![]() |
Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
![]() ذكريات لا تُنسى: بيتنا الأول في ديريك بقلم: فؤاد زاديكى في ثمانينيات القرن الماضي، حين كنّا في مقتبل حياتنا الزوجية، اشتركتُ في مشروع بناء شقق سكنية للمعلمين في مدينة ديريك، تلك المدينة الوادعة في محافظة الحسكة السورية. كان هذا المشروع بمثابة حلم للكثيرين منا، حيث كنّا نطمح إلى الاستقرار في بيت يليق بنا، لكنّ الرياح لم تجرِ كما تشتهي سفننا. فقد نشأت خلافات معقّدة على الأراضي بين أوقاف الطائفة السريانية من جهة، و آل عبد الغني قدري من جهة أخرى، ممّا أدّى إلى تعثّر الموافقات الرّسمية و تأخير أعمال البناء إلى حدّ بات معه استمرارنا في المشروع أمرًا محفوفًا بالمخاطر. لم يكنْ أمامي سوى الانسحاب من الجمعية، و عندما استرددتُ ما صار لي من أموال في الصندوق، قرّرتُ مع زوجتي سميرة زاديكى استثمارها بحكمة، فاشترينا نصف نَمرة أرض بمساحة عشرة أمتار عرضًا و عشرين مترًا طولًا. كان وكيل أعمال المالكة، المرحومة مريم زيرو، هو المرحوم توما الحجي، و سرعان ما بدأنا في بناء منزلنا المتواضع، لكنّه كان بالنسبة لنا قصر الأحلام. في فترة قصيرة، و بمساعدة والدي المرحوم گبرو زاديكى و بقيّة أفراد العائلة، أنجزنا بناء بيتنا الأول: غرفتان، صالون، حمام، مطبخ، و تواليت. كم كانت فرحتنا عظيمة و نحن نضع حجرًا فوق حجر، بأيدينا و أيد من نحبّ! وقع اختيارُنا على هذه البقعة تحديدًا لأنّها كانت في الجهة الجنوبية من ديريك، و هي منطقة هادئة، في الحارة التي أطلقوا عليها اسم حارة المعلمين. كان جيراننا من خيرة الأساتذة و المربّين، مثل المرحوم الأستاذ زهير منصورة كيراكوسيان، و المرحوم الأستاذ حبيب أيشوع كوركيس، و الأستاذ صبري إلياس حودلكو. أما منزلنا، فقد كان مقابل بيت الأستاذ أديب جرجس لولا، مما أضفى على الحيّ طابعًا تربويًا مميّزًا، حيث اجتمعت فيه نخبة من المعلمين الذين تركوا بصماتهم في أذهان الأجيال في ديريك. لكن لم يُكتب لنا أن ننعم طويلاً بهذا البيت، الذي كان ثمرة جهدنا و كفاحنا الأول. فبعد فترة قصيرة من الاستقرار فيه، أخذتنا الأقدار في اتجاه آخر، حيث اضطررنا إلى مغادرة الوطن متّجهين إلى ألمانيا في عام ١٩٨٦. هناك، استطعنا تحقيق نجاحات أخرى، و أصبحنا نملك بيتين، إلّا أنّ بيتنا الأوّل في ديريك ظلّ محفورًا في ذاكرتنا، يحملُ عبقَ الأيّام الأولى من حياتنا الزّوجية، حيث وضعنا فيه كلّ أحلامنا و بنيناه لبنةً لبنةً، بعرقنا و جهدنا، جنبًا إلى جنب مع والدي و أفراد العائلة. كم هو غريبٌ أمرُ الذّكريات! فرغمَ المسافات، و رغمَ امتلاكِنا لبيوتٍ أخرى هنا في المانيا بعد ذلك، إلّا أنّ ذاكَ البيتَ الأوّلَ يَظَلّ الأقربَ إلى قلوبِنا، لأنّه لم يكنْ مُجرّدَ جدرانٍ و سقفٍ، بل كان شاهدًا على بداياتنا، على تعبِنا المُشتركِ، و على أولى خطواتِنَا في طريقٍ بناءِ المستقبلِ. ما تزالُ صورتُه حاضرةً في ذهنِنا بكلّ تفاصيلِها، و كأنّهُ لم يكُنْ مُجرّدَ منزلٍ، بل هُوَ قطعةٌ من الرّوح، جزءٌ من الحكاية، التي لا تنتهي. و كثيرًا ما طلبنا من معارف و أصدقاء و أقارب أن يُرسلوا لنا صُوَرًا لَهُ، و كما رأينا من خلالِ الصّور، فإنّ الشّاري ( المُشترِي) قد أجرى عليه تعديلاتٍ و هو بصدد بناء أكثر من طابق واحد، نتمنّى له كلّ الخير و التّوفيق. المانيا في ٦ شباط ٢٥ |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|