Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
دهاليز الأبالسة الجزء الأول
دهاليز الأبالسة
الجزء الأول علينا ألاّ نستغرب إنْ وجدت في حياة بعض الناس دهاليز قد يصعب علينا و على الآخرين دخولُها و سبرَ أغوارها لتظلّ طلاسم غير معروفةٍ و لا محلولة، و بهذا فإنّ التعامل معها يكون بضبابية غير واضحة المعالم، عسيرة الفهم و يتمثّل ذلك في طريقة التفكير و في ممارسة سلوكيات معيّنة و لهذه الأسباب فقد يستاء بعض البشر من التعامل مع هذه الأنواع من الأفكار و الشخصيّات ممّا يولّد لديها شبهَ عزلةٍ أو ميلاً نحو الانكفاء و التقوقع على الذات أو الشعور بالاحباط. من ضرورات الحياة الاجتماعية و الانسانية أن يتمّ التواصل بين البشر على اختلاف انتماءاتهم و مشاربهم و تنوّع أفكارهم و قوميّاتهم و معتقداتهم، لأن الانسان بطبعة شخص إجتماعي لا يمكن له أن يعيش بمعزلٍ عن بقية الناس و بالتالي عن مجتمعه، و الذي من المفروض أن يتعامل معه من منطلق أنه عضو فاعل في هذا المجتمع تترتّب عليه واجبات نحو مجتمعه و كذلك له حقوق ينبغي أن يحصل عليها دون أية معوّقات أو وسائل قهر و منع من أية جهة أو طرف، و لأي مبرّرٍ أو سبب كان. الانسان كائن حرٌّ و عاقلٌ و مدركٌ لما يجري من حوله و من خلال فكره و وعيه يستطيع اختيار المناسب من الأمور و الأفكار و المعتقدات دون إكراه و بدون تدخّلات خارجية تحول دون تحقيق هذا الهدف السامي و النبيل. من حقّ كلّ إنسان أن يفكّر بحريّة و يتصرّف بحريّة و إرادة و وعيه هو المنظار الذي يرى من خلاله الأشياء و معرفته التي اكتسبها من الخبرة و الممارسة و التجربة هي بوصلته التي تقوده إلى الهدف المبتغى و هو النهاية المنشودة و التي يأمل أن يصل إليها و يحققها ليشعر بأهمية وجوده و يتأكد من صوابية قراره أو عكس ذلك. لكنّ المهم في هذا الجانب أن يمتلك الانسان قراره بنفسه و أن يتصرّف بوعيه و حكمته و عقله لكي يكون هو المسؤول الوحيد عن نتائج خياراته التي أرادها و سعى إلى تحقيقها. إنّ دهاليز النفس البشرية قد تصيبنا بالاحباط متى سبرنا غورها و عرفنا جوهرَها، خاصة عندما تكون بذاتها تحملُ فكراً غير سويّ أو سلوكيّة غير مقبولة منطقيّاً و لا موضوعيّا و لا عقليّاً. لكننا نستطيع القول بأنه ليس من الضرورة و الحكم القاطع المؤكد أنّ هذه الدهاليز ستكون على هذا النحو السيئ لدى الجميع، فالتعميم غير دقيق على الأغلب لذا يتحتّم علينا أن نكون منصفين في تقييمنا و أن نسمّي الأشياء بمسمّياتها بدون أيّ خَلْطٍ أو تشويهٍ أو ظلم. فالعدل يبقى دائما سيّد الأحكام عندما يكون الحاكم منصفا و الناطق بالحكم محترماً لفكره و لمهنته و لموقعه و لقراره، آخذاً بعين الاعتبار جميع الظروف و كلّ الإحداثيّات التي من شأنها أن تكون لعبت دوراً ما في الوصول إلى هذه الحالة. الحياة مسرح كبيرٌ و واسعٌ و المسرحيّاتُ المعروضةُ على خشبتِه متنوّعةُ التجارب و مختلفةُ الخبرات و غنيّةُ الأفكار، لكونها تمثّلُ حياةَ بشر يقومون بأدوارهم على خشبة هذا المسرح فمنهم من ينجح في تأدية دوره على الوجه المطلوب و منهم من يفشل و منهم أيضاً مَنْ يتألّق بألمعية و بتفوّق مُذهل قد يكون خارقاً. و من خلال ما يُعرض تتبلور الرؤى و تتولّد القناعات و تتحدّد الخيارات و تُتَّخَذ التدابير و الاجراءات الوقائية إن كانت النتائج سلبيّةً أو الإجرائيّة الموافِقة عندما تلبّي هذه الأدوار طموحات الفكر الإنساني بتحقيق قيم الحق و الخير و الجمال. إنّ الإنسان كائن عاقل يتميّز عن غيره من المخلوقات بهذه الميزة التي تجعله يتأمّل المواقف و الأحداث فيبدأ بالتفكير بها و من ثمّ بتقييمها و بالتوصّل إلى النتيجة التي من خلالها يكون عبّر عن نوعيّة تفكيره و عن طريقة التعامل مع مجريات الأمور و بالتالي حقّق ذاته من زاوية إرادته الحرّة و اختياره الذاتي غير المرهون بشروط أو إملاءات و لا تأثيرات خارجيّة تكون وليدة ضغوطٍ و ممارساتٍ تحاول الحدَّ من حريته الفكريّة في سعيي إلى تكبيل إرادته و مصادرة قراره. لن يكون الإنسان عاقلاً إن هو لا يتمتّع بحريته الفكرية و الشخصيّة لأنه بغير هذا سيكون تابعاً ليس إلاّ. من الحياة نتعلّم، فهي مدرسةٌ كبيرة و من تجارب الآخرين نغني معارفنا و من تجاربنا و خبراتنا نصقل مواهبَنا و نزيد من حصيلتنا العلمية و المعرفية، و التي يجب أن تتنوّع لا أن تنحصرَ ضمنَ نطاق محدّد أو سبيلٍ معيّن دون غيره. إنّ القراءة و المطالعة هما الخطوة الأولى نحو تثقيف أنفسنا و إغناء معرفتنا، هناك أشخاصٌ كثرٌ يحملون شهادات تخصّصية عالية عندما تحاورهم أو تناقشهم بأمور الحياة و الكون تراهم فارغين من الداخل، حيث أنّ معرفتهم لا تخرج عن نطاق العلم المعيّن الذي تخصصوا به، ينبغي على الإنسان أن يسعى بكل جدّ و نشاط لاكتساب العلم و المعرفة المختلفة و المتنوّعة و المتعدّدة الاتجاهات. نحن أبناء الحياة و عندما لا يكون تأهيلنا المعرفي ناضجاً واعياً منفتحاً فسيكون _بكلّ تأكيد _ سبباً مباشراً في عجزنا و في انطوائنا و ربّما في خَلقِ دهاليزَ فكريّة و نفسيّة في عالمنا الداخلي. إنّ الانفتاح يقودنا إلى المعرفة و إلى التعاطي مع الآخر بحكم كونه الشريك لنا في رحلة الحياة المفروضة علينا جميعاً، إذ ليس من أيّ أحدٍ منّا جاء إلى هذا العالم و هذه الحياة بملء إرادته و بمشيئته، و هذا لا يعني بالضرورة أنّنا لهذا و لسببه نكون أشخاصاً مُسيّرين و ليس مُخَيّرين. لطالما يملك كلّ شخصٍ منّا عقلا نيّراً و إرادة حرّة فهو المسؤول عمّا يختاره و عمّا سيدفع ثمناً له إنْ كان هذا الخيار في غير موضعه. نحن أحرار باختيارنا و بتفكيرنا الحرّ لذا نحن لسنا مسيرين. للبحث تتمّة... |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|