مشاركتي في أكاديمية العبادي للأدب و السلام على فقرة ماذا لو... تبدّلت الأحوال. إعداد و تقديم د. سيليا علي بإشراف الدكتورة شهناز العبادي
ماذا لو تَبَدَّلَتِ الأَحْوالُ مِن حالٍ إِلى حالٍ؟ ماذا لو صارَ الحاكِمُ مَحْكومًا، و الظّالِمُ مَظْلومًا، و الغَنِيُّ فَقِيرًا و الفقيرُ غنيًّا؟ لا شَكَّ أَنَّ هذِهِ التَّحَوّلاتِ سَتَفْتَحُ أَبْوابًا كَثِيرَةً لِلتَّأَمُّلِ في طَبيعةِ الحَياةِ وَ ظُروفِها المُتَقَلِّبَةِ. فَالحاكِمُ، الَّذي كانَ يَتَحَكَّمُ في مَصائِرِ الآخَرينَ وَ يُصْدِرُ الأَوامِرَ، سَيَتَذَوَّقُ طَعْمَ الخُضوعِ وَ الانْقِيادِ، وَ سَيُدْرِكُ مَعْنى المَسْؤُولِيَّةِ مِن مَنْظورِ المَحْكومينَ. سَيَشْعُرُ بِالضُّغوطِ الَّتي يَعيشُها المُواطِنُ البَسيطُ، وَ سَيُدْرِكُ كَيْفَ أَنَّ القَرارَ الَّذي يُتَّخَذُ مِن قِمَّةِ السُّلْطَةِ قَدْ يَحْمِلُ أَثَرًا بَعيدًا في حَياةِ الأَفْرادِ.
أَمَّا الظّالِمُ الَّذي لَطالَما اسْتَغَلَّ قُوَّتَهُ وَ سُلطَتَهُ لاضْطِهادِ الآخَرينَ، فَسَيَجِدُ نَفْسَهُ في مَوْقِفِ المَظْلومِ، حَيْثُ لا مَلْجَأَ لَهُ سِوى الصَّبْرِ وَ التَّحَمُّلِ. سَتُعَلِّمُهُ هذِهِ التَّجْرِبَةُ دُروسًا قاسِيَةً في العَدْلِ وَ المُساواةِ، وَ سَيَتَمَنَّى لَوْ لَمْ يَقْسُ يَوْمًا على مَنْ كانوا تَحْتَ رَحْمَتِهِ. سَيَشْعُرُ بِعَجْزِهِ أَمامَ الظُّلْمِ، الَّذي ذاقَهُ، وَ سَيَرى بِأُمِّ عَيْنِهِ كَيْفَ أَنَّ دَوْرَةَ الحَياةِ تَدُورُ وَ لا تَبْقَى الأَحْوالُ كَما هِيَ. فلو دامتْ لغيرِكَ، لما وَصلتْ إليكَ.
وَ أَخيرًا، الغَنِيُّ، الَّذي كانَ يَنْعَمُ بِالرَّفاهِيَةِ وَ التَّرَفِ، سَيُصْبِحُ فَقِيرًا يُعانِي مِن الحِرْمانِ. سَيَتَعَلَّمُ أَنَّ المالَ لَيْسَ دائمًا سَبيلًا لِلسَّعادَةِ، وَ أَنَّ الفَقْرَ يُثْقِلُ كاهِلَ صاحِبِهِ بِمَسْؤُولِيّاتٍ وَ احْتِياجاتٍ يَومِيَّةٍ قَدْ لا يَشْعُرُ بِها مَنْ يَمْلِكُ الثَّرْوَةَ. سَيَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ شارَكَ أَموالَهُ مَعَ الفُقَراءِ في أَيّامِ غِناهُ، وَ سَيَفْهَمُ أَنَّ العَطاءَ وَ الكَرَمَ هُما السَّبيلُ الحَقيقيُّ لِلرّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ وَ الإِنْسانِيَّةِ.
إِنَّ تَبَدُّلَ الأَحْوالِ هُوَ تَذْكيرٌ لَنا بِأَنَّ الدُّنْيا مُتَقَلِّبَةٌ، وَ لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَغْتَرَّ بِما يَمْلِكُ أَوْ بِما هُوَ عَلَيْهِ، فَالعَدْلُ الحَقيقيُّ أَنْ نُعامِلَ الآخَرينَ كَما نُحِبُّ أَنْ يُعامِلونا، وَ أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ السُّلْطَةَ وَ المالَ وَ القُوَّةَ كُلَّها عَوارِضُ زائِلَةٌ.
المانيا في ١٣ اوكتوبر ٢٤