في معرض مشاركتي قبل قليل على برنامج محطّات و الذي تقدّمه الصّديقة الأديبة هدى كوسى في منتدى هاملت للأدب العربي المعاصر, و شاعر اليوم هو الشاعر الفلسطيني (شكيب جهشان) الذي عاش ملتزمًا و صادقًا في كلّ ما نظمه, أن يكتب الإنسان شعرًا, فهذا ممكنٌ عندما تتوفّر له أسباب نظم الشعر من تمكّنه من اللغة مع فيضٍ من المعرفة و جانب رقيق من الشعور و وعي في الاختيار المناسب للصورة والتّعبير الخ... لكن أن يكون الشاعر إنسانًا, فهذا قد لا يتوفّر في كلّ شاعر, فهناك شعراء البلاط و هناك شعراء البهرجة و التّظاهر, و كذلك شعراء التّماشي مع واقع الحياة بروح انهزاميّة أقرب إلى السلوك اللبلابيّ الطّفيليّ, لكن أن يكون الشاعر ملتزمًا بقضايا الحياة, و أن يكون متفاعلًا مع النّاس و المجتمع من خلال مشاركته لهموم و أوجاع و معاناة هؤلاء النّاس, فهذا إنّما نادرٌ, أجل نادر, فنحن نرى في وقتنا الحاضرِ شعراء يُحاولون التزلّف و إرضاء الآخر, حتّى أنّهم لا يستطيعون التّعبير عن موقفٍ واضح أو رؤية تُعطيهم ميزةً, تدلُّ على شخصيّتهم. عندما يرضى كلّ النّاس على شاعر ما, فإنّ هذا مؤشّر على أنّ هناك خللًا ما أو أمرًا ما في موضعٍ ما لا يسيرُ على الوجهِ الصّحيح, فحين يسايرُ الشّاعر كلَّ النّاس, سواء اختلفَ معهم بالرأي أو اتّفق, فهذه علّة العلل, يجب أن يكون للشاعر موقفًا, أن يكون شخصًا بذاتِه, أن يعبّر عن رأيه كما يؤمن به و يراه, لا أن ينحني لهذا و ذاك, كي ينال تصفيقهم و ترحيبهم أو رضاهم. على الشاعر أن يكون صداميًا في عطائه, أي أن يخالف بعض المتعارفِ عليه, كي تكونَ لهُ بصمة خاصّةٌ به. وهذا ما لمسته في حياة الشاعر الفلسطيني شكيب جهشان, فهو يكتب من روح إحساسه, سواء أرضى بذلك النّاس أم أغضبهم. كثيرٌ مِنَ الأصدقاء يقولون لي: لماذا تختار هكذا مواضيع سواءً في شعرك أو نثرك؟ ألا تعلم أنّ هذا سيجعلك تخسرُ الكثيرَ من المتابعين؟ و يكون ردّي الدّائم على مثل هذه الأسئلة: لستُ مكترثًا بكثرة عدد المتابعين, لكنّي أهتمّ بصدقي و مصداقيتي مع النّفس و الآخرين أكثر من أيّ موقفٍ آخر, فبماذا ينفعُ الإنسانُ لو ربحَ العالمَ كلَّهُ و خسرَ نفسَه؟ أجل عندما أسعى لإرضاء هذا أ ذاك فإنّي بهذا أخسر نفسي و ثقتي بنفسي و أخون مبادئي, لا أستطيع التّفاعل مع موقف أو فكرة لا أشعر بها, و لا أرضى لنفسي أن أكون مطيّةً لأيّ أحدٍ كي يمرّ فوق كرامتي بكلمة استحسان أو بموقفٍ مُشجِّع. أكتب الذي أحسّ به و يتوافق مع مبدئي في الحياة و مع نهجي الفكريّ و التزامي بإنسانيّتي. لا يهمّني أيّ تطبيل أو تزمير أو تصفيق من أيّ أحد على حساب كرامتي و قناعتي. فالإنسان موقفٌ و بانعدام الموقف ينعدم معنى وجوده.