Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الثقافي > موضوعات متنوعة

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-01-2009, 04:38 PM
فايز محمد فايز محمد غير متواجد حالياً
Junior Member
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 9
Smile التغيير الذي طرأ على أحكام أهل الذمة في الدول العلمانية

تحيّة لكم أيّها الأخوة في هذا المنتدى الرائع


هذا كتاب : الجامع في طلب العلم الشريف
لمؤلفة الشيخ : عبدالقارد عبدالعزيز إنقر هنا للتتعرف على سيرتة

بدأت بقراءة الكتاب منذ سنه واليوم انتهيت منه مكوّن من اكثر من 1100 صفحة تستطيع تحميل الكتاب من موقع مشكاة هنا

أنقل لكم ما قاله بشأن النصارى ببلاد المسلمين وهو كلام خطير واهدار ارواح أبرياء لا تخلوا مكتبة منزلية لأي سلفي الا وتجد كتبة واستغرب وجودها في مكتبةجرير لأني رأيت هذا الكتاب قبل سنه ولا ادري ان كان موجود اليوم ام لا . بالرغم ان المدعو عبدالقادر منظم للحركات الجهاديةو الأخوان, وللجهاديين

الشيخ كلما تطرّق للعلمانيين الا ويصفهم " بالكفرة" العلمانيين الكفرة

ثانياً : أنّه أهدر دماء النصارى الذين لا يدفعون الجزية وتفرض عليهم العهدة العمرية في الدولة الإسلامية وفي الحقيقة أنّه أفحم بعض المفكرين الاسلاميين أو شيوخ المكيجة كعمرو خالد والجندي وغيرهم .الذين يقولون ان العهده كانت مجرد سياسية وقدم الأدلة الكافية لدحض شبهاتهم التي تعتبر واهية بالنسبة له .
انقل لكم اهم ماجاء في المجلد الثاني من الصفحة 1055 الى 1065


ثانيا: أحكام أهل الذمة في دار الإسلام.
وأما ما جـرى عليه العمـل بشـأن أهـل الذمـة في ديار الإسلام فهو إلزامهم بدفع الجزية (وهى مبلغ من المال يدفعه الرجال البالغون منهم سنوياً) وجريان أحكام الشريعة عليهم وإلزامهم بالشروط العمرية أو العهد العمري، وذلك مقابل إقامتهم في دار الإسلام مع أمنهم على أنفسهم وأموالهم.
وقــد وردت الشـروط العمــرية في معظم كتب الفقه المبسوطة، وننقل هنا ما قال ابن القيم رحمه الله (قال عبدالله بن الإمام أحمد: حدثني أبو شرحبيل الحمصي عيسى بن خالد قال: حدثني عمر أبو اليمان وأبو المغيرة قالا: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدثنا غير واحد من أهل العلم قالوا: كتب أهل الجزيرة إلى عبدالرحمن بن غنم: «إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا على أنا شرطنا لك على أنفسنا ألا نحدث في مدينتا كنيسة، ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ماخرب من كنائسنا ولا ماكان منها في خطط المسلمين، وألا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولانؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً، وألا نكتم غشاً للمسلمين، وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا، ولانظهر عليها صليباً، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وألا نخرج صليباً ولا كتاباً في سوق المسلمين، وألا نخرج باعوثاً ــ قال: والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر ــ ولاشعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وألا نجاورهم بالخنازير ولاببيع الخمور، ولا نظهر شركاً، ولا نرغّب في ديننا، ولاندعو إليه أحداً، ولانتخذ شيئاً من الرقيق الذي جرت عليه سهام المسلمين، وألا نمنع أحداً من أقربائنا أرادوا الدخول في الإسلام، وأن نلزم زيّنا حيثما كنا، وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فَرْق شعر ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم، ولانكتنى بكناهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا ولانفرِق نواصينا، ونشد الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش خواتمنا بالعربية، ولانركب السروج، ولانتخذ شيئاً من السلاح ولانحمله، ولانتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ونرشدهم الطريق، ونقوم لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس، ولانطلع عليهم في منازلهم، ولانعلم أولادنا القرآن، ولايشارك أحد منا مسلماً في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من أوسط مانجد. ضَمنا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا، وإنْ نحن غيَّرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا، وقَبِلْنا الأمان عليه، فلا ذمة لنا، وقد حل لك منّا مايحل لأهل المعاندة والشقاق».
فكتــب بذلك عبدالرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه عمر «أن أمضِ لهم ماسألوا، وألحق فيهم حرفين أشترطهما عليهم مع ماشرطوا على أنفسهم: ألا يشتروا من سبايانا، ومن ضرب مسلماً فقد خلع عهده».
فأنفذ عبدالرحمن بن غنم ذلك، وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط.
قال ابن القيم (وشهـرة هـذه الشـروط تغنــي عن إسنــادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم، واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها) (أحكام أهل الذمة) لابن القيم جـ 2 صـ 657 ــ 664، ط دار العلم للملايين 1983م.
وقد اشتملت الشروط العمرية على عدة مسائل
ــ منها ما يتعلق بأحكام البِيَع والكنائس والصوامع وما يتعلق بها.
ــ ومنها ما يتعلق بإخفاء شعار دينهم.
ــ ومنها ما يتعلق بإخفاء منكرات دينهم.
ــ ومنها ما يتعلق بتميزهم عن المسلمين في اللباس والشعور والمركب.
ــ ومنها ما يتعلق بالتزامهم ترك كل مايضر الإسلام والمسلمين.
ــ ومنها ما يتعلق بأحكام ضيافتهم للمارة.
ــ ومنها ما يتعلق بترك إكرامهم وإلزامهم الصغار الذي شرعه الله تعالى.
نقلت هذا بتصرف من (أحكام أهل الذمة) لابن القيم، 2/665 ــ 666، ومن (اقتضاء الصراط المستقيم) لابن تيمية، ط المدني، صـ 121 ــ 123.
وهنــاك أمــران أساســيان لاتنعقــد الذمــة بدونهــما لم يذكــرا في الشروط العمرية، وهما أداء الجزية وجريان أحكام الإسلام عليهم. قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله (ولايجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين: أحدهما: أن يلتزموا إعطاء الجزية في كل حول، والثاني: التزام أحكام الإسلام وهو قبول مايُحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم، لقول الله تعالى «حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون») (المغني والشرح الكبير) 10/572. والصغار هو التزامهم لجريان أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، ذكره ابن القيم وغيره (أحكام أهل الذمة) 1/ 24.
وقــد ذكــر ابن تيمية الشــروط العمــرية بإسنــاد صحيـح، انظــر (الصــارم المسلـول) صـ 208، و (اقتضــاء الصراط المستقيم) صـ 120. وقال ابن تيمية (وهذه الشروط أشهر شيء في كتب العلم والفقه، وهى مجمع عليها في الجملة بين العلماء من الأئمة المتبوعين وأصحابهم وسائر الأئمة، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة منها)(اقتضاء الصراط المستقيم) صـ 121. وقال ابن تيمية أيضا (وهذه الشـروط مازال يجددها عليهم من وفقه الله تعالى من ولاة أمور المسلمين) (مجموع الفتاوى) 28/ 654.
وقد ظــل العمــل جاريا في بلاد المسلمين وفق هذه الشروط عبر القرون، وأورد المؤرخون في كتبهم تجديد السلاطين المسلمين لهذه الشروط العمرية على أهل الذمة، وانظر على سبيل المثال وثيقة تجديد السلطان الناصر محمد بن قلاوون للعهــد العمــري على أهــل الذمـة عام 700 هـ، أوردها القلقشندي في (صبح الأعشى) 13/ 378، 387.
ثالثا: التغيير الذي طرأ على أحكام أهل الذمة في الدول العلمانية:
واستمر العمــل على ذلك حتى أواخــر القرن الثاني عشر الهجري ــ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ــ حين تدهورت أحوال الدولة العثمانية وولاياتها المختلفة واتجهت نحو العلمانية بصورها المختلفة من تحكيم القوانين الوضعية بدلا من أحكام الشريعة، واقتباس النظام الديمقراطي الغربي الذي يمنح السيادة للشعب كسلطة عليا بدلا من سيادة حكم الله تعالى في الإسلام، وكان من آثار العلمنة بناء الدولة على أساس المواطنة (والتي تعني التسوية بين جميع السكان في الحقوق والواجبات دون النظر إلى هويتهم الدينية) بدلا من اعتماد الهوية الدينية التي تقسم السكان إلى مسلمين وأهل ذمة. وكان هذا هو نهاية العمل بأحكام أهل الذمة وسقط هذا المصطلح من الدساتير العلمانية التي تبنت فكرة المواطنة في سائر بلدان المسلمين اليوم، حتى أصبح المسلم من غير أهلها يعامل كغريب ٍ وأجنبي عنها، في حين يُعامل الكافر من أهلها كمواطن له سائر الحقوق.
تقــول إحـدى الباحثات، د. سميرة بحــر ــ في وصف تطور الأحوال في بلدٍ كمصر ــ (ومضت الحكومـات الإسلامية المتعاقبــة في معاملــة لاتوصف في جملتها بأنها سيئة باستثناء أمرين: أولهما: دفع الجزية التي كانت مظهرا من مظاهر الدولة الثيوقراطية (ويلحق بذلك عدم السماح لهم بحمل السلاح، وعدم قبول شهادتهم ضد المسلمين في المحاكم.. الخ). وثانيهما: هدم الكنائس التي كان العامة وطغام الناس يفعلون بها ذلك في ثوراتهم، ثم لايلبث النصارى أن يؤذن لهم في إعادة بنائها بأمر الحاكم المسلم. وجاء في العهد المنسوب إلى الخليفة عمر بن الخطاب «وليس لكم أن تظهروا الصليب في شيء من أمصار المسلمين ولاتبنوا كنيسة ولا موضع مجتمع لصلاتكم، لاتضربوا بناقوس» ــ إلى أن قالت: ــ استمر تقدم الأقباط في الحياة العامة الحديثة مع إخوانهم المسلمين خاصة وأن الوالي سعيد ــ حاكم مصر ــ أدخلهم في صلب الدولة، لأنه كان يريد على الأخص إخراج الأتراك من الوظائف المدنية والحربية، فبدأ يعتمد بدرجة أكبر على المصريين ويفسح لهم المجال واسعا في وظائف الدولة والجيش، واقتضى هذا النزوع المصري منه أن يزيل آخر عقبات الاندماج بين عناصر المصريين باصدار قرار قبول المسيحيين في الجيش وتطبيق الخدمة العسكرية عليهم. فنصّ الأمر العالي الصادر في جمادى الأولى 1272 هـ على أن «أبناء الأعيان القبط سوف يدعون إلى حمل السلاح أسوة بأبناء المسلمين وذلك مراعاة لمبدأ المساواة». وكان قد أصدر أمره قبل ذلك بالغاء الجزية المفروضة على أهل الذمة في ديسمبر 1855 م ــ إلى أن قالت ــ وفي عهد الخديوي إسماعيل أيضا تم تعيين قضاة من الأقباط في المحاكم كما ألمحنا. وهو أمر لايقل أهمية عن التمثيل بالمجالس التشريعية، وتلازم هذا التطبيق مع إلغاء المجالس القضائية القديمة التي كانت تقتصر على القضاة من المسلمين وحدهم مع إحلال محاكم أهلية محلها. فلزم تعيين القضاة بصرف النظر عن الدين ليتكون قضاء يخضع له المصريون بصرف النظر عن الدين أيضا، وكانت دلالة الأمرين السابقين معا (أي تقبل المدارس الأميرية للمصريين جميعا وتعيين قضاة من القبط في المحاكم) هو البدء في بناء مؤسسات الدولة على قاعدة المواطنة وعلى الأساس المدني العلماني) أهـ. من كتاب (الأقباط في الحياة السياسية المصرية) للدكتورة سميرة بحر، ط مكتبة الأنجلو المصرية، ط 2، 1984، صـ 35 ــ 38. وقد أدرجت في السياق كلمة ــ حاكم مصر ــ وهذا الكلام يهمنا منه السرد التاريخي، وإلا فإن المؤلفة قالت كلاماً مكفراً، وهو وصفها الجزية بأنها أمر سييء، وهى أمر الله تعالى في قوله (حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) التوبة 29. وإن كنت لا أدري أمنتسبة للإسلام هى أم نصرانية؟. كذلك ماذكرته من إعادة بناء الكنائس هو أمر غير مشروع وتهاون من الحكام المسلمين، وتفصيله بمجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 28 صـ 632 ومابعدها.
وبإسقــاط الجــزية عن أهــل الكتـاب وبمساواتهم بالمسلمين بما يعني مخالفة الشروط العمرية يكون عهدهم قد انتقض وعادوا كفاراً محاربين. قال الشوكاني رحمه الله (ثبوت الذمة لهم مشروط بتسليم الجزية والتزام ماألزمهم به المسلمون من الشروط، فإذا لم يحصل الوفاء بما شُرط عليهم عادوا إلى ماكانوا عليه من إباحة الدماء والأموال، وهذا معلوم ليس فيه خلاف، وفي آخر العهد العمري: فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم مايحل من أهل العناد والشقاق) (السيل الجرار) للشوكاني، 4/ 574. وقد سبق كلام ابن قدامة في نفس المعنى.
وسواء كان انتقـاض عهد الذمة من جهتهم أو من جهة الحاكم الكافر كما صنع الخديوي سعيد ومن تلاه في حكم مصر، فإن هذا لايؤثر في النتيجة، فالكافر لايعصم نفسه وماله من المسلمين إلا أمان معتبر من جهتهم، فإذا عدم الأمان سقطت عصمته. وهذا مثال لما وقع بشتى بلدان المسلمين.
وأتى البعـض بشبهــة فقالوا: وماذنبهم ــ أي أهل الكتـاب ــ إذ كان انعدام عقد الذمة ليس من جهة امتناعهم عنه بل من جهة غياب الدولة الإسلامية، ولعلها لو وجدت لدخلوا في الذمة؟.
والـجواب: أن هذه شبهة فاسدة لأنها من الاحتجاج الفاسد بالقدر، فقيام دولة الإسلام أو ذهابها شئ قدّره الله، فإن وجدت وجدت معها أحكام معينة هذا منها، وإن ذهبت زالت هذه الأحكام. وهذا يشبه قول من قال ماذنب هذا الكافر المقلد لأبويه الكافرين ولعله لو ولد لأبوين مسلمين لكان مسلماً، هذا شئ قدّره الله، ولايحتج بقدر الله لإبطال شرع الله، كالذين ذمهم الله في قوله تعالى (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله، قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، إن أنتم إلا في ضلال مبين) يس 47، فاحتج هؤلاء بالقدر (وهو أن الله أراد جوع هذا الجائع ولو شاء لأطعمه) على إبطال الشرع (وهو أمرهم بالإنفاق والصدقة)، فحكم الله تعالى بضلال من يحتج بمثل هذا فقال سبحانه (إن أنتم إلا في ضلال مبين). فكذلك أصحاب هذه الشبهة احتجوا بالقدر (وهو إرادة الله تعالى زوال دولة الإسلام) على إبطال الشرع (وهو أن الكافر غير المعاهد مهدر الدم والمال) فنجيبهم بقول الله تعالى (إن أنتم إلا في ضلال مبين).
وأضيـف فأقـول إن إسقـاط أحكــام أهــل الذمــة في بلـد كمصــر قد قـوبل بارتياح وترحيب كبيرين من النصارى، وتبع ذلك مقاومتهم لأي توجه إسلامي للحكومة العلمانية بمصر بداية من مهاجمتهم لفكرة الجامعة الإسلامية التي نادى بها جمال الدين الأفغاني في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وانتهاء باعتراضهم على تطبيق أحكام الشريعة عليهم إذا كان في نية الحكومة المصرية العمل بها أو ببعضها، ومن هذا الباب تقدم الأزهر ووزارة العدل بمشروع قانون الحدود إلى مجلس الشعب لإقراره عام 1977م، وتجمد المشروع في خزانة مجلس الشعب، ولكن هذه الخطوة قوبلت برد فعل عاصف من جهة النصارى فعقدوا مؤتمرهم بالاسكندرية في 17/1/1977م حضره كبيرهم شنودة وسائر ممثلي الأقباط وأصدر المؤتمر بياناً طالب فيه بالغاء مشروع قانون الردة واستبعاد التفكير في تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين. انظر (المرجع السابق) لسميرة بحر، صـ 156، وكتاب (المسألة الطائفية في مصر) ط دار الطليعة 1980م، صـ 36 ــ 37. وطلبهم الأخير هذا يعتبر نقضاً جماعيا لعقد الذمة لو افترضنا وجوده وسريان مفعوله حينئذٍ.
وبعد: فقد كان هذا عرضـاً موجـزاً لما كان عليه الحال وما آل إليه بشأن أهل الكتاب في بلاد المسلمين، ومع أنه لا يوجد اليوم على ظهر الأرض من يسمون بأهل الذمة، إلا أن هذا لا يمنع من دراسة الموضوع ومعرفة أحكامه خاصة بالنسبة لطلاب العلم المتخصصين، وليدركوا التحريفات التي أراد بعض العصريين إدخالها عليه.
وعلى هذا فسوف أذكر فيما يلي المراجع الأساسية لدراسة هذا الموضوع، ثم أذكر بعض الكتب المعاصرة التي اشتملت على تحريفات في هذا الموضوع وذلك للتحذير منها.
رابعا: المراجع الأساسية لدراسة هذا الموضوع.
1 ــ كتاب الجــزية بكتاب (المغـني) لابن قدامة، وقد ورد في آخر كتاب الجهــاد، وهو في (المغني مع الشرح الكبير) في جـ 10 من صـ 567 إلى آخره.
2 ــ كتــاب الجـزية بصحيح البخاري مع شرحه، وهو في (فتح الباري) 6/ 257 ــ 285.
3 ــ كتاب (أحكـام أهل الذمــة) لابن القيم، في مجلدين طبع دار العلم للملايين، وهو أوسع مرجع في هذا الموضوع. وله مقدمه لمحققه الدكتور صبحي الصالح ولآخر اسمه د. محمد حميد الدين، كلاهما أتى بأخطاء فاحشة سأعرضها ضمن نقد كتابات المعاصرين إن شاء الله.
4 ــ أبــواب الجـزية في كتب السياســة الشرعيـة، (كالأحكــام السلطانيــة) للمــاوردي، و(الأحكـام السلطانية) لأبي يعلى، و(تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام) لبدر الدين بن جماعة، وهذا الكتاب الأخير قد نبهت على بعض أخطاء محققه د. فؤاد عبدالمنعم من قبل عند الكلام في كتب السياسة الشرعية فلتراجع هناك.
5 ــ كتاب (اقتضــاء الصراط المستقيم مخالفــة أصحاب الجحيم) لشيخ الإسلام ابن تيمية، تناول فيه بعض أحكام أهل الذمة.
6 ــ القسم الأخير بالمجلد الثامن والعشرين من مجموع فتاوي ابن تيمية، وقد تكلم فيه عن أحكام بناء الكنائس وهدمها وأحكام الوقف عليها في دار الإسلام، راجع جـ 28 صـ 601 ــ 668، من (الرسالة القبرصية) إلى آخر المجلد.
7 ــ كتاب (الصــارم المسلول على شاتم الرسول) لابن تيمية، وقــد اشتمــل على بعــض أحكــام أهـل الذمة.
فهذه أهم مراجع هذا الموضوع (أحكام أهل الذمة)، والتي بدراستها يتمكن الطالب من تمييز الحق من الباطل في هذا الموضوع، كما يتمكن من نقد الكتب المعاصرة التي تناولته فيميز مافيها من أخطاء.
خامسا: أخطاء المعاصرين في هذا الموضوع:
ارتكزت أخطـاء المعاصــرين التي زعمـوا أنها اجتهادات تتناسب مع العصر على أمرين: التشكيك في صحة الشروط العمرية، والقول بأنها وإن صحت فهى غير ملزمة للمعاصرين لأنها مجرد اجتهاد من عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبهذين الأمرين تحللوا من الشروط العمرية وأطلقوا لأنفسهم حرية مازعموا أنه اجتهاد.
فمن التشكيـك في صحة نسبة هذه الشروط إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ماذكره د. صبحي الصالح في مقدمته لكتاب (أحكام أهل الذمة) لابن القيم، صـ 14 ــ 16.
ومن القـول بأنها غيـر ملزمـة ماقال أحد المؤلفين (وأيا ماكان القول في صحة نسبة الشروط المصطلح على تسميتها «بالمستحبة» إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنها على أي حال ليست بملزمة للمسلمين، لانجد على إلزامها دليلا من الكتاب أو دليلا من السنة، وإن كنا لانجد فيهما كذلك دليلا على منع أو تحريم) من كتاب (فقه الجاهلية المعاصرة) لعبدالجواد ياسين، صـ 99. وأقول: أرأيتم مثل هذه الجرأة على الفتوى؟.
أمـا عــن صـحـة نسبــة هــذه الشــروط إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهى متواتــرة يشهــد بها المسلمون والكفار جميعا جيلا بعد جيل، ولايخلو منها كتاب من كتب الفقه، وجري عليها العمل في ديار الإسلام مدة اثنى عشر قرنا من الزمان. وقد ذكر ابن تيمية ــ فيما نقلته عنه من قبل ــ أنها مروية بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك بكتابيه (الصارم المسلول) صـ 208، و(اقتضاء الصراط المستقيم) صـ 120 ــ 121.
أما من جهـة الإلــزام: فهى ملزمة لجميع المسلمين يجب عليهم العمل بها في مختلف العصور، ويرجع وجوبها إلى سببين:
الأول: أنها سنـة خليفـة راشـد يجـب العمــل بها لقوله صلى الله عليه وسلم (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
والثاني: إجمـاع الصحابــة على العمــل بهذه الشـروط في حيـاة عمر ومن بعده، إذ لم يخالفه في ذلك أحد، وإجماعهم حجة ملزمة لجميع المسلمين إلى يوم القيامة.
وقد ذكر ابن تيمية هذين السببين في قوله (في شروط عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي شرطها على أهل الذمة لما قدم الشام، وشارطهم بمحضر من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، وعليه العمل عند أئمة المسلمين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»، وقوله صلى الله عليه وسلم «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر»، لأن هذا صار إجماعا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين لايجتمعون على ضلالة على ما نقلوه وفهموه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.) (مجموع الفتاوى) 28/ 651.
ومع القــول بإلزام هذه الشروط ينبغي التنبيه على أن العمل بها مشروط بالقدرة والتمكين، أما مع العجز ــ كما في حالة ضعف المسلمين أو في حالة نشوء دولة إسلامية ضعيفة ــ فلا يجب على المسلمين إلزام أهل الكتاب بهذه الشروط، وفي نفس الوقت لايجوز وضع تشريع يخالف الشريعة بشأنهم كالقول باعتماد المواطنة كمبدأ ونحو ذلك لأن واضع هذه التشريعات يكون قد دخل في دائرة الكفر بتشريعه مايضاد أحكام الله. قال ابن القيم رحمه الله (ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تأليفهم الناس على الإسلام بكل طريق تبيّن له حقيقة الأمر، وعلم أن كثيراً من هذه الأحكام التي ذكرنا من الغيار وغيره تختلف باختلاف الزمان والمكان والعجز والقدرة والمصلحة والمفسدة، ولهذا لم يُغَيِّرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبوبكر رضي الله عنه، وغَيَّرهم عمر رضي الله عنه) (أحكام أهل الذمة) 2/ 770، وبـمعناه في 2/ 756، وفي 1/ 395. وفي هذا أيضا قال ابن تيمية رحمه الله (وسبب ذلك أن المخالفة لهم لاتكون إلا بعد ظهور الدين وعُلُوِّه، كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصَغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يُشرع المخالفة لهم، فلما كَمُل الدين وظهر وعَلاَ شُرِعَ ذلك) (اقتضاء الصراط المستقيم) صـ 177، ط المدني.
واتخـذ بعض المعاصـرين حجة أخرى للتحـلل من الشروط العمــرية وغيرها من أحكام أهل الذمة، وهى القول بسماحة الإسلام وحضه على البر إلى المخالفين في العقيدة الذين لم يقاتلونا في الدين، وهذه كلمة حق أريد بها باطل إذا أريد تعميمها، فسماحة الإسلام ليست مطلقة ولكنها مقيدة بضوابط شرعية، وإلا فإن الله أمرنا بُبغض الكافرين والغلظة عليهم كما أمرنا بجهادهم. أما أهل الكتاب فلهم أحكام خاصة نص عليها الكتاب والسنة ولايجوز أن تعارض بهذه العموميات، وإلا صار الأمر كمن يُقال له إن لُبس الذهب والحرير حرام على الرجال فيعارضك بقوله تعالى (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده) الأعراف، هذه معارضة باطلة، فلا يجوز معارضة الخاص بالعام، بل يُعمل بكل نص في موضعه. والقائلون بسماحة الإسلام في هذا الشأن متأثرون ببدعة التسامح الديني والتقارب بين الأديان التي اخترعها الكافرون لتضليل المسلمين وصرفهم عن جهادهم كما قال تعالى (ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم، ومايضلون إلا أنفسهم وما يشعرون) آل عمران 69، ويساعدهم في ذلك بعض المنافقين من المنتسبين إلى الإسلام بعقد المؤتمرات والندوات وترويج المطبوعات الداعية لتسامح الأديان لنزع الحمية الدينية من نفوس المسلمين لتظل الأوضاع على ماهى عليه الآن من استعلاء الكافرين على المسلمين، إذ يخشى الكفار من حدوث طوفان إسلامي يجتاحهم كما صنع المسلمون في العصور الزاهرة التي يسميها العلمانيون الكافرون بالعصور المظلمة. وكفى بالإسلام والمسلمين سماحة أن سمحوا لأهل الكتاب والمجوس أن يقيموا بينهم بكفرهم يؤدون شعائرهم آمنين على أنفسهم وأموالهم في ديار الإسلام بموجب عقد الذمة،

إلى أن يقول :

فهــذه هي الذرائـع التي توصل بها بعض المعاصــرين لإدخال تحريفاتهم على أحكام أهل الذمة الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، تحللهم من الشروط العمرية بالتشكيك في صحتها وبإدعاء عدم إلزامها، مع القول بالتسامح الديني.
أما أهم أخطاء المعاصرين في هذا الموضوع، فمنها.
1 ــ القول بأن أهل الكتاب في بلاد المسلمين مازالوا أهل ذمة إلى اليوم، وهذا قول ساقط، وقد بيّنت ماكان عليه العمل وماصار إليه بشأنهم، وأصحاب هذا القول تكذبهم الدساتير العلمانية لهذه الدول فقد اعتمدت المواطنة كأساس للتسوية بين السكان دون النظر إلى دينهم، ولم تشر إلى مصطلح أهل الذمة لا من قريب ولا من بعيد.
2 ــ القول باسقاط العمل بحكم أهل الذمة في دار الإسلام، والدعوة إلى اعتماد مبدأ المواطنة كبديل، وهو ما قامت عليه الدساتير العلمانية الكافرة، وهذا القول يروج له بعض من يسمون بالمفكرين الإسلاميين في هذا الزمان، ولاشك في كفر من قال بهذا القول لانكاره المعلوم من الدين بالضرورة الثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
3 ــ القــول بجواز تولي الذميين للوظائف العامة في دار الإسلام، وهو قول فاسد ليس لصاحبه مستند إلا ماذكره الماوردي في أحكامه السلطانية برأيه، وقد ذكرت من قبل كيف شنع عليه الجويني في (الغياثي) بسبب هذا، وقد استوفى ابن القيم الرد على هذا القول في كتابه (أحكام أهل الذمة) جـ 1 صـ 208 ــ 244، ط دار العلم للملايين 1983 م.
4 ــ القـول بجواز إسقاط الجزية عن أهل الذمة للمصلحة أو إذا طبق عليهم نظام التجنيد الإجباري، وهذا خطأ، فالجزية لاتسقط إلا لعجز من جهة المسلمين عن فرضها على أهل الذمة، أو لعجز من جانب بعض الذميين عن أدائها. وتفصيل ذلك في المراجع الأساسية التي ذكرتها من قبل.

5 ــ القول باطلاق الحرية للذميين للدعوة لدينهم وبناء الكنائس في دار الإسلام حتى لا تُضَيِّق الدول النصرانية على المسلمين المقيمين بها، وهذا قول خطأ مبني على خطأ، لأنه إذا وجدت دار إسلام في الدنيا فإنه يجب على المسلمين الهجرة إليها لنصرة أهلها وحتى لايفتنوا في دينهم بالإقامة بين الكفار في بلادهم، كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين) الحديث؟. وكيف وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حمل المصحف عند السفر لبلاد الكفار؟. فذهاب المسلم إلى بلاد الكفار وإقامته بها لاتجوز إلا للضرورة ليست هى الأصل، وليست من المباحات كما تساهل فيها الناس في هذه الأزمان. فليست هذه من الأعذار التي تسقط من أجلها الأحكام الثابتة الخاصة ببناء الكنائس في دار الإسلام.
6 ــ القــول بعدم وجـوب إلزام الذميين بالغيار (أي بمخالفة المسلمين في الشعور واللباس والمركب)، وذلك في دار الإسلام، وأن هذا وإن ورد في الشروط العمرية فهو اجتهاد غير ملزم من عمر رضي الله عنه، وأنه يمكن إلغاء هذا الشرط لاختلاف الزمان. وهذا خطأ، فقد ذكرت من قبل أن الشروط العمرية ملزمة لعمـوم المسلمـين عند القدرة، ولايجوز اعتبار حالة العجز هى الأصل، وقد قال ابن القيم رحمه الله (فلما فتح الله على المسلمين أمصار الكفار، ومَلّكهم ديارهم وأموالهم وصاروا تحت القهر والذل، وجرت عليهم أحكام الإسلام ألزمهم الخليفة الراشد والإمام العدل الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه وأمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع سنته ــ عمر بن الخطاب ــ بالغيار، ووافقه عليه جميع الصحابة، واتبعه الأئمة والخلفاء بعده. وإنما قصّر في هذا من الملوك من قلّت رغبته في نصر الإسلام وإعزاز أهله وإذلال الكفر وأهله، وقد اتفق علماء المسلمين على وجوب إلزامهم بالغيار، وأنهم يمنعون من التشبه بالمسلمين في زِيّهم) (أحكام أهل الذمة) 2/756.
هذا وقد بلغت الجرأة بأحد المعاصرين أن قال (لم تبق إلا مسألة اللباس الذي يميز الذمي من المسلم، وأبادر إلى التأكيد بأن القرآن لم يمسّ هذا، وأن الحديث النبوي لم يعرض له، فليس له إذاً أساس ديني، بل أساسه عندي اجتماعي أو سياسي أو زماني مؤقت، فقد وقع في بعض العصور المتأخرة ثم كاد يصبح بعدها تقليداً) أهـ. وقائل هذا اسمه الدكتور محمد حميد الله، شارك د. صبحي الصالح في وضع مقدمة كتاب (أحكام أهل الذمة) لابن القيم. وسمّاه صبحي الصالح بالعلامة الاستاذ الدكتور محمد حميد الله، وكلامه السابق بمقدمة الكتاب في صـ 94. ويبدوا أنه لم يقرأ شيئا من الكتاب الذي قدم له، فالغيار معمول به من عصر الصحابة لا في العصور المتأخرة كما قال، والغيار أساسه ديني، سَنَّه خليفة راشد يجب اتباع سنته وأجمع عليه الصحابة وإجماعهم حجة، والعمل بالإجماع ليس تقليداً بل اتباع كما هو مقرر في أصول الفقه (انظر «ارشاد الفحول» للشوكاني، صـ 246). وأضيف هنا أن العمل بالغيار ليس اجتهاداً قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه برأيه، بل قد دلّت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بمخالفة أهل الكتاب والمشركين في شتى الأمور خاصة في الهدي الظاهر، وقد ذكر ابن تيمية جملة من الأحاديث الدالة على ذلك في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم)، وذكر أحمد بن الصديق الغماري جملة من هذه الأحاديث في كتابه (الاستنفار لغزو التشبه بالكفار)، وقد ذكر ابن تيمية وجوه الحكمة في الأمر بمخالفتهم وكيف أن التشبه بهم في الظاهر يفضي إلى مشابهتهم في الباطن، كما ذكر ابن القيم الحكمة في إلزامهم بالغيار في عقد الذمة وأنها حتى لايُعامل الكافر معاملة المسلم في دار الإسلام، وذلك في الباب الخاص بسد الذرائع من كتابه (اعلام الموقعين). وهذا كله في بيان أن إلزام الذميين بالغيار ليس رأيا قابلا للأخذ والردّ، وإنما هو من الأحكام الثابتة في الشريعة وقد دلت عليه عشرات الأحاديث من السنة المشرفة، وتطبيقه منوط بالقدرة كما سبق التنبيه.
7 ــ ومن الأخطــاء الفاحشـة ماذكره الأستاذ المشار إليه أعلاه (د. محمد حميد الله) في مقدمة (أحكام أهل الذمة) صـ 90، حيث قال إن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين، وقتل يهودياً عملاً بأحكام التوراة، ثم قال مانصه (فلقاضي المسلمين إذاً أن يطبق على أهل الذمة إذا جاءوه قانونهم لاقانون الإسلام) أهـ. أما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بينهم بالتوراة، فقد قال ابن حزم إن من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بين اليهود بحكم التوراة المنسوخة فهو مرتد، انظر (الإحكام في أصول الأحكام) لابن حزم، 2/104. وأقول: سبب الردة هنا هو مخالفة هذا القول للنصوص الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم إلا بشريعة الإسلام، وأن القرآن ناسخ لما قبله من الشرائع، قال تعالى (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله) المائدة 48. ولا أقول إن هذا الكاتب مرتد ولكنه أخطأ خطأ فاحشا، ودخلت عليه الشبهة من أن إحدى روايات حديث رجم اليهوديين ورد فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فَرُجِما) الحديث رواه أحمد وأبو داود. وليس معناه أنه حكم بالتوراة نفسها بل حكم بمثل ماورد بها في حكم هذه المسألة، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم (لو كان موسى حياً ماوسعه إلا اتباعي) الحديث رواه أحمد والدارمي، فكيف يتبع النبي صلى الله عليه وسلم كتاب موسى؟ ومصداق هذا الحديث الأخير من كتاب الله قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسولٌُ مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) ال عمران 81. ولهذا فبعدما ذكر ابن كثير رواية (فإني أحكم بما في التوراة) قال رحمه الله (فهذه الأحاديث دالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بموافقة حكم التوراة، وليس هذا من باب الإكرام لهم بما يعتقدون صحته لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لا محالة، ولكن هذا بوحي خاص من الله عزوجل إليه بذلك وسؤاله إياهم عن ذلك ليقرّرهم على ما بأيديهم مما تواطؤا على كتمانه) (تفسير ابن كثير) 2/59، وقد قال ابن حجر إن رواية (فإني أحكم بما في التوراة) في سندها رجل مبهم، أي لايحتج بها، وأنها إذا ثبتت فتأويلها عنده هو كما نقلناه عن ابن كثير، هذا معنى كلام ابن حجر (فتح الباري) 12/ 170 ــ 171. وقال ابن تيمية رحمه الله (وهو صلى الله عليه وسلم لم يحكم إلا بما أنزل الله عليه، كما قال «وأن احكم بينهم بما أنزل الله») (مجموع الفتاوى) 4/ 111. وأما قول الأستاذ محمد حميد الله (فلقاضي المسلمين إذاً أن يطبق على أهل الذمة إذا جاءوه قانونهم لا قانون الإسلام) فقول مخالف للكتاب والسنة والإجماع بناه على قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بينهم بحكم التوراة وهو قول باطل كما سبق بيانه، وقد قال تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم) المائدة 49، وقانونهم المبدل المحرّف هو من أهوائهم. وقد ذكرت في أول هذا الموضوع الإجماع على أن عقد الذمة لاينعقد إلا بشرطين: أداء الجزية والتزامهم جريان أحكام الإسلام عليهم.
فهذه بعض الأخطــاء الواردة في كتابات المعاصرين في هذا الموضوع، أردت التنبيه عليها ليكون الطالب على بينة منها، ومن اليسير على الطالب أن يدرك هذه الأخطاء وغيرها إذا بدأ دراسته لهذا الموضوع بالمراجع الأساسية التي ذكرتها أولا، أما إذا بدأ بقراءة كتابات المعاصرين فهنا الخطر، إذ قد لا يتبين هذه الأخطاء بل قد يظنها الحق، والأسوأ من ذلك ماقد يعلق بقلب الطالب من التشكيك في الأحكام الثابتة بالأدلة الشرعية بدعاوى هِـى أَوْهَى من خيوط العنكبوت.
ومن كتابات المعاصرين التي اشتملت على هذه الأخطاء.
1 ــ كتاب (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي) ليوسف القرضاوي.
2 ــ كتاب (حقوق أهل الذمة في الدولة الإسلامية) لأبي الأعلى المودودي.
3 ــ كتاب (حكم إحداث الكنائس والبيع والصلوات في بلاد المسلمين) لعبدالله زيد آل محمود، القاضي بالمحاكم الشرعية بقطر.
4 ــ كتـاب (أحكــام الذميــين والمســتأمنين) لعبدالكريم زيدان، وهذا الكتاب قد اشتمل على أخطــاء جسيمة قالها المؤلف برأيه بغير مستند من الشريعة، واعتبر المؤلف أن الدول الكافرة الحاكمة بغير الشريعة دول إسلامية وأن النصوص المتعلقـة بالأديان في دساتيرها تتفق مع آرائه التي اعتبرها اجتهادات شرعية، مع أن هذه الدساتير علمانية محضة. وادعى المؤلف أنه لم يُكتب كتاب مبسوط في هذا الموضوع قبل كتابه هذا، وهذا يدل على أنه لم يطلع على كتاب (أحكام أهل الذمة) لابن القيم قبل أن يكتب كتابه الذي ليته ماكتبه، وهكذا ذكر د. صبحي الصالح محقق كتاب (أحكام أهل الذمة) في مقدمته أن الاستاذ عبدالكريم زيدان لم يطلع على كتاب ابن القيم، وهذا عيب كبير أن يكتب كاتب في موضوع قبل مطالعة مراجعه الأساسية، ولعله لو فعل لما وقع فيما وقع فيه من مخالفات جسيمة. وكتاب (أحكام أهل الذمة) لابن القيم فيه الحق والصواب وفيه غنية عن الكتب المعاصرة التي اختلط فيها الحق بالباطل.
وهذا آخر ما أذكره في موضوع آحكام أهل الذمة، وبالله تعالى التوفيق.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:53 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke