Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
الأسد وولاية الثعالب بقلم/ فؤاد زاديكى القسم الرابع
الأسد وولاية الثعالب بقلم/ فؤاد زاديكىالقسم الرابع عندما لم يَعُدِ الثعلبُ ومرافقوه عند المساء إلى الولاية أيقنَ عقلاءُ الثَّعالبِ بأنّ مكروهًا قد حصلَ لهم, فإمّا أنْ يكونَ الأسدُ الملكُ قد سجنهم أو نفاهم إلى ولايةٍ أخرى أو أنّه قضى عليهم وأزالَ وجودَهم من خارطةِ الكون, وكان هذا الأخيرُ هو من أكثرِ التّخمينات التي دارت في رؤوس القوم وما اعتبروهُ شبهَ حقيقةٍ أو أمرًا باتَ مفروغًا منه. قرّرَ الثّعالبُ في اليوم التّالي عقدَ جلسةٍ استشاريّةٍ بعدما تأكّدَ لهم موتُ الثَّعلبِ القائدِ والثّعالبُ التي رافقتهُ - من مصدرٍ موثوق به أوردَ إليهم نبأ الفاجعة - وكان أن قرّروا إعلانَ الحِدادِ العامّ لمدّةِ ثلاثة أيّامٍ يتمّ خلالَهُ وقفُ جميعِ الأعمالِ والأنشطةِ في الولايةِ حزنًا على واليهم الذي افتقدوا فيه عنصرًا من العناصرِ التي كانتْ تجلبُ لهم الخيرَ وتعملُ على استقرارِ الولايةِ وتَثبيتِ حالِ الأمنِ والذي كان يشعرُ به كلُّ مواطنٍ من مجتمع الثعالب في هذه الولاية, على أنْ يتمّ عقدُ اجتماعٍ موسّع بعد انتهاءِ فترةِ الحِدادِ المُعلنة ليتمّ الاتفاقُ على صيغةٍ انتخابيّة أو اتفاقيّةٍ يتمّ بموجبِها اختيارُ خَيرِ خَلَفٍ لِخَيرِ سَلَفٍ كما هو معمولٌ بهِ في الكثير من المجتمعاتِ الحيوانيّة على امتدادِ رُقعة الغابةِ الواسعةِ الأرجاء. لمْ يكنْ من المتوقّع لدى عقدِ الاجتماعِ أنْ تظهرَ وجهاتُ نظرٍ متعددة ومختلفة بلْ كان مؤملاً أنْ يتمّ الاختيارُ بهدوءٍ على غرارِ ما علّمهم الثعلبُ الحكيمُ وما كان يسيرُ على هَديه من التشاورِ والأخذِ بالآراءِ الصائبةِ وأدرك بعضُ الثعالبِ أنّ أثرَ غيابِ الثّعلبِ الحكيمِ عنِ السّاحةِ بدأ يظهرُ ويتبلورُ مِنْ خلالِ خلافاتٍ بِوجهاتِ النَّظرِ وتقاطعاتٍ في المصالحِ الشّخصيّةِ, والتي لم تكنْ في يومٍ من الأيّام موضوعَ بحثٍ أو تثيرُ شيئًا من انتباهٍ لمثلِ هذه العواملِ أو اكتراثًا بها, لأنّ الجميعَ كان يعملُ على تَغليبِ المصلحةِ العامّةِ على جميعِ المصالحِ الأخرى مهما كانت. لم يَكُنِ الثَّعالبُ الزّعماءُ يعلمونَ أنّ جاسوسًا يعملُ لصالحِ الأسدِ انخرطَ في صفوفِهم وهو الذي نقلَ جميعَ الأخبارِ إلى ملكِ الغابة وأنّ مَقتلَ الثّعلبِ ورفاقهِ ما كانَ إلاّ بوشايةٍ منهُ, فهو استطاعَ بِفِعلِ تَلاعُبِه واستغلالِ ظروفِ البلبلةِ التي ظهرت بين صفوفِهم من اختراقِ هذه الصّفوف ومِنَ التأثيرِ على بعضِ هؤلاءِ الثّعالبِ وجرّهم إلى طرفِه من حيث موافقتهم على الآراءِ التي كانَ اقترحَها وتمّ ذلك كلُّهُ بتخطيطٍ من الأسدِ وبتشجيعٍ ودَعمٍ منهُ, وهذا ما كان يسعى إليه منذُ زمنٍ طويلٍ ويرغبُ بِتحقيقِهِ في هذه الولايةِ لتصيرَ كالخاتَمِ في يدِهِ. وكان الاتّفاقُ قد تمّ بين الأسدِ وهذا الثّعلبِ المندسّ لِيقضي بِموجبِهِ على الثّعلب الحكيم فيصير هو الحاكم على الولاية بأمرِ الملك وقال الثّعلبُ الجاسوسُ للأسدِ قبل أنْ يتمّ تدبيرُ هذا المقلب المُميت للثعلب الحكيم: إنّي بعد تسلّمي منصبَ الزّعامةِ, والذي لا أحلم أنْ يصيرَ إليّ في يومٍ من الأيّام فإنّي أَعِدُ جلالةَ الملكِ المعظّمِ بأنّي سأكونُ عصاهُ المُطاعةَ والضاربةَ بقوّةٍ في هذهِ الولايةِ كما سأظلُّ يدَهُ الأمينةَ التي لا تعملُ إلاّ بتعاليمِهِ وإرشاداتِهِ وليس كما كانَ يفعلُ المغدورُ به. اقترحَ أغلبيّةُ العقلاءِ والمستشارين أحدَ الثّعالبِ ليصيرَ واليًا عليهم غيرَ أنّ طرقَ اللّعِبِ على الحبالِ التي قام بها هذا الثعلبُ الجاسوسُ كانتْ أحدثتْ شَرخًا في وحدتِهم وبلبلتْ أفكارَهم وعقّدتْ أمورَهم ووضعتهم في حَيرةٍ من أمورهم لم يَجِدوا مخرجًا منها. احتجّ الثعلب الجاسوس بادئ ذي بدءٍ مُعْتَبِرًا أنّ هذا العملَ مخالفٌ للقانون وأنّه ليس مِنَ الجائزِ أنْ يتمّ التّعيينُ قائِلًا: أعلمُ أنّ أحدًا لنْ يربحَ بِطريقِ الانتخابِ كذلك نظرًا للمواقفِ المختلفةِ والمُتَباينَةِ إذْ لا نرى أكثريّةً مِنّا توافقُ على شخصٍ بعينِهِ وإنّي أرى فكرةً جيّدةً خطرتْ على بالي وسوف أقترحُها عليكم فإذا لَقِيَتْ استِحسانًا و قبولًا فعلى بركةِ الله ومتى لا تقبلوا بذلكَ فإنّنا سنحاولُ خَلْقَ الحلِّ البديلِ الذي سيُجنّبنا الفُرقةَ والعصبيّةَ والتضعضعَ. سألَه الثّعلبُ الأكبرُ عمرًا من كلِّ الثّعالب: ما هو اقتراحُكَ يا عزيزي؟ فرَدّ الثعلبُ الجاسوسُ: أقترحُ أنْ يَحْكُمَ كلٌّ مِنّا لِمُدّة مُحدّدةٍ مِنَ الزّمانِ وليسَ ثعلبٌ واحدٌ لكلِّ الزَّمانِ. نظرَ الجميعُ إليهِ وصارَ كُلٌّ منهم يتأمّلُ الوجوهَ المتواجدةَ وكأنّ لسانَ حالِهم يقولُ واللهِ معهُ حَقّ. مِنْ أينَ جاءَ بهذهِ الفِكرةِ الجُهنّميّة, والتي لم تخطرْ لنا على بالٍ طيلةَ هذهِ السّنواتِ؟ نالَ اقتراحُ الثّعلبِ القبولَ بعد المشاورات التي تمّ تبادلُها بين الجماعة وقال أحدُهم إذًا فهلْ أنتم موافقون على هذهِ الفكرةِ وهذا المبدأ؟ أجابَ الجميعُ بِنَعَمْ! فقالَ الثّعلبُ الجاسوسُ وأرى ألاّ تكونَ المدّةُ طويلةً فيكفي لكلِّ واحدٍ مِنّا أنْ يتولّى إدارةَ شؤونِ الولاية لمدّة ثلاثةِ أشهرٍ ثم يأتي الثّاني والثّالث وهكذا إلى أنْ تنتهي الدّورة ومن ثم تتكرّر الدّورةُ مِنْ جديدٍ ومَنْ يستطيعُ أنْ يُديرَ شؤونَ الولايةِ على نحوٍ أفضلَ تكونُ له الرئاسةُ الدّائمةُ وبِموافقةِ الجميعِ. أُعْجِبَ الجميعُ بهذا المُقترحِ, الذي خفّفَ عنهم أعباءَ خلافاتٍ ونزاعاتٍ وانشقاقاتٍ, هُمْ بغنىً عنها – خاصّةً في هذهِ الفترةِ الحَرِجةِ مِنْ عمرِ الولاية - وتمّ الاتفاقُ على أنْ تكونَ البدايةُ بِحَسبِ أعمارِ الثَّعالبِ مِنَ الأكبرِ عمرًا فالأصغر منهُ وهكذا دواليك. وعلى هذا النّحوِ مِنَ الاتّفاقِ بدأ الثّعلبُ الأوّلُ حُكْم ولايتِهِ. يتبع... التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 26-04-2024 الساعة 04:37 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|