أنا و اللّيلُ… حديثُ الأرواحِ الهائمةِ بقلم: فؤاد زاديكى

[fouadzadieke]

أنا و اللّيلُ… حديثُ الأرواحِ الهائمةِ

بقلم: فؤاد زاديكى

أَنَا وَ اللَّيْلُ حَكايَةٌ تَمْتَدُّ فِي أَعْماقِ الزَّمَانِ،
تُرْوَى عَلَى وَتَرِ الحَنينِ وَ تَكْتُبُهَا دُمُوعُ السَّاهِرِينَ.

فِي اللَّيْلِ تَسْكُنُ أَحْلَامِي، وَ تَسْرَحُ أَوْجَاعِي
كَأَنَّ ظَلامَهُ كَفَنٌ لِجُرْحِي، الَّذِي لَا يُرْجَى شِفَاؤُهُ.

أُحِبُّ اللَّيْلَ لِأَنَّهُ يُنْصِتُ، لَا يُقَاطِعُ أَنْفَاسِي،
يَفْهَمُ صَمْتِي، وَ يَرْوِي لِي حِكَايَاتِ القَدَرِ المُعَتَّقِ بِالأَلَمِ.

فِي اللَّيْلِ، أَسْأَلُ نَجْمَةً وَاحِدَةً:
هَلْ مَنْ مُسْتَمِعٍ لِحُزْنِي غَيْرُكَ؟ هَلْ مِنْ أَمَلٍ يُخْرِجُنِي مِنْ مَتَاهَةِ الأَيَّامِ؟

وَ أَسْمَعُ صَدَى الجَوَابِ يَأْتِي خَافِتًا مِنْ بَعِيدٍ:
"اصْبِرْ… فَكُلُّ لَيْلٍ يَلِيهِ فَجْرٌ وَ إِنْ طَالَ."

اللَّيْلُ هُوَ المَلَاذُ لِكُلِّ قَلْبٍ مُتْعَبٍ، وَ هُوَ الوَطَنُ، الَّذِي لَا يَطْرُدُ أَحَدًا، وَ لَا يَسْأَلُكَ عَنْ هُوِيَّتِكَ.

فِي اللَّيْلِ، أَكْتُبُ كَلِمَاتِي بِحِبْرٍ مِنْ نُورِ القَمَرِ،
وَ أَرْسِمُ أَحْلَامِي عَلَى غَيْمَةٍ عَابِرَةٍ.

يَا لَيْلُ، كَمْ أَنْتَ جَمِيلٌ وَ أَنْتَ تَحْمِلُ لِي سَكِينَةَ الرُّوحِ، وَ كَمْ أَنْتَ قَاسٍ حِينَ تُظْهِرُ مَا نُخْفِيهِ نَهَارًا.

فِي اللَّيْلِ، أَسِيرُ فِي طُرُقَاتِ ذَاكِرَتِي، أُفَتِّشُ عَنْ ضِحْكَةٍ ضَاعَتْ، وَ عَنْ وَجْهٍ لَمْ يَعُدْ يَزُورُنِي.

اللَّيْلُ هُوَ دِفْءُ الذِّكْرَيَاتِ وَ رَعْشَةُ الغِيَابِ، هُوَ سُكُونُ الطَّبِيعَةِ وَ ضَجَّةُ الفُؤَادِ.

فِي اللَّيْلِ، نَتَعَرَّى مِنْ أَقْنِعَتِنَا، وَ نُصْغِي لِصَوْتِ نُفُوسِنَا، الَّتِي نَكْبَتُهَا نَهَارًا.

فِي اللَّيْلِ، أَنْتَشِي بِنَغَمَاتِ الوِحْدَةِ، وَ أَكْتُبُ أَشْعَارِي عَلَى وَرَقِ الرِّيحِ.

أَنَا وَ اللَّيْلُ، صَدِيقَانِ مِنْ زَمَنٍ بَعِيدٍ، نَتَشَارَكُ صَمْتَنَا، وَ نَبْكِي مَعًا.

فِي اللَّيْلِ، أُدَوِّنُ أَوْجَاعَ البَشَرِ،وَ أُرَتِّبُ فَوْضَى الدَّاخِلِ.

اللَّيْلُ لَيْسَ مُجَرَّدَ وَقْتٍ،
إِنَّهُ حَالَةٌ رُوحِيَّةٌ تَسْكُنُ فِي أَعْمَاقِ الأَحِبَّةِ وَ المُتَأَمِّلِينَ.

لِذَلِكَ… كَانَ وَ سَيَسْتَمِرُّ،
أَنَا وَ اللَّيْلُ… حَدِيثٌ لَا يَنْتَهِي.