مشاركتي على برنامح حديث الساعة في مجلة أسرة القلم للثقافة و الفنون من إعداد و تقديم ا
مشاركتي على برنامح حديث الساعة في مجلة أسرة القلم للثقافة و الفنون من إعداد و تقديم الأديبة إنصاف أبو ترابي و إشراف الدكتورة عدنان الطيبي و مها نصر يوسف
العَودُ إِلى الخَلْفِ… هَلْ هُوَ نَدَمٌ أَمْ هَزِيمَة؟
كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ عِبَارَةَ "البُكَاءِ عَلَى الأَطْلَالِ"، وَ هِيَ تَصْفُ حَالَةَ الحَنِينِ إِلَى مَاضٍ وَلَّى، أَوْ وَقْتٍ قَدْ مَضَى، وَ قَدْ يَكُونُ فِي ذٰلِكَ قَدْرٌ مِنَ العِبْرَةِ وَ التَّأَمُّلِ، وَ لٰكِنْ، أَيَكْفِي الحَنِينُ وَ التَّوَجُّعُ لِصُنْعِ الحُلُولِ وَ تَغْيِيرِ الوَاقِعِ؟ أَمْ أَنَّهُ مُجَرَّدُ تَعْلِيقٍ فِي فَخِّ الإِحْبَاطِ وَ الضَّعْفِ؟
إِنَّ البُكَاءَ عَلَى الأَطْلَالِ، كَمَا أَرَاهُ، هُوَ سُلُوكٌ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ مَعَالِمَ الهَزِيمَةِ النَّفْسِيَّةِ، وَ يُعَبِّرُ عَنْ خَيْبَةِ أَمَلٍ وَ انْكِسَارٍ دَاخِلِيٍّ. فَلَوْ كَانَ ذٰلِكَ البُكَاءُ يُفْضِي إِلَى مَخَارِجَ أَوْ يُنْبِتُ أَمَلًا، لَكُنَّا قُلْنَا إِنَّهُ جُزْءٌ مِنْ مَرَاحِلِ النُّضْجِ الإِنسَانِيِّ. لٰكِنَّهُ، فِي أَغْلَبِ الحَالَاتِ، يُعِيقُ الإِنسَانَ عَنِ المُضِيِّ قُدُمًا، وَزيَسْجِنُهُ فِي زَنْزَانَةِ الذِّكْرَيَاتِ وَ الآلَامِ المُنْقَضِيَةِ.
وَ قَدْ تَكُونُ هٰذِهِ الأَطْلَالُ مَاضِيَ حُبٍّ، أَوْ زَمَنًا جَمِيلًا، أَوْ وَطَنًا مَفْقُودًا، أَوْ حُلْمًا لَمْ يَكْتَمِلْ. وَ مَعَ أَنَّ كُلَّ ذٰلِكَ يُحْزِنُ وَ يُؤْلِمُ، فَإِنَّ الحَيَاةَ لَا تَنْتَظِرُ أَحَدًا، وَ الوَاقِعَ يَفْرِضُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَكَيَّفَ، نَنْهَضَ، وَ نَصْنَعَ غَدَنَا بِأَيْدِينَا.
مَنْ يَبْكِي عَلَى الأَطْلَالِ يَجْلِسُ عَلَى أَنْقَاضِ المَاضِي، يَسْتَنْزِفُ طَاقَتَهُ فِي مَا لَا يُجْدِي، وَ يُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ فُرَصَ الحَاضِرِ وَ المُسْتَقْبَلِ. فَهَلِ البُكَاءُ يَبْنِي؟ هَلِ الحَسْرَةُ تُغَيِّرُ؟ كَلَّا، بَلْ هُوَ الإِصْرَارُ وَ الإِرَادَةُ وَ الأَمَلُ هِيَ مَفَاتِيحُ التَّغْيِيرِ.
لَا أُقَلِّلُ مِنْ قِيمَةِ العَاطِفَةِ، وَ لَا أُنْكِرُ ضَعْفَ الإِنسَانِ أَمَامَ ذِكْرَاهُ، لَكِنَّ البُكَاءَ عَلَى الأَطْلَالِ إِذَا زَادَ وَ تَطَاوَلَ، صَارَ وَهَنًا يُقَعْقِعُ فِي صُدُورِنَا، وَ يَسْتَنْزِفُ مَا بَقِيَ فِينَا مِنْ قُدْرَةٍ عَلَى النُّهُوضِ.
فَلْنَجْعَلِ البُكَاءَ – إِنْ حَدَثَ – بَدَايَةَ وَعْيٍ، لَا نِهَايَةَ أَمَلٍ. وَ لْنَجْعَلْ مِنَ الأَطْلَالِ دَرَسًا، لَا مَأْوًى نُقِيمُ فِيهِ. فَالحَيَاةُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ نُبَدِّدَهَا فِي مَا لَا يُفِيدُ.
بِقَلَمِ: فُؤَاد زَادِيكِي
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 02-06-2025 الساعة 08:53 AM
|