مشاركتي على برنامج بعنوان عندما تسقط الأقنعة من إعداد و تقديم الأستاذة سميرة علاوي في
مشاركتي على برنامج بعنوان عندما تسقط الأقنعة من إعداد و تقديم الأستاذة سميرة علاوي في ملتقى نبض الرّوح للشعر و الأدب العربي
كَشْفُ الأَقْنِعَةِ
في زَمَنٍ تَكَاثَرَتْ فِيهِ الوُجُوهُ المُقَنَّعَةُ، وَ تَنَكَّرَتِ القُلُوبُ بِأَقْنِعَةِ الزَّيْفِ وَ الرِّيَاءِ، أَصْبَحَ مِنَ العَسِيرِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَ المُخَادِعِ، وَبَيْنَ النَّقِيِّ وَالمُتَلَوِّنِ. فَكَثِيرُونَ مِمَّنْ نَظُنُّهُمْ عَلَى خَيْرٍ، تَخْفِي وُجُوهُهُمْ أَقْنِعَةً صُنِعَتْ مِنْ كَذِبٍ وَ خِدَاعٍ، تَخْدَعُ النَّظَرَ، وَ تُضَلِّلُ الفِكْرَ، وَ تَسْتَهْدِفُ القُلُوبَ الطَّيِّبَةَ.
إِنَّ سُقُوطَ الأَقْنِعَةِ لَيْسَ حَادِثًا سَهْلًا، بَلْ هُوَ مُفْتَرَقُ طُرُقٍ، فِيهِ تَظْهَرُ الحَقَائِقُ، وَ تَنْكَشِفُ النَّوَايَا، وَ تُعَرَّى الوُجُوهُ مِنْ زِينَةِ الكَذِبِ وَ مَسَاحِيقِ التَّمْثِيلِ. وَ قَدْ يَكُونُ مَا يَتَبَيَّنُ لَنَا عِنْدَ سُقُوطِ تِلْكَ الأَقْنِعَةِ مُرًّا، يُمْزِقُ فِي النَّفْسِ شُرُوقَ الأَمَلِ، وَ يَغْرِسُ فِي الرُّوحِ خُيُوطَ الخَيْبَةِ وَ الأَلَمِ.
فَكَمْ مِنْ صَدِيقٍ كُنَّا نَحْسِبُهُ أَمِينًا، تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَدُوٌّ لَدُودٌ مُتَرَبِّصٌ! وَ كَمْ مِنْ مُحِبٍّ كُنَّا نَرَاهُ وَفِيًّا، تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُزَيَّفٌ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى الحُبِّ وَ لَا الإِخْلَاصِ! وَ كَمْ مِنْ رَجُلِ قَوْلٍ، كَانَ فِي الحَقِيقَةِ رَجُلَ مَصَالِحَ وَ مَطَامِعَ!
إِنَّ الحَقِيقَةَ وَ إِنْ كَانَتْ مُرَّةً، فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ وَهْمٍ جَمِيلٍ، فَالمَعْرِفَةُ وَ إِنْ جَرَحَتْ، فَهِيَ تَشْفِي، أَمَّا الجَهْلُ فَيَزْرَعُ سَمًّا فِي العُقُولِ، وَ يَجْعَلُ الإِنْسَانَ أَسِيرَ الخُدْعَةِ. وَ كَمْ مِنْ وَقْتٍ أُهْدِرَ فِي خِدْمَةِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، وَ كَمْ مِنْ مَشَاعِرَ سُكِبَتْ فِي كُؤُوسِ النِّفَاقِ!
سُقُوطُ القِنَاعِ هُوَ لَحْظَةُ صَحْوَةٍ، وَ يَقَظَةِ ضَمِيرٍ، وَ فُرْصَةٌ لِإِعَادَةِ تَقْيِيمِ مَنْ حَوْلَنَا. وَ إِنَّهُ لَفَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ بِعَيْنِ البَصِيرَةِ، لَا بِعَيْنِ الغَرِيزَةِ، وَ أَنْ نَفْهَمَ الأَعْمَالَ، لَا أَنْ نَنْخَدِعَ بِالأَقْوَالِ.
فَمَنْ كَانَ صَادِقًا، سَيَظْهَرُ صِدْقُهُ فِي كُلِّ مَجَالٍ، وَ مَنْ كَانَ مُرَائِيًا، فَسَيَسْقُطُ قِنَاعُهُ، وَ تَبْدُو حَقِيقَتُهُ جَلِيَّةً، وَ إِنْ بَعْدَ حِينٍ. فَالأَقْنِعَةُ لَا تَصْمُدُ طَوِيلًا أَمَامَ نُورِ الحَقِّ، وَ لَا تَقْوَى عَلَى مُوَاجَهَةِ صَرِيحِ الوَاقِعِ.
لِنَتَعَلَّمْ مِنْ كَشْفِ الأَقْنِعَةِ أَنْ نَكُونَ نَحْنُ بِدُونِ قِنَاعٍ، صَادِقِينَ مَعَ ذَوَاتِنَا وَ مَعَ الآخَرِينَ، فَالحَقُّ يُعْلِي قَامَتَنَا، وَ الصِّدْقُ يُنِيرُ طَرِيقَنَا، وَ البَاطِلُ وَ إِنْ زَهَا لَحْظَةً، فَإِنَّهُ زَائِلٌ، وَ كُلُّ قِنَاعٍ سَيَسْقُطُ، وَ كُلُّ حَقِيقَةٍ سَتَظْهَرُ، فَذَلِكَ وَعْدُ الزَّمَنِ، وَ سُنَّةُ الحَيَاةِ.
نِهَايَةً، فَإِنَّ كَشْفَ الأَقْنِعَةِ لَيْسَ نِهَايَةَ العَلَاقَاتِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ بَدَايَةُ الوَعْيِ وَ البَصِيرَةِ، وَ فُرْصَةٌ لِبِنَاءِ حَيَاةٍ أَصْفَى وَ أَنْقَى، مَبْنِيَّةٍ عَلَى الحَقَائِقِ، لَا عَلَى أَوْهَامِ التَّمْثِيلِ وَ التَّزْيِيفِ.
بقلم فؤاد زاديكى
__________________
fouad.hanna@online.de
|