دهاليزُ الأبالسة الجزء الثالث

[fouadzadieke]

دهاليزُ الأبالسة

الجزء الثالث

قد لا يكتب الإنسان قدره بنفسه و قد لا يستطيع التحكم بمسار حياته و لا بمصيره، لكنه قادر في المساهمة بشكل ما و بموقف ما و بحال من الأحوال في طبع بصمة له على نهاية هذا المصير إن سلباً أو إيجاباً، نحن مخيّرون بإرادتنا و بحريّة تفكيرنا و لسنا مسيّرين من قبل أي مؤثر خارجي و يبقى الموت خارج نطاق الموضوع فهو قدر لكل الأحياء بحكم البداية و النهاية.

إنّ الحياة تعلّمنا الكثير و لا نستطيع أن نتعلّم منها ما ينبغي تعلّمه إلاّ عندما نفتح عقولنا و بصيرتنا و نكون على قدر كبير من المسؤولية الواعية. و الاختيار أو حق الاختيار في الحياة مشروع لا يجب التخلّي عنه و إلاّ فإنّنا سنخسر شخصيّتنا و نصبح تابعين. التواصل مع الناس يغني خبراتنا و يثقف مواهبنا و يجعلنا أكثر فهما و استيعابا لما يجري حولنا من أمور و ما يعترضُ طريقنا من صعوبات في زحمة الحياة بمشوارها الطويل أو القصير.

لا تحاول التخلّي عن مبادئك و قيمك الفكرية التي توصّلت إليها عن طريق الجهد و الممارسة و المعاناة من أجل إرضاء الآخرين أيّا كانوا خاصة عندما تكون واثقاً من صحة أفكارك و من صوابية معتقداتك. إلا إذا أثبت لك الآخرون عدم صلاحية هذه الأفكار و لكن بالمنطق و بالعقل و بالحجة التي هي أمّ البراهين. علينا أن ندافع بحكمة و بتعقّل عن أفكارنا و طروحاتنا و عن مبادئنا و القيم التي اكتسبناها من خلال الممارسة و ليس تلك المفروضة علينا بحكم التوريث الاجتماعي أو لضرورات اجتماعية تكبّلها العادات و تقهرها التقاليد التي قد لا تغدو صالحة للوقت الذي نعيش به، فالجديد هو القابل للحياة.

من الضروري جدا أن يتواصل الناس _ مع بعضهم كما نفعل نحن الآن _ لكي يتبادلوا التجارب و الخبرات و المعارف مما سيغني ملكة المعرفة و العقل و مستوى الوعي لدى الناس أعتقد أن كل سلوكية أو تصرف يكون على هذا النحو من الانفتاح و التعاطي مع الآخرين إنما يحقق لنا الحصول على معرفة إضافية و هذا شأن الجميع دون استثناء. إن التواصل مع الناس حاجة حياتية و نحن نأخذ الحسن و نتجنب السئ في كسب المهارات و المعارف، لكن أن نظلّ على إحياء هذا التواصل لهو أمرٌ بمنتهى الأهمية، نحن بشر لا نستطيع إلاّ أن نتواصل معاً لنبني علاقات اجتماعية تكون لنا مصدر قوة و دعم و تدفع إلى الشعور بالراحة و بأهمية الإنسان و الحياة الاجتماعية. متى بقي الإنسان خارج هذه المعادلة فهو سيخسر الكثير و لن تكون له أهمية أو أي دور فاعل في مجتمعه.

الحياة مدرسة كبيرة منها نتعلّم الكثير و الناس الذين نلتقي بهم في مشوار حياتنا يتركون آثارا معيّنة في حياتنا أو انطباعات قد ترضينا و قد لا تُرضينا لكنّها بالنهاية تزيدنا معرفة و خبرة و تعيننا في محاولاتنا الجديدة لإنشاء علاقات مع الآخرين. و علينا في هذه الحال ألاّ نتسرّع في إطلاق أحكامنا على الناس أو تقييم سلوكهم الاجمالي من خلال ممارسة فاشلة أو بالحكم على موقف منهم لم نستهوه لأننا نكون ظلمناهم دون وجه حقّ و لم نكن قادرين على تفهّم الموقف و هذا سيدلّ على قصور فكريّ و على تسرّعٍ أهوج كنّا بغنىً عنه. و في حال تعثّر العلاقة بأحد تلك المواقف أو التصرفات أو السلوكيّات فمن الواجب أن نمنح للآخرين فرصة أخرى لنتأكد من حقيقة مواقفهم و من صحة قرارتنا التي قد نكون اتخذناها على عجلٍ أو أنّنا لم نحاول دراستها بدقة و بعين الخبير الفاحص. كلّ البشر يخطئون بحكم أمور و معطيات كثيرة تؤثر بمواقفهم أو على سلوكيّاتهم، لهذا لا ينبغي البتة التسرّع باتخاذ قرارات و بناء أحكام من تجربة وحيدة أو من أول لقاء أو حديث.

يتبع.....