Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
حَقِيقَةُ المَوتِ بِقَلَم: فُؤَاد زَادِيكي
حَقِيقَةُ المَوتِ بِقَلَم: فُؤَاد زَادِيكِي المَوْتُ، ذَٰلِكَ الكَائِنُ، الَّذِي لَا نَرَاهُ بِأَعْيُنِنَا، وَ لَٰكِنَّهُ يَسْكُنُ قَلْبَ كُلِّ إِنسَانٍ، يَتَسَلَّلُ إِلَىٰ أَعْمَاقِهِ، وَ يَزْرَعُ فِي نَفْسِهِ بُذُورَ القَلَقِ وَ الخَوْفِ و الشَّكِّ. كَثِيرًا مَا نُحَاوِلُ الهُرُوبَ مِنهُ، نُشَاغِلُ أَنْفُسَنَا بِالْأَمَلِ، وَ نَخْتَبِئُ وَرَاءَ غِشَاوَاتِ الحَيَاةِ المُظْلِمَةِ، لَٰكِنَّهُ يَبْقَىٰ مَاثِلًا أَمَامَنَا، لَا يُسَاوِمُ، وَ لَا يُسَايِرُ رَغَبَاتِنَا. هُوَ القَدَرُ الَّذِي لَا مَفَرَّ مِنهُ، سَيْفٌ يَقْطَعُ الحِبَالَ، الَّتِي تَرْبِطُنَا بِهَذَا العَالَمِ، وَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَفِرَّ مِنْ قَبْضَتِهِ. مَتَىٰ يَأْتِي؟ هُوَ السُّؤَالُ الَّذِي يَشْغَلُ بَالَ الجَمِيعِ، وَ لَٰكِنَّهُ لَيْسَ سُؤَالًا يُمْكِنُ الإِجَابَةُ عَلَيْهِ. المَوْتُ لَا يَعْرِفُ زَمَانًا، وَ لَا يَحْدُّهُ مَكَانٌ. فَقَدْ يَأْتِي فِي لَحْظَةٍ مُفَاجِئَةٍ، فَيَسْلِبُ مِنَّا أَعَزَّ مَا نَمْلِكُ، أَوْ يَأْتِي فِي بُطْءٍ قَاسٍ، لِيَأْخُذَ مِنَّا قِطْعَةً قِطْعَةً مِنَ الحَيَاةِ الَّتِي عَرَفْنَاهَا. وَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، نَرَىٰ فِيهِ النِّهَايَةَ الَّتِي لَا فِرَارَ مِنهَا، فَهَلْ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعِيشَ دُونَ خَوْفٍ مِنْ ذَٰلِكَ اليَوْمِ الَّذِي سَيَأْتِي؟ أَلَمُ الفَقْدِ هُوَ أَسْوَأُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَهُ الإِنسَانُ. لَا شَيْءَ يُقَارَنُ بِفُقْدَانِ عَزِيزٍ، وَ لَا شَيْءَ يَمْحُوٰ آثَارَ الحُزْنِ، الَّذِي يَغْرَقُ فِي القَلْبِ. فَكَمْ مِنْ أَحِبَّةٍ رَحَلُوا دُونَ أَنْ نُوَدِّعَهُمْ؟ وَ كَمْ مِنْ مَوَاقِفَ نَدِمْتُ عَلَىٰ تَأْجِيلِهَا، وَ فِيمَا كَانَتِ الحَيَاةُ تَنْقَضِي؟ هَذَا هُوَ المَوْتُ، لَا يُنْذِرُ بِقُدُومِهِ، وَ لَا يَرْحَمُ ضَعْفَنَا. يَأْتِي كَمَا تَأْتِي العَاصِفَةُ، تَهْدِمُ كُلَّ مَا فِي طَرِيقِهَا، وَ لَا تَتْرُكُ إِلَّا الخَرَابَ وَ الذِّكْرَيَاتِ المُؤْلِمَةِ. وَ لَٰكِنْ، هَلِ المَوْتُ حَقًّا هُوَ النِّهَايَةُ؟ أَمْ أَنَّهُ بَدَايَةٌ لِشَيْءٍ آخَرَ؟ نَعْلَمُ أَنَّنَا سَنَرْحَلُ، وَ لَٰكِنَّنَا لَا نَعْرِفُ إِلَىٰ أَيْنَ. وَ مَعَ ذَٰلِكَ، يَظَلُّ فِينَا الأَمَلُ بِأَنْ تَكُونَ الحَيَاةُ بَعْدَ المَوْتِ أَفْضَلَ، وَ أَنَّ مَا نَرَاهُ فِي عَالَمِنَا هَذَا لَيْسَ إِلَّا جُزْءًا صَغِيرًا مِنْ حَقِيقَةٍ أَوْسَعَ وَ أَعْظَمَ. لَٰكِنَّ هَذَا الأَمَلَ يَظَلُّ ضَعِيفًا، فَلَا أَحَدٌ عَادَ لِيُخْبِرَنَا بِمَا وَرَاءَ المَوْتِ. وَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ تَمُرُّ، تَتَراكَمُ فِيهَا الأَيَّامُ، وَ يَزْدَادُ فِينَا الوَعْيُ بِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ: أَنَّ المَوْتَ لَا يَنْتَظِرُ أَحَدًا. رُبَّمَا هُوَ يَتَرَبَّصُ بِنَا فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، وَ نَحْنُ نَتَغَافَلُ عَنْهُ فِي مَسِيرَةِ حَيَاتِنَا. وَ لَٰكِنَّهُ سَيَأْتِي، وَ سَنُوَاجِهُهُ، وَ كُلُّ مَا نَمْلِكُهُ هُوَ اللَّحْظَاتُ، الَّتِي نَعِيشُهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِي. لَحْظَاتُ الحُبِّ، وَ لَحْظَاتُ الأَلَمِ، وَ لَحْظَاتُ الفَرَحِ، كُلُّهَا سَتَنْتَهِي يَوْمًا مَا، وَ لَٰكِنَّ السُّؤَالَ الأَهَمَّ هُوَ: كَيْفَ نَعِيشُ تِلْكَ اللَّحْظَاتِ؟ هَلْ نَعِيشُهَا بِسَلاَمٍ، أَمْ نَعِيشُهَا فِي خَوْفٍ دَائِمٍ مِنَ النِّهَايَةِ؟ المَوْتُ قَادِمٌ، لَا مَحَالَةَ، وَ كُلُّ مَا يُمْكِنُنَا فِعْلُهُ هُوَ أَنْ نُعِدَّ أَنْفُسَنَا لِذَٰلِكَ اللِّقَاءِ الأَبَدِيِّ. هَلْ سَنُلْقِي بِأَنْفُسِنَا فِي الحَيَاةِ، أَمْ سَنَظَلُّ نَرْكُضُ وَرَاءَ سَرَابٍ؟ أَلْمَانِيَا فِي ٤ دِيسَمْبَر ٢٤ التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 05-12-2024 الساعة 12:49 AM |
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|