Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الديني > المنتدى المسيحي > منتدى فرعي للأب القس ميخائيل يعقوب > مقالات - أبحاث - دراسات - نشاطات الخ

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-04-2008, 04:25 PM
الأب القس ميخائيل يعقوب الأب القس ميخائيل يعقوب غير متواجد حالياً
Ultra-User
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 304
افتراضي شرح سفر رؤيا يوحنا || {الإصحاح الأول} ||

شرح سفر الرؤيا



المقدمـــــة
ما هو سفر الرؤيا ؟
إن سفر الرؤيا هو ناقوس يدق في عالم تيهان المؤمن ليوقظه من لهوه وغفلته وسباته فيعود يقظاً . فهو إذا تنبيهٌ مستمرٌ للكنيسة وأبنائها بأن تظل ساهرة وصامدة صابرة غير متأثرة بمغريات العالم ولا تضعف أمام صعوباته ومحنه ولا تحني رقبة لأن الله سيقهر أعداءها لأنه معها كل الأيام حتى انقضاء الدهر ( مت28: 20 ) . ولأنه معها كل الأيام حتى انقضاء الدهر فإن أبواب الجحيم لن تقوى عليها ( مت16: 18 ) .
سفر الرؤيا هو سفر الرجاء للكنيسة وأبنائها في الاضطهادات لأن المسيح هو الفرج وهو فرحها .
سفر الرؤيا هو إعلان عن الصراع بين الخير والشر . الخير متمثل بالمسيح وكنيسته ، والشر متمثل بالشيطان وأتباعه في العالم ، وإن هذا الصراع سينتهي دائما لصالح الكنيسة مثلما انتهى حينما كان المسيح على الجبل أربعين يوماً صائماً وفي نهايتها انتصر للإنسان على إبليس انتصاراً ساحقاً .
إن من يدرك معاني هذا السفر العظيم سوف يجد فيه تعزية كاملة ، لأن هذا السفر يصور حقيقة المجد المزمع أن يقتبله المؤمنون في الحياة الأبدية ، المجد الذي لا يقاس بكل آلام الزمن الحاضر كما لا يقاس أيضاً بكل مسرات الزمن الحاضر .
إن في سفر الرؤيا متعة وخاصة حينما تقرأ التطويبات التي تبعث نشوة في المؤمنين منها :
- طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب ( رؤ1:3 )
- طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن . نعم يقول الرب لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم ( رؤ14: 13 ) .
- طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً فيروا عريته ( رؤ16: 15 )
- طوبى إلى المدعوين إلى عشاء عرس الخروف ( رؤ19: 9 )
- مباركٌ ومقدسٌ من له نصيب في القيامة الأولى ( رؤ20: 6 )
- طوبى لمن يحفظ نبوة هذا الكتاب ( رؤ22: 7 )
- طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة ويدخلوا من الأبواب إلى المدينة ( رؤ22: 14-15 )
إن ما يؤسف له أن الكثير من المؤمنين يهملون قراءة هذا السفر بحجة أنه غامض صعب الفهم . لكن هذه ليست حجة منطقية البتة فإن عامل فهمه ولو فهماً بسيطاً متوفر في كل مؤمن ، إنه الروح القدس الذي فينا .
إن سفر الرؤيا يحتوي إعلانات هامة نسردها بالترتيب :
1 - يرى يوحنا السيد المسيح في مجده الإلهي وهو في وسط السبع المناير السبعة ( رؤ1 ) وهذا إعلان عن أن له المجد قائم في وسط كنيسته على الدوام ، فهي آمنة برعايته لها مع كل ما تصاب به من اضطهادات وما تلاقيه من رفض من أعدائها .
2 – إعلانات للسبع الكنائس ومن خلالهم لكل الكنيسة في الأرض بأنه عارف بكل أعمال الكنيسة ونشاطاتها واهتماماتها من جهة ، كما أنه عالم بكل تراخيها وتهاونها من جهة أخرى ، ويحذر المتهاونين فيها كما أنه يعد المهتمين والغالبين فيها بأطيب المواعيد ( الاصاحين 2 – 3 )
3 – إعلان عن منظر العرش الإلهي في السماء وحوله الأربع والعشرون شيخاً ، وأمامه سبعة مصابيح نار متقدة ، وفي وسطه أربعة حيوانات مملوءة عيوناً ، وإن الكل يسبحون ويمجدون عظمته . ( رؤ4 )
إن إعلانات هذا السفر كثيرة لا أرى جدوىً من ذكرها الآن حيث سيجدها القارئ في مكانها من متابعة سلسلة شرح هذا السفر .
ولذا فإني أرجو من القارئ العزيز أن يتابع سلسلة الشرح ولنمجد جميعنا رب المجد إلى الأبد آمين .
__________________


مسيحنا الله

الأب القس ميخائيل بهنان صارة

هـــــــــــــــــــــ : 711840
موبايل (هاتف خلوي) : 0988650314

التعديل الأخير تم بواسطة الأب القس ميخائيل يعقوب ; 18-06-2008 الساعة 02:42 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-04-2008, 08:59 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 46,065
افتراضي

اقتباس:
إن إعلانات هذا السفر كثيرة لا أرى جدوىً من ذكرها الآن حيث سيجدها القارئ في مكانها من متابعة سلسلة شرح هذا السفر .
ولذا فإني أرجو من القارئ العزيز أن يتابع سلسلة الشرح ولنمجد جميعنا رب المجد إلى الأبد آمين .
اقتباس:
__________________
بارخمور أبونا ميخائيل بارك الرب في خدمتك الجليلة بنشر كل ما هو مفيد من الناحية الروحية أما الرؤيا و شرحها فقد كتب عنها الكثيرون و مهما حاول الإنسان التوغّل إلى عالم الرؤيا الجميل و المذهل فإنه يجد نفسه دائما في حاجة إلى المزيد و المزيد فهو يرى للصورة الواحدة معانياً متعددة و تأويلات كثيرة و هي غنية و حافلة بكل رموز الحياة الماضية و الحاضرة و المقبلة. إننا سنتابع يا أبونا شرحك الجليل و كان الأب القس الصديق عيسى غريب قام بشرح بعض الحلقات لكنه توقف و حين كنت عنده في زيارة أراني ما يقوم بكتابته عن شروحات سفر الرؤيا. نتمنى أن تكون شروحات وافية و سوف لن نغفل النهل من معين معرفتها فشكرا لك يا أبونا.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-04-2008, 09:31 AM
الأب القس ميخائيل يعقوب الأب القس ميخائيل يعقوب غير متواجد حالياً
Ultra-User
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 304
افتراضي

الإصحاح الأول



1 – إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليري عبيده ما لابد أن يكون عن قريبٍ وبيّنه مرسلاً بيد ملاكه لعبده يوحنا .
· إن الإعلان هو إظهار لأمرٍ سيحدث أو أنه حدث إنما هو خفيٌّ مستتر . وبما أن هذا الإعلان هو إعلان يسوع المسيح فهو إذاً إعلانٌ إلهيٌ للبشر . هذا وإن الإعلان قد يحدث للإنسان في المنام ( الحلم ) مثلما حدث ليوسف خطيب العذراء حيث ظهر له ملاك الله في حلم وطمأنه إلى أن العذراء حبلى بالروح القدس . وقد يحدث في اليقظة في حالة أشبه بالسبات ، مثلما حدث لابراهيم حينما تراءى له الرب الإله وأمره أن يخرج من أرضه وعشيرته ..... . وقد يحدث في حالة من التجلي أثناء اليقظة مثلما حدث لموسى النبي حينما تجلى له الله في العليقة . وإن الرؤيا التي حدثت ليوحنا كانت من النوع الثاني بدليل قوله : كنت في الروح في يوم الرب ...... ( رؤ1: 10 ) ، ليس في حلم ولا في يقظة ٍ بل في الروح ، وهذه هي حالة السبات أثناء اليقظة .
· يسوع . من الاسم الآرامي ( يشوع ) أي المخلص . وهذا ما قاله الملاك جبرائيل في حديثه مع يوسف خطيب العذراء في الحلم : ستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ( مت1: 21 )
· المسيح . يعني ( المفرز ، المخصص ، الممسوح ) .
- فمن حيث الفرز والتخصيص نقول : إن المسيح أُفرز ليخلص من يؤمن به ، ولكن من الذي أفرزه ليقوم بهذه المهمة ؟ ... إن هذه المسألة تتعلق بالثالوث الأقدس ، فإن المسيح له المجد هو كلمــة الله
وإن كلمة الله هو واحد من الثالوث الأقدس ، ولذا فإن الثالوث الأقدس بالمشيئة الإلهية الواحدة خصص وأفرز الأقنوم الثاني ( المسيح ) ليقوم بهذه المهمة .
وأما كلمة الممسوح أو المسحة فإنها تذكرني بما نقرأه عن المسحة في العهد القديم حيث كانت تستخدم لثلاثة أغراض رئيسية وهي :
ليكرس الممسوح كاهناً ، مثلما مسح موسى هرون فكرّسه بزيت المسحة كاهناً ( خر28: 41 ) .
ليكرّس الممسوح نبياً ، مثلما مسح إيليا أليشع بزيت المسحة ليكون نبياً عوضاً عنه ( 1مل19: 16) .
ليكرس الممسوح ليكون ملكاً مثلما مسح صموئيل داود بزيت المسحة ملكاً ( 1صم16: 20 ) .
وإن كلمة الله حينما تجسد متخذاً له جسداً من أمنا العذراء ، أي أنه ظهر كإنسان ، وحينما ظهر كإنسان فإن الروح القدس مسحه بعد عماده مباشرة ليكرّس ملكاً ونبياً وكاهناً .
ملكاً . يملك على قلوب المؤمنين .
نبياً . ينبئ البشر بالخيرات الأبدية العتيدة أن تكون لمن يقبله مخلصاً .
كاهناً إلهياً ليقدم نفسه ذبيحة إلهية على خشبة الصليب .
· الذي أعطاه إياه الله ( أي أن الله أعطاه هذا الإعلان ) .
- يجب ألا يفهم من هذا القول بأن الله كائن والمسيح كائن آخر ، فإن هذا مفهوم خطير يؤدي بصاحبه إلى الهلاك الأبدي . فقد قال يوحنا في أول أنجيله : في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ( يو1:1 ) . وقال الرسول بولس : عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر بالجسد ( 1تي3: 16 ) لماذا القول إذاً : أعطاه إياه الله ؟
إن هذا يتعلق بالثالوث الأقدس المجيد ، حيث أن لكل أقنوم من الثالوث خاصته الإلهية ولكن المشيئة هي واحد بين الأقانيم الثلاثة ، فلا أقنوم يفكر أو يعمل أو يأمر أو ينطق دون الثلاثة .ومن ذلك فإن القول : أعطاه إياه الله يعني أن هذا الإعلان صار بالرسم الإلهي أو بالمشيئة الإلهية أن يعلن بوساطة المسيح . ومن ذلك فإننا نجد أنفسنا أمام أكثر من عنوان منها ( المسيح هو كلمة الله هو فكر الله ولذا فهو عالم بمكنونات الذات الإلهية – الفكر الإلهي يعلن بكلمة الله وهو المسيح )
· ليري عبيده . المقصود بالعبيد أبناء الكنيسة ، ولذا فإننا يجب أن نتأمل قليلاً في هذه التسمية لنجد أنها بالمفهوم المسيحي لا تعني إطلاقاً أن العبد هو كائن صغير وضيع رخيص ...... بل تعني أنه مأسور في محبة المسيح إلى درجة العبادة ولذا فإننا نعبد المسيح . هذا هو معنى العبد في مفهومنا المسيحي لأنه لا يعقل أن المسيح يقبل بغير ذلك وهو الذي أطلق علينا تسمية أحباء إذ قال : لا أعود أسميكم عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده . لكني قد سميتكم أحباء لأنني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي ( يو15: 15 ) ووصفنا بأننا أبناء الآب السماوي : لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات ( مت5: 5 )
· ما لابد أن يكون . لأنها أموراً ستكون وتحدث في مواعيدها ، وإن منها ما هو بمشيئة الله ومنها ما هو بمشيئة الشيطان ، لكن الله عالم بمواعيدها جميعاً لأنه الوحيد العالم بالغيب . وإذ أنه يقول ما لابد أن يكون فإنه يذكرني بقوله له المجد : السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول ( مر13: 31 ) .
· مرسلاً بيد ملاكه لعبده يوحنا .
- الملائكة هم خدام عظمة الله ومقاصده الإلهية ونقل رسائله .
- يسمي يوحنا نفسه عبداً لأنه كان أسير محبة يسوع المسيح .
2_ الذي شهد بكلمة الله وبشهادة يسوع المسيح بكل ما رآه .
- لا يقصد يوحنا حين قوله ( كلمة الله ) ما هو مكتوب في الكتب ، بل يقصد المسيح كلمة الله وهذا ما نقرأه في مقدمة إنجيله .
- شهادة يسوع المسيح وهي محبة الله للعالم تجلت للعالم بيسوع المسيح وهذا يذكرني بالقول : هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ( يو3: 16 ) .
- شهد بكلمة الله . أي أنه تكلم وكرز وبشر وأعلن عن كلمة الله الذي هو المسيح . فهو ( أي يوحنا ) كان واحداً من الاثني عشر .
- بكل ما رآه . فإذ أنه كان واحداً من الاثني عشر تسنى له أن يعايش المسيح ثلاث سنوات سمعه خلالها ورأى منه ما عمل . بالإضافة إلى أنه كان واحد من الثلاثة ( بطرس ويعقوب ويوحنا ) الذين كان يسوع يخصهم بأمور معينة مثلما تجلى أمامهم على الجبل وظهر بهيئته الإلهية . وهذا يذكرني بقول يوحنا عن نفسه : الذي عاين وشهد شهادته حق ( يو19: 35 ) .
وهكذا يصبح معنى الآيتين ( 1 و 2 ) كالتالي : إن الله يعلن بيسوع المسيح الذي هو فكره وكلمته الإلهي لأحبائه وأبنائه أبناء كنيسته الأمور العتيدة أن تكون في حينها . وإن هذا الإعلان يعطيه المسيح ليوحنا تلميذه الذي كرّس حياته الطويلة في الشهادة ليسوع المسيح ، وذلك بما أنه كان قد استمع منه وشاهد عن الخلاص الذي لن يتم إلا به ، وبما أنه كان قد شاهد فإن شاهدته حق لأن شهادته قامت على المعاينة المباشرة . ولربنا يسوع المسيح كل المجد إلى الأبد آمين .
3- طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب .
- طوبى . معناها ( هنيئاً ) وفي العامية ( نيّالو ) بما أن سفر الرؤيا يصور كل ما سيكون للكنيسة في وسط بحر العالم الزمني من أيام يوحنا وحتى انقضاء الدهر فيلزمها إذاً أن تتغذى دائما بغذاء كلمة الله وتتقوى بسلاح المسيح الذي هو الصليب . لذا فإن المقصود مباشرة بأقول النبوة هو سفر الرؤيا أما المقصود العام هو كلمة الله في كتابه المقدس . وهكذا نجد أن :
· طوبى للذي يقرأ . أي هنيئاً ( نيالو ) الذي يقرأ كلمة الله في الكتاب المقدس لأنه والحالة هذه يتغذى بكلام الحياة الأبدية .
· طوبى للذين يسمعون . ليس المقصود بالسمع هو الصوت الذي يأتي الأذن فيقرر الإنسان أنه قد سمع صوتاً ، بل المقصود هو فهم كلمة الله والعمل بفحواها ، وهذا ما يذكرني بالمقولة العامية حينما ينصح الأب ابنه فإنه في نهاية نصائحه يقول له ( سمعت ؟ ) أي هل سمعت ؟ مع أن كل كلام النصح كان يسمعه الولد من أبيه ، لكن أباه لا يقصد سمع الأذن بل فهم العقل . وهكذا الطوبى هي للذين يسمعون كلمة الله ويفهمونها ويعملون بوحيها فيسهروا لئلا يذهبوا ضحية عدم سهرهم .
· يحفظون ما هو مكتوب فيها . يضعونه في ذاكرتهم فتظل فيها على الدوام ويعملوا بهديها فلا يغلبهم إبليس بكل إغراءاته وحيله . لماذا ؟
· لأن الوقت قريب . والمقصود به هو ( وقت موت الإنسان أولاً . القيامة العامة ثانياً ) فبما أن ساعة موت الإنسان ليست معلومة فليعتبرها المؤمن قريبة بل حاضرة ، لأن احتمال حدوثها قائم في كل لحظة ، وهكذا القيامة ليعتبرها الإنسان على الأبواب . وهذا ما يذكرنا بما قاله ربنا يسوع المسيح : اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون متى يأتي ربكم ..... ( مت24: 43 )
4- يوحنا إلى السبع الكنائس التي في أسيّا . نعمة وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي ومن السبعة الأرواح التي أمام عرشه .
- يوحنا . أي من يوحنا ، وذلك لأنه تسلم إعلانات هذه الرؤيا وتكلّف بإرسالها فقام بإرسالها ، وحينما أرسلها أشار بأنه هو الذي أرسلها بهذه الكلمة : يوحنا إلى ........
- إلى السبع الكنائس . سيتمّ الحديث عن السبع الكنائس في حينها .
- نعمة لكم وسلامٌ . إن هذا الدعاء وهو آخذ صيغة تحية أيضاً كان الرسل قد اعتادوا بدء رسائلهم به وخطاباتهم التي يوجهونها إلى الكنيسة . ( راجع أوائل الرسائل وستتأكد من ذلك ) لماذا هذا الدعاء ؟
· إن النعمة هي عطية الله بربنا يسوع المسيح . وهذه النعمة تتمحور حول إننا بالمسيح أصبحنا أبناء الله وأبناء الملكوت . وفي هذا الصدد أقول : الحمد لله إننا خلقنا بالمسيح حاملين اسم المسيح .
· السلام . هو استقرار النفس وطمأنينتها بالمسيح ولذا فهي تُحسّ بطيب الحياة رغم الآلام والمحن المتعددة والمختلفة .
- الكائن والذي كان والذي يأتي .
· الكائن . أي الموجود الآن .
· الذي كان . أي الذي كان موجود ويقصد به الوجود الأزلي . وهذا أمرٌ مسلم به لأنه كلمة الله ، وهنا أتذكر قوله له المجد حينما قال لليهود : قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن ( يو8: 58 ) .
· الذي يأتي . يأتي في المجيء الثاني في يوم القيامة الرهيب ، ذلك اليوم الذي تحدث عنه ربنا له المجد في الإصحاح 25 من إنجيل متى ، حينما سيأتي ويفرز الصالحين من الطالحين ويضع الصالحين عن جانبه الأيمن والطالحين في الجانب الأيسر . فيذهب الأبرار إلى الحياة الأبدية والطالحين إلى العذاب الأبدي . يبدو إن يوحنا أراد من وراء هذا القول أن يؤكد بأن المسيح ليس مجرد ملك أو كاهن أو نبيٍّ ، فإن هذه تكرّس لها بالمسحة كونه تجسّد من أجل أن يكون ملكاً على قلوب المؤمنين ونبياً ينبئهم بالخيرات العتيدة أن ينالوها في الحياة الأبدية ، وكاهناً إلهياً يقدم نفسه ذبيحة إلهية من أجل فداء الجنس البشري . لكنه وقبل أن يتكرس لهذه وحتى قبل أن يحل في بطن العذراء كان موجوداً ، فهو واحد من الأقانيم الإلهية الثلاثة ، إنه الأقنوم الإلهي الثاني ، فهو إذا ً أزليٌ بأزلية الله .
هذا وإنه لا يفوتنا بأنه منذ الأيام الأولى لولادته بالجسد بدأ إبليس بإثارة الاضطهادات ضده . وحينما بدأ البشارة لم يتركه إبليس وحتى نهاية بشارته وصلبه وصعوده . وإن من جملة ما أثار إبليس ضد المسيح هو أنه ليس إلهاً . لذا فإن يوحنا أراد من خلال هذه الآية وفي سياقها النصي أن تكون كردٍّ على أتباع إبليس الذين يدعون أنه ليس إلهاً .
- ومن السبعة أرواح التي أمام عرشه . هؤلاء هم السبعة رؤساء الملائكة القائمين أمام العرش الإلهي . ولذا فإن النعمة والسلام اللذان يطلبهما يوحنا للكنائس أمام عرش الله يرددها السبعة رؤساء الملائكة أمام العرش . سنعود للحديث عن السبعة رؤساء الملائكة إنشاء الله في الإصحاح الثامن من هذه الرؤيا.
5- ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرض ، الذي أحبنا وقد غسلنا مـن خطايانا بدمه .
- يسوع المسيح . شرحنا قبل الآن معنى الاسم يسوع المسيح . لكننا نتساءل : إذا كانت النعمة والسلام من الله فلماذا يقول : ومن يسوع المسيح ؟
لأن يسوع المسيح من جهة لاهوته هو كلمة الله فهو في الله لم ينفصل عنه لحظة . وإن هذا لا يحتاج إلى برهان ذلك أن الله لا ينقسم ولا ينفصل .
- الشاهد الأمين . إن يسوع المسيح من جهة ناسوته هو مخلِّصٌ مكرسٌ من الآب بالروح القدس ، لذا فهو شاهد أمين لمشيئة الله .
لماذا إذاً ذكر اسمه بعد السبعة الأرواح ؟
لعدة أسباب أهمها أن يذكرنا بنبوة داود عن المسيح الذي بأنه حينما سيأتي فإنه بسبب تأنسه سيتعرض لإهانات ومحاربات ورفض واضطهادات كثيرة كما لو كان إنساناً محضاً دون الملائكة إذ قال دواد : وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله ( مز8: 5 ) .
إن ربنا يسوع المسيح هو الشاهد الأمين لحق الله . فقد فشل الإنسان عبر تاريخه الطويل أن يكون شاهداً أميناً لحق الله ونضرب في ذلك أمثلة :
· قدم ابراهيم أجمل الشهادة في إطاعته لأمر الله ، لكنه جبن أمام فرعون وقال عن سارة زوجته بأنها أختي . أي أنه لم تكن له الجرأة الكافية التي تؤهله أن يقف بقوة أمام فرعون ويدافع عن حق الله ويكون له شاهداً ، ذلك أن سارة كانت امرأته وإن مجرد نكرانه لذلك خوفاً من فرعون كان تخاذلاً وتنازلاً عن حقه في سارة . ومن يتنازل عن حقه في زوجته فهو تنكرٌ لهذا الحق المشرّع له من الله .
· قدم يوسف أجمل الشهادة بتمسكه بالطهارة والعفاف ، لكنه ضعف في صموده حينما كان في السجن وطلب من رئيس سقاة فرعون أن يذكره أمام فرعون ، بينما يوسف كان في كل لحظة موجود في عناية الله المباشرة ودون أن يتركه الله لحظة .
· قدم أيوب أجمل الشهادة في الصبر ، لكنه حاول مراراً أن يبرر ذاته أمام أصدقائه .
لكن شيئاً من هذا القبيل ولا من قبيل أي ضعف حدث أو بانَ من ربنا يسوع المسيح له المجد حينما ظهر متجسداً ، بل كان في كل شيء وفي كل مكان وزمان شاهداً أميناً لحق الله ، ونذكر في ذلك النقاط التالية :
= كان في خضوعه للناموس شاهداً أميناً لحق الله فلم يحسب نفسه فوق الناموس مع أنه فوق الناموس حقيقة لأنه هو واضع الناموس . ولكن إذ كان مطلوباً من كل نبيٍّ أو ملك أو كاهنٍ أو أيٍّ من الشعب أن يخضع للناموس فإنه حينما ظهر في الجسد خضع للناموس .
= في صلبه كان شاهداً أميناً لحق الله ، فقد رضي أن يُذبح على الصليب لأنه هكذا كان الرسم الإلهي ولم يحتج بأن الصليب كان وسيلة إعدام أفظع المجرمين .
= كان شاهداً أميناً في قيامته من القبر . إذ أنه حينما صلب ومات فإنه صلب وأمات معه طبيعتنا الفاسدة وحينما قام أقامها معه بدون فساد بل طبيعة جديدة . وبذلك حقق الوعد الإلهي الذي أعطي للإنسان بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية أولاً ، وثانياً أعطانا قوة أن نكون شهوداً أمناء لحق الله فلا تضعف إرادتنا بل نكون أقوياء أكثر من ابراهيم ويوسف وأيوب .
- البكر من الأموات . ليس المقصود أنه أول من قام من الأموات مثلما توحي الكلمة حيث كلمة البكر تعني الأول ، فإن المسيح ليس أول من مات وقام ، بل مات قبله عدة من الأشخاص وقاموا ، فهو له المجد أقام ثلاثة هم ( ابنة يايرس ، ابن الأرملة ، لعازر ) كما أن إيليا أقام ابن الأرملة التي كان يبيت عندها ( 1مل17: 17-24 ) . فلماذاً إذا سمّيَ البكر القائم من الأموات ؟
الجواب . إن جميع هؤلاء الذين ماتوا حينما قاموا لم يتحرروا من سلطان الموت لذا فإنهم عادوا وماتوا ، أما المسيح له المجد فإنه مات وقام دون أن يكون للموت سلطان عليه فلم يعد ويموت ثانية بل صعد إلى السماء وجلس في يمين الآب ، وإذ أن جميع البشر الذين ماتوا سوف يقومون في يوم القيامة ولن يعودوا ليموتوا ثانية ، لذا فإن المسيح له المجد هو البكر القائم من الأموات دون أن يكون للموت سلطان عليه .
- رئيس ملوك الأرض . إن له المجد هو الوحيد الذي يستحق تسمية الملك . لأنه الملك الوحيد الذي لا يموت ، وإن من لا يموت فهو باقٍ ، ومن هو باقٍ فهو يملك دائماً وملكه دائمٌ . هذا وبما أنه إلهٌ لذا فإن سائر الملوك الآخرين من ملائكة وبشر هم مخلوقاته فهو ملك عليهم ، إذاً هو ملك الملوك . هذا من ناحية ، وأما من ناحية ثانية فإنه إذ جعلنا ملوكاً بقوة قيامته مثلما سنجد بعد قليل وهو ملك علينا فهو إذاً ملك الملوك .
ومن ناحية ثالثة هو الوحيد المستحق أن يدعى ملكاً لأنه الوحيد الذي يطلب ويريد ويرغب دائماً بالسلام الحقيقي حتى التمام الذي هو سلام متعدد . سلام الإنسان مع خالقه ، سلام الإنسان مع نفسه ، سلام الإنسان مع أخيه الإنسان ، سلام الإنسان مع الطبيعة ....... إلخ . وإن هذا يذكرنا بنبوة أشعياء عليه حينما قال : لأنه يولد لنا ولدٌ ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ( أش9: 6 ) .
- الذي أحبنا وغسلنا من خطايانا .
استرسال .
· قدم ابراهيم رسالة الإيمان . فهو الذي كان وثنياً متربياً مترعرعاً في بيئة وثنية إلا أنه حينما التقى مع الله فإنه آمن على الفور متخلياً بالكلية عن وثنيته .
· قدم اسحق رسالة الطاعة في عدم تمرده على أمر الله حينما أعلمه أباه بأنه سوف يقدمه ذبيحة لله .
· قدم يوسف رسالة العفاف ، حيث كانت زوجة فوطيفار ترغب أن تسلمه نفسها عشيقة مجانية لكنه كان يرفض فأدى به رفضه إلى السجن .
· قدم يشوع رسالة الجهاد .
· قدم أيوب رسالة الصبر بالرغم من كل ما أصابه من ويلات .
· قدم داود رسالة الصلاة والتسبيح .
· قدم سليمان رسالة الحكمة حتى أنه دعي ( سليمان الحكيم ) .
· قدم إيليا رسالة الغيرة حتى أنه دعي ( إيليا الغيور ) .
· قدم دانيال والفتية الذين معه رسالة الثبات في المبدأ والمعتقد ولم يتراجعوا عن عبادة الله .
لكن أياً من هؤلاء لم يستطع تقديم رسالة الحب الإلهي إلا ربنا يسوع المسيح له المجد ، هذه الرسالة التي قادته بعد مشوار طويل من الإهانات واحتقارات اليهود ومعاكساتهم له إلى الصلب وهو راضٍ من أجل أن يغسلنا بدمه الأقدس من طبيعتنا الفاسدة ويمنحنا طبيعة جديدة . أليست هذه محبة ؟ أو هل توجد محبة عند البشر بحجم هذه المحبة ؟ أليست هذه هي رسالة الحب الحقيقي ؟
نعم بالتأكيد لأننا إن ناقشنا رسالة محبة المسيح فإننا سنجد أنفسنا أمام عظمة لا متناهية ترضى أن تهان وتحتقر وترذل وترفض ثم تقتل وكل ذلك لأنه أحب البشر . ولذا فقد كانت محبته للبشر .
· دون مقابل . أي محبة باذلة .
· تتعب لتريح . تشقى لتُسر وتُسعد . تصنع خيراً . أي محبة عاملة .
· اذهبوا إلى كل الأمم ( مت28: 22 ) أي محبة شاملة لكل جنس البشر .
· إذ أوصلته محبته إلى الموت فهي محبة مضطرمة لا تضعف أمام الموت من أجل منح الحياة للبشر .
· كان يعلم أنه سوف يذبح على خشبة الصليب بسبب محبته ، فهي إذا محبة إلهية لا أسمى ولا أطيب ولا أروع ولا أمتع ولا ألذ منها .
- غسلنا من خطايانا . إن الخطيئة كانت قد أصبحت مورثة فينا ذلك لأننا كنّا جميعاً في صلب آدم حينما طَعنَ في مجد الله بسبب تلك السقطة الفظيعة . ولذا فقد كان لابد من دمٍ لغسلها ولكن ليس أي دمٍ . نعم ليس أي دم كان قادراً أن يدخل إلى أعماقنا وينشل منّا ذلك الوسخ مورثة الخطية فيغسلنا ويطهرنا ويقدسنا . فالآن إذاً نحن مطهرين مقدسين شركاء الله في طبيعته ، وعلينا أن نظل هكذا دائماً .
· في أن تقلع عن الاشتراك بأعمال الظلمة التي لإبليس .
· بالاشتراك الدائم بالمستويات الروحية الدائمة .
· بالعمل الدائم الذي للبنيان وجعل أعضاء المسيح واحدة دائماً .
· بممارسة أعمال النعمة في الأسرار الإلهية .
· في الحياة داخل الفضائل المسيحية .
· في الممارسات الإيمانية التي تكفل لصاحبها حياة القداسة كالصوم والصلاة والصدقة وتناول القربان المقدس ودراسة كلمة الله .
6- وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين .
- جعلنا ملوكاً . إنه له المجد بقيامته أعطانا قوتها ، وهذا يذكرنا بقول الرسول بولس : لأعرفه وقوة قيامته ( في3: 10 ) وبهذه القوة أصبحنا قادرين أن نسيطر على أنفسنا تماماً إن أردنا ، فلا تستعبدنا الخطية ، ولا يقتادنا الشيطان لمخالفة إرادة الله ، ولا يتسلط علينا العالم أو تخدعنا الشهوات لكي نصبح عبيداً للمادة . وهكذا نكون ملوكاً أبناءً لملك الملوك ، وهذا ما يذكرنا بحديث الرسول بولس الذي قال فيه : كأن لاشيء لنا ونحن نملك كل شيء ( 2كو6: 10 ) .
الآن نحن ملوك بالإيمان لكننا في الغد القريب ملوكاً بالعيان ( آآآآآآآآآآآه ما أجمل ذلك الغد القريب )
- كهنة . إن عمل الكهنوت الأساسي هو تقديم الذبيحة . وإن الكهنوت هو على نوعين ( الكهنوت العام ، الكهنوت الخاص ) ولن أتكلم عن الكهنوت الخاص لأنه بالذات موضوع قائم بذاته سنتكلم عنه إنشاء الله كموضوع خاص .
أما عن الكهنوت العام فقد منحه إيانا له المجد أيضاً بقيامته حيث وصل إلى كل منّا بالمعمودية فإن الرسول بولس قال : كل من اعتمد اعتمد ليسوع المسيح لموته ( رو6: 3 ) فإن كلاً منّا بالمعمودية صلب ومات وقام مع المسيح الذي قام بهذه كلها ككاهنٍ إلهي . وإن كل منا بهذا الكهنوت يقدم ذبائح اعترافه بخطاياه ، وشكره وصلواته وصدقاته وخدماته وروحه المنكسرة على مذبح قلبه .
مع ملاحظة هامة ألا وهي أن أياً منّا غير مسموح له أن يقوم بأية وظيفة من وظائف الكهنوت الخاص لأنه لم يعط لأي مناً ذلك الحق والصلاحية .
- له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين . إن هذا القول يذكرني بما قاله سيدنا يسوع المسيح : دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض ( مت28: 18 ) .
إن الله وحده هو صاحب المجد ، ذلك لأن مختصر مفهوم المجد هو أن صاحبه منزه ومتسامٍ تماماً عن كل ضعفٍ وسوءٍ وشر . وهذه لا تنطبق إلا على الله وحده تبارك اسمه .
كذلك إن مختصر مفهوم السلطان هو أن صاحبه هو الأقوى . وهذا أيضاً لا ينطبق إلا على الله الذي هو الأقوى من كل أقوى ، وهذا يذكرنا بنبوة دانيال عن المسيح له المجد التي قال فيها عنه : أُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والألسنة . سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول ، وملكوته ما لا ينقرض ( دا7: 13- 14 ) .
- آمين . كلمة تعني : ليكن هكذا ، إنني موافق ، إنني مقتنعٌ ، حقاً يقين ....... وهذا يذكرني بقـول
سيدنا يسوع المسيح الذي علمنا إياه في نهاية الصلاة الربانية : لأن لك الملك والقوة والمجد إلى أبد الآبدين آمين ( مت6: 13 ) .
المجد للآب والابن والروح القدس إله واحد آمين .
7 – هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض نعم . آمين .
ما هو السحاب ؟
السحاب هو غيمة حينما تصبح في كبد السماء فإنها تخفي وجه السماء وتخفي الشمس وتجعل ظلاً على الأرض ، وقد تنزل أمطاراً للخير ، أو أمطاراً للفيضانات والدمار ، أو لا تعطي أي مطرٍ .
ما هو سحاب السماء ؟
أقتصر الحديث عن سحاب السماء في العهد الجديد .
إن سحاب السماء هو صورة تشير إلى سرّ وجود الله معنا . وفي ذلك أذكر المواقف التالية :
· حينما بشّر الملاك جبرائيل أمنا العذراء بأنها ستحبل بكلمة الله ( المسيح ) فإن من جملة ما قال لها : الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك المولود منك يدعى ابن الله ( لو1: 35 ) . وهنا نستطيع القول بأن الروح القدس إذ ظلل أمنا العذراء ( وهذا عمل سحابة ) فإن ذلك يشير إلى أن محبة الله هي سحابة إلهية تظلل من ينسحق أمام عظمته الإلهية مثلما انسحقت أمنا العذراء ، فتهطل عليه نعمه الإلهية .
· حينما تجلى السيد المسيح في مجده الإلهي على مرأى من الرسل الثلاثة ( بطرس ويعقوب ويوحنا ) وظهر معه ( موسى وإيليا ) فإن سحابة ظللتهم وجاء منها صوت قائلاً عن المسيح : هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا ( مت 17: 1-8 ) . وهنا نستطيع القول بأن السحابة صارت ترمز إلى الجماعة المتحدة مع المسيح اتحاداً إلهياً فغمرها الحضور الإلهي ..........
· حينما صعد ربنا إلى السماء حجبته سحابة عن أنظار التلاميذ ( أع1: 9 ) لكن التلاميذ ظلوا مؤمنين به وازدادوا إيماناً أكثر فأكثر . وهنا فإننا نقول بأن السحابة أخفت المسيح عن العيون ووضعته في القلوب ، وهذا ما يذكرنا بقوله له المجد : ها أنا بالباب واقف أقرع من يفتح لي أدخل وأتعشى معه وهو معي ( رؤ3: 20 ) .
· في ( مت 24: 30 ) قال له المجد عن مجيئه في اليوم الأخير وانقضاء الدهر ، حينما سيفرز المستحقين لملكوته من اللامستحقين ، وإرسال اللامستحقين إلى العذاب الأبدي ، وأما المستحقين فإلى الحياة الأبدية : ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوةٍ ومجدٍ كثيرٍ . وهنا إن السحاب هو صورة عظمته وقوته كديان عادل للبشر .
ومما سبق نستطيع أن نصل إلى هذه الخلاصة بالنسبة إلى مفهوم السحاب وهو : إن السحاب هو سرّ وجود الله معنا وصورة محبته لنا ، وصورة وجوده في قلوبنا ، بالإضافة إلى أنه صورة عظمته كديانٍ للبشر .
- ستنظره كل عين . أي أن الكل سينظره حينما سيأتي . فهو كما قال له المجد : سيجمع أمامه كل الشعوب لينال كلاً منهم مصيره الأبدي ( مت25: 31- 46 ) .
- والذين طعنوه . إن الذين طعنوه هم اليهود الذين بعد أن انتظروه طويلاً في أجيالهم فإنهم رفضوه وأسلموه إلى حكم الصلب حقداً وكراهية وهذا يذكرني بقول يوحنا : إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله ( يو1: 11 ) . كما أن الذين طعنوه هم أيضاً الذي قبلوه وآمنوا به لكنهم في أعمالههم وفكر قلوبهم خالفوه ورفضوه . بالمختصر إن الذين طعنوه هم كل من رفضه .
- وينوح عليه جميع قبائل الأرض .
· ينوحون لأن كل شيء سينتهي ولم يعد لهم أملاً لإصلاح ما أثموا به .
· ينوحون لأنه سيثبت لهم بأن هذا هو الأول والآخر ولم تعد لهم فرصة للإيمان به .
- نعم . كلمة تأكيد على صحة القول المطلقة .
- آمين . حقاً يقين . أن الأمر هو هكذا . ليكن هكذا . بالتأكيد ........
8 – أنا هو الألف والياء . البداية والنهاية . يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شـيء .
- أنا هو . المسيح له المجد يتكلم عن نفسه ، وإن ما يقوله عن نفسه نحن مؤمنين ومسلّمين به .
- الألف والياء . إن الألف في أبجدية اللغة العربية هي أول الحروف والياء آخرها . وفي اللغة اليونانية التي يجمع العلماء على أنها اللغة الأصلية لسفر الرؤيا فإن الآية هي : أنا هو الألفا والأوميغا . حيث أن الألفا هي أول حروف الأبجدية اليونانية والأوميغا هي آخرها . ويقابلها في اللغة الأصلية الأخرى من لغات الكتاب المقدس وهي السريانية ( أولف ، تاو ) إذ أن الآية بحسب الأصل السرياني هي : أنا هو الأولف والتاو ، حيث الأولف هي أول الأبجدية السريانية والتاو آخرها .
لماذا وصف ربنا يسوع المسيح له المجد بأنه أول الأبجدية وآخرها مع أنه الله الذي لا بداية له ولا نهاية ؟
· من ناحية كأن ربنا يسوع المسيح يقول : أنا هو بداية كل شيء ونهايته . وهذا ما أشار إليه يوحنا في أول أنجيله بالقول : كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان ( يو1: 3)
· إن اللغة هي بأحرفها ، وهي كاملة بكامل أحرفها ، وناقصة إذا نقص منها حرفاً واحداً . وبما أن الأحرف جميعها محصورة بين الألف والياء فإن كامل اللغة محصورٌ بين الألف والياء . وهنا كأن ربنا يسوع المسيح يقول : أنا هو الكل في الكل .
وفي الحقيقة نحن لا نرضى إلا أن يكون ربنا يسوع المسيح البداية والنهاية والكل في الكل ، أي أن يكون هو الله الكلمة القادر على كل شيء ، ذلك أن البشرية من قبل مجيء المسيح كان قد جاءها أنبياء كثيرون ولم يقدر أيٌّ منهم أن يقوم بعمل الفداء وقيادة البشرية إلى الخلاص ، ولو فرضنا جدلاً أن المسيح لم يكن إلهاً فهو كان سيكون مثله مثل غيره من الأنبياء الذين سبقوه وما كان بمقدوره أن يعيدنا إلى الفردوس الذي طردنا منه ، وبالتالي ما كنّا سننتفع منه شيئاً .
وأما بخصوص أن المسيح هو ابن الله وهو الله نورد بعضاً مما جاء في الكتاب المقدس في هذا الخصوص :
1- يسميه أشعياء بالفادي والإله القادر على كل شيء بقوله : هكذا يقول الرب وفاديه رب الجنود . أنا هو الأول وأنا الآخر ولا إله غيري ( أش 44: 6 ) . كما يذكر أشعياء أيضاً : اسمع يا إله يعقوب واسرائيل الذي دعوته . أنا هو الأول والآخر ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات أنا أدعوهنّ فيقفن معاً ( أش48: 12-13 ) .
2- قال الرسول بولس موجهاً خطابه إلى رعاة الكنيسة : احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه ( أع20: 28 ) .
إن الذي صلب هو المسيح . وإذ يقول كنيسة الله التي اقتناها بدمه ، فإذاً المسيح هو الله .
3- حينما لمس توما الرسول جروحات المسيح صرخ قائلاً : ربي وإلهي ( يو20: 28 ) . إنه لم يبح باسم المسيح بل ( ربي وإلهي ) ولم يلمه المسيح بأن لماذا تدعوني إلهك ؟
4- قال الرسول بولس : عظيمٌ هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد ( 1ت3: 16 ) .
5- قال يوحنا في بداية انجيله عن المسيح : في البدء كان الكلمة ........ وكان الكلمة الله ( يو1:1)
6- قال السيد المسيح عن أنه موجود بذات الوقت في السماء وعلى الأرض : ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ، ابن الانسان الذي هو في السماء ( يو3: 13 ) .
7- أخيراً إذ أن المعجزات الإلهية لا تزال تحدث في كنائسنا فهذا دليل على أن المسيح هو الله . كيف ذلك ؟ إن المعجزة هي دليلٌ على صحة المعتقد . وإن معتقدنا يقوم على أساس أن المسيح هو الله ظهر في الجسد وصلب ومات وفي اليوم الثالث قام . فلولا صحة معتقدنا هذا لما حدثت المعجزات الحقيقية في كنائسنا حتى اليوم .
- الكائن والذي كان والذي يأتي ( تمّ شرحها في العدد 4 ) .
9 – أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره . كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح .
- أنا يوحنا . يوحنا يخاطب رعاة الكنائس .
- أخوكم . إن كل مسيحي هو أخ لكل مسيحي ، فإن هذه الأخوة حصلت لنا لأننا أصبحنا أبناء الله بالمسيح يسوع عن طريق اقتبال سرّ المعمودية . وإذ أننا أصبحنا بذلك أبناء الله فلأن ربنا أكّد لنا ذلك حينما علمنا أن نصلي قائلين : أبانا الذي في السموات ......... أي أن الله هو أبونا جميعاً وهو أب ليسوع المسيح ولذا فإننا جميعاً أخوة أخونا الأكبر هو يسوع المسيح . وأذكر أمثلة للعلم فقط وليس للحصر .
· قال ربنا يسوع المسيح : لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السموات ( مت5: 16
· وقال أيضاً : صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات ( مت5: 45 ) .
· قال يوحنا : وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه . الذين ولدوا ليس من دمٍ ولا من مشيئة جسدٍ ولا من مشيئة رجلٍ بل من الله ( يو1: 12 – 13 ) .
- وشريككم في الضيقة .
قال ربنا يسوع المسيح : في العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ( يو16: 32 )
لماذا سيكون لنا ضيق في العالم ؟
إن المسألة جد حساسة وهي أننا باكتسابنا طبيعة جديدة تقودنا إلى ملكوت الله فإن هذا ما أزعج إبليس اللعين كثيراً ، ولذا فإنه كان ولا يزال وسوف يزال يهيّج علينا أعوانه وما أكثر ما حدث للكنيسة من الاضطهادات بسبب ذلك . ومن ذلك فإن جميع أبناء الكنيسة هم شركاء في الضيق والاضطهادات التي تحصل هنا وهناك ولا يفلت منها مكان فيه كنيسة للمسيح .
- وفي ملكوت السموات . ليست الشراكة هي في الضيق والاضطهادات فقط بل أيضاً في ملكوت السموات وهذا ما عبر عنه الرسول بولس جلياً حينما قال : فإن كنّا أولاد فإننا ورثة أيضاً . ورثة لله ووارثون مع المسيح . إن كنّا نتألم معه لكي نتمجد معه أيضاً ( رو8: 17 ) .
نعم أحبائي إن ربنا يسوع المسيح له المجد تألم من أجل أن يمنحنا الخلاص ، ولذا فإنه بديهي جداً وجوب أن نتألم في حياتنا الزمنية ، لماذا ؟
قد يقول قائل إذا كان المسيح يدعونا إلى الراحة بقوله : تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم ( مت11: 28 ) فلماذا يجب أن نتألم ؟
إن المسيح حينما ظهر بالجسد كإنسان في وسط مجموعة بشرية فإنه وجد في وسط مجموعة من الأمزجة والميول والغرائز والدوافع والشهوات التي عند البشر التي تختلف من إنسان إلى إنسان ، ومن فئة إلى أخرى ، والتي أن معظمها كان يتحكم بها الشيطان ، ولذا فإن البعض كان راضياً منه والبعض الآخر لم يكن راضياً . والبعض الآخر أيضاً كان متقلباً ، وهذا ما تجلى في المواقف المخزية الكثيرة التي قوبل بها ربنا لنا المجد أثناء مدة كرازته ، وكلها كانت آلاماً تتوجت بأن رُفضَ تماماً من خاصته وأدى ذلك إلى الصلب .
هكذا كلٌ منّا إذ نال طبيعة جديدة بصليب ربنا يسوع المسيح التي بها أصبحنا شركاء الطبيعة الإلهية ( ) فإننا لن نرضي كل الأمزجة والميول والدوافع والنزعات والشهوات التي عند البشر ، وسنُرفض من أناس ونُقبل من أناس ...... وهذه كلها آلاماً وقد تُتَوّج باضطهادات بتحريض من عدو الله والخير أبليس اللعين ، وهذا ما حدث للكنيسة في الماضي ، وبذلك نصبح شركاء ليسوع المسيح في آلامه ويكون لنا في العالم ضيقٌ ، وهذا هو السبب الذي جعل يوحنا يقول : أخوكم وشريككم في الضيقة .
- وصبره . إن الصبر يؤهلنا إلى ملكوت السموات ، وهذا ما يذكرني بقول الرسول يعقوب : عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً ، وأما الصبر فله عملٌ تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء ( يع1: 3-4 ) . كما أن قول يعقوب هذا يذكرني بالامتحانات المدرسية ، فإن الطالب المجتهد الذي يدخل الامتحان الذي مدته ثلاث ساعات مثلاً ، وينتهي من الإجابة على كامل الأسئلة في ساعة ونصف فإنه لا يخرج من قاعة الامتحان إلا حينما تنتهي كامل الثلاث الساعات ، عسى وعلّ أخطأ في سؤال فيصححه ، أو أنقص جواباً فيكمله وإن هذا كله يحقق له نفعاً ، بمعنى أن هذا الامتحان علّمه الصبر فاستفاد بصبره أكثر فأكثر .
هكذا المؤمن إذ يصبر على الضيق ويراجع حساباته مع نفسه مراراً لكي كلما اكتشف ضعفاً أونقصاً ما وأكمله ، فإن هذا الصبر يؤدي به إلى عمل تام وكامل وبالتالي يستطيع أن يسعى من أجل تحقيق قوله له المجد : كونوا كاملين كما أن أباكم السموي كامل ( مت5: 48 ) .
- كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس .
إن جزيرة بطمس هي جزيرة في الأرخبيل الرومي تسمّى الآن ( بطمو ) على بعد 30 ميلاً تقريباً جنوب ساموس على شاطئ آسيا الصغرى الجنوبي للغرب ، كان الرومان ينفون إليها المجرمين والمقلقين للإمبراطورية . وإذ أن يوحنا كان رسولاً للمسيح وكان مبشراً وكاروزاً وكان ذو أثر فعال في تنشيط وتنمية وثبات الإيمان وانتشاره وهذا ما كان يزعج الوثنية لذا فقد اعتبره الإمبراطور الروماني آنذاك دومتيان أنه رجل مقلق مثير للشغب ويحرّض الناس ضد العبادة الوثنية ، فقام بنفيه إلى تلك الجزيرة . ويرجّح أن يوحنا نفي إلى تلك الجزيرة سنة 94م .
تربة تلك الجزيرة مجدبة لان أكثر أراضيها صخور قاحلة مغطاة بقليل من التراب قيل أنها بقايا بركانية ، وعلى مسافة من الشاطئ صومعة داخلها كهف يظن أن يوحنا كتب فيه سفر الرؤيا .
- من أجل كلمة الله ، ومن أجل شهادة يسوع . أي أن جريمتي ( يقول يوحنا ) كانت الشهادة ليسوع وكلمته الإلهية. إن هذه الآية تذكرني بما قاله ربنا يسوع المسيح له المجد : طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين ( مت5: 11 ) .
نعم إن نفي ( طرد ) يوحنا كان من أجل يسوع المسيح . وإنه كان منفياً إلى تلك الجزيرة لكي لا يعود حياً نظراً لكونها جزيرة جرداء لا حياة فيها . بمعنى أن دومتيان إذ نفاه إليها فإنه عملياً قدم خدمة لآلهته الوثنية الشيطانية بأنه تخلّص منه . لكن يوحنا عاد حيّاً ولم يمت في تلك الجزيرة ، وهذا ما يذكرني أيضاً بقول الرسول بولس : إذا كان الله معنا فمن علينا ( رو8: 31 ) .
وإذ أن يوحنا احتمل عذابات واضطهادات من أجل كلمة الله وشهادة يسوع المسيح فإنه بذلك قدّم لنا تعزية وتشجيعاً وهو أننا كل ما احتملنا الضيق وآلام هذه الحياة بصبر وإيمان معتبرين أننا نشارك المسيح آلامه فإننا بالتأكيد نكون قد استحقينا أن نتمتع بالاعلانات الإلهية في ملكوت السموات .
هذا وإن ما يجب على المؤمن أن ينتبه إليه هو أنه لا أروع ولا أطيب ولا أثمن من مناظر ملكوت السموات ، وهذا ما عبر عنه الرسول بولس بالقول : إن آلام هذا الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله ( رو8: 18-19 ) .
10- كنت في الروح في يوم الرب وسمعت ورائي صوتاً عظيماً كصوت بوق .
- كنت في الروح . إن هذه العبارة تذكرني بحديث الرسول بولس في ( 2كو12: 2 ) حينما ذكر بأنه اختُطف إلى الفردوس إذ قال : أعرف إنساناً في المسيح قبل أربعة عشرة سنة في الجسد لست أعلم ، أم خارج الجسد لست أعلم . الله يعلم .
بالتأكيد أنه حينما اختُطف الرسول بولس إلى السماء الثالثة لم يكن بالجسد بل بالروح ، وإن هذه هي حالة من السمو الروحي ، وهي الخروج من رباطات الحواس الجسدانية التي تجعل صاحبها منجذب إلى الأرض دائماً . هذه الحالة أيضاً كانت تحدث للأنبياء والرسل والقديسين حيث كان يرقى من كانت تحدث له هذه الحالة إلى مستوى الشفافية يمكنه حينها إدراك المناظر السماوية والاطلاع على ما في المستقبل ، فيرى ما لا يستطيع الانسان العادي أن يراه . لماذا ؟
لأن رباطات الحواس الجسدانية إذ تجذب صاحبها إلى الأرض دائماً فإن صاحبها يظل في إطار رباطات الحياة الجسدية التي لا وجود لها في العالم الروحي إطلاقاً وبالتالي لا يستطيع أن يرى المناظر الإلهية مادام في الجسد .
- في يوم الرب .
ما هو يوم الرب ؟
يوم الرب هو ثلاثة أيام .
الأول : هو اليوم الأسبوعي المخصص للعبادة .
الثاني : هو يوم الممات حينما سيأتيه ملاك الرب في يومٍ ويخرج روحه من جسده آخذاً إياها إلى السماء .
الثالث : هو يوم القيامة حينما سيأتي ربنا يسوع المسيح بمجده ويقيم الموتى ويجمع الناس أمامه ويفرز الصالحين من الطالحين . فالصالحين إلى الحياة الأبدية والطالحين إلى العذاب الأبدي ( مت 25 ) .
وإن يوم الرب المقصود بحديث يوحنا هو اليوم الأسبوعي المخصص للعبادة .
جاء في إحدى الوصايا العشر : اذكر يوم السبت لتقدسه . ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك ، لا تصنع فيه عملاً ما . لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع . لذلك بارك الرب الإله اليوم السابع وقدسه ( خر20 : 8-11 ) . وقد تكررت هذه الوصية في تث5: 12-14 ) .
إن كلمة سبت في الآرامية تعني راحة . وإنه بحسب هذه الوصية فإن أمر الله هو أن يتوقف فيه الإنسان عن أعماله ويخصصه للعبادة . فإن الله إذ هو محب البشر أعطى الإنسان ستة أيام يعمل فيها ما يشاء من أعمال ويربح ويحقق منها معيشته .......... إلخ . وبمقابلها يمنح الإنسان الله يوماً واحداً يعبده فيه . وقد تمسك اليهود بهذه الوصية إلا أنهم مع الزمن أدخلوا إليها مفاهيم غريبة لا تتوافق مع مفهومها الإلهي ، فصار عمل الخير مثلاً عملاً حراماً في يوم السبت ، بينما عمل الخير هو من أعمال العبادة ولذا فإن ربنا يسوع المسيح وبخهم في أكثر من مرة حينما كان يشفي مريضاً في يومِ سبتٍ ، وكان رؤساء الكهنة وغيرهم من رؤساء اليهود ينزعجون ويحتجون وكان هو له المجد يقول لهم : يوم السبت جعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت ( مر2: 27 ) .
إذاً لم يكن قصد الله أن يكون يوم السبت غاية في ذاته إي ( السبت لأجل السبت ) بل الغاية الجوهرية للسبت كانت عبادة الله ، وإن في عبادة الله منفعة وخدمة للإنسان . وهنا نصل إلى جواب سؤالنا بأن مفهوم يوم الرب كيوم أسبوعي مخصص للعبادة ، هو يوم عبادة الله والتأمل في عظمته وعظمة خليقته ، وعظمة محبته وحنانه وعطفه واهتمامه الكامل بالإنسان وحياته الأبدية .
والآن . بما أن هذه هي الغاية الجوهرية والمرسومة من قبل الله ليوم الرب ، وإن رسم الله ليس فوضوياً اعتباطياً ، بل إنه رسم هادف ، وبالتالي فإن عبادة الإنسان يجب أن تكون عبادة هادفة أيضاً ، وبالتالي وجوب التطلع إلى عظمته على أنه هو الذي يعمل وهو الذي يقدس وهو الذي يدبر . مع ملاحظة أن الإنسان الذي كان يعبده في يوم السبت كان هو الإنسان العتيق بطبيعته العتيقة الفاسدة التي بليت بالفساد بسبب الخطية . وحينما جاءت المسيحية فإنه صار هناك عملاً جديداً وهو خلق الإنسان الجديد ، ولذا فإن هذه الحالة الجديدة صار يلزمها عبادة جديدة وهدفاً جديداً .
· الحالة الجديدة هي الخلق الثاني ، الولادة الجديدة بصليب ربنا يسوع المسيح .
· هدفاً جديداً . هو إحياء عمل الفداء على الصليب في حياتنا نفساً وجسداً وعقلاً وممارسة .
· عبادة جديدة . تتمحور حول ملكوت الله بصليب ربنا يسوع المسيح .؟
ولذا فإن هذه العبادة الجديدة كان يلزمها يوماً جديداً غير يوم السبت تكون هذه الثلاثة التي ذكرناها عناصر محتواة فيه فكان هذا اليوم هو يوم الأحد . لماذا ؟
لأن ربنا يسوع المسيح حينما صلب ومات فإنه صلب وأمات طبيعتنا الفاسدة وحينما قام في يوم الأحد فإنه أقامنا بطبيعة جديدة ليس فيها طبع الفساد ، وصارت قيامته هدفاً يتطلع إليه كل مؤمن على أنها القوة التي يستمدها من صلب المسيح لكي يعمل بها ويصل إلى ملكوت السموات ، وهذا ما يذكرني بقول الرسول بولس ( لأعرفه وقوة قيامته ) ولذا فإن العبادة الجديدة صارت تتمحور حول ملكوت الله بصليب ربنا يسوع المسيح الذي ظهرت مفاعيله في يوم الأحد يوم قيامته .
فإذاً إن ربنا يسوع المسيح بقيامته من الأموات إذ حقق كل ذلك في يوم الأحد فهو قدّس يوم الأحد ، فصارت الكنيسة تقدّس يوم الأحد بتقديسه له ، وصارت بذلك وبناء على أمر الرسل الاثني عشر تحفظ يوم الأحد وتقدسه ، فصار الأحد بذلك هو اليوم الأسبوعي للاجتماع والعبادة . فقد جاء في كتاب تعليم الرسل ( الدسقولية ص213 – 214 ) :
قال الرب : حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون في وسطهم ، وطلبة هذه الجماعة مقبولة أمام الآب السماوي .
والاجتماع الأساسي الذي يعتبر باسمه هو الذي يتمّ لصنع الافخارستيا ، فيه يأتي بصورة خفية قبل مجيئه الثاني بصورة ظاهرة ، في هذا الاجتماع يختبر المؤمنون حضور الرب الذي يستجيب لدعوتهم إياه كي يأتي .
بعد قيامة يسوع كانت أكثر المناسبات التي حضر فيها وسط تلاميذه أثناء اجتماعهم لكسر الخبز :
ظهر للأحد عشر وهم متكئون
ظهر لتلميذي عمّاوس ودخل معهما البيت ( ليمكث معهما ) وأراد أن يعلن ذاته لهما ، اتكأ معهما وأخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما فانفتحت أعينهما وعرفاه .
كما أنه ظهر بعد ذلك للأحد عشر وهم مجتمعون وأراد أن يؤكد لهما أنه هو وكانت وسيلته هي الطعام .
وبعد حلول الروح القدس كان المؤمنون يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات .
وكانوا بنفس واحدة يكسرون الخبز .
هذا الاجتماع وكسر الخبز كان يتم في أول الأسبوع .
هذا هو اليوم الذي قام فيه يسوع وهو نفس اليوم الذي جاء فيه يسوع ووقف في الوسط حيث كان التلاميذ مجتمعين وقال لهم سلام لكم ، وهو أيضاً اليوم الذي جاء فيه مرة أخرى بسبب توما .
هذا هو يوم الرب فيه يكون المؤمنون بالروح .
( انتهت أقوال كتاب تعليم الرسل . الدسقولية ) ويستطيع المؤمن العودة إلى الانجيل ويقرأها في محلها كما يلي :
القول الأول ( مت 18 : 20
القول الثاني : ( مر16: 14 )
الثالث : ( لو24 )
الرابع : ( أع2: 42 )
الخامس : ( أع2: 46 )
هذا وقد قال يوسابيوس العالم في الديانة المسيحية : والكلمة ( المسيح ) بالعهد الذي قطعه معنا غيّر نور السبت إلى نور الصباح وأعطانا المخلص يوم الرب رمز الراحة الحقيقية . ففي مثل هذا اليوم يجب أن نسلك بموجب الشريعة الروحية ، وكل ما يمكنه أن نعمله يوم السبت فقد نقل إلى يوم الرب ، وقد أعلن لنا أنه يجب أن نجتمع في مثل هذا اليوم ( قاموس الكتاب المقدس ص455 ) .
هذا وإنني أورد بعض الأدلة الكتابية على حفظ يوم الأحد .
1- ما في ( يو20: 19 ) : وكانت عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود حيث جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلام لكم .
2- ما جاء في ( أع20: 7 ) : وفي أول الأسبوع إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزاً .......
3- ما جاء في ( 1كو16 : 2 ) : في كل أول أسبوع ليضع كل منكم ما عنده خازناً ما تيسّر حتى إذا جئت ...............
هذا وإنه قد يخطر ببال أحدٍ أن يستفسر قائلاً : إن تحويل يوم الرب من السبت إلى الأحد هو نقض للسبت ، بينما ربنا له المجد قال : لم آت لأنقض بل لأكمل ( مت5: 17 ) .
في الحقيقة إن النقض يعني الإزالة ، أما الإكمال فمعناه إضافة زيادة إلى ما كان ناقصاً ليظهر في صورة جديدة كاملة . ولذا فإن يوم السبت لم ينقض بل تكمّل بالأحد . كما أن تقديس يوم للرب من الأسبوع حقيقة ثابتة وقد تكملت من اليوم السابع إلى اليوم الأول .
أخيراً . بما أن ربنا له المجد قدس يوم الأحد بقيامته وانتصاره لنا على الطبيعة الفاسدة والموت والخطية والشيطان فنحن إذا يجب أن نقدّس يوم الأحد وننتفع من قوة قيامة المسيح فيه ، فهو إذا يوم الرب .
ملاحظة : إن أول الاسبوع يُقصد به يوم الأحد ، ذلك أن أيام الأسبوع في الكتاب المقدس تبدأ في يوم الأحد وتنتهي بيوم السبت .
- وسمعت ورائي صوتاً عظيماً كصوت بوقٍ .
· ورائي . لأن الذي خاطب يوحنا لا يمكن مخاطبته وجهاً لوجه . وهذا ما قاله الرب الإله لموسى النبي : لا تقدر أن ترى وجهي ....... أرفع يدي فتنظر ورائي وأما وجهي فلا ير ( خر33: 20-23 ) .
· صوتاً عظيماً . لأنه صوت المسيح الله العظيم .
· كصوت بوقٍ . إن البوق كان يضرب في العهد القديم في أربعة حالات رئيسية وهي ( عند الرحيل ، عند الاجتماع ، عند الحروب ، وفي مناسبة الأعياد ( عد10: 1-10 ) .
1- عند الرحيل . إن حياة الإنسان الزمنية حقيقة هي رحلة تنتهي بموته . فليعدّ المؤمن زاد الأبدية بربنا يسوع المسيح ، وهو لا يزال في رحلة هذه الحياة الزمنية ، وهذا يذكرني بقوله له المجد ( اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الإنسان يو6: 27 ) .
2- عند الاجتماع . وفي حياتنا المسيحية إن صوت ناقوس الكنيسة هو صوت بوق يدعونا أن نجتمع باسم المسيح في الكنيسة ( البيعة ) ألم يقل له المجد : حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون في وسطهم ؟
3- عند الحروب . وفي الحقيقة إن حياة المؤمن المسيحي هي حرب وجهاد دائم ضد إبليس من خلال ما يطرحه في نفوسنا من ميول إلى الخطية أياً كانت أو من خلال من يرميه في طريقنا من عثرات وحروبات أياً كانت . ألم يقل الرسول بولس : فإن مصارعتنا ليست مع لحم ودمٍ ، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات ( أف6: 10- 12) ؟
4- في مناسبة الأعياد . نعم إن للأعياد في المسيحية أهمية بالغة ، ذلك لأن كل ما يقرأه المؤمن في العهد الجديد وما يسمعه من شرح وتفسير إنما يحتفل به في مناسبات الأعياد . وأضرب في ذلك بعض الأمثلة للبرهان وليس للحصر .
· حينما نحتفل بعيد الميلاد . فإننا نعيد ذكرى ميلاد الرب يسوع ، وإن كل الصلوات هي من وحي المناسبة ، والغاية من هذا الاحتفال هي أن نتذكر أن الله ظهر بالجسد لأجل خلاصنا .
· حينما نحتفل بعيد العنصرة ( حلول الروح القدس على الرسل يوم الخمسين ) فإننا نعيّد لتلك الذكرى المجيدة ويقوم الأب الكاهن برشّ الماء رذاذاً على المؤمن كتقليد حلول الروح القدس على التلاميذ ، والغاية من هذا الاحتفال هي أن يدرك المؤمن بأن الروح القدس أرسل في مثل هذا اليوم إلى الكنيسة ليكون معها يدبرها ويقودها ويرشدها ويهب لكل من أبنائها طبيعة الله بالمعمودية ، كما يهب شرعية لكل الأعمال المصيرية في حياة المؤمن كالزواج مثلاً ، والاعتراف بالخطايا ، والتقرب إلى القربان المقدس .
11- قائلاً أنا هو الألف والياء البداية والنهاية ، الذي تراه اكتب في كتاب وارسل إلى السبع الكنائس التي في وسط آسيا ، إلى أفسس ، وإلى سميرنا ، وإلى برغامس ، وإلى ثياتيرا ، وإلى ساردس ، وإلى فيلادلفيا ، وإلى لاودكية .
- أنا هو الألف والياء ، البداية والنهاية ( تمّ شرحها من قبل ) .
- الذي تراه اكتب . أي أنك سوف ترى ما سيكون حتى انقضاء الدهر فاكتبه في كتاب .
- وارسل إلى السبع الكنائس التي في وسط أسيّا .
السبع كنائس . سيأتي ذكرها بعد قليل وهي كانت في اسيا . وإن رسالة ربنا هذه هي إلى كل الكنائس في كل العالم ذلك أنه ليس من المعقول أن ربنا يريد أمراً من كنيسة ولا يريده من أخرى أو يهملها ، ولذا فإن كل الكنيسة في كل الأرض هي معنية بهذه الرسائل .
· أفسس . كلمة يونانية تعني ( المرغوبة ) وكانت عاصمة المقاطعة الرومانية اسيا على الشاطئ الأيسر من نهر الكايستر وعلى مسافة ثلاثة أميال من البحر تجاه جزيرة ساموس . وكان قد بني فيها مرفأ صناعياً مما جعلها ميناءً بحرياً مهماً في العصور القديمة . وكان فيها هيكل أرطاميس مما كان قد جعل لها مركزاً دينياً وثنياً هاماً .
نادى الرسول بولس برسالة المسيح في أفسس ... وترك هناك أكيلا وبريسكيلا ليحملا الشهادة المسيحية في أفسس ( أع18: 18-21 ) . وكان بولس قد أقام فيها قرابة السنتان والثلاثة شهور خلال رحلته التبشيرية الثالثة ينادي في المجمع وفي مدرسة تيرانس وفي بيوت خاصة ( أع19: 23-41 ) وبحسب التقليد الذي يوثق بصحته قضى يوحنا الرسول السنوات الأخيرة من حياته وخدمته في أفسس . وكتب سفر الرؤيا في جزيرة بطمس التي هي تجاه أفسس . وأصبحت المدينة فيما بعد مركزاً مهماً للمسيحية وقد التأم هناك المجمع الثالث المسكوني في سنة 431م ، كما انعقد فيها مجمعاً ثانياً سنة 449 م . أسس فيها الرسول بولس كنيسة ووضع فيها تلميذه تيموثاوس راعياً لها . وقد تمّ فيها القضاء الذي أُنذرت به في رؤ2: 5 . ( قاموس الكتاب المقدس ص 92-93 ) .
· سميرنا . مدينة على الساحل الغربي لآسيا الصغرى ، تأسست كمستعمرة رومانية عام 1000 قبل الميلاد ، ثم أصبحت مدينة عظيمة جداً امتد سلطانها شرقا وغرباً وعظم نفوذها ، ثم هزّمها ألياتيس ملك ليدية ودمرها عام 600ق. ب . فأعاد اليونانيون بناءها في القرن الثالث ق.ب وأقاموا فيها مجالس نيابية ومعاهد للعلم ، وفي عام 195 ق.ب بنت سميرنا هيكلاً وخصصته لمعبودات روما ، فتوطدت أواصر الصداقة بينها وبين روما . وقد نقش أهل سميرنا على عملتهم القول : سميرنا أجمل وأكبر مدن آسيا . ويقول المؤرخ استرابو : إن جمال سميرنا يعزى إلى نظافة شوارعها وأناقة أرصفتها ، وفحامة مبانيها ، وروعة البحر الذي يحيط بها ، وجلال الآكام التي تكتنفها ، وجمال أشجار السرو والسنديان التي تظللها . وقد كان أهل سميرنا على أخلاق حسنة ، فقد أضافوا إلى جمال أبنية بيوتهم جمال أخلاقهم . غير أن السواد الأعظم منهم كان يتعبد في هيكل باخوس إله الخمر . ثم تأسست فيها كنيسة مسيحية نالت المديح في ( رؤ2: 10 ) وكان بوليكاربوس تلميذ يوحنا أسقفاً لها ، وقد مات فيها شهيداً عام 155م وقبره يقوم على تل فيها إلى اليوم ، وقد أرسلت سميرنا نائباً عنها إلى مجمع نيقية المسيحي الذي اجتمع عام 325م . وإن أزمير الحالية هي نفسها سميرنا القديمة ، وهي تقع على بعد خمسين ميلاً شمال أفسس .
· برغامس . هي مدينة في ميسيا بآسيا الصغرى كانت فيها إحدى الكنائس السبع التي وجه إليها ربنا رسالة من الرسائل السبعة ، لقبت في تلك الرسالة بكرسي الشيطان لكثرة المعلمين الكذبة الذين كانوا فيها وكانوا يضلون الناس ويسقطوهن في الخطية . وكانت الهياكل الوثنية كثيرة فيها من ضمنها هيكل ( زفس ) . عدد سكانها اليوم يفوق الـ 20 ألف نسمة بعضهم مسيحيون واسمها الحالي ( برجما ) . كانت فيها مكتبة تحتوي على مائتي ألف مجلد أضافتها كليوباترا إلى مكتبة الأسكندرية . كانت برغامس مركزاً كبيراً لصناعة الرقوق والورق من الجلود . ولم تزل آثار المدينة القديمة باقية إلى اليوم تشهد بعظمتها وغناها ، كالأعمدة الرخامية التي ظنّ أنها بقايا هيكل أسكولابيوس ، ويدعي أهاليها أنهم يعرفون قبر القديس الشهيد أنتيباس ، ومحل الكنيسة التي اجتمع فيها التلاميذ لقراءة رسالة يوحنا . وبالاختصار نقول : إن هذه المدينة كانت قديماً عامرة متمدنة ، وكفاها فخراً أنها مسقط رأس جالينس العالم الشهير الذي كان أول من قال أن الأوعية الدموية تحمل دماً لا هواءً حسبما زعم من سبقه من الأقدمين ( قاموس الكتاب المقدس ص170 – 171 ) .
· ثياتيرا . ( أع16: 14 ) . مدينة في آسيا الصغرى في مقاطعة ليدية قرب حدود ميسيا . وقد كانت الطريق من برغامس إلى ساردس ، وبين سنة 301 وسنة 281 ق.م جاء سلوكس نيكاتور وأسكن فيها الكثير من الأغريق وأطلق عليها اسم ثياتيرا . وكانت تعرف باسم بيلوبيا أو أيوهيبيا ، وربما كانت هذه الأسماء وصفية فقط ، ولا تزال بقايا هذه المدينة موجودة في شكل بقايا أعمدة مثبتة في شوارع وعمارات المدينة التي قامت مكانها باسم إق حصار ، وهي إلى الجنوب الشرقي من أزمير . اشتهر أهلها بمهارتهم في صناعة الأرجوان وصبغه . وقد كانت ليدية بائعة الأرجوان من هذه المدينة ( أع16: 14 ) وفي هذه المدينة قامت إحدى الكنائس السبعة التي وجه إليها الرب رسالة . ويُظنّ أنه كان فيها قديماً معبد لسميث وهو خارج المدينة ، وربما كانت سميث هي النبية المشار إليها في رؤ2: 20 – 22 . ( قاموس الكتاب المقدس ص239 – 240
· ساردس . كانت من أهم وأقدم مدن آسيا الصغرى ، كانت أولاً تابعة للميونيين ثم صارت تابعة لليديين . وكانت واقعة على سفح جبل تمولوس على شاطئ نهر بكتولوس في وسط أقليم خصب وعلى مسافة خمسين ميلاً شرقي سميرنا . في سنة 546 ق.ب استولى كورش الكبير على المدينة ، وكانت إذ ذاك عاصمة الليديين وملكها ( كريسوس ) الغني جداً . تأسست فيها كنيسة مسيحية وكانت على ما يُستنتج كنيسة كبيرة مشهورة ، ولكنها لم تحفظ مكانها إذ انزلقت في الشهوات والنجاسات ، ويبدو أن الثروة ضيعتها ، فقد كانت الثروة تعود إلى الذهب الذي وجد في رمال نهر باكتولوس ، وهناك سُكبت أول عملة ذهبية وفضية ، وظلت الكنيسة محتفظة بمظاهر الحياة القوية ولكنها كانت في الحقيقة ميتة . نعم كانت وسط حضارة عظيمة جداً ، ولكنها لم تؤدِّ الرسالة الصحيحة ، وقد جاءها الإنذار في أحدى رسائل الرب السبعة في سفر الرؤيا فلم تهتم به ، ولذلك فقدت مكانتها . وساردس اليوم قرية صغيرة اسمها ( سرت ) ( قاموس الكتاب المقدس ص444 )
· فيلادلفيا . اسم يوناني معناه المحبة الأخوية وهي مدينة في ليدية في آسيا الصغرى على بعد ثمانية وعشرين ميلاً ونصف الميل إلى الجنوب الشرقي من ساردس . بناها أتالس فيلادلفس على قسم من جبل تمولوس . وقد دمرتها زلزلة سنة 17م . ثم أعيد بناؤها ، وكانت فيها إحدى الكنائيس السبعة الشهيرة المذكورة في سفر الرؤيا . واسمها اليوم هو الأشهر . ( قاموس الكتاب المقدس ص701 ) .
· لاودكية . يقال أنها مدينة اللاذقية السورية . لكن قاموس الكتاب المقدس ص805 يقول : هي مدينة يرجّح أن مؤسسها هو انطيوخس الثاني ( 261 – 247 ق.م ) وأطلق عليها اسم امرأته . وكانت في ذلك الزمان من المدن الرئيسية في مقاطعة فريجيا باكتانيا في آسيا الصغرى وواقعة إلى الجنوب قليلاً من كولوسي وهيرابوليس على ضفاف نهر ليكس الذي هو فرع من نهر مياندر . وكانت لاودكية مشهورة بصنع الأقمشة من الصوف الأسود الذي ينتجه نوع خاص من الغنم في تلك المنطقة . كما أنها كانت مقراً لمدرسة طبية حضّر أطباؤها مسحوق فريجيا لشفاء رمد العين . وفي هذه المدينة عمل أبفراس ( كو4: 12 – 13 ) الذي يعتبر مؤسسا لكنائسها المسيحية . وقد سلّم عليها بولس عندما كتب رسالته إلى الكولسيين ( كو4: 15 ) . ذكرت لاودكية بين الكنائس السبعة في سفر الرؤيا وجه إليها الرب توبيخاً شديداً بكلمات تشير إلى أن المدينة كانت غنية . في السنة 65م دمرها زلزال هي وكولوسي وهيرابوليس ، فهبّ سكانها وأعادوا بناؤها دون معونة من روما كما كانت العادة . ولا تزال آثارها وخربها موجودة في موضع يدعى إسكي حصار قرب دنيزلو على مسافة 65 ميلاً تقريباً إلى الجنوب الشرقي من مدينة أزمير .
12- ثم التفت لأنظر الصوت الذي تكلم معي ولما التفت رأيت سبع مناير من ذهب .
- التفت لأنظر الصوت الذي تكلم معي .
إن الصوت لا ينظر بل يُسمع . ولذا فإن المعنى هو : التفت لأنظر مصدر الصوت الذي يتكلم معي . وإن مثل هذا القول ورد في سفر الخروج : وكان جميع الشعب يرون البروق والرعود وصوت البوق والجبّل يدخّن ( خر20: 18 ) . بينما صوت الرعود والبروق لا ير بل يُسمع .
ونحن في حياتنا العامية درجنا على استعمال هذه الطريقة فمثلاً . إذا ما رنّ جرس الهاتف فإن واحدنا يقول للأقرب إلى الهاتف : شوف مين عمْ يحكي .
- ولما التفت رأيت سبع مناير من ذهب .
إن العدد ( 7 ) يشير إلى التمام عند الله ، فإما تمام غضبه الإلهي وإما تمام نعمه ومحبته للبشر . ونأخذ بعض الأمثلة من الكتاب المقدس .
· عن حفظه التام للبهائم الطاهرة وللطيور قال الله لنوح : من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكراً وأنثى ، ومن طيور السماء أيضاً سبعة سبعة ذكراً وأنثى . لاستبقاء نسل على سطح الأرض ( تك7: 2-3 )
· وللتعبير التام عن غضبه على الأرض قال أيضاً لنوح : بعد سبعة أيام أمطر على الأرض أربعين يوما فأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته ( تك7: 4 ) .
· للتعبير عن الرجاء التام قال الرب الإله : لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم ( أم24: 16 ) .
· عن وجوب الغفران الكامل أجاب الرب يسوع بطرس الذي سأله كم مرة أغفر إلى أخي هل إلى سبع مرات ؟ فقال له سيدنا يسوع المسيح : لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات ( مت18: 21-22 ) .
تأمــل :
الكنيسة هي مؤسسة إلهية بين البشر وإن العدد ( 7 ) له إشارات ورموز إلهية فيها .
· في ماهيتها هي سبعة أسرار إشارة إلى أن المؤمن ينال منها إن التزم كمال النعم الإلهية للإنسان .
· في عملها سبعة مناير إشارة إلى الهداية الكاملة التي ممكن أن يحصل عليها الإنسان بواسطتها .
· في معدنها ذهب وفي ذلك رمز إلى . نقاء تعاليمها لأنها تعاليم السيد المسيح الذي قال لها من خلال شخص الرسل اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ( مت28 : 19 – 20 ) . في معدنها ذهب إشارة أيضاً إلى جمالها لأنها صورة ملكوت الله على الأرض فقد قال له المجد : لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سرّ أن يعطيكم الملكوت ( لو12: 32 ) . في معدنها من ذهب لأنها صورة الغنى الحقيقي الذي يجعل الإنسان وارثاً لملكوت السماء وقد قال ربنا في ذلك : بيعوا مالكم واعطوا صدقة . اعملوا لكم أكياساً لا تفنى في السموات حيث لا يقرب سارقٌ ولا يبلي سوسٌ ( لو12: 33 ) . في معدنها ذهب لأنها رمز الملك الحقيقي حيث سيملك المؤمن المستحق مع المسيح في ملكوته السموي إذ قال ربنا بأنه سيدعو الذين يقيمهم عن يمينه في يوم القيامة الرهيب قائلاً لهم : تعالوا إلي يا مباركي أبي رثوا الملك المعدّ لكم منذ تأسيس العالم ( مت25: 24 ) .
· الكنيسة كاملة في هيئتها فلا ينقصها شيء في مسيرتها باتجاه الأبدية ، إذ قال لها ربنا له المجد : أبواب الجحيم لن تقوى عليها ( مت16: 18 ) .
· الكنيسة خالدة خلوداً تاماً رغم الاضطهادات التي تعرضت لها والمؤامرات التي تحاك ضدها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً إذ قال له المجد لها من خلال الرس : ها أنا معكم كل الأيام حتى انقضاء الدهر ( مت28: 20 ) .
· كاملة في اعتقادها فإن تعليمها هو من الرسل الذين بدورهم كانوا قد تلقوه من السيد المسيح بالذات وهذا ما نتأكده من قوله له المجد : اذهبوا إلى جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم جميع ما أوصيتكم به ( مت28 : 19-20 )
· كاملة في طقوسها ، فإن مجمل طقوسها هي إعادة لكامل التدبير الخلاصي بالمسيح له المجد .
· الكنيسة هي منارة تقدم النور الحقيقي للعالم الذي هو نور المسيح الذي قال عن نفسه : أنا هو نور العالم ( يو8: 12 ) . وهذا ما يجعلنا نقرأ في إشعياء الذي خاطب الكنيسة قائلاً : قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك ...... فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك ( أش60: 1-3 ) .
· الكنيسة من ذهب . فكما أن الذهب لا يصدأ وغير قابل لتخليصه من الشوائب التي تحدث للمعادن الأخرى ، هكذا الكنيسة أيضاً لا تفسد تعاليمها ولا تبلى ولا تعتق مثلما يحدث للتعاليم البشرية أياً كانت حيث تحتاج بين الحين والآخر إلى إعادة النظر وتخليصها مما قد عتق وإضافة جديدٍ إليها ..... إلخ .
13- وفي وسط السبع المناير شبه إبن الانسان متسربلٍ بثوبٍ إلى الرجلين ومتمنطقاً عند ثدييه بمنطقة من ذهب .
- في وسط السبع االمناير . وجدنا أن المناير هي الكنائس . وإذ أن الرقم ( 7 ) يشير إلى الكمال لذا فإن السبع الكنائس هي رمز لكل الكنيسة في كل الأرض ، فإذاً إذ رأى إبن الانسان في وسط السبع المناير فهذه رسالة إلى أن المسيح له المجد قائم على الدوام في وسط الكنيسة في كل مكان ، وبذلك فإن هذا الإعلان الذي صار ليوحنا هو من أجمل إعلانات هذه الرؤيا .
- شبه ابن إنسان . المسيح هو ابن الإنسان ، وهو الذي لقب ذاته بهذا الاسم ، وقد ورد ذكر ابن الانسان في العهد الجديد ( 85 ) مرة ، وإن ربنا يسوع المسيح أراد من وراء هذه الصورة وذكر هذا الاسم .
· أن يذكرنا بأنه هو المقصود في وعد الله بخصوص نسل المرأة الذي سيسحق رأس الحية ، وذلك حينما قال للحية : أضع عداوة بينك وبين الحية وبين نسلك ونسلها ، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه ( تك3: 15 ) . فبينما هو له المجد نسل المرأة ( العذراء ) وإن تلك المرأة لم تلده من زواج بشري بل بحبل إلهي أتخذ له منها جسداً لذا فإنه لقّب بابن الإنسان .
· يذكرنا بقوله له المجد : من يبكتني على خطية ( يو8: 46 ) . بمعنى أنه يقول عن نفسه بأنه منزه عن الخية وكل ضعفٍ وهذا من صفات الله الكامل ، ولكنه له المجد ظهر بالجسد كإنسان ، فإذاً هو صورة الانسانية الكاملة حينما تكون متحدة مع خالقها ، مثلما كان آدم قبل السقوط ، فإن كانت الخطية قد أنقصت من من انسانية الانسان وشوهت جمال الانسانية فيه فإن السيد المسيح قدّم في نفسه صورة أصيلة للإنسانية الكاملة في صفاتها .فإن له المجد .
= كان كاملاً في حبه وعبر عن ذلك بقوله : كما أحببتكم أنا تحبون بعضكم بعض ( يو13: 34 ) ونعلم أن محبته لنا قادته إلى الصليب ، فلولا كمال المحبة لما صلب .
= كان كاملاً في الرحمة وأعطاناً براهين عملية عن ذلك . فإنه مثلاً توقف مستجيباً لنداء الرحمة الذي صرخ به ذلك الأعمى : يا ابن دواد ارحمني ، ومنحه البصر ( مر10: 47 )
= كان كاملاً في تحننه . ألم يتحنن على الجموع المؤلفة من الآلاف فلم يتركهم يذهبون دون طعام بل أكثر لهم الخبز والسمك وأشبعهم ، وكان ذلك في حادثتين منفصلتين ( مت 14 ، مت 15 ) ؟
ألم يتحنن على أرملة نايين وأقام ابنها من الموت وأعاده لها ( لو7: 13 ) ؟
= كان له المجد كاملاً في تواضعه . ألم ينحن أمام الاثني عشر الذين هو خلقهم وغسل أرجلهم ( يو13: 5 ) ؟
= كان له المجد كاملاً في وداعته . ألم يركب جحشاً وابن أتان في دخوله إلى أورشليم بينما هو ملك الملوك وسيد السادات ؟
وكثيرة هي الأمثلة على كماله في كل الصفات الإنسانية .
· يذكرنا بأنه لم يكن في هيئته الإنسانية خيالاً بل حقيقة اتخذ له طبيعة انسانية كاملة وبذلك فإنه شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية ، واتحد لاهوته بالطبيعة البشرية بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير اتحاداً لا انفصال فيه إلى الأبد .
· يذكرنا أخيراً وليس آخراً بنبوة دانيال القائلة : كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه أمامه فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة . سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض ( دا7: 13-14
- شبه ابن إنسان ولم يقل ابن إنسان . لأنه ليس مجرد ابن إنسان بل إله تأنس وأخذ له صورة إنسان كما قال الرسول بولس : صائراً في شبه الناس ( في2: 7 ) .
- شبه ابن إنسان في منظره العام لكنه مختلف عمّا كان قد ألفه يوحنا أثناء كرازته الجهارية على الأرض ، ذلك لأنه له المجد بعدما قام من القبر فإنه قام بجسد القيامة ، وإذ هو الله فإنه قام وهو لابس مجده الإلهي
- في وسط السبع المناير . هذا يذكرني بلاعب الوسط في لعبة كرة القدم ، الذي هو أهم لاعب في الفريق كون العقل المدبر والموجه للفريق . هكذا المسيح إذ رآه يوحنا في وسط السبع المناير ، فهي إشارة إلى حضوره له المجد في وسط الكنيسة على الدوام ، يدبرها ويقودها ويرشدها بروحه القدوس . ومثلما كان الكاهن في العهد القديم يتعهد المناير السبع في القدس بما يلزمها من زيت وفتيل وضوء لتظل منارة على الدوام ، هكذا المسيح إذ هو رئيس كهنة الكنيسة واقف حاضر فيها على الدوام لتظل منارتها مضاءة دائماً ، وهذا مما أشار إليه له المجد حينما قلا لأبنائها : أنتم نور العالم ( مت5: 14 )
- متسربلاً بثوب حتى الرجلين . رمز الهيبة والوقار .
- ومتمنطقاً عند ثدييه بمنطقة من ذهب .
· المنطقة ( الزنار ) وهو رمز للاستعداد للخدمة والحرب والعمل .
· عند ثدييه . الأثداء ترضع الحياة للأطفال . وبذلك فإن الإشارة من هذا القول هي الاستعداد الدائم للمسيح بأن يمنح الحياة الأبدية لمن يقبل إليه . وهذه هي خدمة يقدمها له المجد لمن يأتي إليه ، وهي حرب ضد إبليس الذي يحاول أن يغذي الإنسان حليب الشر والموت وليس الحياة . وهو عملٌ من أجل الحياة الأبدية .
· عند ثدييه . الثديان هما رمز للعهدين القديم والجديد ، فكما إن الثديين يشبعان الطفل حليب الحياة الزمنية ، هكذا العهدين القديم والجديد يشبعان المؤمن بكلام الله .
· من ذهب . رمز الثبات ، فإن الذهب معدن ثابت لا يصدأ ولا يتآكل مع الزمن ، هكذا ربنا يسوع المسيح هو ثابت في وعوده ومواعيده من جهة ، ومن جهة أخرى تظل ألوهته ثابتة لا يطالها النقص والتزعزع ...... .
14- وأما رأسه وشعره فأبيضان كالثلج وعيناه كلهيب نار .
- إن المقصود برأسه هو شعر رأسه . وإن المقصود بـ شعره هو لحيته . فإن كلاهما أبيض كالصوف النقي كالثلج .
· إن بياض شعر الرأس هو رمزٌ للأزلية . لأن هذا البياض عادة هو للمسنين الطاعنين في السن .
· بياض شعر اللحية هو رمزٌ للحكمة . ذلك لأنه كانت قد درجت العادة أن الحكماء كانوا يطيلون لحاهم وكلما كبروا في السن ازدادوا معرفة وخبرة وحكمة ، وبالمقابل تزداد اللحية بياضاً ، وما أن يصبح مسناً حتى تصبح لحيته بيضاء كاملة . وقد جاء في ( أي32: 7 ) : كثرة السنين تظهر حكمة . وبذلك نجد يوحنا ينعت الرب يسوع المسيح بالأزلية والحكمة الكاملة .
نعم إن ربنا يسوع المسيح هو أزلي لأنه مولود من الآب السماوي ولادة عقلية كونه كلمة الله . ورب معترض يقول : إن العقل يسبق الكلمة . فما أن هذا الاعتراض مرفوض عقلياً إلا أننا نجيب قائلين : هل كان الله في زمن ما عقلاً أصماً أخرساً دون كلمة ؟ حاشا . إذاً ، المسيح هو كلمة الله مولود من الآب ولادة أزلية .
كما أنه له المجد هو كل الحكمة لأنه كلمة الله . وقد جاء في سفر الأمثال : لأن الرب يعطي حكمة . من فمه المعرفة والفهم ( أم2: 6 ) . كما أن له المجد قال عن حكته التي لا تقاوم لأن حكمة إلهية : لأني أنا أعطيكم فماً حكمة لا يقدر جميع معانديكم أو مناقضيكم أن يقاوموها ( لو21: 15 ) .
وقال الرسول بولس : بالمسيح قوة الله وحكمة الله ( 1كو1: 24 ) .
- عيناه كلهيب نار ٍ . أي أنهما فاحصتان ، ونظراته مهولة تملأ الأشرار خوفاً وجزعاً . فإن مصطلح النار يستخدم على الأغلب لبيان الخطر المحدّق .
· قال أشعياء عن الأشرار : إنهم قد صاروا كالقش أحرقتهم النار . لا ينجون أنفسهم من نار اللهيب ( أش47: 14 ) .
· يقول ربنا يسوع المسيح عن جهنم النار التي للأشرار : دودهم لا يموت والنار لا تطفأ ( مر9: 44 ) .
15- ورجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون وصوته كصوت مياه كثيرة .
- النحاس معدن يتحمّل درجات حرارة عالية جداً ، ولذا فهو رمز للثبات أمام مقاومات الأعداء وشرورهم التي هي كالنار الآكلة . وهذا ما يذكرنا بمواقف كثيرة حاول فيها أعداؤه أن يصطادوه بشرهم لكنهم لم يفلحوا ، وقد أعطى الكنيسة هذا الثبات والتغلب على نار شرّ الأشرار . وإن من يرجع إلى تاريخ الكنيسة فإنه سيجد قوة الثبات التي تحلّت به عبر مراحلها السابقة خلال الألفي سنة التي مضت في وجه الاضطهادات وفي وجه الأباطرة والملوك والولاة والحكام ولا تزال قائمة ثابتة أبواب الجحيم لن تقوى عليها ، وهكذا ستكون إلى انقضاء الدهر أيضاً .
· النحاس النقي اللامع . إشارة إلى صفاء جوهر المسيح لأنه الله والله هو روح بسيط لا تركيب فيه ، وهذا بحد ذاته هو سرّ ثبات المسيح ، فهو ليس ثابتاً بالوسائل البشرية ( السيف ، المدفع ، الصاروخ ، القنبلة النووية ) بل بنقاء سيرته وسمو شخصه وكمال طبعه الذي تحدّى به الفريسيين حينما قال : من منكم يبكتني على خطيئة ( يو8: 46 ) . وهذا ما يذكرنا بما جاء في اشعياء : لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غشّ ( أش53: 9 ) .
- صوته كمياه كثيرة .
إن صوت المياه هو صوت عذبٌ جداً ، ومن ناحية أخرى إذا كانت مياهٌ فياضة فإن صوتها يبعث في النفس الرهبة والجزع . ومن ذلك فإننا نجد أن صوت المياه هو من جهة رمزٌ لعذوبة تعاليم المسيح ، ومن جهة أخرى هي رمزٌ إلى الفزع الذي ينبعث في نفس الإنسان إذا ما كان خارجاً عن صوت بشارة الانجيل التي هي صوت تعاليم ربنا يسوع المسيح له المجد .
· حينما يقف إنسان أمام نهر كبير في قسم المنحدر ويتطلع إلى مياهه التي تتدفق بغزارة وقوة ، وصوتها يدخل آذانه فإن المهابة تغمر كيانه ، وإذا ما تأمل في ذلك بعمقٍ كبير وجب أن يجد فيها صدىً لصوت الله المهوب الذي يخيف الخارجين عن حقه الإلهي .
· إن يوحنا حينما كان يسير مع المسيح كتلميذٍ لم يكن يسمع منه صوتاً مرتفعاً أو حاداً لأنه كان يدعو إلى التوبة والعودة إلى الفردوس ، وإن هذه الدعوة كان يلزمها رقّةً ولطفاً ووداعة وتواضعاً من أجل جذب الإنسان للعودة . وبذلك لبسته النبوة التي قيلت باشعياء النبي وذكرها متى في الانجيل : هوذا فتاي الذي اخترته ، حبيبي الذي سرّت به نفسي . أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق . لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحدٌ في الشوارع صوته . قصبة مرضوضة لا يقصف . وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتى يُخرج الحق إلى النصرة وعلى اسمه يكون رجاء الأمم ( مت12: 18-21 ، أش42: 2-4 ) .
لكن يوحنا الآن في هذه الرؤيا لا يراه كما كان يراه حينذاك ، وبالتالي فإن صوته حينذاك ليس كصوته في هذه الرؤيا ، فإن صوته الآن هو صوت الديان الذي سيرعب الأشرار من ناحية ، ومن ناحية أخرى كصوت راعٍ للكنيسة يتمشى في وسطها يُفزع مقاوميها ومعانديها فيه وعيدٌ لهم بالهلاك الأبدي في جهنم النار إلى الأبد . وهذا ما يذكرنا بقوله له المجد : أما أعدائي أولئك الذين لا يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدّامي ( لو19: 27 ) .
16- ومعه في يده اليمنى سبعة كواكب وسيف ماضٍ ذو حدّين يخرج من فمه ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها .
- سبعة كواكب . هم سبعة أساقفة الكنائس السبع التي سيتمّ التحدث عنها في رؤ1: 20 . لماذا دعوا بالكواكب ؟
1- إن الكواكب تتحرك في مدارات ثابتة لها ، وهكذا الأساقفة يدورون في فلك المسيح حيث تحصرهم محبته ، فهو مدارهم الوحيد .
2- ليس للكواكب نوراً ذاتياً بل تستمده من الشمس ، وهكذا الأساقفة إذ ينيرون في رعيتهم فإن نورهم ليس ذاتياً فيهم بل يستمدونه من المسيح الذي هو النور الحقيقي الذي جاء إلى العالم .
نعم إن كل كاهن هو كوكب في سماء الكنيسة التي شمسها هو المسيح ، فكما أن الكواكب جميعها تستمد نورها من الشمس هكذا هؤلاء يستمدون نورهم من شمس الكنيسة الذي هو المسيح لكي ينيروا رعاياهم بنوره .
3- تبدوا الكواكب للنظر صغيرة جداً وهي في كبد السماء لكن الحقيقة هي أن حجمها هو هائل ، هكذا الكاهن هو إنسان محدود حجماً وحركة أمام النظر مثله مثل أي إنسان لكن الحقيقة هي أن قيمته ليست كالتي لأي إنسان فهي عظيمة جداً عند الله ، وإن هذا ما نجده في قول الرب يسوع المسيح له المجد : الذي يسمع منكم يسمع منّي والذي يرذلكم يرذلني والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني ( لو10: 16 ) .
4- الكواكب تضيء في ظلمة الليل وتكسر حاجز الظلمة فتزول حلكة السواد بقانون ثابت لا يتغير . هكذا الكهنة إذا ما مرّ ليل البدع والهرطقات فإنهم يزعزعونه بنور المسيح الذي فيهم وبكلمة الحق التي يرددونها باستقامة فيردون الكثيرين من طريق الضلالة إلى طاعة الله . وهذا يجعلني أتذكّر أيام كنّا أطفالاً حيث كثيراً ما كنّا نخرج ونلعب في الليل وكنّا نميّز الأمكنة جيّداً حتى حينما لم يكن القمر في السماء ، فقط لأن النجوم كانت تتلألأ في كبد السماء .
5- الكواكب جميلة جداً وهي تتلألأ في السماء ، إنها تكسب الليل جمالاً أخاذاً . وهكذا الكهنة فإنهم إن كانوا حريصين على القيام بواجبهم كما يجب فإنهم يتلألئون في سماء الكنيسة فتزداد الكنيسة رونقاً وجمالاً بجمالهم .
- في يده اليمنى .
يجب أن لا يخفى على أحد بأن الله ليس له حدود ولا جهات ولا علو ولا عمق ، ولذا فإن عبارة يمين الله هي رمز إلى :
· قوة الله . فالإنسان مثلاً يستخدم يده اليمنى لأنها الأقوى .
· رمز إلى نعمة الله . كما قال صاحب المزامير : تعرفني سبيل الحياة ، أمامك شبع وسرور ، في يمينك نعمٌ إلى الأبد ( مز16: 11 ) .
· رمزٌ إلى العون . مثلما قال صاحب المزامير أيضاً : وتجعل لي ترس خلاصك ويمينك تعضدني ولطفك يعظمني ( مز18: 35 ) .
· إلى الغلبة والانتصار . كما قال صاحب المزامير : الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحيه يستجيبه من سماء قدسه بجبروت خلاص يمينه ( مز20: 6 ) .
· إلى الكرامة . قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك ( مز110: 1) .
· الأمن والهداية . قال صاحب المزامير : فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني بيمينك ( مز139: 10 ) .
· رمزٌ إلى المكافأة العظمى . وهذا ما أكده ربنا يسوع المسيح عن فرز الصالحين من الطالحين في يوم القيامة ، وإن الصالحين سيجعلهم عن يمينه وسيقول لهم : تعالوا إلي يا مباركي أبي رثوا الملك المعدّ لكم منذ إنشاء العالم ..... ( مت25: 34 ) .
ومن ذلك نقول : بما أن أساقفة وكهنة الكنيسة هم في يده اليمنى هذا يعني أنهم على الدوام موجودين في عنايته الإلهية وعونه وقوته وحمايته وإنارته لهم .
- وسيفٌ ماضٍ ذو حدّين .
· إن السيف هو كلمة الله . فإذ أن السيف يستخدم للدفاع عن النفس ضد قوة العدو فهو إذاً وسيلة قوةٍ تستخدم للحفاظ على الوجود . وفي الحقيقة ليس هناك قوة أقوى من قوة كلمة الله للدفاع عن براءة وطهارة وقداسة وخلاص النفس ضد كل شرّ من أجل الحفاظ على الإيمان السليم الذي يؤدي إلى ملكوت الله وهذا يذكرني .
1- بما قاله ربنا يسوع المسيح له المجد : من ليس له فليبع ثوبه ويشتري سيفاً ( لو22: 36 ) وحينما فهم التلاميذ قوله هذا خطأً وأجابوا قائلين : يا رب هوذا هنا سيفان ، فإنه أجابهم بانتهار قائلاً يكفي ( لو22: 38 ) أي كفى حديثاً ينمّ عن عدم فهم . نعم إنهم فهموا قوله هذا خطأً لأنه لم يقصد بالسيف ذلك الذي يستخدم في قطع الرؤوس والقتل والإبادة .... بل كان يقصد سيف الإيمان . وإن ما يثبت ذلك هو بعد ساعات من هذا الحديث حينما استل بطرس سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة وقطع أذنه فإن له المجد قال له : ردّ سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون ( مت26: 51-52 ) .
2- يذكرني أيضاً بحديث الرسول بولس الذي قاله بخصوص التسلح بسلاح الإيمان الذي هو كلمة الله إذ قال : وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله ( أف 6: 17 ) .
3- يذكرني بما قاله أيضا الرسول بولس : في معرض حديث عن كلمة الله : لأن كلمة الله حيّة وفعالة وأمضى منكل سيف ذي حدّين ( عب4: 12 ) .
- ذو حدّين . إن للسيف حدّان حادّان وإن كليهما صالح للقتال ، بعكس السكين مثلاً التي لها حدٌّ واحد حادّ صالح للتقطيع ، وحدٌّ آخر غير صالحٍ . هكذا كلمة الله لها حدّان حادّان وكلا الحدّين يحصد الناس ، أحدهما يحصد فئة لأجل الخلاص وآخر يحصد فئة لأجل الهلاك . هذا من ناحية وأما من ناحية أخرى حدٌّ ينقز الضمائر من أجل إيقاظها من غفلتها لكي يرجع أصحابها إلى ربهم مؤمنين تائبين كي يتهيئون للحصاد إلى الحياة الأبدية فيشهد عليهم أنهم أبناء مطيعين ، وإن لم يرجعوا إلى ربهم مؤمنين تائبين فإن الحد الآخر يشهد عليهم بأنهم أشرار ومعاندين ومتمردين على مشيئة الله وإرادته الصالحة ، وبالتالي فإنهم في النهاية يحصدون للعذاب الأبدي .
حدٌّ فيه ابتسامة وآخر فيه ملامة .
حدٌّ فيه فرحٌ وآخر فيه حزنٌ .
حدٌّ فيه مكافأة وآخر فيه عقوبة .
حدٌّ يشفي وآخر يميت .
حدٌّ يتجه إلى النور الذي لا ينطفئ وآخر إلى الظلام الأبدي .
- من فمه . وهذه العبارة تثبت أن السيف المقصود هو كلمة الله ، ذلك لأن الكلمة تخرج من الفم منطوقة .
- ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها .
· ووجهه كالشمس ، أي أنه نورٌ .وهوله المجد قال عن نفسه : أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة ( يو8: 12 ) . وقال أيضاً : ما دمت في العالم فأنا نور العالم ( يو9: 5 ) . نعم إن المسيح له المجد هو نور العالم ، ذلك أن النور الحقيقي ليس هو هذا الذي نلاحظه حينما يتبدد الظلام بنور الشمس أو غيرها ، بل إن النور الحقيقي هو الذي يبدد ظلام الجهل في النفس والفكر والتصوّر ، يبدد ظلام قلة الإيمان ، يبدد ظلام الضعف أمام إبليس والتخلي عن ممارسة الفضائل المسيحية .......... وإلخ . وإذ أن هذا النور هو قادر على هذه كلها فهو إذا نور الله ، لأن الله هو الوحيد الذي لا يخطئ ولذا فإنه هو النور الذي يكشف ويبدد الظلام تماماً ، والمسيح له المجد هو الله الذي ظهر بالجسد لذا فإن كلامه هو نورٌ للعقل والنفس والفكر والتصور .............
· تضيء في قوتها . والمقصود بذلك هو حينما تكون الشمس في كبد السماء عند انتصاف النهار في يوم
صيفيٍ . لأنها تكون في هذا التوقيت بالنسبة للمكان الذي أنت فيه أشدُّ نوراً لأنها تكون في المكان الأقرب إلى الأرض وبالتالي تكون أشدُّ حرارة أيضاً . وهكذا المسيح هو قريب دائمٌ من كل إنسان يسلط عليه نوره الإلهي لتتجلى له الحقيقة عسى وعلّ أنه يمسك بها ،كما أن له المجد يسلطّ على الإنسان دفئه الإلهي فيغمره بفيض محبته وحنانه ليشعر أنه بأمان إذ هو في حضن الله .
· تضيء في قوتها . أي في غاية البريق واللمعان وهذا ما يذكرنا بما قرأناه عن موسى النبي ، الذي حينما صعد إلى الجبل ليصلي فإن نور الله أبرق حوله وأشرق عليه ومن شدته صار وجهه يلمع أيضاً ، فكان يضطر حينما يكلم الشعب أن يضع برقعاً على وجهه ( خر34: 29-35 ) . كما يذكرنا أيضاً بما قاله ملاخي عن ربنا كلاماً فيه نشوةٌ : .... أيها المتقون اسمي ، تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها فتخرجون وتنشئون كعجول الصيّرة ( ملا4: 2 ) .
أخيراً . من أجل أن ربنا يسوع المسيح هو نور العالم فإننا حينما نردد دستور الإيمان فإننا نقول خلاله عن المسيح : نورٌ من نور إلهٌ حق من إلهٍ حق ......
__________________


مسيحنا الله

الأب القس ميخائيل بهنان صارة

هـــــــــــــــــــــ : 711840
موبايل (هاتف خلوي) : 0988650314

التعديل الأخير تم بواسطة الأب القس ميخائيل يعقوب ; 18-06-2008 الساعة 02:41 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-06-2008, 02:47 PM
الأب القس ميخائيل يعقوب الأب القس ميخائيل يعقوب غير متواجد حالياً
Ultra-User
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 304
افتراضي

(17) فلمّا رأيته سقطت عند رجليه فوضع يده اليمنى عليّ قائلاً لي لا تخفْ أنا هو الأول والآخر .
فلّما رأيته سقطت عند رجليه .
إنه لم يسقط ميتاً بل كميّت . ما السرّ في ذلك ؟
هذا القول يعود بنا إلى الآية (16) التي سبقت القائلة : ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها . وبالتالي فإن الأمر يذكرنا بحادثة التجلي حينما تجلّى ربنا وظهر بهيئته الإلهية فإن الرسل الثلاثة ( بطرس ويعقوب ويوحنا ) ما استطاعوا أن يثبتوا واقفين ولا استطاعوا أن ينظروا إليه وذلك بسبب نوره الإلهي الذي كان أقوى من نور الشمس وهي في منتصف النهار في يومٍ من أيام شهر آب ، الأمر الذي إلى انبهار عيونهم وارتخاء أعصابهم ورجفة أبدانهم فسقطوا على وجوههم . وهنا أيضاً إذ رأى يوحنا المسيح في نوره الإلهي سقط كما سقط على جبل التجلّي بالإضافة إلى عامل الهيبة والإجلال أيضاً اللذان للمسيح .
كما يعود الأمر بنا إلى دانيال الذي رأى الرب في رؤية فسقط على الأرض إذ قال دانيال : ولمّا سمعت صوت كلامه كنت مسبخاً على وجهي ووجهي على الأرض ( دا10: 9) وفي العدد (17) من ذات الأصحاح يقول دانيال أيضاً : لم تثبت فيّ قوة ولم تبق فيّ نسمة .
فوضع يده اليمنى عليّ قائلاً لا تخفْ .
وضع يده اليمنى عليّ ، فلكي يقيمني ويقوّيني ويشددني .
وإن هذه فرصة لكي يتذكر المؤمن نفسه بأنه لا شيء إن لم تعمل معه يمين الله القاهرة القادرة على كل شيء .
يقول صاحب المزامير : رنّموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع عجائب ، خلّصته يمينه وذراع قدسه ( مز98: 1) .
وقال أيضاً : وأجعل على البحر يده وعلى الأنهار يمينه ( مز89: 25) .
وقال أيوب : أحمدك لأن يمينك تخلّصك ( أي40: 14 ) .
ويقول مرقس البشير : ثم أن الرب بعد أن كلّمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله (مر16: 19)
قائلاً لي لا تخفْ .
تتضمن هذه العبارة وعداً من الله بأنني أنا معك . ولأنني أنا معك فلا تخفْ لأنني لا أُغلب ومن أكون أنا معه فلا يُغلب . وهذا يذكرنا بما قاله الرسول بولس : فماذا نقول ، إن كان الله معنا فمن علينا ( رو8: 31) . ولذا فإننا نجده تعالى :
قال لأبرام : لا تخف يا أبرام أنا ترسٌ لك ( تك15: 1) .
وقال لاسحق : لا تخف فإني أنا معك وأباركك ..... ( تك26: 24 ) .
وقال لإرميا : لا تقلْ إني ولدٌ لأنك إلى كلّ من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به . لا تخفْ من وجوههم لأني أنا معك لأنقذك يقول الرب ( إر1: 7-8 ) .
وحينما جاؤوا من دار رئيس المجمع وقالوا له : ابنتك ماتت لماذا تتعب المعلم ؟ قال له الرب يسوع : لا تخفْ آمن فقط ..... ( مر5: 35-36 ) .
وقال له المجد لتلاميذه مطمئناً إياهم أن تعبهم وتخليهم عن كل شيء لن يذهب هباء : لا تخفْ أيها القطيع الصغير لأن أباكم سرّ أن يعطيكم الملكوت ( لو12: 32 ) .
وقال الرب للرسول بولس في رؤيا حينما كان في كورنثوس : لا تخفْ بل تكلّم ولا تسكت لأني أنا معك ولا يقع بك أحدٌ ليؤذيك ( أع18: 9-10 ) .
وكثيرة هي المواقف التي عاهد فيها الرب أتقياءه بأنهم معهم ولن يُغلبوا مؤكداً ذلك بهذه العبارة الرائعة : لا تخف فإني أنا معك .
أنا هو الأول والآخر .
يعود المسيح ليؤكد بأنه الله الذي ظهر بالجسد ذلك أنه لا يمكن أن تنطبق عليه هذه العبارة إلا الله وحده ( الأول والآخر ) .
الأول : رأس كل شيء .
الآخر . كل شيء يؤول إليه أو عنده ينتهي .
(18 ) والحي وكنت ميّتاً وها أنا حيٌّ إلى أبد الآبدين آمين ، ولي مفاتيح الهاوية والموت .
- الحي . حيٌّ بلاهوته لأنه الله كما قال الرسول يوحنا : في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ( يو1: 1 ) .
- كنت ميّتاً . ميّتاً بالجسد حينما مات على الصليب ، كما قال لوقا : ونادى بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي ، ولما قال هذا أسلم الروح ( لو23: 46 ) .
- وها أنا حيٌّ . بالقيامة من بين الأموات .
- إلى أبد الآبدين . لأن لا سلطان للموت عليه ، وما أنه مات إلا نيابة عن الإنسان الذي كان الموت قابعاً على صدره .
* الهاوية . من الفعل هوى أي ( نزل ، سقط ، هبط ) فالهاوية إذاً هي مكان سفلي يطلق على القبر ، كما يُطلق على مكان العذاب في الآخرة .
فإذا أشير بها إلى مكان النفس بعد الموت كان المقصود بها الجحيم التي هي مكان العذاب . وإذا أشير بها إلى مكان الجسد بعد الموت كان المقصود بها القبر .
ونستعرض في ذلك بعض الآيات .
1- حزن يعقوب على فقد ابنه يوسف وأبى أن يتعزى حينما قام جميع أبناءه وبناته ليعزوه وقال مشيراً إلى فقدان الأمل برؤيته إلى أن يموت : إنني أنزل إلى ابني نائحاً في الهاوية ( تك33: 35 ) .
2- حينما أبناء يعقوب من مصر وشمعون ليس معهم وطلبوا من أبيهم أن يأخذوا معهم بنيامين إلى مصر ، فأصيب يعقوب بالهلع خوفاً من أن يفقده وقال : لا ينزل ابني معكم لأن أخاه قد مات وهو وحده باقٍ ، فإن أصابته أذيّة في الطريق التي تذهبون فيها تنزلون شيبتي بحزنٍ إلى الهاوية ( تك42: 38 ) .
3- حينما انفتحت الأرض وابتعلت بنو قورح الذين ازدروا بالرب مع كل بيوتهم وكل ما لهم يقول الكتاب : فنزلوا هم وكل ما لهم أحياءً إلى الهاوية وانطبقت عليهم الأرض فبادوا من بين الجماعة ( عدد16: 31-32 ) .
4- وعن المسيح قال الرسول بطرس على لسان النبي داود : لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فساداً ( أع2: 31 ) .
* الموت . هناك موت الجسد وهناك موت النفس .
1- موت الجسد يرميه قبراً .
2- موت النفس يرميها في الهاوية مكان العذاب .
* مفاتيح الهاوية والموت .
كأني بالمسيح يقول ليوحنا : لا تخف الأعداء الذين يتوعدوك بالموت . لماذا ؟
لأن بيدي هو أمر الموت وبيدي أمر الهاوية . بالمختصر ، بيدي هو أمر الأبدية بشقيها ( الحياة _ العذاب ) لأنني قمت منتصراً لك على الموت كاسراً شوكته ، فأنا أحيي من أشاء وأنقذ من أشاء وبخاصة الذين يتألمون من أجل اسمي الذين وعدتهم بالسعادة الأبدية ( طوبى لكم إذا عيّروكم وطرودكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين ، أفرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات ) مت5: 11-12 .
* يجب التفريق بين كلمتي ( جحيم وجهنّم ) .
- الجحيم هو مقرّ أنفس وأرواح الأشرار بعد الموت .
- الجهنّم هو مقرّ أبدي لأنفس وأرواح الأشرار وأجسادهم بعد يوم القيامة الرهيب .
إن معنى كلمة الجحيم يقودنا إلى الإشارة إلى أنفس الصالحين الذي رقدوا على رجاء القيامة في العهد القديم فنقول : كانت أرواحهم في الجحيم سعيدة بالرجاء الذي كانت تتوقع تحققه في ملء الزمان .
فّا كانت أرواح جميع الذين ماتوا بالرجاء أم الذين ماتوا دون رجاء تذهب إلى الهاوية فإن أرواح الذين ماتوا بالرجاء ما كانت تتعذب بل كانت سعيدة بالرجاء الذي كانت تأمل تحققه بالمسيح له كل المجد . وإن كلا الفئتين مثلهما كمثل رئيس الخبازين ورئيس السقاة اللذان لفرعون اللذان وُضعا معاً في السجن ، وحينما حلم كل منهما حلماً فإن يوسف بشّر أحدهما بعودته بعد ثلاثة أيام إلى وظيفته سعيداً ، وأما الآخر فإنه بعد ثلاثة أـيام سوف يُرسل ليُقطعَ رأسه تعيساً . وإن هذا ما حصل ( تك40: 9- 22 ) بينما لا زال يوسف سجيناً . فكان يوسف والحالة هذه صورة للمسيح الذي بصلبه وموته على الصليب وموته وقيامته في اليوم الثالث حدث وسيحدث فرزاً للناس منهم إلى ملكوته الأبدي سعداء ، ومنهم إلى العذاب الأبدي تعساء .
(19) فاكتب ما رأيته وما هو كائن وما هو عتيد أن يكون بعد هذا .
- فاكتب ، أي دوّن .
- ما هو كائن ، أي ما يجري الآن من أحداث ( زمن حصول الرؤيا ) مع الكنائس وملائكتها .
- ما هو عتيدٌ أن يكون بعد هذا ، أي الأحداث التي ستحصل من الآن حتى انقضاء الدهر .
1- إن التدوين بشكل عام هو أمر هامٌ جداً لأنه يُنشئ ذاكرة تُصبح تاريخاً يُحفظ فيه كل شيء جرى أو حدث أو قيل
2- أما تدوين الأخبار الإلهية فهو غاية في الأهمية لأن يحفظ كلمة الله لتكون خلاصاً للأجيال حتى انقضاء الدهر ، ولذا فإن ربنا قال بشارته : كل كاتب متعلم في ملكوت الله يشبه رجلاً ربّ بيتٍ يُخرج من كنزه جدداً وعتقاء ( مت13: 52 ) .
الجدد ، هي ما يكتب الآن وما سيُكتب في العهد الجديد للحياة الأبدية .
العتقاء ، هي ما كتب في العهد القديم الذي هو شهادة للعهد الجديد .
وقال أيضاً له المجد : من آمن بي كما قال الكتاب : تجري من بطنه أنهار ماء حي ( يو7: 38 ) . أي أن الكتاب قد حفظ لنا في صفحاته أن من يؤمن بالمسيح سوف تجري من بطنه أنهار ماء حي .
كما أن يوحنا بعد أن انتهى من كتابة الإنجيل قال في ختامه عن نفسه كمؤتمن على كلمة الله لإيصالها للأجيال القادمة : هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا ، وكتب هذا ، ونعلم أن شهادته حق ( يو21: 24 ) .

هذا كان عن التوين على الورق ، ولكن هناك أنواعاً أخرى من التدوين ليس على الورق ، فإن منه ما يدوّن على صفحات القلب ، مثلاً .
- قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين على لسان الرب الإله : أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها على قلوبهم وأنا أكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً ( عب8: 10 ) .
وإن من التدوين ما يسمّى بالتقليد أو ( التعليم الشفهي ) الذي في واحدة من الإشارات إليه أذكر ما قاله يوحنا بالقول : إذ كان لي كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون يورق وحبرٍ لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلّم فماً لفم ... لكي يكون فرحنا كاملاً ( 2يو12 \ 3يو13 ) .
(20) سرّ السبعة الكواكب التي رأيت عن يميني ، والسبع المناير الذهبية . السبعة الكواكب هي ملائكة السبع الكنائس ، والمناير السبع التي رأتها هي السبع الكنائس ,
- سبعة ( راجع الحديث عن السبعة الكواكب ... السبع المناير .... شرح العدد 7 في الآية رقم ( 12 ) .
بقي أن نتكلّم عن ملائكة السبع الكنائس الذي هم أساقفة السبع الكنائس .
إن ملاك الكنيسة هو كاهنها ، وإن رتب الكهنوت في الكنيسة متعددة منها (بطريرك ، مطران ، قس ) .
لماذا دُعي الكاهن ملاكاً للكنيسة ؟
الأسباب كثيرة منها :
1- الملاك هو رسول الرب ، وكذلك الكاهن هو رسول المسيح في كنيسته .
2- كما أ، الملاك طاهرٌ هكذا المفروض أن يكون الكاهن طاهراً ( فكراً ، قولاً ، عملاً ، تصوراً ) بالمختصر ، طاهراً نفساً وجسداً .
3- كما أن الملاك هو في حضرة الله دائماً هكذا يمثل الكاهن في حضرة الله دوماً ليصلّي عن نفسه وعن الرعية .
4- كما أن الملاك مكرّمٌ هكذا الكاهن إذ هو خادم للمسيح فهو مكرّمٌ ، فإن له المجد قال : إن كان أحدٌ يخدمني يكرمه الآب ( يو12: 26 ) .
5- الملاك مكرّس لخدمة الرب ، والكاهن أيضاً مكرّس لخدمة مذبح الرب وكلمة الله لخلاص المؤمنين .
من أجل ذلك فإن الحديث عن الكاهن في الكتاب المقدّس هو في غاية الأهمية لا مجال الآن للحديث عنه لكني أذكر حديثين للرسول بولس يبيّنان الأهمية المطلقة لوجود الكاهن في الكنيسة .
الأول . قال فيه : صادقة هي الكلمة إن ابتغى أحد الأسقفية فيشتهي عملاً صالحاً ( 1تي 3: 1 ) .
الثاني . نقرؤه في الأصحاح 15 من الرسالة إلى رومية قال فيه لأهل روميا : وأنا نفسي متيقّن من جهتكم يا أخوتي أنكم أنتم مشحونون صلاحاً ومملوؤن كل علمٍ , قادرون أن يُنذر بعضكم بعضاً ، ولكن بأكثر جسارة كتبت لكم أيها الأخوة كمذكّر لكم بسبب النعمة التي وُهبت لي من الله حتى أكون خادماً ليسوع المسيح لأجل الأمم مباشراً لإنجيل الله ككاهن ليكون قربان الأمم مقبولاً مقدساً بالروح القدس ( رو15: 14- 16 ) .


انتهى بعون الله شرح الأصحاح الأول من سفر الرؤيا

وإلى اللقاء بمشيئته الإلهية في الأصحاح الثاني

__________________


مسيحنا الله

الأب القس ميخائيل بهنان صارة

هـــــــــــــــــــــ : 711840
موبايل (هاتف خلوي) : 0988650314
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:35 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke