Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الديني > المنتدى المسيحي

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-05-2011, 01:37 PM
المهندس نعمان صومي المهندس نعمان صومي غير متواجد حالياً
Junior Member
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 29
افتراضي مهندس المسيحية بولس رسول الامم (الجزء السابع)

سجين المسيح
لقد كان مقام بولس الرسول في سجنه مقاماً ضنكاً في منزل صغير عارٍ إلاّ من فضيلة ساكنيه. ولقد كان يشقُّ على رسول الحرية أن يبشّر بالإنجيل بسمع الحراس وبصرهم. وكان يتعاقب على الرقابة جنود من مختلف الالوان والطباع، ولكن تلك الوجوه المختلفة كانت تزيده معرفة بالناس وبطباعهم. ولا ريب أنه هدى فريقاً منهم ومن الموّظفين العسكريّين بدليل قوله في رسالته إلى أهل فيليبي: (وأريد أن تعلموا أيها الإخوة أنّ أحوالي قد آلت بالحري إلى نجاح الإنجيل، حتى صارت قيودي في المسيح مشهورة في دار الولاية كلها وسائر الأنحاء. وأكثر الإخوة قد استمدوا من قيودي ثقة بالرب، فازدادوا جرأة على إذاعة كلمة الله بغير خوف...) وقد استغلّ بعض الهراطقة أسر بولس للحطّ من كرامته. وبديهيّ أن بولس، كان يستخرج الخير من الشرّ. فمن السجن الضيّق كانت نفسه الغنيّة تفيض المحبة إلى الأفاق البعيدة. وذاك السجن الضيّق اصبح موئلاً للمحبة في عاصمة الشرق والغرب روما، واصتبغت رسائله بلون جديد يُعبّر عن النضج والتعمّق والهدوء.
ولا ريب أن الخطوط الكبرى التي اعتمدها اللاهوت المسيحي قد انبعثت من تلك الرسائل التي تصدّى فيها بولس للقضايا الحيوية التي ترتكز اليها العائلة، فنظر الى الزواج نظرة التقديس، فقد قدس العائلة إذ جعل من المسيح زوجاً للكنيسة. وفي نظرته تلك شرّف الزواج والمرأة. لذلك نرى الزوجات الشريفات يشدّدنَ أزر بولس، ويخرجن من العتمة والعبودية إلى نور الإنجيل. ولا غروى فإن الإنجيل طهّر المسيحية بالمحبة ونقّاها من الشوائب والرواسب، وتلك النواهي النافلة التي بهظت العالم القديم بتحريم المآكل والمشارب، وما رافقها من التوافه اليهودية والمظاهر الخارجية، وهي أقلّ شأناً من القشور اليابسة على جذع الشجرة، فعمد الإنجيل إلى الجوهر. لقد كان زُوّار بولس في سجنه يُعدّون بالمئات، ومن مختلف الطبقات. ولكن بين الزائرين واحداً ما يزال يستوقف الخواطر بعد احدى وعشرين قرناً، وما هو بوجيه ذي سلطان، ولا بأمير، ولا بعبقريّ، فهو ليس إلا عبدٌ آبق أعاده سيّده، مصحوباً بأوجز رسالة سطّرها بولس ولكنها تستوقفنا طويلاً لما قد انطوت عليه من مَعَانٍ إنسانية سامية.
وتفصيل الخبر أنّ فيليمون وهو أحد أغنياء تجّار كولوسيا، كان قد اشترى من سوق النخّاسين عبداً ذكيّاً يتيماً، سمّاه من قبيل التيمّن أونيسيموس (ومعناه النافع في الخدمة). فزين الشيطان للعبد ان يسرق شيئاً زهيداً من بيت معلّمه، فخاف العقوبة فهرب ونزل روما. وإنما العاصمة جذّابة للشباب من أهل الدساكر والقصبات، لما يتيسّر فيها من المناعم. فخاف ظنه في العيش الخفيض، وندم بعد فترة، واشتدّ جزعه من رجال الشرطة يطلبون العبيد الهاربين أشدّ الطلب. واستغلقت عليه نوافذ الرجاء، لولا أنه فكّر باللواذ ببولس صديق معلّمه فيليمون. فطرق باب الرسول وأطلعه على سرّه. وكان من حق السيّد في مثل هذا الموقف إمّا أن يضرب عبده ضرباً مُبرّحاً حتى الموت، وإمّا ان يسخره بإدارة الرحى ما دام حيّاً. فهيّأ بولس العبد للتوبة، وبيّن له أنّ المسيح قد حرّر الناس من العبودية بسرّ الفداء. ولكن القانون شيء اساسي للحياة، فعليه أن يعود إلى معلّمه ويستقيله ذنبه، وأنه موصيه به خيراً. وأملى على تيموتاوس رسالته مجتنباً فيها لهجة الزعيم الديني الآمر، موقظاً المحبة في صدر فيليمون. فبعد أن سلّم عليه بإسمه وبإسم تيموباوس قال: فلذلك وإن يكن لي في المسيح أن آمرك بالواجب في كثير من الجرأة فقد آثرتُ أن أتضرّع اليك باسم المحبة، فأنا بولس الشيخ استعطفك لأجل ولدي الذي ولدته في القيود أينسيموس ( فانظر مدى تأثير الشيخ الأسير المتواضع المهيب في المرسل اليه، وبراعة هذه المقدمة قبل ذكرأينسيموس ) الذي لم ينفعك من قبل ولكنه من الآن سيكون لك ، كما صار لي نافعاً جداً.
ولقد كان بولس على يقين بأنه لو ذكر اسم العبد مباشرةً(ومعناه النافع في الخدمة) لأيقظ في نفس فيليمون فورة غضب، فذلك النافع في الخدمة لم ينفع شيئاً، بل أبِقَ وجحد فضل معلمه، إذ لا يُخفى على أحد، بحكم تداعي الأفكار أن الشيء يذكّر بضدّه، فالليل يذكّر بالنهار، والبرد بالخر، والمرض بالعافية. ثم يضيف بولس (وكنتُ أودّ أن أحتفظ به عندي ليخدمني عنك في قيودي التي من أجل الإنجيل، غير أني كرهتُ أن افعل شيئاً دون رأيك، لكي لا يكون إحسانك عن اضطرار بل عن اختيار). ولقد بلغ الرسول في تعبيره ذاك الغاية في الذوق وحسن الأدب، وتقديم الحرية على كل شيء سواها. ثم ارتفع الى ما يتجاوز المادة والمنفعة، إلى أسرار العناية الإلهية فقال: إنه ما فارقك هنيّةً إلاّ ليُردّ اليك إلى الأبد لا كعبد، بل كأخ حبيب. ذلك لأن أونيسيموس تنصّر بعدئذٍ، فربطته بسيّده وشائج لا يقوى الموت على حلّها. وأضاف: (كأخ حبيب إليّ خصوصاً فكم بالأحرى اليك أنت بحسب العالم وحسب الربّ. فإن كنتَ تحسبني على اتحاد صميم بك فاقبله قبولك لي أنا نفسي. وإن كان قد أضرّ بك في شيء، أو كان لك عليه دين فاحسب ذلك عليّ أنا بولس وأتعهّد بذلك بخطّ يدي، أنا أفي ولستُ أقول إنك مديون لي حتى بنفسكَ ايضاً. أجل أيها الأخ اثلج صدري في الربّ، وأرِح أحشائي في المسيح. وإني اكتب اليك لثقتي بطاعتك، بل اني على يقين أنك ستفعل أكثر مما أطلب).
إذاً فقد كان على بولس أن يخفّف من وطأة نير العبودية حتى تبيد المظالم رويداً رويداً. لذلك أشار الى أركان الحرية المسيحية في رسالته الى الكورنثيين حيث يقول: (لأنكم أنتم جميع الذين اعتمدوا للمسيح قد لبستم المسيح، فليس بعد يهوديّ ولا يوناني، ليس عبد ولا حُرّ، ليس ذكر ولا أُنثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع). وكانالوثنيُّون من جهة العبادة الدينية يصنِّفون العبيد في درجات متأخرة جداً، فكانوا يقصونهم عن الأعياد الرسمية، فنادى بولس بالمساواة في رسالته الى الكورنثيّين حيتُ يقول: فكما ان الجسد واحد وله أعضاء كثيرة وأنّ جميع أعضاء الجسد هي جسد واحد فكذلك المسيح فإننَّا جميعاً قد اعتمدنا بروح واحد لجسد واحد يهوداً كنّا أم يونانيين، عبيداً أم أحرار.
ولا نغالي في القول أن كل نسمة حرية حقيقية في هذا الكون بداخلها نفحة من تراث القديس بولس. عظيم هو سجين المسيح المُقيّد الذي نادى بالحرية في ظلّ نيرون، وظلَّ في السجن أربع سنين، ولم يجدوا عليه علّة توجب دينونته فأطلقوه..
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg بولس الرسول في السجن.jpg‏ (15.1 كيلوبايت, المشاهدات 3)
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:02 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke