Forum of Fouad Zadieke   Arabic keyboard

العودة   Forum of Fouad Zadieke > المنتدى الادبي > نبض الشعر > مثبت خاص بفؤاد زاديكه > خاص بمقالات و خواطر و قصص فؤاد زاديكه

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-05-2025, 11:09 AM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 47,931
افتراضي في حضرة البحر بقلم: فؤاد زاديكى

في حضرة البحر


بقلم: فؤاد زاديكى

ركبتُ البحرَ في مساءٍ رماديّ، لا رفيق لي سوى الريح و فضولٌ يسكن أطرافي. لم أكن مبالياً بموجه، ذلك الذي كان يتلاطم كجسدٍ مستسلمٍ للحنين. في عينيه، أو بالأحرى في صفحته المموّجة، كان هناك شيءٌ من سحرٍ قديم، و تغنُّج أنثى تدعو دون أن تتكلم. لم يكن البحر ماءً، بل كيانًا حيًا، يترصّد اقترابي و يختبر جرأتي.

خُيّل إليّ حين دنوت، أن المدى سيكون رحبًا، مفتوحًا كذراعي عشيقة تستقبل حبيبها بعد طول غياب. لكنّ المفاجأة باغتتني حين شعرتُ بالضيق يتسلّل إلى أنحائي، كأنّ الأمواج تضيق عمداً، كأنّ البحر يُخاصمني حتى يمنحني طعمه. لحظة انقبضتْ فيها المسافة بين ما كنت أتخيّله، و بين ما أعيشه بالفعل.

فابتسمتُ، و لم أرتبكْ. قلتُ في داخلي: "اليومَ ليس ككلّ يوم. اليومُ هو وعدُ الوصل، هو بشارةُ السعد." ثم جئتُ مستعدًا، لا يحملني التّيه، بل أحضرتُ سرجي، كمن يعرف الفروسية لا من يحاكيها. في هذه الرحلة، لا عودة إلى اليابسة، فالبرّ لم يعد يكفيني، و ما عدتُ أبحث إلّا عن عمقٍ يتّسع لشوقي.

كان في حضن البحر فسحة، لكنّها لا تفتح إلّا لمن يجيد العوم لا الهرب. و أنا... لي بالعوم طقوس لا تُدرَك، و أسرار لا تُقال. عرفتُ متى أتمدّد و متى أنغمس، عرفتُ كيف أقرأ تقوّس الموج، و أنصتُ لهمسات التيار.

في موضع الضّيق، الذي أغراني بتحدٍّ لم أهربْ منه، جعلته فسيحًا. لم ألجْ بعنفٍ، بل بدراية مَن خَبِرَ البابَ قبل أن يدقّه. كنتُ أمتطي البحر لا كغريبٍ يختبر المجهول، بل كَمَنْ يعرف النّغمة الأولى التي تفتح معزوفة العشق.

و هناك، عند التقاء الجسدين — جسدي و هذا البحر الأنثى — اشتعل العشق. صار محمومًا، لا بردٌ في مداه و لا حياء في أركانه. عادت مصابيح الهوى تومض من بعيد، كأنّها تُغري بنشوةٍ أخرى، بوصلٍ جديد، بلحظةٍ لا يشبع منها القلب مهما ارتوى.

لم أعدْ في بحرٍ... بل كنتُ في جسدٍ ينبض بي، يلتفُّ عليّ و يُذيبني. و من يومها، لم أخرج... لم أُردِ الخروج. وجدتني فيه، أو لعلّي فقدتني فيه، و لا فرق.

صرتُ موجًا فيه، و هو مأواي. لم أعدِ الفارسَ و لا الغوّاصَ، بل نغمةً من أغانيه القديمة، انصهرتُ في تردّده، و تفتّتَ اسمي في زبده، فما عدتُ أُعرَف إلّا به، و ما عاد يُذكَر إلّا بي.

هكذا كان البحرُ، و هكذا كنتُ أنا: لحظةُ عشقٍ لا تنتهي، همسةٌ تُقال ثم تبقى في الأثر، ندبةُ لذةٍ في خاصرة الذّاكرة.

فإنْ سألني أحدُهم: هل غَرِقْتَ؟
أقولُ: لا... بل نَجَوْتُ.
__________________
fouad.hanna@online.de


التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 16-05-2025 الساعة 05:32 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:17 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Support-ar
Copyright by Fouad Zadieke