نَقْدُ مَفْهُومِ "كَيْدِ النِّسَاءِ" وَ ضَرُورَةُ إِنْصَافِ الْمَرْأَةِ بقلم: فؤاد ز
نَقْدُ مَفْهُومِ "كَيْدِ النِّسَاءِ" وَ ضَرُورَةُ إِنْصَافِ الْمَرْأَةِ
بقلم: فؤاد زاديكى
إِنَّ مَقُولَةَ "كَيْدِ النِّسَاءِ" لَيْسَتْ سِوَى تُرَاثٍ ثَقَافِيٍّ أَفْرَزَتْهُ عُقُولٌ ذُكُورِيَّةٌ تُعَانِي مِنَ الْهَيْمَنَةِ وَ الْخَوْفِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَ قُوَّتِهَا. هَذَا الْمَفْهُومُ، الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى لَصْقِ صِفَاتٍ سَلْبِيَّةٍ بِالْمَرْأَةِ، مِنْ مَكْرٍ وَ دَهَاءٍ وَ غَدْرٍ، لَمْ يُخْلَقْ إِلَّا لِتَحْقِيرِهَا وَ إِشْعَارِهَا بِالدُّونِيَّةِ وَ النَّقْصِ، وَ لِتَبْرِيرِ سَلْبِ حُقُوقِهَا وَ تَجَاهُلِ قِيمَتِهَا.
فَهَلْ لَا يُوجَدُ لِلرِّجَالِ كَيْدٌ؟ بَلْ إِنَّ الْوَاقِعَ يُثْبِتُ أَنَّ الْكَيْدَ صِفَةٌ بَشَرِيَّةٌ لَا تَرْتَبِطُ بِجِنْسٍ مُحَدَّدٍ، وَ كَمْ مِنْ رِجَالٍ تَجَلَّى كَيْدُهُمْ فِي صُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنَ الْخِيَانَةِ وَ الْمَكْرِ وَ الْغَدْرِ، سَوَاءٌ عَلَى مُسْتَوَى الْعَلَاقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَمْ عَلَى مُسْتَوَى الْعَلَاقَاتِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ وَ الْعَمَلِيَّةِ. لَكِنَّ هَذَا الْكَيْدَ لَا يُنْسَبُ لِجِنْسِهِمْ بِرُمَّتِهِ، عَلَى عَكْسِ مَا يُفْعَلُ بِالْمَرْأَةِ.
فِي الْمُجْتَمَعَاتِ، الَّتِي يُسَمَّى فِيهَا "كَيْدُ الرَّجُلِ" دَهَاءً وَ حِنْكَةً وَ فِطْنَةً، يُسَمَّى فِيهَا "كَيْدُ الْمَرْأَةِ" دَنَاءَةً وَ خِسَّةً وَ مَكْرًا. هَذَا التَّمْيِيزُ الْفَاضِحُ لَيْسَ عَنْصَرِيًّا فَقَطْ، بَلْ هُوَ يُجَرِّدُ الْمَرْأَةَ مِنْ إِنْسَانِيَّتِهَا، وَ يَجْعَلُهَا فِي مَوْضِعِ الْمُتَّهَمِ دَائِمًا. فَهَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتُ الْمَرِيضَةُ لَا تَرَى الْمَرْأَةَ إِلَّا كَكِيَانٍ ضَعِيفٍ يُشَكِّلُ تَهْدِيدًا لِسُلْطَةِ الرَّجُلِ وَ سَيْطَرَتِهِ، وَ لِذَلِكَ يَسْعَوْنَ دَائِمًا لِتَكْبِيلِهَا بِالْمَفَاهِيمِ الْمُغْلُوطَةِ وَ الْأَحْكَامِ الْمُسْبَقَةِ.
إِنَّ إِنْصَافَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ مَسْأَلَةَ خِيَارٍ، بَلْ هُوَ ضَرُورَةٌ حَتَّى تَنْهَضَ الْمُجْتَمَعَاتُ وَ تَتَقَدَّمَ. فَالْمَرْأَةُ نِصْفُ الْمُجْتَمَعِ، وَوإِذَا مَا تَمَّ تَكْبِيلُ هَذَا النِّصْفِ، فَإِنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِمُفْرَدِهِ. إِنَّ الْعَدَالَةَ فِي الْمُجْتَمَعِ تَبْدَأُ بِالْعَدَالَةِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ، وَ بِتَوْزِيعِ الْحُقُوقِ عَلَى أَسَاسِ الْإِنْسَانِيَّةِ، لَا عَلَى أَسَاسِ الْجِنْسِ.
فَالْمَرْأَةُ تَسْتَحِقُّ أَنْ تَعِيشَ بِكَرَامَةٍ، وَ أَنْ تُعَبِّرَ عَنْ رَأْيِهَا بِحُرِّيَّةٍ، وَ أَنْ تُشَارِكَ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعِهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ طَاقَةٍ وَ إِبْدَاعٍ. وَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا تَمَّ الْتَّخَلُّصُ مِنْ الْأَفْكَارِ الْعَنْصُرِيَّةِ، الَّتِي تَحْتَقِرُ الْمَرْأَةَ، وَ إِذَا مَا تَمَّ الْاِعْتِرَافُ بِأَنَّ الْكَيْدَ لَيْسَ حِكْرًا عَلَى جِنْسٍ مُعَيَّنٍ، وَ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَ الرَّجُلَ شَرِيكَانِ فِي بِنَاءِ الْحَيَاةِ، وَ فِي تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ.
__________________
fouad.hanna@online.de
|