الكِبْرِيَاءُ وَ التَّكَبُّرُ وَ الْمُكَابَرَةُ... فُرُوقٌ وَ مَعَانٍ فِي مِيزَانِ ال
الكِبْرِيَاءُ وَ التَّكَبُّرُ وَ الْمُكَابَرَةُ... فُرُوقٌ وَ مَعَانٍ فِي مِيزَانِ العَقْلِ وَ الأَخْلَاقِ
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي
يَظُنُّ الكثيرون أنَّ الكِبْرِيَاءَ وَ التَّكَبُّرَ وَ المُكَابَرَةَ هِيَ مَعَانٍ مُتَقَارِبَةٌ إِلَّا أَنَّهُ فِي الحَقِيقَةِ تَحْمِلُ كُلٌّ مِنْهَا دَلالَاتٍ وَ مَعَانيًا مُتَمَيِّزَةً فِي سِيَاقِها. فَبالرَّغمِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ المَفَاهِيمِ تَتَّصِفُ بِالزُّيُودَةِ فِي السِّيَاقِ الإنسَانِيِّ، إِلّا أنَّهَا تَحْمِلُ مَعَانِيًا مُتَفَرِّقَةً وَ تُؤَثِّرُ فِي سلوكِيَّاتِ النَّاسِ بَأَسْلُوبٍ مُمَيَّزٍ.
الكِبْرِيَاءُ هِيَ سِمَةٌ تَصِفُ الشَّخْصَ، الَّذِي يَحْتَفِظُ بِحُدُودِ كَرَامَتِهِ وَ نَفْسِيَّتِهِ، فَهُوَ مَنْ يَعِي قِيمَتَهُ وَ يَحْتَرِمُهَا فِي فَجْوَاتِ العَلاقاتِ البَشَرِيَّةِ. فِي الوَاقِعِ، يَعْتَزُّ الأفرادُ، الَّذِينَ يَتَّصِفُونَ بِالكِبْرِيَاءِ بِذَاتِهِمْ وَ يَرْتَفِعُونَ عَنْ مُعَامَلَاتِ الإِهَانَةِ وَ الإِذْلَالِ. فِي فَلْسَفَةِ نِيتْشِه، نَجِدُ تَفَسِيرًا لِلكِبْرِيَاءِ كَأَنَّهَا أداةٌ لِحِفْظِ الذَّاتِ مِنْ فَجَوَاتِ التَّحْطِيمِ النَّفْسِيِّ، فَالإنسانُ، الَّذِي لَا يَحْتَفِظُ بِكِبْرِيَائِهِ سَيُدَمِّرُهُ جَذَرِيًّا.
التَّكَبُّرُ هُوَ سِمَةٌ مَذْمُومَةٌ فِي الأَخْلَاقِ تَعْكِسُ تَفَاخُرَ الشَّخْصِ وَ عَجْرَفَتَهُ وَ تَعَالِيهِ عَلَى الآخَرِينَ. فَالْمُتَكَبِّرُ يَرَى نَفْسَهُ فَائِقًا عَلَى مَن سِوَاهُ وَ يَعَامِلُهُمْ مِن مَنظَارٍ دُونِيٍّ. يَحْتَقِرُ قُدَرَاتِ الآخَرِينَ وَ يَرَى أَنَّهُ فِي مَرْتَبَةٍ أَعْلَى مِنْهُمْ. فِي فَلْسَفَةِ شُوبَنْهَاوِر، يُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ التَّكَبُّرَ هُوَ مَرَضٌ نَفْسِيٌّ نَاتِجٌ عَنْ عَجْزٍ فِي التَّوَاصُلِ مَعَ الآخَرِينَ، وَ هُوَ أَحَدُ العَوَامِلِ، الَّتِي تَحُولُ دُونَ تَفَاهُمٍ إِنسَانِيٍّ حَقِيقِيٍّ.
المُكَابَرَةُ تَأْتِي فِي سِيَاقٍ آخَرَ. هِيَ رَفْضُ الإِنسَانِ القُبُولَ بِحَقِّ الآخَرِينَ حَتَّى وَ إِنْ كَانَ يَعْرِفُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ عَلَى خَطَأٍ. هِيَ تَعَامُلٌ قَائِمٌ عَلَى الإِصْرَارِ عَلَى المَوَاقِفِ الخَاطِئَةِ وَ تَحَجُّرِ العَقْلِ فِي رَأْيٍ مَعَيَّنٍ. فِي فَلْسَفَةِ سارتر، يُفَسِّرُ المُكَابَرَةَ كَإِنكارٍ لِلْحَقِيقَةِ وَ تَمَسُّكٍ بِعُمُومِيَّاتٍ زَائِفَةٍ تَحُولُ دُونَ تَحَقُّقِ الوَاقِعِ. فَالشَّخْصُ، الَّذِي يُكَابِرُ يُحَاوِلُ الهُرُوبَ مِنْ مَسَاءَلةِ نَفْسِهِ وَ يَتَجَاهَلُ النُّصُوصَ المُلْزِمَةَ لِفَكِّ مَشَاكِلِهِ.
إِذًا، فَكُلُّ مَفْهُومٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يُحَسِّنُ الوَاقِعَ الإنسَانِيَّ إِذَا مَا فُهِمَ بِصِيغَتِهِ الصَّحِيحَةِ. فَالكِبْرِيَاءُ فِي مَواقِعِهِ السَّامِيَةِ تَفِيدُ النُّموَّ النَّفْسِيَّ وَ الاعتزازَ بِالذَّاتِ، فِي حِينٍ أَنْ يَحْوُلَ التَّكَبُّرُ إِلَى نَقْصٍ فِي التَّوَاضُعِ وَ إِفسَادٍ لِعَلاقاتِ النَّاسِ. بَيْنَمَا تَكُونُ المُكَابَرَةُ عَائِقًا فِي تَقَبُّلِ التَّغْيِيرِ وَ النُّمُوِّ، تَحُولُ بَيْنَ الشَّخْصِ وَ مَرَافَقَةِ الحَقِيقَةِ.
__________________
fouad.hanna@online.de
|