![]() |
Arabic keyboard |
#1
|
||||
|
||||
![]() الشِّعْرُ بَيْنَ الْمَوْهِبَةِ وَ الثَّقَافَةِ بقلم: فؤاد زاديكى يُعَدُّ الشِّعْرُ فَنًّا رَاقِيًا يُجَسِّدُ الْإِحْسَاسَ وَ يُصَوِّرُ الْحَيَاةَ بِلُغَةٍ جَمِيلَةٍ وَ عَبَارَةٍ وَاقِعِيَّةٍ أَوْ خَيَالِيَّةٍ، تَتَفَاعَلُ فِيهَا الْكَلِمَاتُ مَعَ الْعَاطِفَةِ، وَ تَنْسَابُ فِي نَغْمٍ مُؤَثِّرٍ. وَ فِي هَذَا الْإِطَارِ، يَثُورُ سُؤَالٌ قَدِيمٌ جَدِيدٌ: هَلِ الشِّعْرُ مَوْهِبَةٌ فِطْرِيَّةٌ، أَمْ هُوَ مَهَارَةٌ تُكْتَسَبُ بِالتَّعَلُّمِ وَ الثَّقَافَةِ؟ الْمَوْهِبَةُ فِي الشِّعْرِ هِيَ ذَاكَ الْإِحْسَاسُ الدَّاخِلِيُّ، الَّذِي يَجْعَلُ الْمَرْءَ قَادِرًا عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْ مَشَاعِرِهِ وَ مَا يَدُورُ فِي خَلَدِهِ بِطَرِيقَةٍ فَنِّيَّةٍ، تُحَرِّكُ الْقُلُوبَ وَ تُؤَثِّرُ فِي النُّفُوسِ. وَ هِيَ نِعْمَةٌ يُولَدُ بِهَا الْإِنْسَانُ، كَمَا يُولَدُ بَعْضُهُمْ بِحُسْنِ الصَّوْتِ أَوِ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّسْمِ. إِلَّا أَنَّ الْمَوْهِبَةَ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي. فَكَثِيرُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُونَ هَذِهِ الْمَلَكَةَ لَمْ يُفْلِحُوا فِي أَنْ يُصْبِحُوا شُعَرَاءَ مَعْرُوفِينَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُطَوِّرُوا هَذِهِ الْمُقَوِّمَاتِ بِالتَّثَقُّفِ وَ التَّعَلُّمِ. فَالثَّقَافَةُ الشِّعْرِيَّةُ تُهَذِّبُ الْمَوْهِبَةَ، وَ تُرْشِدُهَا، وَ تُصْقِلُهَا، حَتَّى تَتَجَلَّى بِأَبْهَى صُوَرِهَا. الثَّقَافَةُ تَشْمَلُ الْإِطِّلَاعَ عَلَى تَرَاثِ الشِّعْرِ، وَ قِرَاءَةَ أَعْمَالِ الْكُتَّابِ الْكِبَارِ، وَ فَهْمَ الْبُنْيَةِ الْعَرُوضِيَّةِ وَ الْأَسَالِيبِ الْبَلَاغِيَّةِ، كَمَا تَفْتَحُ الْآفَاقَ أَمَامَ الشَّاعِرِ لِيُدْرِكَ خَفَايَا اللُّغَةِ وَ عُمُقَهَا، فَيَكُونُ قَادِرًا عَلَى التَّوْظِيفِ الْفَنِّيِّ لِأَدَوَاتِهِ. الْمَوْهِبَةُ بِدُونِ ثَقَافَةٍ كَزَهْرَةٍ جَمِيلَةٍ لَكِنْ فِي أَرْضٍ جَدْبَاءَ، تَذْبُلُ سَرِيعًا، وَ الثَّقَافَةُ بِدُونِ مَوْهِبَةٍ كَكِتَابٍ جَافٍّ، لَا يُحَرِّكُ إِحْسَاسًا وَ لَا يُحْدِثُ أَثَرًا. لِذَلِكَ، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَوْهِبَةُ وَ الثَّقَافَةُ وَجْهَيْ عُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، يَتَكَامَلَانِ وَ يَتَعَاضَدَانِ، لِيَخْلُقَا شَاعِرًا نَاضِجًا، وَ إِبْدَاعًا صَادِقًا. فَفِي حِينٍ تَكُونُ الْمَوْهِبَةُ الشُّعْلَةَ الْأُولَى، تَكُونُ الثَّقَافَةُ الزَّادَ الَّذِي يُغَذِّيهَا، وَ الْمِرْآةَ الَّتِي تُصَوِّبُ مَسَارَهَا، وَ الْمِصْقَلَ الَّذِي يُنَقِّي جَوْهَرَهَا. وَ كَمْ مِنْ مَوْهُوبٍ ضَاعَ فِي زَحَامِ الْكَلِمَاتِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْعَ فِي طَرِيقِ التَّثَقُّفِ، وَ كَمْ مِنْ مُجْتَهِدٍ بَلَغَ ذُرَى الشِّعْرِ بِعَمَلِهِ وَ قِرَاءَاتِهِ وَ مُثَابَرَتِهِ. وَ فِي النِّهَايَةِ، يَبْقَى الشِّعْرُ جِسْرًا بَيْنَ الْقَلْبِ وَ الْعَقْلِ، تَبْنِيهِ الْمَوْهِبَةُ بِحَجَرِ الْإِحْسَاسِ، وَ تُزَخْرِفُهُ الثَّقَافَةُ بِلَوْنِ الْمَعْرِفَةِ. فَلْيَسْعَ كُلُّ شَاعِرٍ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، إِذْ بِذَلِكَ تَكْتَمِلُ صُورَةُ الْمُبْدِعِ الْحَقِيقِيِّ. التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 10-05-2025 الساعة 08:22 AM |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|