحية بأسرها على ذلك. واعتبروهم حينئذٍ متمردين وأعداءً للإسلام.
هذا ما حدث بالضبط لنصارى وادي نجران. فبعد موت محمد ببضع سنين، ارتاب الخليفة عمر في أنهم لم يتمموا كل شروط الاتفاقية تماماً 29/3 فأخرج من تبقَّى من النصارى من وطنهم وطردهم من شبه الجزيرة العربية، وسمح لهم بالفرار إلى النصارى البيزنطيين في الأردن كلاجئين معدمين!
29/3 - للظروف والأحوال التي من شأنها إلغاء عهود الذمة مع المسلمين. راجع الأحكام السلطانية للماوردي، ص 145، بيروت 1983.
ورد في أحد الأحاديث المروية عن عائشة زوجة محمد، أن محمداً أوصى وهو على فراش الموت بعدم السماح لأي يهودي أو نصراني بالبقاء في شبه الجزيرة العربية. وكان محمد يدرك أن أعضاء هاتين الديانتين نالوا قسطاً أكبر من المسلمين في مجال الثقافة والعلم، وكانوا أكثر نشاطاً في حياتهم اليومية، وعملوا بأكثر همة واجتهاد وكانوا أهلاً للمسؤولية. وما كانوا لصوصاً، ولا سارقين ولا زناة. وحفظوا ديانتهم في محبةٍ لله ولجيرانهم. لذلك شعر محمد بأن مجرد وجود الكنيسة المسيحية في البلدان الإسلامية يشكل تجربة وخطراً على إسلامه، فأوصى بطردهم من شبه الجزيرة العربية بأسرع ما يمكن 29/4.
29/4 - «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» الموطأ، مدينة 18.
كان نصارى وادي نجران قد حصلوا على ضمان مكتوب، وقَّعه محمد بنفسه. وقال الخليفة عمر بن الخطاب إنه لم يوقّع هذا العقد شخصياً، وأعلن أن محمداً قد مات منذ زمن. فأصبحت آخر وصية ربما أوصاها محمد شفاهيةً أكثر أهمية بالنسبة له من توقيعه الأصلي السابق.-الخاتمة
انتهى تاريخ كنيسة وادي نجران بالحزن والمرارة والظلم المريع. قد كان مسيحيو هذه البلاد يحاولون أن يفهموا محمداً بصدق وبعواطف إنسانية، فبعثوا له وفداً شريفاً إلى المدينة. وجلسوا معه وأقاموا حواراً حراً لمدة ثلاثة أيام، ولكنهم لم يقتنعوا أن محمداً كان نبياً حقاً، وما اعتبروا إسلامه أفضل من شريعة موسى أو إنجيل المسيح. وتركوا في النهاية محمداً وأتباعه وتهديداته ترنّ في آذانهم، ولعناته تنبئهم بأن انتقامه لا محالة قريب. وبعد بضعة أسابيع، أمر محمد فرسانه بإخضاع هذه المملكة المسيحية الصغيرة، ليثبت أن الإسلام هو دين الله المنتصر. وتعين عليهم آنذاك أن يدفعوا جزية فادحة للمسلمين وأن يوافقوا على العيش تحت حكم الإسلام كمواطنين من الدرجة الثانية متواضعين. ثم طردهم الخليفة عمر بن الخطاب في آخر الأمر من ديارهم، لأن وجودهم كقوم شرفاء مصدر إغراء للعديد من المسلمين. فاضطروا إلى الهرب بعد أن فقدوا كل ممتلكاتهم.
إنما في الواقع، لم ينجح محمد في أسلوبه وفشلت خطته ضد المسيحيين. فلم ينجح في استعمال الآيات المسيحية ضمن تلاوته ليستميل المسيحيين للإسلام، ولا استطاع أن يقهرهم بالسيف. فيقوم اليوم مئة ألف مسيحي بخدمة المسلمين في السعودية ودول الخليج العربي. واضطلع نصف مليون جندي، من دول مسيحية، بحماية الكعبة من هجوم الدكتاتور العراقي صدام حسين، الذي كان قد أعلن حرباً مقدسة على جيرانه المسلمين. ولو لم تنجح مهارة وأمانة المتخصصين المسيحيين في استخراج البترول من الرمال العربية، لَظل المسلمون إلى الآن بدواً نائمين في خيامهم!
ويلقى السائحون المسيحيون في أيامنا هذه بين الحين والآخر أثناء تجولهم بشمال اليمن حسن ضيافة وبشاشة، ويجدون بيوتاً وقلوباً مفتوحة. فلا يزال يعيش بعض من كنيسة وادي نجران هناك غير أنهم مسلمون. وقد سألوا المسيحيين الزائرين: «لماذا تأخر مجيئكم هكذا؟ قد كنا في انتظاركم طيلة قرونٍ عديدة!»-تذييل: قِصَصٌ مِنَ الْعَهِدِ الْقَدِيمِفيِ الْقُرْآن
سَلاَم فَلَكِي
A summer of the book of Heinrich Speer
Die biblischen Eraehlungen im Quran
ترقيم الآيات يتبع المصحف القاهري
Published b Light of Life Villach Austria
1 - خلق العالم
1 - خلق العالم في ستة أيام : الأعراف 7: 54 < يونس 10: 3 < هود 11: 7< الفرقان 25: 59 < السجدة 32: 4.
2 - أسطورة بابلية عن الخلق : الأنبياء 21: 30.
3 - تركيب العالم: الرعد 13: 3-4 < الحِجر 15: 19 < النحل 16: 14-16< النمل 27: 60 والرحمن 55: 10-12 < نوح 27: 19-20 < المرسلات 77: 27 < النبأ 6: 8: 78 < النازعات 79: 30-33.
4 - خلق السماوات: البقرة 2: 29 < المؤمنون 23: 17،86 < فصلت 41: 11 وما بعدها < الطلاق 65: 12.
5 - أنوار السماوات والغرض منها: الأنعام 6: 96-97 < يونس 10: 5 < نوح 71: 16.
6 - الليل والنهار: الأنعام 6: 96 < الإسراء 17: 12 < الفرقان 25: 47 < القصص 28: 73.
7 - الشهور: التوبة 9: 36.
8 - تسخير الله الأرض للإنسان: الحج 22: 65 < لقمان 31: 20 < الجاثية 45: 12.
9 - إكمال الخلق: هود 11: 7 < ق 50: 15،38 < الأحقاف 46: 23.
10 - عرش الله: يونس 10: 3 < الرعد 13: 2 < طه 20: 5-6 < السجدة 32: 4-5 < المعارج 70: 3-4.
2 - آدم
فقرات رئيسية: البقرة 2: 30-37 < المائدة 5: 27-32 < الأعراف 7: 11-27 < الحجر 15: 28-43 < الإسراء 17: 61-65 < طه 20: 115-123 < ص 38: 71-84.
1 - المواد التي خُلِق منها آدم: التراب : آل عمران 3: 59. الأرض : هود 11: 61< الكهف 18: 37< الحج 22: 5 < الروم 30: 19 < فاطر 35: 11 < غافر 40: 67. الطين : المؤمنون 23: 12. لا شيء : مريم 19: 67. الماء : الحج 22: 5 < المؤمنون 23: 13-14 < الفرقان 25: 45 < غافر 40: 67< نوح 71: 14 < القيامة 75: 35-38 < العلق 96: 2.
2 - تشكيل أول إنسان: الأعراف 7: 11 < الحجر 15: 29 < السجدة 32: 9< ص 38: 72 < غافر 40: 67 < التغابن 64: 3 < الانفطار 82: 7-8.
3 - تقويم مظهر آدم الأصلي المجيد: التين 95: 3-6.
4 - اختيار آدم: آل عمران 3: 33.
5 - تسمية آدم كل شيء: البقرة 2: 30-33.
6 - السجود لآدم وسقوط الشيطان: البقرة 2: 34 < الأعراف 7: 11 < الحجر 15: 28-38 < الإسراء 17: 61 < الكهف 18: 50 < طه 20: 116< ص 38: 71-82.
7 - مهنة الشيطان: النساء 4: 118-119 < الأعراف 7: 16-17 < إبراهيم 14: 22 < الحجر 15: 39- 43 < الإسراء 17: 62-65 < يس 36: 60-62 < ص 38: 83-84.
8 - خلق حواء: النساء 4: 1 < الأعراف 7: 189 < الروم 30: 21 < الزمر 39: 6 < الشورى 42: 11.
9 - نهي الله آدم: البقرة 2: 35 < الأعراف 7: 19.
10 - تركيب الشجرة المحرمة: المؤمنون 23: 20 < النور 24: 35 < التين 95: 1-2.
11 - عهد الله مع آدم: طه 20: 115.
12 - توصية الله آدم: طه 20: 116-119.
13 - إغواء الشيطان: الأعراف 7: 20-21 < طه 20: 120.
14 - سقوط الإنسان: الأعراف 7: 22-23 < طه 20: 121.
15 - الطرد من الجنة: البقرة 2: 36 < الأعراف 7: 24 < طه 20: 123.
16 - اللعنة: البقرة 2: 36 < الأعراف 7: 24 < طه 20: 55 ، الحج 22: 66.
17 - توبة آدم ورجوعه: البقرة 2: 27 < الأعراف 7: 23 < طه 20: 122.
18 - حمل حواء وسقوط أول إنسان: الأعراف 7: 189 وما بعدها.
3 - بنو آدم
1 - الذبيحة: المائدة 5: 27.
2 - الحديث: المائدة 5: 27-29.
3 - قتل الأخ لأخيه: المائدة 5: 30.
4 - توبة قابيل قايين: المائدة 5: 31.
5 - العقيدة: المائدة 5: 32.
4 - نوح
فقرات رئيسية: الأعراف 7: 59-64 < يونس 10: 71-73 < هود 11: 25-48 < المؤمنون 23: 23-28 < الشعراء 26: 106-118 < نوح 71: 2-28.
1 - أمر الله نوحاً ببناء الفلك: هود 11: 36-37 < المؤمنون 23: 27-28.
2 - تحذير نوح قومه: الأعراف 7: 59 ،61-63 < التوبة 9: 70 < يونس 10: 71-72 < هود 11: 25- 26،28-31،33-34 < المؤمنون 23: 23 < الشورى 26: 106-110،112-115 < نوح 71: 2-4.
3 - احتقار الناس نوحاً وسخريتهم منه: الأعراف 7: 60،64 < يونس 10: 73 < هود 11: 27، 32، 38 - 39 < المؤمنون 23ك24-25 < الشورى 42: 111،116 < القمر 54: 9.
4 - صلاة نوح: الشورى 42: 117-118 < نوح 71: 5-20.
5 - استدعاء القوم للحفاظ على آلهتهم القديمة: نوح 71: 21-23.
6 - مطالبة نوح بمعاقبة البشر الخاطئين: الأنبياء 21: 76 < الصافات 37: 75 < نوح 71: 26-28.
7 - أمر الله: هود 11: 40 < المؤمنون 23: 28.
8 - الطوفان: الأنعام 6: 6 < هود 11: 40 < المؤمنون 23: 27 < القمر 54: 11-12.
9 - الفُلك: القمر 54: 13-14 < الحاقة 69: 11-12.
10 - الدعوة لدخول الفلك: هود 11: 41.
11 - ابن نوح: هود 11: 42-43،45-47.
12 - الرحلة: هود 11: 42 < يس 36: 41 < القمر 54: 14.
13 - دمار القوم الظالمين: الأعراف 7: 64 < يونس 10: 73 < الأنبياء 21: 77< الشعراء 26: 120.
14 - إنهاء الله فيض الماء: هود 11: 44.
15 - انحسار الماء وتوقف الفلك: هود 11: 44.
16 - مغادرة نوح الفلك: هود 11: 48 <النمل 27: 78-79.
17 - كفر امرأة نوح: التحريم 66: 10.
18 - عمر نوح: العنكبوت 29: 14.
19 - ذرية نوح: الأنعام 6: 6 < الصافات 37: 77.
5 - برج بابل
تلميح إلى برج بابل: غافر 40: 36-37.
6 - إبراهيم
فقرات رئيسية: البقرة 2: 124-136 < الأنعام 6: 74-81 < هود 11: 69-81 < الحجر 15: 51-74 < مريم 19: 41-58 < الأنبياء 21: 51-72 < الشعراء 26: 69-93،160-171 < النمل 27: 54-57 < العنكبوت 29: 16-35 < الصافات 37: 83-113.
1 - تعرف إبراهيم على الله: الأنعام 6: 76-79 < الصافات 37: 83-93 < فصلت 41: 37.
2 - دعوة إبراهيم: البقرة 2: 124 < الأحزاب 33: 7 < الحديد 57ك26.
3 - شجار إبراهيم مع أبيه: الأنعام 6: 74 < مريم 19: 42-48 < الأنبياء 21: 52-57 < الزخرف 43: 26-27.
4 - شجار إبراهيم مع قومه: الأنعام 6: 80-81 < التوبة 9: 70 < مريم 19: 42-47 < الأنبياء 21: 59-67 < الحج 22: 44 < الشورى 26: 69-93 < العنكبوت 29: 16-19،24-25 < الصافات 37: 84-96 < الزخرف 43: 26-28 < الممتحنة 60: 4.
5 - تحطيم إبراهيم أصنام أبيه: الأنبياء 21: 58.
6 - حنق القوم بسبب تحطيم إبراهيم أصنامهم: الأنبياء 21: 59-67< الصافات 37: 97.
7 - شجار إبراهيم مع نمرود: البقرة 2: 286 < إبراهيم 14: 15 < ق 50: 24.
8 - نجاة إبراهيم من النار: الأنبياء 21: 68-70 < الصافات 37: 97-98.
9 - صلاة إبراهيم لأبيه: التوبة 9: 114 < مريم 19: 47 < الشعراء 26: 86-87 < الممتحنة 60: 4.
10 - تَبَرُّؤ إبراهيم من أبيه : التوبة 9: 114 < مريم 19: 48.
11 - لوط يصدّق إبراهيمَ: العنكبوت 29: 26.
12 - زيارة الملائكة لإبراهيم: هود 11: 69-73 < الحجر 15: 51-60 < العنكبوت 29: 30-31 < الذاريات 51: 24-34.
13 -تشفع إبراهيم للمدن الخاطئة: هود 11: 74-75 < العنكبوت 29: 31-32.
14 - مشاجرة لوط مع معاصريه: الشعراء 26: 160-169 < العنكبوت 29: 28-29 < ص 38: 13 < ق 50: 13 < القمر 54: 33،36.
15 - مجيء الرسل إلى لوط: هود 11: 69-73 < الحجر 15: 51-64 < الذاريات 51: 24-34.
16 - شر أهل سدوم: هود 11: 77-79 < الحجر 15: 67-72 < النمل 27: 54-56.
17 - رسالة الملائكة: هود 11: 80-81 < الحجر 15: 65-66 < العنكبوت 29: 33-34.
18 - تدمير مدينة الفاسقين: هود 11: 82 < الحجر 15: 66،73-74 < الأنبياء 21: 70 < الشعراء 27: 172-173 < النمل 27: 58 < العنكبوت 29: 35 < الصافات 37: 136 < الذاريات 51: 37 < القمر 53: 34-38.
19 - امرأة لوط: هود 11: 81 < الحجر 15: 60 < الشعراء 26: 171 < النمل 27: 57 < الصافات 37: 135 < التحريم 66: 10.
20 - دعوة إبراهيم ليكون مسلماً: البقرة 2: 131.
21 - تأسيس إبراهيم الكعبة: البقرة 2: 127-129 < آل عمران 3: 96 < الحج 22: 26-29.
22 - إرادة إبراهيم أن يرى كيف يحيي الله الموتى: البقرة 2: 260.
23 - طلب إبراهيم إلى ابنه: الصافات 37: 100.
24 - تقديم إبراهيم ابنه ذبيحة: الصافات 37: 102-113.
25 - عرض الله على إبراهيم ملكوت السموات والأرض: الأنعام 6: 75.
26 - صلاة إبراهيم: البقرة 2: 126 < إبراهيم 35: 14-40.
27 - تشفع إبراهيم من أجل الأرض: البقرة 2: 126.
28 - نسل إبراهيم: البقرة 2: 133 < الأنعام 6: 84 < هود 11: 71 < يوسف 12: 6،38 < مريم 19: 49- 50،58 < الأنبياء 21: 71-72 < العنكبوت 29: 27 < الصافات 37: 112-113 < ص 38: 45-48.
29 - إسماعيل: البقرة 2: 125،133،136 < آل عمران 3: 84 < النساء 4: 163 < الأنعام 6: 86 < إبراهيم 14: 39 < مريم 19: 54 < الأنبياء 21: 85 < ص 38: 48.
30 - تحذير إبراهيم أبناءه: البقرة 2: 1322.
31 - ملة إبراهيم: البقرة 2: 130 < آل عمران 3: 33،65-67 < النساء 4: 125 و163 < الأنعام 6: 161 < النحل 16: 120-123 < مريم 19: 41 < الأنبياء 21: 51 < الحج 22: 78 < الشورى 42: 13 < النجم 53: 37.
32 - صحف إبراهيم: الأعلى 87: 19.
7 - يوسف
فقرات رئيسية: 12: 4-103.
1 - نسل إبراهيم: الصافات 37: 113.
2 - إشارة إلى النهي عن أكل العصب الذي في حُق الفخذ: آل عمران 3: 93 [قارن التكوين 32: 32].
3 - حلم يوسف: يوسف 12: 4-6.
4 - بغض إخوته له: يوسف 12: 8-9.
5 - الخطة: يوسف 12: 10.
6 - الحيلة: يوسف 12: 11-14.
7 - الله يعزّي يوسف: يوسف 12: 15.
8 - إحضار الإخوة ثوب يوسف إلى أبيهم: يوسف 12: 16-18.
9 - عثور القافلة على يوسف: يوسف 12: 19.
10 - بيع يوسف: يوسف 12: 20.
11 - يوسف مع فوطيفار: يوسف 12: 21-22.
12 - مراودة زوجة فوطيفار يوسفَ: يوسف 12: 23-24.
13 - اعتصام يوسف: يوسف 12: 25.
14 - البرهان على ذنب يوسف أو براءته: يوسف 12: 26-27.
15 - تبرئة فوطيفار ليوسف: يوسف 12: 28-29.
16 - سخرية النساء من امرأة فوطيفار: يوسف 12: 30.
17 - تبرير امرأة فوطيفار وتهديدها: يوسف 12: 31-32.
18 - طلب يوسف القوة من الله: يوسف 12: 33-34.
19 - الزج بيوسف في السجن: يوسف 12: 35.
20 - تفسير يوسف الأحلام في السجن: يوسف 12: 36-41.
21 - طلب يوسف: يوسف 12: 42.
22 - حلم فرعون: يوسف 12: 43.
23 - عدم استطاعة الحكماء تفسير الحلم: يوسف 12: 44.
24 - تذكر رئيس السقاة يوسفَ: يوسف 12: 45.
25 - سماع يوسف حلم الملك وتفسيره إياه: يوسف 12: 46-49 < الأعراف 7: 130.
26 - الملك يستدعي يوسف: يوسف 12: 50،54.
27 - استخبار الملك عما جرى في بيت فوطيفار: يوسف 12: 50-53.
28 - يوسف بين يدي فرعون: 12: 54-56.
29 - مجيء إخوة يوسف إليه وعدم تعرفهم عليه: يوسف 12: 58.
30 - رغبة يوسف أن يرى إخوته: يوسف 12: 59-60.
31 - اتفاق الإخوة: يوسف 21: 61.
32 - وضع يوسف المال ثانيةً في العدول الأكياس: يوسف 12: 62.
33 - طلب الإخوة من أبيهم أن يرسل بنيامين معهم: يوسف 12: 63-64.
34 - عثور الإخوة على المال: يوسف 12: 65.
35 - ضمان الإخوة بنيامين: يوسف 12: 66.
36 - تعليمات الأب: يوسف 12: 67.
37 - الإخوة مع يوسف: يوسف 12: 68-69.
38 - ما جرى لكأس يوسف: يوسف 12: 70-77.
39 - تشفع الإخوة من أجل بنيامين: يوسف 12: 78-79.
40 - تشاور الإخوة معاً: يوسف 12: 80-83.
41 - بكاء يعقوب: يوسف 12: 84-87.
42 - عودة الإخوة إلى يوسف: يوسف 12: 88.
43 - كشف يوسف عن هويته: يوسف 12: 89-93.
44 - سماع يعقوب بيوسف: يوسف 12: 94-97.
45 - سؤال الإخوة الصفح من أخيهم: يوسف 12: 98-99.
46 - تكريم يوسف والديه وحمده لله: يوسف 12: 100-102.
47 - يعقوب يخاطب أبناءه: البقرة 2: 133.
48 - محمد وقصة يوسف: يوسف 12: 103.
8- موسى
فقرات رئيسية: الأعراف 7: 103-166 < يونس 10: 76-92 < هود 11: 84-99 < الإسراء 17: 101-104< طه 20: 9-97 < الشعراء 26: 10-40، 46-66 < النمل 27: 7-14 < القصص 28/7-45، 76-82 < غافر 40: 25-46 < الزخرف 43: 46-56 < الدخان 44: 17-33.
1 - اعتقاد المصريين بأنه لن يأتي رسول من الله بعد يوسف: غافر 40: 34.
2 - قتل فرعون أولاد اليهود: البقرة 2: 49 < الأعراف 7: 141 < إبراهيم 14: 6 < القصص 28: 4 < غافر 40: 25.
3 - خوف أم موسى: القصص 28: 10.
4 - وضع أم موسى إياه في التابوت: القصص 28: 7 < طه 20: 38-39.
5 - مريم أخت هارون: مريم 19: 28.
6 - مراقبة أخت موسى التابوت: القصص 28: 11.
7 - تقديم أخت موسى أمه على أنها مرضعة: طه 20: 40 < القصص 28: 12.
8 - إعادة موسى إلى أمه: القصص 28: 13 < طه 20: 40.
9 - زوجة فرعون تعول موسى: القصص 28: 9.
10 - فرعون - عدو موسى - يقوم بتربيته: القصص 28: 8 < طه 20: 39 < الشعراء 26: 18 .
11 - بلوغ موسى أشده: القصص 28: 14 .
12 - قتل موسى أحد أعدائه وعواقب هذا العمل: طه 20: 40 < الشعراء 26: 21 < القصص 28: 33 ،15-19.
13 - ترصد القوم موسى ليقتلوه: القصص 28: 20-21 < غافر 40: 26-27.
14 - موسى في مديان: طه 20: 40 < القصص 28: 22-28.
15 - مديان وشعيب: الأعراف 7: 85-93 < التوبة 9: 70 < هود 11: 84-95 < الحجر 15: 78-79 < الحج 22: 43 < الشعراء 26: 176-189< القصص 28: 45 < العنكبوت 29: 36-37 < ص 38: 13 < ق 50: 14.
16 - موسى وعصاه: طه 20: 17-18.
17 - العليقة المحترقة: طه 20: 9-10 < النمل 27: 7-8 < القصص 28: 29-30.
18 - نداء موسى: إبراهيم 14: 5 < طه 20: 11-16،25-36 ،42-46< الشعراء 26: 10-17 < النمل 27: 7-12 < القصص 28: 30-35< النازعات 79: 15-19.
19 - إعطاء الله موسى الآيات التي سيجريها أمام فرعون: طه 20: 17-24 < النمل 27: 10-12< القصص 28: 31-32 < النازعات 79: 20.
20 - طلب موسى أن تنحل عقدة لسانه: طه 20: 25-28.
21 - هارون نائب موسى: الأعراف 7: 142< مريم 19: 53< طه 20: 29-36< الفرقان 25: 35< الشعراء 26: 12-14 < القصص 28: 34-35.
22 - التكليف إلى فرعون: طه 20: 47-48 < الفرقان 25: 36 < الشعراء 26: 16-17.
23 - خشية موسى وهارون من الذهاب إلى فرعون: طه 20: 45-46 < الشعراء 26: 12-15 < القصص 28: 33-35.
24 - مكانة فرعون وشخصيته: يونس 1: 83 < هود 11: 97-99 < القصص 28: 4، 8، 38< غافر 40: 36- 37 < الذاريات 51: 40 < الحاقة 69: 9.
25 - موسى لدى فرعون - السحرة: الأعراف 7: 103-126 < الأنفال 8: 54 < يونس 10: 76-82 < هود 11: 99 < الإسراء 7: 101-102< طه 20: 56-59،66-71 < المؤمنون 23: 47-48 < النمل 27: 13- 14< الزخرف 43: 46-48 < الذاريات 51: 38-39 < الحاقة 69: 9 < المزمل 73: 16.
26 - انصراف السحرة عن فرعون: الأعراف 7: 118-126 < طه 20: 70-72 < الشعراء 26: 45-51 < الزخرف 43: 48-51.
27 - تكذيب قوم فرعون الآيات: آل عمران 11: 3 < الإسراء 17: 101 < النمل 27: 13-14 < القصص 28: 36-37 < غافر 40: 23-24 < ق 50: 13 < القمر 54: 41-42.
28 - استعلام فرعون عن الله وإعلانه أنه الله: طه 20: 49-56 < الشعراء 26: 23-31 < القصص 28: 38 < الزخرف 43: 51-55 < النازعات 79: 24.
29 - فرعونُ يلوم موسى على نكرانه الجميل ورد موسى: الشعراء 26: 18-22.
30 - رغبة فرعون أن يخضع قوم موسى: الأعراف 7: 127.
31 - عناد المصريين: الأعراف 7: 134-135 < هود 11: 97 < المؤمنون 23: 45-48 < القصص 28: 36.
32 - إيمان سبط واحد بموسى: الأعراف 7: 159 < يونس 10: 83.
33 - تشاور فرعون سراً ضد موسى: طه 20: 60-65< الشعراء 26: 34-40.
34 - شروع مؤمن مجهول في إنقاذ موسى: غافر 40: 28-35،38-46 < الدخان 44: 17-22.
35 - صلاة موسى: يونس 10: 88-89 < الدخان 44: 22-24.
36 - الضربات: الأعراف 7: 133-134 < الإسراء 17: 101.
37 - إيمان امرأة فرعون: التحريم 66: 11.
38 - فرعون ذو الأوتاد، يريد أن يبني له وزيره هامان صرحاً: القصص 28: 6، 8، 38 < العنكبوت 29: 39 < ص 38: 12 < غافر 40: 24،36-37< الفجر 89: 10.
39 - نصح موسى القوم بالثبات ولومهم إياه: الأعراف 7: 128-129 < يونس 10: 84-87.
40 - وجوب بناء قوم موسى قبلة في مصر: يونس 10: 87.
41 - وجوب خروج قوم موسى من مصر: البقرة 2.50 < الإسراء 17: 103 < طه 20: 77 و78، الشعراء 26: 52 < الدخان 44: 22-24.
42 - الأراضي المصرية وقوم موسى: الشعراء 26: 57-58 < القصص 28: 6 < الدخان 44: 25-26.
43 - تدمير مباني فرعون: الأعراف 7: 137 < وعن مباني فرعون قارن أيضاً القصص 28: 38< ص 38: 12< غافر 40: 36-37 < الفجر 89: 10
44 - حشد فرعون قومه ضد قوم موسى: الشعراء 26: 53-56.
45 - جبن قوم موسى: الشعراء 26: 61-62.
46 - عبور اليمّ: البقرة 2: 50 < الأعراف 7ك138 < يونس 10: 90 < طه 20: 77 < الشعراء 26: 63-66 < الدخان 44: 30-31.
47 - هلاك المصريين في اليمّ: البقرة 2: 50 < الأعراف 7: 136 < الأنفال 8: 54 < الإسراء 17: 103< طه 20: 78 < الشعراء 26: 66 < القصص 28: 40 < العنكبوت 29: 39 < الزخرف 43: 55-56 < الذاريات 51: 40 < البروج 85: 17-18.
48 - نجاة فرعون وحده: يونس 10: 90-92.
49 - قصاص فرعون في الآخرة: هود 11: 98-99 < القصص 28: 41-42< غافر 40: 54-46 < النازعات 79: 25.
50 - مطالبة القوم بتغيير الطعام: البقرة 2: 61.
51 - إخراج موسى الماء من الحجر بضربه: البقرة 2: 60 < الأعراف 7: 160.
52 - استظلال القوم بالغيم وأكلهم المن والسلوى: البقرة 2: 57 < الأعراف 7: 170 < طه 20: 80-81.
53 - ميثاق الله مع بني إسرائيل: البقرة 2: 40،83-84 < النساء 4: 154 < المائدة 5: 70 < الأعراف 7: 169.
54 - موسى والكتاب: البقرة 2: 87،146-147،213 < آل عمران 3: 3،23 < النساء 4: 47، 136 < المائدة 5: 46 < هود 11: 110 < الإسراء 17: 2 < المؤمنون 23: 49 < الفرقان 25: 35 < السجدة 32: 32 < الصافات 37: 117 < غافر 40: 53 < فصلت 41: 45 < الأحقاف 46: 12.
55 - رغبة القوم أن يروا الله: البقرة 2: 55-56.
56 - كيفية تحدث الله مع موسى: النساء 4: 164 < مريم 19: 52 < الشورى 42: 51-53.
57 - مراوغة اليهود: البقرة 2: 93 < النساء 4: 46-47.
58 - تهديد الله بأن ينتق الطور: البقرة 2: 63،93 < الأعراف 7: 171.
59 - اتخاذ الله نسل إسرائيل شهوداً: الأعراف 7: 172.
60 - الوصايا العشر: البقرة 2: 40-46، 83، 177، الأنعام 6: 151-152 < الإسراء 17: 22-37 < المؤمنون 23: 1-11 < الفرقان 25: 63-74 < الأحقاف 46: 10-12.
61 - موسى وختم العهد في أربعين يوماً: البقرة 2: 51< الأعراف 7: 142،145 < مريم 19: 52 < القصص 44: 28.
62 - الله إله واحد: البقرة 2: 136 ،255 < النساء 4: 48،116،171 < المائدة 5: 116-117 < الأنعام 6: 102 < النحل 16: 51 < النور 24: 55 < الإخلاص 112: 1-4.
63 - شرائع من التوراة في القرآن:
أ- وصية السبت: النساء 4: 154 < الأعراف 7: 163،166 < النحل 16: 124.
ب- الوصية الخاصة بإكرام الوالدين: العنكبوت 29: 8 < الأحقاف 56: 15-18.
ج- قانون القصاص بالمثل: البقرة 2: 178 < المائدة 5: 45.
د- شرائع خاصة بالأطعمة: آل عمران 3: 93 < النساء 4: 160 < المائدة 5: 5.
ه- النهي عن الربا: النساء 4: 61.
64 - شريعة تحريم نفس الإنسان: المائدة 5: 32.
65 - نبوة من الكتاب: الإسراء 17: 4،104.
66 - العجل الذهبي: البقرة 2: 53-54،92 < النساء 4: 153 < الأعراف 7: 148-150 < طه 20: 83-85، 87.
67 - عدم نجاح هارون في تحذير بني إسرائيل: طه 20: 90-91.
68 - عودة موسى للشعب: طه 20: 86.
69 - انتهار موسى القوم بسبب خطية العجل: البقرة 2: 54 < الأعراف 7: 151< طه 20: 86.
70 - غضب موسى على هارون: طه 20: 92-94، الأعراف 7: 152.
71 - لعن موسى السامري: طه 20: 95-97.
72 - إسقاء موسى الشعب العجل: البقرة 2: 93.
73 - مغفرة الله خطية عبادة العجل: البقرة 2: 54.
74 - استلام موسى اللوحين من جديد: الأعراف 7: 154.
75 - محاكاة إسرائيل شعباً وثنياً: الأعراف 7: 138-140.
76 - انتخاب موسى سبعين رجلاً: الأعراف 7: 155-156.
77 - جواب الله: الأعراف 7: 156-157.
78 - خطية القوم عند دخولهم القرية: البقرة 2: 58-59 < الأعراف 7: 161-162.
79 - وجوب دخول الشعب إلى الأرض المقدسة: المائدة 5: 21.
80 - رفض الشعب وتحذير يشوع وكالب: المائدة 5: 22-24.
81 - العقاب بالتيهان في القفر: المائدة 5: 26.
82 - مَن تعدوا السبت: الأعراف 7: 163-166.
83 - مُبوَّأ الصدق : يونس 10: 93.
84 - رغبة موسى أن يرى الله: الأعراف 7: 143-144 < وقارن البقرة 2: 55-57.
85 - ثراء قارون وعصيانه: القصص 76: 28 < العنكبوت 29: 39.
86 - تحذير قوم قارون إياه: القصص 28: 76-77.
87 - رد قارون: القصص 28: 87.
88 - تفاخر قارون: القصص 28: 79-80.
89 - سقوط قارون: القصص 28: 81 < قارن العنكبوت 29: 40.
90 - إدراك الآخرين: القصص 28: 82.
91 - تبرير الله لموسى: الأحزاب 33: 69.
92 - ذبح البقرة الصفراء: البقرة 2: 67-70.
93 - كيفية الاسترضاء بالبقرة الصفراء: البقرة 2: 71-72.
94 - قلوب القوم: البقرة 2: 73.
95 - الاثنا عشر قائداً: المائدة 5: 12-13 < قارن السجدة 32: 24.
96 - ميراث بني إسرائيل: الأعراف 7: 137 < قارن المائدة 5: 21 < القصص 28: 5.
97 - اختيار بني إسرائيل: البقرة 2: 47،122 < المائدة 5: 18 < الأعراف 7: 137 < الدخان 44: 32-33 < الجاثية 45: 16.
98 - حض موسى قومه وخطابه إليهم: المائدة 5: 20 < إبراهيم 14: 6-8.
99 - الأسباط: الأعراف 7: 160.
100 - صحف موسى: طه 20: 133< النجم 53: 36، الأعلى 87: 18-19.
101 - موسى في عداد أنبياء الله: البقرة 2: 136 < الأنعام 6: 84-86 < مريم 19: 51-52.
رسل لاحقون لموسى
9 - شاول
فقرات رئيسية: البقرة 2: 246-251.
1 - رسل بعد موسى: البقرة 2: 87.
2 - مطالبة بني إسرائيل بملك بعد موت موسى: البقرة 2: 246.
3 - اعتراض النبي: البقرة 2: 246.
4 - رفض القتال: البقرة 2: 246.
5 - تولّي طالوت شاول الملك: البقرة 2: 247.
6 - عدم رغبة بني إسرائيل في توليه الملك: البقرة 2: 247.
7 - اختيار طالوت: البقرة 2: 247.
8 - أمارات ملك طالوت: البقرة 2: 248.
9 - الابتلاء عند النهر: البقرة 2: 249.
10 - قَبْل القتال: البقرة 2: 249.
11 - الصلاة قبل القتال: البقرة 2: 250.
12 - النصر: البقرة 2: 251.
10- داود وسليمان
فقرات رئيسية: الأنبياء 21: 79-82 < النمل 27: 15-45 < سبأ 34: 10-19 < ص 38: 20-39
1 - إنذار داود: ص 38: 26-29.
2 - الله يعطي داود الملك والحكمة: البقرة 2: 252 < ص 38: 20 < قارن الأنبياء 78: 21 < النمل 15: 27.
3 - قدرة داود على التمييز: ص 38: 26 < وقارن ص 38: 20.
4 - إصدار داود وسليمان الأحكام: الأنبياء 21: 78.
5 - داود والمتخاصمان: ص 38: 21-25.
6 - داود يحمد الله على تفضيله إياه: الأنعام 6: 84 < النمل 27: 15.
7 - داود مؤلف الزبور المزامير: النساء 4: 163 < الإسراء 17: 55.
8 - تسخير الجبال لداود: الأنبياء 21: 79.
9 - استدعاء الجبال والطير لتسبيح الله: سبأ 34: 10 < ص 38: 18-19.
10 - داود يعمل دروعاً: الأنبياء 21: 80 < سبأ 34: 10-11.
11 - داود يلعن الكافرين من بني إسرائيل: المائدة 5: 78.
12 - سليمان خليفة داود: النمل 27: 16 < ص 38: 30.
13 - صلاة سليمان: ص 38: 35.
14 - بصيرة سليمان وحكمته: النمل 27: 15 < وقارن الأنبياء 21: 79.
15 - سليمان يفهم لغة الطير وتسخير جميع الأشياء له: النمل 27: 16.
16 - أمر سليمان الريح: الأنبياء 21: 81 < سبأ 34: 12 < ص 38: 36.
17 - عين القِطر عِرق معدني: سبأ 34: 12.
18 - تحكم سليمان في عالم الأرواح: الأنبياء 21: 82 < سبأ 34: 12-13 < ص 38: 37-39.
19 - ملائكة الفتنة في عصر سليمان: البقرة 2: 102-103.
20 - تفقد سليمان الحيوانات: النمل 27: 17، 20-21.
21 - رجوع الهدهد بنبأٍ عن ملكة سبأ: النمل 27: 22-26.
22 - مسكن سبأ: سبأ 34: 15.
23 - شهوة سبأ خطيتها: سبأ 34: 18-19.
24 - كفر سبأ وعقابها: سبأ 34: 16-17.
25 - سليمانُ يرسل الهدهدَ: النمل 27: 27-28.
26 - تداول ملكة سبأ الأمر مع مستشاريها: النمل 27: 29-35.
27 - رد سليمان: النمل 26: 36-37.
28 - إحضار سليمان عرش ملكة سبأ: النمل 27: 38-40.
29 - تنكير تمويه سليمان عرش ملكة سبأ: النمل 27: 41.
30 - امتحان سليمان الملكة وتضليله إياها: النمل 27: 42-44.
31 - إقرار الملكة بالله: النمل 27: 44.
32 - سليمان والجواد: ص 38: 31-33.
33 - توبة سليمان: ص 38: 34.
34 - سليمان والنملة: النمل 27: 18-19.
35 - موت سليمان: سبأ 34: 14.
11- من رجال الله اللاحقين
فقرات رئيسية: طه 20: 83-84، 87-88 < الصافات 37: 123-130< 139-146 < ص 38: 41-44
1 - إلياس إيليا ينذر القوم: الصافات 37: 123-130.
2 - أليسع أليشع: الأنعام 6: 86 < وقارن ص 38: 48.
3 - الله يمدّ الظل: الفرقان 25: 45-46.
4 - يونس يونان يهرب: النساء 4: 161 < الأنعام 6: 86 < الأنبياء 21: 87< الصافات 37: 139-140.
5 - استصغار يونان قدرة الله: الأنبياء 21: 87.
6 - مساهمة يونان أي سحبه الأسهم: الصافات 37: 141.
7 - الحوت يبتلع يونان: الصافات 37: 142.
8 - صلاة يونان: الأنبياء 21: 87 < الصافات 37: 143-144 < القلم 68: 48.
9 - إنقاذ يونان: الأنبياء 21: 88 < الصافات 37: 145.
10 - إرسال يونان مرة ثانية: الصافات 37: 147، القلم 68: 50.
11 - إيمان مَن أنذرهم يونان: يونس 10: 96-98< وقارن الصافات 37: 148.
12 - إنبات اليقطينة فوق يونان: الصافات 37: 146.
13 - تألم أيوب وصلاته: الأنبياء 21: 83 < ص 38: 41.
14 - الإجابة على أيوب: ص 38: 42.
15 - استعادة أيوب حالة الأولى: الأنبياء 21: 84 < وقارن ص 38: 43.
16 - أيوب يعاقب امرأته: ص 28: 44.
17 - شخصية أيوب: الأنعام 6: 84 < ص 38: 44.
18 - هامان: القصص 28: 6< العنكبوت 29: 39-40< غافر 40: 23-25.
19 - إحياء الموتى: البقرة 2: 243.
20 - عُزَيْر: التوبة 9: 30.
12- الأنبياء
1 - ميثاق الله مع الأنبياء: آل عمران 3: 81 < النساء 4: 69 < العنكبوت 29: 27 < الأحزاب 33: 7.
2 - قتال الأنبياء: آل عمران 3: 146-147 < الأنعام 6: 34،112 < الأعراف 7: 94-95 < الفرقان 20: 25،31 < الزمر 39: 69.
3 - مقتل الأنبياء بغير حق: آل عمران 3: 112 < النساء 4: 155 < المائدة 5: 70-71.
4 - طبقات مختلفة من التفضيل بين الأنبياء: البقرة 2: 136،253 < النساء 4.163 <الأنعام 6: 86-87 < يونس 10: 74 < الإسراء 17: 55 < مريم 19: 41-58 < غافر 40: 78 < الحديد 57: 25.
5 - الأنبياء والتوراة: المائدة 5: 44.
6 - محمد خاتم الأنبياء: الأحزاب 33: 40.
7 - غرض محمد من قصص الأنبياء: هود 11: 120.
8 - سؤال للرسل: المائدة 5: 109.
9 - أصحاب الأخدود: البروج 85: 1-9.
10 - عُزير، أو الخضر: البقرة 2: 259.-المراجع المقترحة
تفاسير للقرآن :
- البيضاوي، عبد الله بن عمر: أنوار التنزيل في أسرار التأويل، 1-2. اسطنبول، بدون تاريخ.
- فخر الرازي، حسين بن علي: مفاتيح الغيب ، 1-32. القاهرة، 1932.
- الخازن، علاء الدين علي بن محمد: لباب التأويل في معاني التفسير، في مجمع التفسير، 1-7. اسطنبول، 1319.
- ابن عباس: تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ، في مجمع التفسير، 1-7. اسطنبول، 1319.
- ابن كثير، أبو الفدا إسماعيل: تفسير القرآن العظيم، 1-4. القاهرة ، بدون تاريخ.
- رضا، محمد رشيد: المنار، 1-10. القاهرة، 1973.
- النسفي، أحمد بن محمود: تفسير النسفي، 1-4. القاهرة، 1961.
- القمي، علي بن إبراهيم: لم يُذكر مكان الطبع. 1313 1895.
- القرطبي، أبو عبد الله محمد: الجامع لأحكام القرآن، 1-10. القاهرة، 1956.
- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، 1-7. بيروت، بدون تاريخ.
- نفس المؤلف، أسباب النزول، بيروت، 1973.
- الطبري، محمد بن جرير: جامع البيان عن تأويل القرآن، تحقيق محمود محمد شاكر وأحمد محمد شاكر، 1-30. القاهرة، 1968.
- الواحدي، علي: أسباب النزول. القاهرة، 1323.
- الزمخشري، محمود بن عمر: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، 1-4. القاهرة ، بدون تاريخ.
الحديث
- أبو داود، سليمان بن الأشعث: سنن، تحقيق محمد محيي الدين، 1-4. بيروت ، بدون تاريخ.
- أحمد بن حنبل: المسند، 1-6. القاهرة، بدون تاريخ.
- البخاري، محمد بن إسماعيل: صحيح، تحقيق مصطفى ديب البغا، 1-5. بيروت، 1990.
- الدارقطني، أبو حسن علي: السنن، 1-2. القاهرة، 1940.
- الدارمي، محمد بن عبد الله: سنن، 1-2. القاهرة، 1944.
- ابن ماجة، محمد بن يزيد: سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، 1-2. القاهرة، 1370/1951.
- مالك بن أنس: الموطأ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، 1-2. القاهرة، 1370/1951.
- مسلم بن الحجاج: صحيح ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، 1-5. القاهرة، 1370/1951-1375/1956.
- النسائي، أبو عبد الرحمن محمد: سنن، 1-2. القاهرة، 1934.
- الترمذي، أبو عبد الله محمد: سنن، 1-5. القاهرة، 1960.
كتب السيرة
- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق Tornberg، لَيدِن، 1868.
- ابن هشام: السيرة النبوية ، تحقيق مصطفى السقا وزملاؤه، 1-4. القاهرة، 1934.
- ابن كثير: الفصول في اختصار سيرة الرسول، القاهرة، 1946.
- البداية والنهاية، 1-14. رياض/ بيروت، 1964.
- ابن سعد: الطبقات الكبرى، 1-9. دار صادر ، بيروت، بدون تاريخ.
- الطبري: تاريخ الأمم والملوك، تحقيق De Geoje، لَيْدِن، 1879-1910.
مؤلفات عامة
- أبياري، إبراهيم: تاريخ القرآن، بيروت، 1964.
- دروزه، محمد عزت: القرآن المجيد، صيدا - بيروت، بدون تاريخ.
- الغزالي، أبو حامد: إحياء علوم الدين: 1-4. القاهرة، بدون تاريخ.
- الحلبي، علي بن برهان الدين: السيرة الحلبية، 1-3. القاهرة، 1962.
- ابن القيم الجوزيه، أحكام أهل الذمة، 1-2. تحقيق صبحي الصالح، دمشق، 1961.
- جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 1-10. بيروت - بغداد، 1948-1973.
- النجار، عبد الوهَّاب: قصص الأنبياء ، القاهرة، بدون تاريخ.
- الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم: الملل والنحل، بيروت، بدون تاريخ.
- شحاتة، عبد الله محمود: تاريخ القرآن، القاهرة، 1972.
- السجستاني: غريب القرآن، القاهرة، 1342.
- صبيح، محمد: بحث جديد في القرآن، القاهرة، بدون تاريخ.
- السيوطي: الإتقان في علوم القرآن 1-2، بيروت، 1973.-مسابقة الكتاب
أيها القارئ الكريم، إن كنت قد درست هذا الكتاب جيداً، فستجاوب على الأسئلة التالية.
1 - ما هو اسم ملك وأسقف وادي نجران؟
2 - أين قابلوا محمداً وأتباعه المسلمين وكم طالت هذه المقابلة؟
3 - من هو عمران في الكتاب المقدس؟
4 - ما هو خطأ محمد الأكبر بشأن مريم المكتوب في القرآن عدة مرات؟ اشرح هذه الآيات.
5 - ما هو الفريد في ولادة مريم في هذه القصة؟
6 - ما هي حلقة الوصل بين زكريا ومريم في القرآن؟
7 - لماذا رُزِقت مريم دائماً بالطعام عندما كانت تصلي؟
8 - ما هو الفرق بين الصلاة والدعاء؟
9 - كم عدد الملائكة الذين ظهروا لمريم بحسب رواية الكتاب المقدس والقرآن؟
10 - ماذا كانت مهمة يحيى الفريدة بحسب القرآن؟ لماذا لم يعلن القرآن عن حَمَل الله؟
11 - لماذا وصف محمدٌ زكريا بأنه لم يستطع الكلام لمدة ثلاثة أيام فقط ؟ ماذا يعني تحريف الحقائق هذا؟
12 - ما هي الصفات البارزة التي خلعها محمد على مريم؟
13 - كيف جعل محمدٌ من مريم مسلمة صالحة؟
14 - ماذا يعني أن الله بشر مريم مباشرةً؟
15 - ما هي ستة ألقاب للمسيح، مكتوبة في قصة البشارة بمولده؟
16 - ما معنى أن محمداً قبل خرافة كلام الطفل يسوع وهو في المهد على أنها وحي؟
17 - ماذا يعني رد مريم الموحي بالنقد ، ورد الملاك؟
18 - من كان معلم المسيح بحسب الآية 48 ، وماذا علَّمه؟
19 - ما معنى أن يُلقَّب المسيح رسول الله في القرآن؟
20 - كيف يُظهر إعلان ألقاب المسيح الثماني في سورة آل عمران الأسلوب الذي حاول به محمد استمالة النصارى للإسلام؟
21 - كم عدد الخطب الأحاديث التي ألقاها المسيح في القرآن؟
22 - ما هي معجزات المسيح الست الواردة في سورة آل عمران؟
23- بأي طريقة يتحدث القرآن عن المسيح بوصفه خالقاً؟
24 - ما معنى أن المسيح يقدر على إحياء الموتى؟
25 - ما يمكن أن يعني علم المسيح بالغيب بالنسبة للمسلم؟
26 - ما معنى إعلان القرآن عن تصديق المسيح على صحة التوراة؟
27 - لماذا يتعين على كل مسلم طاعة المسيح، كما جاء في سورة آل عمران؟
28 - كيف حاول محمد أن يجعل من وفد وادي نجران مسلمين صالحين بعد أن وعظهم عن المسيح المسلم ؟
29 - ما هي الألقاب التي أعطاها محمد لتلاميذ المسيح؟ وما معناها؟
30 - لماذا أقر محمد بأن رسل المسيح كانوا جميعاً مسلمين؟ ولماذا لا يمكننا استعمال هذا اللفظ لإخفاء هويتنا المسيحية؟
31 - ما معنى كون الله في الإسلام خير الماكرين؟
32 - لماذا أنام الله المسيح فقط ، ولم يسمح بصلبه؟
33 - ما معنى أن الله رفع المسيح إليه؟
34 - لماذا جاهر محمد بأن النصارى من طبقة عليا من البشر؟
35 - لماذا اغتاظ محمد من المسيحيين بسبب وجهات نظرهم المختلفة بشأن إيمانهم؟
36 - ما معنى أن الله سيعاقب غير المسلمين عقاباً شديداً؟
37 - كيف شرح محمد بِرَّ المسلمين وثوابهم؟
38 - لماذا لا يمكن أن يحب اللهُ الكافرين في الإسلام ؟
39 - لماذا ادَّعى محمد أن المسيح مثل آدم لا غير؟
40 - ما معنى الصلوات الإسلامية التي تستنزل اللعنات على غير المسلمين؟
41 - ما هي الفروق الأساسية بين قانون الإيمان الإسلامي والمسيحي؟
42 - أين ترد حقوق المسيحيين الشرعية في القرآن؟ وما معنى هذه الآيات؟
43 - لماذا لعن محمد المسيحيين في صلاته ، بأن يقاتلهم الله؟
44 - ماذا كان مصير نصارى وادي نجران في نهاية الأمر؟
45 - ماذا تعلمت من دراستك سورة آل عمران لفائدتك الشخصية ولفائدة كنيستك؟
46 - ما الآيات التي استعملتها حتى الآن في محادثاتك مع المسلمين؟
47 - ما هيقوة المسيحيين السرية ، على النقيض من جهاد المسلمين؟
48 - ما الذي تقوله للمسيح الآن في صلاتك بعد فهمك أسلوب الجدال المنتشر بين عامة المسلمين؟--
1 قال الراغب الأصفهاني في كتابه «معجم مفردات ألفاظ القرآن» ص 290، مادة «صفو»: اصطفاء الله بعض عباده قد يكون بإيجاده تعالى إياه، صافياً عن الشَّوْب الموجود في غيره، وقد يكون باختياره».
2 أحيانا يعتبر الشيعة -من دون عامةِ المسلمين- فاطمةَ بنت محمد وزوجة عليٍ مساويةً لمريم في الكرامة.
3 قال الطبري : الكلمة هو اسم عيسى عيسى < الطبري ج3 ، 269. قال الرازي : يمكن أن يتعيَّن سلطانٌ عادل ظلاً لله على الأرض ونوراً له < لأنه سبب ظل صلاح ونور خير. وهكذا كان عيسى ، حتى تظهر كلمة الله من خلاله... لذلك ليس من غير الجائز أن ندعوه كلمة الله الرازي ج8 ، 48.
4 سورة آل عمران 3: 39، 45، سورة النساء 4: 171، سورة مريم 19: 34.
5 «مكتوب أن الله خلق هذا اللوح كثير الصفحات من لؤلؤة بيضاء. وهو ينظر فيه 300 مرة في اليوم ، ثم يخلق ويرعى ، ويميت ويحيي ، ويكرم ويهين ويصنع ما شاء» الحافظ ابن كثير ، ج 4 ، 497.
6 يمكن أن يعني البرزخ ستارة تحجز بين الموت والعودة إلى الدنيا ، أو هو الحالة بين الموت والقيامة، أو هو أي شيء يفصل بين الدنيا والآخرة الطبري ، ج 18 ، ص 53.
7 آل عمران 3: 49-52 < المائدة 5: 72 و 112-115 و 116-118 < مريم 19: 24-25 و 30-33 < الزخرف 43: 63 < الصف 61: 6 و 14.
8 هي : الكلمة < المسيح < عيسى < ابن مريم < وجيهاً < من المقرَّبين < رسول الله.
9 تحاشى الطبري في تفسيره مناقشة قدرة عيسى على الخلق الطبري ، ج 3 ، ص 275. أما من خلفه من المفسرين : مثل البيضاوي والخازن والنسفي ، فقد حوَّروا معنى هذه الكلمة إلى : يُصوِّر أو يُقدِّر مجمع التفسير ، ج 1 ، ص 498 وما يليها.
10 ورد في الحديث عن محمد أنه قال : يرسل الله البرص للناس. وأنه صلى قائلاً : اللهم، إني أعوذ بك من البَرَص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام أبو داود ، وتر 32 < كتاب التفسير النساء 2 ، استعاذة 32 < ابن ماجة ، تجارات 6 < مسند ج 3، ص 219.
11 يقول الطبري في شرح كلمة مَكَر : مكر الله باليهود الذين أرادوا قتل عيسى. لذلك قال الله لعيسى في الآية التالية : إني متوفيك ورافعك إليَّ. الطبري ج 3 ، 290.
يقول الزمخشري في تفسيره : الله أمكر الجميع ، وهو أشدهم مكراً. وأوقعهم مكراً ، وأشدهم عقابا ًالزمخشري ج 1 ، 432.
وقال الرازي : يمكن أن يكون لمكر الله معانٍ أربعة: 1 رفع عيسى إلى السماء. 2 قتلهم المنافق الذي كان بين الحواريين ظناً بأنه عيسى. 3 دعوة الله ملك فارس ليقهرهم ، فقتل [الكثيرين] منهم وسبى الباقين. 4 يعني مكر الله أنه أضعف وأذل دين اليهود الرازي ج 8 ، 67-68.
12 آل عمران 3: 45-46 ، 55-56 < والمائدة 5: 110-111 ، 116-117.
13 إن المفسرين المسلمين لفي اختلاف كبير بشأن أصل كلمة وفاة. قال ابن عباس : إنِّي متوفيك تعني سأَدَعُكَ تموت أو تُقتَل الطبري ج 3 ، 290. بينما يصرح ابن اسحق أن : الله أمات عيسى ابن مريم ثلاث ساعات ، بعدها رفعه إليه. ويقول ابن اسحق أيضاً : قالت النصارى إن عيسى مات سبع ساعات ، ثم أحياه الله الطبري ج 3 ، 291 < الرازي ج 8 ، 67 < ابن كثير ج 1 ، 360. ويمكن أن تعني متوفيك أن الله سيستوفيه أجره في الدنيا أو يأخذه إليه. وبهذا يكون المفسرون قد حرَّفوا معنى هذا اللفظ واعتمدوا على اقتراحات بعض مَن أسلموا من اليهود الطبري ج 3 ، 290 وما بعدها.
14 سيكون عقابهم في الدنيا بالقتل والسجن والعار ودفع الجزية الخازن ، النسفي في مجمع التفسير ج 1 ، 508.
15 الإسلام يعني إظهار الطاعة في كل أمر يوحيه رسول الله فلا يُهرَق دمه لسان العرب لابن منظور ، بيروت طبعة 1990 ، ج 12 ، 294.
16 لمعرفة الأسباب التي تلغي عقود الحماية ، اُنظر الموردي ، الأحكام السلطانية، بيروت 1883 ، ص 145.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:45 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke