Arabic keyboard |
|
#1
|
||||
|
||||
قراءة في مثل أزخيني "عَمّر وعَلّى وراحْ وخَلَّى" بقلم/ فؤاد زاديكى
قراءة في مثل أزخيني "عَمّر وعَلّى وراحْ وخَلَّى" بقلم/ فؤاد زاديكى المثلُ الشّعبي هو عبارة عن نتاج خبرة حياتيّة أو هو تعبيرٌ عن تجربة, وقد يظهر المثل في حالة عفويّة تكون ابنةَ لحظتها لموقفٍ حصل أو لواقعةٍ وقعت فتصبح بعد ذلك خبرًا ينتشر بفعل التكرار ويُضرب في حالات مشابهة لتلك الحالة التي كانت سببًا في ولادة المثل, ثمّ يشيع هذا المثل ليتمّ تداوله بين النّاس في أزمنة مختلفة متلاحقة. تتكوّن لدى المتتبع للأمثال الأزخينية و القارئ لها صورة واضحة تدعو إلى قناعة مفادُها أنّ هذا الشّعب لم يكنْ جاهلًا و لا متخلّفًا, بل كان يمتلك قدرة لغوية و ملكة خيال استطاع من خلالهما أن يسبك نظم أمثال كانت بها حكمٌ كما كانت فيها بلاغة واضحة ممّا يدلّ على أنّه كان متمكّنًا من اللغة غنيّ المفردات, كما استطاع تطويعَ أمثال في لغات أخرى كالكرديّة و غيرها ليصبّها في قالب لهجته المحكيّة بنجاح واقتدار تشهد على ذلك آلاف الأمثال الغنيّة بالمفردات و المشبعة بالحكمة و أسلوب الوعظ و الإرشاد. من خلال مآثر كلامية منظومة أقرب ما تكون إلى الشّعر و بأسلوب السّجع الواضح المُستساغ و السلس, ليكون وقعُها على المتلقي خفيفًا مقبولًا مرغوبًا دون تكلّفٍ أو صنعة. أمّا في ما يخصّ مضمون هذا المثل أو ذاك أنّه يأتي وفق مقتضى الحاجة الاجتماعية التي كانت الأمّ التي ولدته. أمّا مثلُنا لهذا اليوم " عَمّرْ وعَلَّى وراحْ وخَلَّى" وأحيانًا نقول: "عمّروا و عَلَّوا و راحُوا و خَلَّوا" فلدى التعمّق في دراسته نلاحظ من خلال صياغة أسلوبه ومضمونه أنّه يُشير إلى ظاهرة اجتماعية حياتيّة تشمل جميع الكائنات الحيّة وخاصّة العاقلة منها ألا وهي ظاهرة الانتقال من هذه الحياة و تركها. فالموت سِنّةُ الحياة و هو قدرٌ مكتوبٌ على كلّ الكائنات الحيّة, فالموت هو بداية حياة أخرى جديدة لكنْ من نوعٍ آخر. لدى شرحنا للمفردات الواردة في هذا المثل نرى أنّ (عَمّر) تعني بنى. أشاد. أقام. كأن يبني منزلًا أو قصرًا أو مشروعًا من خلال جهود يقوم بها وعمل دؤوب يكون ذلك حصيلة طبيعيّة لعمله هذا. وكلمة (عَلَّى) تعني رفعَ. وعلّى البناء أي رفعه وجعلهُ عاليًا. أما كلمة (راح) تعني ذهب. غادر. فارق. انتقل. والمقصود هنا أنّه انتقل إلى الأخدار السماوية متوفّىً فلا يعود له وجود في هذه الحياة أو على هذه الأرض. وكلمة (خَلَّى) بمعنى تركَ. نقول (خلّى مرتو شَروحا) أي ترك زوجته لوحدها. والمقصود أنّه بنى البناء والأثر وجهد في أن يُعَلّيه ويزيد عليه ما استطاع ثم يرحل تاركًا وراءه كلّ ما بناه وما فعله. يمكن أن تكون الخلاصة وزبدة الكلام من مضمون هذا المثل بأنّ الحياة فانية ومهما عاش الإنسان فهو سيرحل عنها ذات يوم تاركًا خلفه كلّ ما قام به أو فعله أو بناه أو جمعه. لأنّ الشيء الوحيد الذي يمكن للإنسان أن يأخذه معه من هذه الدّنيا هو كفنه والذي هو (كَمْ ذراع من قماش الچاپان) أمّا ما سيتركه من بعده هو الصيت الحسن والسّمعة الطيبة وأعمال الخير التي قام بها لتكون معينًا له وشاهدًا عندما يمثل أمام الديّان يوم الحساب. أظنّ أنّ هذا المثل يمكن قوله مجازًا كذلك في الشخص الذي ينتقل من مكان إلى مكان آخر أو يهاجر من بلد إلى بلد بعدما يكون أمضى سنواتٍ طويلةً من عمره في البناء والعمل في بلده ليغادر وهو يترك خلفه كلّ هذا. فيُقال: " عَمّرْ وعَلَّى وراحْ وخَلَّى".
|
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|