مشاركتي على برنامج فرسان الشعر و فقرة الذكريات في مجلة اللؤلؤ أقلام حرة من إعداد و تق
مشاركتي على برنامج فرسان الشعر و فقرة الذكريات في مجلة اللؤلؤ أقلام حرة من إعداد و تقديم الأستاذة نادية التومي
الذِّكْرَيَاتُ وَ أَثَرُهَا فِي النَّفْسِ
إِنَّ الذِّكْرَيَاتِ صَفَحَاتٌ خَفِيَّةٌ فِي كِتَابِ العُمْرِ، نَعُودُ إِلَيْهَا كُلَّمَا أَرْهَقَنَا الحَاضِرُ أَوْ غَشِيَتْنَا غَمَامَةُ الحَيْرَةِ. هِيَ الأَلْوَانُ، الَّتِي تُزَيِّنُ لَوْحَ حَيَاتِنَا، وَ الظِّلَالُ، الَّتِي تَمْنَحُ المَشْهَدَ عُمْقًا وَ مَعْنًى. قَدْ تَكُونُ الذِّكْرَيَاتُ عَذْبَةً كَالنَّسِيمِ الرَّبِيعِيِّ الَّذِي يَمُرُّ عَلَى القَلْبِ فَيُوقِظُهُ، وَ قَدْ تَكُونُ جَارِحَةً كَشَوْكَةٍ عَالِقَةٍ فِي الرُّوحِ، يَصْعُبُ اقْتِلَاعُهَا مَهْمَا تَقَادَمَ الزَّمَنُ.
فَالإِنْسَانُ يَعِيشُ عَلَى امْتِدَادِ مَا يَحْمِلُهُ فِي دَاخِلِهِ مِنْ مَاضٍ، فَكَمْ مِنِ ابْتِسَامَةٍ قَدِيمَةٍ تَمْنَحُنَا اليَوْمَ سَبَبًا لِلصُّمُودِ، وَ كَمْ مِنْ جُرْحٍ مَضَى يُعَاوِدُ النَّزْفَ كُلَّمَا اسْتُعِيدَ مَشْهَدُهُ فِي الخَيَالِ. وَ الذَّاكِرَةُ لَا تَسْتَأْذِنُ حِينَ تَطْرُقُ أَبْوَابَنَا، بَلْ تَقْتَحِمُ النَّفْسَ فَجْأَةً، حَامِلَةً مَعَهَا عَبَقَ الأَمْسِ، وَ رَائِحَةَ الأَمْكِنَةِ، وَ أَصْوَاتَ الرَّاحِلِينَ.
إِنَّ أَثَرَ الذِّكْرَيَاتِ فِي النَّفْسِ أَشْبَهُ بِنَهْرٍ خَفِيٍّ؛ قَدْ يَرْوِي عَطَشَنَا حِينَ يَجْرِي بِرِفْقٍ، وَ قَدْ يُهَدِّدُنَا بِالغَرَقِ حِينَ يَفِيضُ بَغْتَةً. غَيْرَ أَنَّنَا، رُغْمَ أَلَمِ بَعْضِهَا، نَتَمَسَّكُ بِهَا لِأَنَّهَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّنَا عِشْنَا، أَحْبَبْنَا، وَ حَلِمْنَا. وَ لَوْ خَلَا القَلْبُ مِنَ الذِّكْرَيَاتِ لَكَانَ فَارِغًا كَحَجَرٍ صَلْدٍ لَا حَيَاةَ فِيهِ.
فَالذَّاكِرَةُ إِذًا لَيْسَتْ عِبْئًا فَحَسْبُ، بَلْ هِيَ إِرْثُ الرُّوحِ وَ سِجِلُّ الأَيَّامِ، وَ هِيَ الَّتِي تَمْنَحُنَا القُدْرَةَ عَلَى فَهْمِ الحَاضِرِ وَ اسْتِشْرَافِ المُسْتَقْبَلِ. إِنَّهَا الصُّنْدُوقُ السِّرِّيُّ، الَّذِي نَحْمِلُهُ مَعَنَا، مَهْمَا تَغَيَّرَتِ المُدُنُ وَ الوُجُوهُ، لِأَنَّهُ بِبَسَاطَةٍ يَخْتَزِنُ حَقِيقَتَنَا الأَعْمَقَ.
بِقَلَمٍ: فُؤَاد زَادِيكِي
__________________
fouad.hanna@online.de
|