الْتَّعْبِيرُ عَنْ الْرَّأْيِ وَ تَحَدِّيَاتُ الْمُجْتَمَعَاتِ الْعَرَبِيَّةِ بقلم:
الْتَّعْبِيرُ عَنْ الْرَّأْيِ وَ تَحَدِّيَاتُ الْمُجْتَمَعَاتِ الْعَرَبِيَّةِ
بقلم: فؤاد زاديكى
لَا شَكَّ أَنَّ مَا تَمَّ ذِكْرُهُ فِي سِيَاقِ تَعَامُلِ الْفَرْدِ الْعَرَبِيِّ مَعَ مَفَاهِيمِ الْدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَ حُرِّيَّةِ الْرَّأْيِ، هُوَ مَوْضُوعٌ يَسْتَحِقُّ الْتَّفْحِيصَ وَ التَّدَبُّرَ. إِنَّ الْعِتَابَ الْقَاسِيَ الَّذِي يُوَجَّهُ لِتِلْكَ الْمُجْتَمَعَاتِ يُلَامِسُ جَانِبًا مَرْكَزِيًّا فِي تَكْوِينِهَا وَ ثَقَافَتِهَا، فَالْقَائِلُ "فَاقِدُ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ" لَا يَجَانِبُ الصَّوَابَ كَثِيرًا. فَمَنْ نَشَأَ فِي بِيئَةٍ لَمْ تُعْطِهِ حَقَّ الْتَّعْبِيرِ، وَ لَمْ تُعَلِّمْهُ كَيْفَ يَتَقَبَّلُ الْآخَرَ، يَصْعُبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَمَارِسَ هَذَا الْحَقَّ أَوْ يَعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ.
إنَّ نَشْأَةَ الْفَرْدِ فِي مُجْتَمَعَاتٍ تُعَظِّمُ سُلْطَةَ الْفَرْدِ الْوَاحِدِ، وَ تُكَبِّلُ أَفْكَارَ الْجَمَاعَةِ، تُؤَدِّي إِلَى خَلْقِ شَخْصِيَّاتٍ تَخَافُ الْبَوْحَ وَ تَرْتَعِدُ مِنْ الْنِّقَاشِ. بدءًا من الأسرةِ فالمَدرسَةِ، فالمُجتمَعِ، إنّ الْخَوْفَ مِنْ الْعِقَابِ، وَ الْقَمْعَ الْاجْتِمَاعِيَّ، وَ الْإِقْصَاءَ، جَعَلَ مِنْ الْأَفْرَادِ نُسَخًا مَشْوَّهَةً لِذَوَاتِهِمْ، لَا تَتَجَرَّأُ عَلَى الْتَّصْدِي لِلْوَاقِعِ، بَلْ تَعِيشُ فِي دَائِرَةٍ مِنَ الْاِسْتِهْلَاكِ الْفِكْرِيِّ وَ الْمَادِّيِّ. وَ هَذَا يُفَسِّرُ غِيَابَ الْإِبْدَاعِ، وَ الْفِكْرِ النَّاقِدِ، وَالْشُّجَاعَةِ الْفِكْرِيَّةِ.
وَ لَكِنْ، هَلْ يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْوَاقِعَ هُوَ حَتْمِيٌّ وَ لَا مَحَالَةَ مِنْهُ؟ الْإِجَابَةُ هِيَ لَا. فَالْمُجْتَمَعَاتُ تَتَطَوَّرُ وَ تَتَغَيَّرُ، وَ مَا كَانَ غَالِبًا فِي الْأَمْسِ قَدْ يَصْبِحُ مَنْسِيًّا فِي الْغَدِ. إِنَّ الْوَعْيَ بِهَذِهِ الْمُشْكِلَةِ هُوَ الْخَطْوَةُ الْأُولَى نَحْوَ الْتَّغْيِيرِ. وَ الْإِنْسَانُ الْعَرَبِيُّ، بِالرَّغْمِ مِنْ كُلِّ الْقَهْرِ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ، إِلَّا أَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى الْتَّغْيِيرِ وَ الْإِبْدَاعِ إِذَا مَا أُتِيحَتْ لَهُ الْفُرَصُ.
إِنَّ تَغْيِيرَ الْوَاقِعِ لَا يَأْتِي بَيْنَ لَيْلَةٍ وَ ضُحَاهَا، بَلْ هُوَ عَمَلِيَّةٌ مُتَوَاصِلَةٌ، تَبْدَأُ بِالْفَرْدِ وَ تَنْتَهِي بِالْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ. فَعَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ، وَ يُعَبِّرَ عَنْ رَأْيِهِ بِشَجَاعَةٍ وَ احْتِرَامٍ، وَ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْآخَرَ بِالْحِوَارِ الْبَنَّاءِ. فَعِنْدَمَا يَتَحَرَّرُ الْفَرْدُ مِنْ الْخَوْفِ، يَتَحَرَّرُ الْمُجْتَمَعُ كُلُّهُ.
إِنَّ الْحَلَّ لَيْسَ فِي أَنْ نَصِفَ مُجْتَمَعَاتِنَا بِالْفَشَلِ الْكُلِّيِّ، بَلْ فِي أَنْ نَبْحَثَ عَنْ الْجَوَانِبِ الْمُضِيئَةِ فِيهَا، وَ نُشَجِّعَ عَلَى تَنْمِيَةِ الْوَعْيِ، وَ نُعَلِّمَ أَجْيَالَنَا الْقَادِمَةَ كَيْفَ يَكُونُونَ أَقْوَى، وَ أَكْثَرَ شَجَاعَةً، وَ أَقْدَرَ عَلَى الْتَّعْبِيرِ عَنْ ذَوَاتِهِمْ بِحُرِّيَّةٍ وَ احْتِرَامٍ. فَالشُّعُوبُ الْحُرَّةُ هِيَ، الَّتِي تُبْنَى عَلَى أَسَاسِ الْوَعْيِ، وَ الْفِكْرِ النَّقْدِيِّ، وَ الْإِقْرَارِ بِحَقِّ الْآخَرِ فِي الْوُجُودِ وَ الْفِعْلِ.
__________________
fouad.hanna@online.de
|